; غياب علماء الأمة عن مسرح الأحداث | مجلة المجتمع

العنوان غياب علماء الأمة عن مسرح الأحداث

الكاتب عبد القادر طاش التركستاني

تاريخ النشر الجمعة 18-أغسطس-1978

مشاهدات 17

نشر في العدد 408

نشر في الصفحة 22

الجمعة 18-أغسطس-1978

إن القضية التي نريد طرحها اليوم قضية خطيرة، تحتاج إلى دراسة جادة لتحليلها، والبحث عن أسبابها والوصول إلى علاج لها.

هذه القضية هي قضية الغياب المستمر لعلماء الأمة عن مسرح الأحداث، ولنبدأ القصة من بدايتها .

لسنا نجد وصفًا أدق ولا أوضح ولا أعظم لرسالة العلماء في الأمة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي (رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان والبيهقي) عن أبي الدرداء:

«وإن العلماء ورثة الأنبياء»، والعلماء هنا -كما يقول الدكتور وهبة الزحيلي في مقالة له في مجلة الوعي الإسلامي العدد 162- هم علماء الشرع الإلهي، ولمزيد من التوضيح لرسالة العلماء على ضوء هذا الحديث النبوي الشريف ننقل هنا فقرات من مقالة د. الزحيلي الآنفة الذكر إذ فيها كثير من الأضواء الكاشفة التي يمكن أن نستضيء بها في كلمتنا هذه. يقول د. الزحيلي -وسواء قلنا: إن النبوة هي الإخبار عن الله تعالى بطريق الوحي إلى من اختاره الله أو اصطفاه من عباده لتلقي ذلك، والرسالة هي تكليف الله أحد عباده بإبلاغ الشرع الموحى به إلى الآخرين، فإن طريق العلم محصور بالوحي للنبي أو الرسول، ومهمة الرسل، هي تعليم الوحي الإلهي وتبليغه للناس. وإرث النبوة أو الرسالة من العلماء مقصور على هذه المهمة. وقد حدد القرآن الكريم وظيفة الأنبياء بالتبليغ فقال تعالى ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ (الأحزاب: 39) وأمر نبينا عليه السلام بذلك، فقال سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ (المائدة: 67) ... ومهمة العلماء مثل مهمة الأنبياء يدعون إلى الإسلام ببيان عقائده وأحكامه وأخلاقه ومقاصده: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122). وهناك أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية ترشد إلى أن المقصود بالعلماء ورثة الأنبياء هم علماء الشريعة الإلهية لا غيرهم .

تلك هي مهمة علماء الشريعة الإلهية كفانا الدكتور الزحيلي -جزاه الله خيرًا- عناء توضيحها وبيانها. وقد فهم علماؤنا من أسلافنا الكرام حقيقة هذه المهمة وجاهدوا جهادًا كبيرًا في تحمل هذه المسؤولية فكانوا -كما ترشدنا كتب التاريخ الإسلامي والتراث- مشاعل هدى وأقباس خير ومصادر تعليم ومراكز ثقل يحسب له الناس والحكام ألف حساب.

وكان علماء الأمة من سلفنا متواجدين حاضرين على مسرح الأحداث لا تفرجًا ومشاهدة فحسب بل كانوا -قدر طاقاتهم والوسائل المتاحة لهم- يساهمون في صنع تلك الأحداث، ويكون لهم السبق في صياغة كثير من القرارات الخطيرة في الأمة سواء عن طريق التأثير على الحكام بالحسنى والنصح والتوجيه، أو عن طريق تنبيه الرأي العام وإيقاظه ليتحمل مسؤوليته في صياغة تلك القرارات سلبًا أو إيجابًا ... ولذلك كان كثير من أولئك العلماء يسعى جاهدًا إلى عدم الارتباط بالفلك الحاكم حتى لا تتأثر آراؤه ومواقفه وتنحاز إلى صف ذلك الفلك تملقًا ونفاقًا أو تأمينًا للمعيشة والأمن، بل ولا ننسى أن نشير إلى أن بعض العلماء قد تولى سدة الحكم محققًا بذلك الوضع الطبيعي في وظيفة الحاكم المسلم الذي يشترط فيه أن يكون ملمًّا بأحكام الشريعة مدركًا لمقاصدها وغاياتها وإن كان ذلك يمثل نسبة ضئيلة من الحكام.

ولا نريد أن نطيل ونضرب الأمثلة والشواهد فليس ذلك هدفنا من هذه المقالة ... بل هي مجرد إشارة نقدمها بين يدي قضيتنا المعاصرة التي نناقشها اليوم ...

ما الذي يحدث اليوم في مسرح الأحداث ...؟

الذي يحدث هو غياب كامل خطير لعلماء الأمة الذين كان من المفروض أن يلعبوا دورًا هامًّا للغاية في مجريات هذه الأحداث التي تتوالى وتتدافع في وطننا الإسلامي، هذا الغياب في نظري يتمثل في جوانب ثلاثة: 

- غياب عن مراكز التوجيه والتربية في المجتمع.

- غياب عن مواقع التأثير والمراقبة والنصح في مجال الحكام.

- غياب عن القيادة الاجتماعية والسياسية معًا.

إن علماء الأمة منفصلون عن الواقع الاجتماعي بكل مؤسساته ودوره وهيئاته تبحث عنهم فلا ترى لهم أثرًا. ولذلك نرى هذه الموجات الخطيرة في شبابنا المسلم من الحيرة القاتلة وقلة الوعي والانهماك في الشهوات والتفاهات. فالذين يتولون شؤون تربيته وتعليمه وتثقيفه وتوعيته تجاه واجبه ولا يهمه سوى تأمين معيشته وتحسين ظروفه حتى وإن أدى عمله ناقصًا أو مشوهًا ... والعلماء غائبون أو محجوبون.

وعلماء الأمة لا صوت لهم على ما يفعله بعض الحكام المسلمين ومسؤوليهم ولا نرى لهم أثرًا يذكر في مراقبة حكام الأمة في أعمالهم وتصرفاتهم ثم إسداء النصح والمشورة لهم بالحسنى ... أو تنبيه الناس إلى أخطائهم ومخالفتهم لأحكام الشرع ومقاصده.

إن لم يقبلوا النصح بالحسنى ... ونصح الحاكم ومراقبته جزء أصيل من مهمة العلماء بالإضافة إلى قطاعات أخرى في الأمة ... وكلمة العالم في هذه المواقف أبلغ من كلمة غيره، وأقدر على التأثير والتغيير.

وعلماء الأمة غائبون أو محجوبون عن القيادة الاجتماعية والسياسية ولذلك ضعفت مكانتهم وقل اكتراث الناس بهم بعد أن كان العالم من سلفنا الصالح يحرك الأمة ويقودها ويثير عواطفها بكلمة واحدة أو بخطبة جامعة .

تلك لمحات من صورة الغياب الكامل لعلماء الأمة عن مسرح الأحداث والحياة وهي لمحات فحسب.

والأسئلة التي نطرحها الآن للنقاش والحوار .

* هل انتهى دور العلماء باختلاف العصر واختلاف الظروف وتشابك مراكز التأثير والتوجيه في الناس؟

* أم هل ما زال دور العلماء قائمًا ولكن نحتاج إلى تغيير جوهري في فهم هذا الدور، وتهيئة وسائل عصرنا الذي نعيش فيه؟

* هل تعود عوامل هذا الغياب إلى العلماء أنفسهم أم إلى ظروف أخرى حجبت العلماء عن الحضور على ساحة الأحداث وأداء دورهم؟

* هل يمكن لعلمائنا الحاليين أن يؤدوا هذا الدور إذا تهيئت لهم الظروف المناسبة، أم أننا بحاجة إلى علماء من طراز آخر يهيئون من جديد ليقوموا بهذا الدور وهم أكثر فهمًا لدورهم ورسالتهم وأكمل عدة للقيام بها؟

أسئلة كثيرة ... تتوالى ... تبحث عن إجابات ... بل تحتاج إلى دراسات مكثفة متكاملة تتناول القضية من شتى جوانبها، وتقدم لها توصياتها بعد استكمال بحثها بأبعادها التاريخية والشرعية والواقعية والمستقبلية.

ولنا أمل في أن يسهم الباحثون والكاتبون والمفكرون في طرح وجهات نظرهم في هذه القضية المطروحة النقاش ... فهل يفعلون؟ 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

افتتاحية - العدد 7

نشر في العدد 7

21

الثلاثاء 28-أبريل-1970

تاريخ لا يُنسى

نشر في العدد 48

22

الثلاثاء 23-فبراير-1971