العنوان المجتمع الثقافي (1063)
الكاتب مبارك عبد الله
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993
مشاهدات 25
نشر في العدد 1063
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 24-أغسطس-1993
- اللسان العربي: فتنة الأرقام العربية
بقلم: عبد الوارث سعيد
الأرقام والحروف جزء من نظام اللغة، وللأرقام دورها المتميز في حركة الحضارة. خاصة العلوم البحتة وعلى رأسها الرياضيات.
منذ عرف العرب والمسلمون الأرقام الحسابية أواخر القرن الثاني الهجري اقتباسًا من كتب الفلك الهندية التي ترجموها. صارت أرقامنا العربية هذه (1، 2، 3، 4، 5، ...) جزءًا من تراثنا الحضاري الإسلامي المدون باللسان العربي، أرقامنا هذه أصلها هندي اعترافًا بالفضل لأهله كما تقتضي الأمانة العلمية التي تميزت بها حضارتنا، ولكنها تطورت عن أصلها بحيث تتلاءم مع نظام الكتابة العربية، كما مستها يد التحسين والتجميل كما مست الحروف العربية نفسها.
وفي المغرب العربي الذي كان في فترات كثيرة من تاريخه على غير وفاق مع المشرق، حيث قامت فيه دول مناوئة للخلافة العباسية في المشرق كالأدارسة والفاطميين والأمويين «في الأندلس» وغيرهم- تطورت تلك الأرقام بشكل جعلها تفترق في الشكل عما كان سائدًا في بقية أقاليم العالم الإسلامي، وصارت تعرف باسم يميزها وهو «الأرقام الغبارية» وهي تسمية تشير إلى أصلها الهندي، إذ كان من عادة الهنود رش الغبار على ألواح الكتابة. والشكل التالي يوضح الفروق بين الهندي للأرقام والسلسلتين «الشرقية والغربية» اللتين تفرعتا عن ذلك الأصل:
الأعداد الهندية 1238427190
أعداد المشرق العربي ١٢٣٤٥٦٧٨٩٠
أعداد المغرب العربي [1]1234567890
ومن المغرب والأندلس انتقلت الأرقام «الغبارية» إلى أوروبا حوالي القرن ۱۰ م. وهناك تطورت بما يلائم نظام الكتابة اللاتينية من اليسار إلى اليمين كما يتضح من الشكل التالي:
الأعداد الأوروبية المقتبسة عن العربية [2]1234567890
وظلت تتطور حتى صارت إلى الشكل المألوف اليوم «...5، 4، 3، 2، 1، 0»
ولم يكن للأوروبيين مناص من تسمية أرقامهم هذه بـ «الأرقام العربية» Arabic nu meral لتمييزها عن أرقامهم الرومانية (I II) III IV V VI VII VNI IX X: Roman nu- meral
قبل نحو عقدين من الزمان طلع علينا الأخوة في تونس خاصة، والمغرب العربي عامة بدعوى أن الأرقام الأوروبية «المتطورة عن الأرقام العربية الغبارية المغربية» هي الأرقام العربية الصحيحة، وأن أرقامنا العربية لغة تراثنا الإسلامي العريض ليست عربية بل هندية، ودعونا إلى نبذها وإحلال الأرقام الأوروبية محلها... وللأسف تورطت الجامعة العربية في هذه القضية، وتبعتها بعض البلاد العربية.. فبدأت تلك الأرقام الأوروبية «وإن كان أصلها عربيًا» تغزو بعض المطبوعات فتشوه نسق الكتابة العربية الذي لا تنسجم معه إلا «الأرقام العربية» (1 -2 -3 -4 -5) «حتى ولو كان أصلها هنديًا»
ومن حسن الحظ أن تلك الصرحة - ككل الصرحات والمدسوسات الوافدة- لم تحرز من النجاح ما كان يأمل المروجون لها.. فكل الهيئات اللغوية -كالمجامع، والعلمية ودور النشر والصحف والدوريات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي تلتزم الأرقام العربية المشرقية في النصوص العربية لكن الخطر من انتشار تلك البدعة لا يزال قائمًا، خاصة وقد تسربت إلى طباعة المصحف الشريف في إحدى دول الشمال الأفريقي «ليبيا»
كما أنه يخشى من أن يؤدى إلفها في بعض المطبوعات «التي يغلب أن يقف وراءها العلمانيون والغربيون» أن يتهاون العرب والمسلمون فيأخذوا بها، خاصة مع موجة التقليد الأعمى للغرب. وقد يجر ذلك إلى ما هو أخطر، فيأتي الدور على الحروف العربية بحجج مفتراه كهذه تحقيقًا لحلم الغرب في كتابة العربية بالحروف اللاتينية، وتلك طامة يجب أن نسد كل المنافذ التي تؤدي إليها مهما كانت بعيدة الصلة بها، أخذًا بمبدأ «سد الذرائع».
العجائز في العصر الذهبي الأمريكي
بقلم: د. حمدي حسن –السعودية
ترى لو خلع التحالف الدولي في الصومال أرديته وأقنعته واحدًا واحدًا ماذا سيبقى من التحالف لو سقط الرداء العربي والإسلامي فالأوروبي فالدولي واحدًا خلف الآخر. شيء واحد سيبقي هو الذي يرتديها جميعًا ويمارس إرادته وسيادته من ورائها: السيد الأمريكي.
واضح تمامًا أن أمريكا هي التي تملي إرادتها على الجميع، وما على المجتمع الدولي إلا أن يسمع ويطيع.. نفذ ثم اعترض، على الطريقة العسكرية، والذي يحاول في ذلك فلينظر كيف كان السيد غالي يجلس في حضرة السيد بوش تمامًا كالتلميذ الصغير في معهد سرى كبير. لم يحتج التحالف الدولي في الصومال إلى أكثر من قرار أمريكي.. كان الأمر مفاجأة للجميع. وتسارع الحلفاء الدوليون بعضهم رغبًا وبعضهم رهبًا إلى الطابور.. لملموا لباس الحرب وطاروا على جناح السرعة مع الأمريكان إلى الصومال.. الدول الأوروبية خافت أن تفوتها حصتها من تورتة الصومال -ولعل الشهوة الاستعمارية ما تزال مشتعلة كالجمر تحت رماد التاريخ في ذاكرة الطامحين- فاندفعوا بلا تفكير خلف الرائحة الصومالية... وبدون حساب دقيق للإيجابيات والسلبيات..
الأزمة الأمريكية الإيطالية الأخيرة أثبتت أن الأوروبيين وقعوا في مقلب أمريكي، وكان عليهم التريث والاتفاق على القسمة قبل الانطلاق
آه يا زمن العجائز!! ذهب العصر الذهبي للأوروبيين.. حين كانت أوروبا هي الصياد الوحيد في أدغال الصومال.. ومن أجل قرني عاج يحرقون الغابة ويقتلون الأفيال. لم يعد هناك صومال إنكليزي وصومال فرنسي وثالث إيطالي.. و... الصومال اليوم واحد.. أمريكي فحسب. والفرقاء الأوروبيون ليسوا أكثر من رداء تلبسه أمريكا متى شاءت وتخلعه متى تشاء. إنكلترا «كبّرت مخّها»، واعتبرت أن أمريكا اليوم هي إنكلترا الأمس، وأن الثقافة والحضارة التي انتصرت في أمريكا هي ثقافتها وحضارتها.. وإذا كبر ابنك افرح له.
فماله مالك... وعزه عزك... أما الفرنسيون والطليان والألمان فحساباتهم مختلفة. ولعل هذا هو الذي يحفز أوروبا اليوم لتكون كيان واحدًا «الولايات المتحدة الأوروبية» مقابل «الأمريكية» ولتواجهها مواجهة الند للند. ترى إلى أي حد وإلى أي مدى تستطيع أمريكا أن «تحوش» أوروبا معها وتحشدها في تحالفاتها ولصالحها؟ ...
قد تتفق المصالح مرة ومرة.. ولكنها لا بد أن تختلف.. الثقافات- القوميات- التاريخ- الطوائف- الكنائس- اللغات- كلها قنابل موقوتة مزروعة في جسم تحالفاتهم، ولا بد أن ترفع رؤوسها مرة وتعلن عن ذاتها وتنفجر... مرة واحدة تكفي لرسم خريطة جديدة للأرض وربما للفضاء أيضًا... بعد تسليح النجوم!!
إيطاليا قالت إنها ستسحب قواتها من مقديشيو إذا تفاقم الخلاف، ولكن ستبقيها في الشمال فلن تتخلى عن الصومال!! فما رأى الجنرال واشنطن بهذا العسكري المتعالي.
أرى أن على أوروبا أن تفكر مليًا قبل أن تمشي وراء الجنرال؛ ليس لأنه من العار على جنرالات التاريخ أن يصبحوا جنودًا وبنادق بين ليلة وضحاها؛ بل لأن الإنسان يكبر كلما شاخ.. أما أن يصغر فهذا ضد حركة العقل وضد حركة التاريخ.
وأيضًا لأن غرور الجنرال الأمريكي بنفسه وقلة خبرته الاستعمارية وخاصة في العالم الإسلامي ربما يوردهم المهالك...
فهل يقبل جنرالات الماضي هذا الدور الصغير عند شيخوختهم... الأمر يعود إليهم. لكن يجب ألا يستمعوا لنصيحة واشنطن كثيرًا.
فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه
وما كل مؤت نصحه بلبيب.
- إليك أمتي...
شعر
شعر: فرج الهريفي -الكويت
الكربُ ما طال الزمانُ فزائلُ والليلُ ما أدجى عليك فَراحلُ
فكذا الصُّروفُ إذا حلُلْنَ أواخرٌ إذ كُن عند حُلولِهِن أوائلُ
وكذا الحياة فما سرورٌ دائمٌ أبدًا ولا حُزنٌ يغالبُ كاملُ
قدرُ الإله إذا ألمَّ فما لهُ كيدٌ يكيد قضاءَهُ أو حائلُ
فاليوم نختارُ المقام منازلًا وغدًا ستُجبُرِنا المُقام مَنازلُ
يا أُمة أُرخصت قدرًا فارتوى منك البُغاة وقد تداعى النّاهلُ
قد كُنت دُرًا يُستحال مَنالُهُ يَشَقى إليك فيستهينُ الباسلُ
حتى غَدوْت وقد غَلوْت رخيصة بَصَقتك كالزيد الزّهيد سواحلُ
أرداك سهم في الظلام فما العدا أردوك لكنا الخئون القاتل
وتعقبتك خطى العدو ضلالة إذ نحن للأعدا عليك دلائلُ
قد ظل رأسك شامخًا في عزة لما شنقت فكنا نحن حبائلُ
وتهتك العرض الذي قد صنته فعل اللئام وما سوانا الفاعل
أواه فينا لا تحرك نخوة ما حركتها في الخطوب زلازلُ
إن الرجال بعصرنا لحرائر فنصيرهم عند اللقا متخاذلُ
رعديد ينفر في القتال تخاذلًا وعلى الفراش مقاتل ومناضلُ
إن الرجولة والمروءة والوفا في عصرنا بين الذكور لباطلُ
صيغت بجبنهم البنادق حلية حول الرقاب كذا الرصاص خلاخلُ
المسلمين سألت ألف دُوَيلة؟ قد مزّقتها فُرقة وقلاقلُ
فطوائفٌ وشرائعٌ وطرائقٌ وتميزٌ وعقائدٌ وقبائلُ
الجاثمين على الشعوب كما الدّمى قد حركتها في الخفاء أناملُ
في كل ناحية لنا صرحٌ هوى كالراسيات يُهِدُهُن الهاطلُ
المسجدُ الأقصى الخلافة قَبْلهُ وبلادُ أندلس تُرى ما القابلُ؟
يا أمتي ما صغْتُ شِعْرى عَاذلًا حتى حداني من ضميري عاذلُ
ليس الأبى مُلازمًا صمْتًا وقد لعبت بأمتِهِ الجَسُور مَهَازلُ
قراءة في «قصة الدكتور نجيب الكيلاني»
اعترافات عبد المتجلي؟!!
عرض: يحيى بشير حاج يحيى
عبد المتجلي شاب يعيش في غير عصره، لا لأنه يأتي بعجائب وغرائب من المثل والقيم؛ ولكن لأنه يصر على السلوك المستقيم من خلال الثوابت الصحيحة والصفات الفاضلة، وهو شخصية نمطية تجدها في كثير من مجتمعاتنا. إنه مجرد موظف بسيط غير مرغوب به في الدائرة التي يعمل فيها. ومع ذلك فإن الناس يحبونه لأنهم مؤمنون بصدق توجهاته وحسن نواياه؛ ولأنه لا يسعى من أجل نفع ذاتي أو غرض ملوث كما يفعل الآخرون؛ ومن ثم كانوا يشفقون عليه لأنه يتصدى لمفاسد أكبر من طاقته بكثير، وقد لخص معاناته أحد حكماء القرية قائلًا: إنه صوت أصيل يجب أن يظل مدويًا، ويجب أن نظل نسمعه حتى ولو لم يأت بنتيجة!!
لم يسبق لعبد المتجلي أن انتسب إلى أي حزب سياسي، ولا فكر في دخول أية جماعة من الجماعات، ولا سجلت عليه دوائر الأمن بفروعها الكثيرة أي نشاط مخل بالأمن بحسب مفهومها.
قرأ خبرًا في إحدى الصحف يقول: «ويسرقون الونش» فهاج وماج وشرح لأهل القرية خطورة هذا العمل، وأنه تحدٍ خطير لإرادة الأمة، وأن من يسرق الونش يسرق المستقبل لأننا في عصر التكنولوجيا، فتقدم بطلب إجازة لمدة شهرين دون راتب للبحث عن الونش المسروق في القاهرة، وحذره العمدة بأن البلد فيها حركة اعتقالات، فهز رأسه غير مبالٍ، لأنه لم يعمل بالسياسة ولا عرف عنه ذلك.
وفي القاهرة ذهب إلى المنطقة التي سرق منها الونش، سأل الناس، تعرف على السائق، عاين المكان، شك الناس في أمره، ولكن عندما عرفوا حقيقته قدم له بعضهم ما يعرف من معلومات رأفة به وشفقة على حماسته وصدقه
تعب من البحث، وأخيرًا اهتدى إلى فكرة مداهمة الورش، لأن أحد الصبية العاملين أخبره أن كثيرًا من السيارات والمركبات المسروقة تفكك «في المشرحة» قطعة قطعة، وتتحول إلى كومة من المعدن وتختفي معالمها، وأخبرته إحدى البائعات المقيمات في المنطقة أنه لو وجد الونش فلن يستطع أن يمسه، أو حتى يقترب منه لأن حيازتهم له يعنى أنه أصبح ملكهم، ولن يجرؤ أحد أن يسألهم من أين أتوا به؟!! ومع ذلك كان يتردد على الورش ومعه الملف الخاص بالونش وبالصور والمواصفات، لاحظ أن أحد المتسكعين يراقبه فلم يهتم به في البداية، وتكرر اللقاء به حتى قدم نفسه على أنه من قرية مجاورة وأنه معجب بجهوده، وراح يثني على همته باعتباره مواطنًا شريفًا، فاسترسل عبد المتجلي معه في الحديث، وارتاح كل منهما إلى صاحبه. وفتحا ملف الفساد والمعاناة بدءًا من الزيت المفقود ووصولًا إلى فساد الجمعيات الزراعية والتهرب من الضرائب، وعرض عبد المتجلي الأمور من خلال رؤيته، وأن سبب الخراب والضياع هو البعد عن شرع الله!! فوافقه صاحبه، وقال: سأدلك على من يستطيع أن يقدم لك العون الفعلي للعثور على الونش المفقود، وبعدها تعود إلى بلدك مجبور الخاطر.. ومضى معه ولكن إلى باب واسع يحرسه رجال مدججون بالسلاح، يتحاورون بالنظرات والإشارات، ويتفاهمون مع القادمين بالضرب واللكمات، فناله منها ما ناله، وسمع صوتًا أجش من خلفه يقول: «وقعت أخيرًا في أيدينا» وانهالت على عبد المتجلي الأسئلة عن نشاطاته؟ ومن المسئول عنه؟ وفي أي تنظيم هو؟!!
أفهمهم أنه جاء للبحث عن الونش، فتلاحقت اللكمات وقيل له: إن قضية الونش تمثيلية للتعمية، وأن عمله هذا للتضليل؟ وتلقى مزيدًا من الضرب والركل بما لم يكن ليسمح له أن يلتقط أنفاسه!!
قاس الزنزانة بنظراته الحزينة، ثم نظر إلى جلده الذي تسلخ من شدة الضرب، وحاول أن يجد مبررًا لهذه المعاملة فلم يجد.
إن موضوع الونش لم يكن مقنعًا للضابط بل هو حسبما يرى مجرد ستار يختفي وراءه عبد المتجلي الحقيقي.. عبد المتجلي المتطرف ذو الوجه الإرهابي القبيح الذي ينقل الرسائل بين الفصائل الإسلامية المتطرفة في المحافظات والقاهرة، وأسيوط والصعيد بصفة عامة، فهو ممثل بارع من نوع فريد، وقد يكون لديه خيط يؤدى إلى اكتشاف تنظيم جديد ، فقد ضبط في بيته عدد من الكتب ومن جملتها جمهورية أفلاطون، فاستنتج المحقق أنه يدعو الشباب للقيام بانقلاب لإعلان المدينة الفاضلة، وأنكر عبد المتجلي أن يكون دعا أو يدعو لزعزعة النظام، وأنه إنما يمارس حقه الديمقراطي في التنبيه على مواطن الخلل، وإبداء الرأي، والمحافظة على التكنولوجيا وأدوات الانتاج ممثلة في البحث عن الونش المفقود!!
وأغمض عينيه حين طوقه السوط، لم يتأوه، ولكن تعبيرات وجهه الذي ازداد شحوبًا وذبولًا كانت أقوى تعبيرًا عن الآلام التي يعانيها فقال للضابط: فعلتم بي هذا كله وأنا برئ، فماذا لو كنت حقًا مذنبًا؟
قال الضابط: هل نسيت أننا في حالة طوارئ؟
أجابه: وكيف أنسى.. إنني أراها في كل مكان.. نحن في بيوتنا أعلنا حالة الطوارئ قبل أن تعلنها الحكومة، ويوافق عليها مجلس الشعب بالأغلبية الساحقة... الطوارئ نعمة .. الحمد لله.....
وجاءت التحريات الإضافية لتقول: إن عبد المتجلي لم يشترك في حياته في مظاهرة من المظاهرات، ولم ينضم إلى حزب من الأحزاب، إنما دائمًا مع عامة الناس الذين يشكلون رأيًا عامًا بعيدًا عن التكتلات السياسية والحزبية، ولكن الضابط -على الرغم من قناعته ببراءة عبد المتجلي ومن خلال حواره معه. كان يظن أن من يحمل تلك الأفكار يُخشى من خطره في المستقبل؟!!
ثم أصدر الأمر بالإفراج عنه بعد تحسن حالته الصحية، وفي اللقاء الأخير مع المحقق أخبره أنه متأسف لما جرى له وأن عليه ألا يحدث أحدًا بما حصل له، لأنه يضعهم في موقف حرج قد تستغله المعارضة.. وحين سأله عبد المتجلي عن الونش؟ قال له الضابط: هذا واجبنا نحن، هناك مسائل من عمل السلطة وليس من اختصاص الأفراد، والخلط بين واجبات الفرد والسلطة خروج على القانون والنظام.
قال عبد المتجلي: نحن والسلطة شيء واحد!!
أجابه الضابط: لا يا عبد المتجلي، إنهما شيئان منفصلان...
وبقي الونش مسروقًا، وعاد عبد المتجلي إلى قريته ليجد اقتراحًا بفصله من الوظيفة بعد أن ثبت لمجلس القرية أنه متآمر، وعدو للديمقراطية، مع إرسال البرقيات إلى الجهات المسئولة بهذا الخصوص!!
ولكن أهل القرية كل القرية كان لهم موقف آخر، فاستقبلوه بالزينات والفرح.
الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى
نشأته وحياته
ولد ابن حجر بمصر في شعبان عام 773هـ، وكان أبوه عالمًا كبيرًا، لكنه فقد والديه في سن مبكرة، فنشأ يتيمًا في رعاية أحد التجار، فأحسن تربيته وتعليمه، فلما بلغ التاسعة من عمره كان قد حفظ القرآن الكريم.
طلبه للعلم
سافر الإمام ابن حجر في مقتبل عمره إلى مكة المكرمة، فتلقي بها مبادئ الفقه واللغة العربية، ثم رحل إلى اليمن والشام، وأخذ عن معظم علماء عصره، فأخذ بحظ وافر من علوم الفقه والعربية والحساب والقراءات، ولكن الله عز وجل فتح عليه في الحديث وعلومه وحببه إليه فأقبل عليه بكليته.
كتبه ومؤلفاته
أظهر الإمام ابن حجر نبوغًا وتفوقًا كبيرًا في التأليف بعامة وفي الحديث وعلومه بخاصة، وكانت المؤلفات ولا تزال من المراجع الأصيلة لطلاب العلم، قال السخاوى: «انتشرت مصنفاته في حياته، وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر»، وهي تزيد على المائة وخمسين ما بين مطبوع ومخطوط، ومن أعظمها كتاب لم يؤلف مثله في شرح صحيح البخاري وهو «فتح الباري -شرح صحيح البخاري»، وقد قيل لأحد المحدثين المشاهير أن يؤلف كتابًا يشرح فيه صحيح البخاري، فقال لهم: «لا هجرة بعد الفتح» يقصد بالفتح كتاب فتح الباري لابن حجر.
علومه المتنوعة
أجاد رحمه الله في فنّي النثر والشعر، ومن شعره:
لقد آن أن نتقى خالقًا
إليه المآب ومنه النشور
فنحن لصرف الردى ما لنا
جميعًا من الله واق نصير
وكان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفًا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، وكان شافعي المذهب فقيهًا محققًا، حجة في الحديث.
ابن حجر والقضاء والتدريس والخطابة
عرض عليه منصب القضاء عدة مرات فرفضه، ثم رجاه صديقه رئيس القضاة «جمال الدين البلقيني»، أن يكون نائبًا له، وما زال به حتى وافق على ذلك. ثم عُيّن رئيسًا للقضاة بعد ذلك، وكان يلوم نفسه كثيرًا على ذلك، وينصرف عن القضاء فترة ثم يعود إليه، وزادت فترات توليه القضاء على إحدى وعشرين سنة، ثم ترك القضاء نهائيًا، وأصر على ذلك لكثرة ما ناله من الشدائد والمحن بسببه.
أما التدريس فكان يقوم به في عدة مدارس، وله حلق علم في المساجد في علوم التفسير والحديث والفقه، وكان العلماء والفقهاء يحضرون دروسه ويتوافدون على مجلسه، ويرتحلون لسماعه حتى ذاع صيته وانتشرت فتاواه.
وكان رحمه الله إلى جنب ذلك خطيبًا مفوهًا، وقد تولى خطابة الجامع الأزهر ثم جامع عمرو بن العاص.
وقد تولى لفترة أمانة مكتبة القبة للمحمودية. ولتلميذه السخاوي كتاب في ترجمته سماه «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر»
أخلاقه وصفاته
عرف ابن حجر بتواضعه وحلمه وتحريه في مأكله ومشربه وملبسه، وكان عابدًا صوامًا قوامًا، يجود بالقليل، واشتهر بحسن عشرته ونبل أخلاقه وميله لأهل الفضائل، وإنصافه في البحث ورجوعه إلي الحق.
وفاته
اشتغل رحمه الله بالتدريس والتأليف، حتى توفاه الله عام ٨٥٣هـ عن عمر يناهز الثمانين عامًا، رحمه الله رحمة واسعة....
يوسف مصطفى عبد الله
المدينة المنورة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل