; فضيلة الشيخ محمد الغزالي يرد على الشرقاوي | مجلة المجتمع

العنوان فضيلة الشيخ محمد الغزالي يرد على الشرقاوي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 13-مارس-1984

مشاهدات 25

نشر في العدد 662

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 13-مارس-1984

• الشرقاوي لا يرجع الروايات إلى مصادرها، وليست له معرفة بالفقه.

• جمهور المسلمين اختار أبا بكر خليفة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.

كلنا نعلم أن هناك فتنة كبرى وقعت في صدر الإسلام، وكمثقفين نعرف أن وجهات النظر في هذه الفتنة محددة، جمهور المسلمين لهم رأي، والشيعة لهم رأي، والخوارج لهم رأي، وبعض اليهود الذين تسللوا للإسلام لهم مواقف، وعندما نريد أن نستعرض رأي اليوم حيث الأمة الإسلامية مقهورة، يجب أن يكون ذلك من أجل البناء لا الهدم، ولننعش أمة أغمي عليها في العصر الحاضر لا أن نمِيتها، لكن الذي حدث في كتابات الشرقاوي غير ذلك، فمثلًا في قوله عن السيدة عائشة في موقعة الجمل: «بعد أن انتهت المعركة ويحاول علِي بن أبي طالب أن يردها سالمة مكرمة إلى المدينة المنورة حيث جاءت، فأتت إليها امرأة قتل ولداها الوحيدان، فقالت المرأة الثكلى: يا أم المؤمنين، ما تقولين في امرأة قتلت ابنًا لها صغيرًا؟ قالت أم المؤمنين: وجبت لها النار. قالت الأم الثكلى: وما تقولين يا أم المؤمنين في امرأة قتلت من أولادها المؤمنين الكبار عدة آلاف؟ فصرخت عائشة: خذوا بيد عدوة الله، ثم بكت وظلت تبكي حتى أغمي عليها».

أولًا- هذا الكلام لا أصل له، ولا يوجد في كتاب من كتب السنة، ولا كتاب من كتب التاريخ عند أهل السنة مع تحفظ أن الطبري رجل قال عن منهجه عندما ألف كتابه: أنا أروي الحقائق والإشاعات، وأروي الجد والهزل وأنسب كل شيء إلى صاحبه وسنده، فإذا جئنا في عصر لا يعرف أصحابه الأسانيد ولا الوضع والأخبار الواهية، وأي إنسان يريد أن ينقل، ومع هذا فالرواية طلعت مسبوكة كأنها لراوٍ شهير. وعلى كل حال فالرواية غير صحيحة وأعرف أن هذا الكلام قد جاء من مكان معين لإثبات أن عائشة من أهل النار، ذلك أنني قرأت لمؤلف من غلاة الشيعة يقول فيه إن سورة التحريم في صدرها حديث عن المؤامرة التي صنعتها بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأن هذه المؤامرة التي تأذى منها الرسول الكريم وتعب فيها ختمت بكلام يشير إلى خاتمة من يرتكب مثل هذه المؤامرات ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ (التحريم: 10) ويفسر المدعو أن عائشة وحفصة هما اللتان يُرمز إليهما بامرأة نوح وامرأة لوط، ومن هذا المنطلق يكتب عبد الرحمن الشرقاوي هذا الكلام بأن عائشة متهمة بقتل آلاف المؤمنين الكبار! فمن أين أتى عبد الرحمن بهذا الكلام؟ هل يريد فقط أن يجعل عائشة وحفصة من أهل النار؟!

وفي نص آخر أورد الكاتب: «إن علي بن أبي طالب يقول للمسلمين: أناشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله قبض وأنا أولى الناس به وبالناس من بعده؟ قالوا: اللهم نعم. فعدلتم عني وبايعتم أبا بكر عني فسكتُّ ولم أحب أن أشق عصا المسلمين وأفرق جماعتهم، وثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعدي فكففت فلم أهيج الناس، وقد علمتم أنني كنت أولى الناس برسوله... إلخ».

هذا الكلام كذب من ألفه إلى يائه، جمهور المسلمين لا يعرف الخلاف على هذا النحو ولا يرى أبدًا أن النبي عليه الصلاة والسلام استخلف عليًّا ووصى بخلافته وطالب المؤمنين ليكونوا معه، ولكن ترك الأمر للناس فبايعه الصحابة بيعة حرة لا شيء فيها، فلو أن الأمر خلافة رجل قبل الآخر من الخلفاء الراشدين فإن هذا الأمر لا يعنيني كثيرًا، ولكن الذي يهمني أن جمهور المسلمين اختار أبا بكر، فاستشار أبو بكر الناس وكان لا بد من ذلك؛ إذ لا يمكن أن تقبل منه عمل انتخابات أو بيعة مثل بيعة ثقيفة بن ساعدة لأن جيش المسلمين في الشرق وفي الغرب مشتبك مع الإمبراطوريتين الكبيرتين آنذاك، وأي انتخابات ستهد الدولة. وفي استخلافه لعمر كان قد استشار الناس فأشاروا لعمر، ولم يستخلفه على ضيق من الناس وكره، فعندما يكون أبو بكر وعمر وعثمان من مغتصبين لحَق معنى ذلك أنهم كانوا زعماء أحزاب وخطافين، هذا أولًا. 

وثانيًا: إن الصحابة الذين نجلُّهم ونكرمهم أناس جبناء عرفوا أن الحق مع علي وتركه جبنًا أو خوفًا، فهل كان صحابة رسول الله هكذا؟!

ويجب أن يعترف المسلمون والكافرون أن المعجزة الأولى لمحمد عليه الصلاة والسلام هي تربية هذا الجيل من الناس، لأن الرسالة عالمية وقد مات النبي والرسالة محصورة في جزيرة العرب، فمن الذي جعلها عالمية؟ هؤلاء الأنصار، إنهم جزء من كيان محمد الأدبي والروحي وجزء من رسالته لا بد منه، ومعنى تحقيره أن الرسول ما ربى إلا جبناء. كذلك فإن الوحي السابق على محمد قد اختفى وتلاشى لأن العجزة الذين حملوا هذا الوحي ما كانوا صارمين وعظماء كرجال محمد وصحابته، فعندما قُبض على بطرس وعندما أريد مصادرة المسيحية فقال: أنا لا أعرف عيسى ولا صلة لي به وهرب، ولكن أين الإنجيل؟ فقد اختفى، أما أصحاب محمد فقد حفظوا القرآن لم يضيعوا منه حرفًا وسلموه لنا جيلًا بعد جيل، وعبرت عليهم الرسالة الإسلامية وتابعين، فما عرف أن رجلًا ألف وأسس جيلًا مثل هذا الجيل في ضخامة همته وعظمته.

فمن هون الصحابة وأراد أن يجعل من الخلفاء الراشدين مرتزقة وطلاب حكم ومناصب وأصحاب منافع، فهو يهدم الرسالة الإسلامية حجرًا فحجرًنا ولكن جاء الخلفاء وقاموا بأدوار عظيمة لا ينكرها عليهم أحد، إلا الأستاذ الكاتب الذي أراد أن يحقر أبا بكر وعمر!

ومما أورده الكاتب أيضًا: أنه جاء أحبار اليهود لعمر رضي الله عنه فقالوا له: لنا أسئلة لك إذا لم تعرف إجاباتها لا ندخل الإسلام، الأول: لمن القبر السابح في الماء؟ الثاني: من الذي بلغ رسالة وليس من الجن ولا من الإنس؟ ولكن عمر لم يعرف! فقالوا: نادوا عليًّا، فجاء إمام المتقين فقال: إن القبر السابح هو حوت سيدنا يونس، وأما المبلغة فهي النملة التي بلغت النمل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ (النمل: 18).

وهذا السرد يدل وكأن سيدنا علي -كرم الله وجهه- حلال ألغاز! فهل هذا علم وقد عجز عنه عمر فأنقذه علي؟ إن عليًا أكبر من هذا، ثم أورد شيئًا آخر مضحكًا وهو: «أن رجلًا جاء لعمر وقد رزق بابن أحمر اللون في حين أن والديه لونهما أسمر، وعجز عن تفسير ذلك، فجاء علي وقال: إن الأب عاشر الأم وهي حائض!». وكيف تحمل الحائض؟ أوَلا تتحقق عظمة علي إلا بهذه الأكاذيب؟! إن عليًا عظيم بداهة وبغير هذه الأكاذيب.

يقول أيضًا عبد الرحمن الشرقاوي: «إن فدك قرية يسكنها يهود بني النضير وإنهم أسلموا وحسن إسلامهم وأخذها الرسول -صلى الله عليه وسلم- منهم في السنة السابعة وجعلها لنفسه».

إن مثل هذه الكلمة يصعب تحليلها إلى عواملها الأولية، فلو فرضنا كذبًا أن فدك قرية لبني النضير، وأن بني النضير قد أسلموا، فلماذا يأخذ الرسول الكريم أرضهم؟ أهذا من شأن الأنبياء؟!

والصحة العلمية لهذا الجهل ما يأتي: إن بني النضير يسكنون داخل المدينة، حاولوا قتل النبي عليه الصلاة والسلام في السنة الثالثة من الهجرة، ولكن الله سبحانه وتعالى سلط نبيه عليهم وحملهم على أن يخربوا بيوتهم بأيديهم        وأيدي المؤمنين وحرق نخيلهم وأحكم الحصار عليهم حتى اضطرهم إلى الجلاء فذهبوا إلى الشام بكفرهم، ونزلت فيهم سورة الحشر التي يطلق عليها أيضًا سورة بني النضير، ولم يزعم كاتب خلال 14 قرنًا أن بني النضير قد أسلموا إلا عبد الرحمن الشرقاوي!

وما ذكره الكاتب عن نفي عثمان -رضي الله عنه- لعلي، حيث نفى علي نفسه إلى ينبع لا أصل له وغير صحيح.

وليس صحيحًا أن عثمان بن عفان قد نفى أبا ذر الغفاري، إذ يقول الحديث الصحيح الذي رواه المحدثون إن أبا ذر هو الذي خرج من المدينة، فقال له عثمان: يا أبا ذر لا ؟؟؟ أعرابيًّا وتترك هجرتك، ولكن تعال إلى المدينة بين الحين والحين. فقال أبو ذر: أنا ما تركت المدينة إلا لأن الحبيب عليه الصلاة والسلام قال: إذا بلغت المباني «سلع» فاترك المدينة، وقد نفذت هذا.

أما اتهام عمر لأبي هريرة بالسرقة، وما قيل في شأن أمير المؤمنين عمر حول أخذه أموالًا من الولاة لصالحه، هذا كله كلام باطل وهو غمز يثيره البعض لتلويث جيل الصحابة، وهو أمر إذا تم لا يكون بعده لنا كمسلمين أصل.

وإن ما يقال حول ترف الخليفة عثمان وتنعمه مقارنة بتقشف عمر بن الخطاب، فإن الإسلام يسع تقشف عمر وتنعم عثمان والذي شهد عليه الصحابة والرواة أنه كان عفيفًا كريمًا سخيًّا ذا مالٍ ومحبوبًا لدى قريش، حتى إن نساء قريش كن يدللن أولادهن ويقلن لهم: أحبك والرحمن * حب قريش لعثمان.

وقد وسع عثمان على نفسه بقدر ما وسع الله عليه، وهذا منهجه، وهو منهج المسلمين اليوم بل وفي معظم العصور كلها، من وسع الله عليه وسع على نفسه في المسكن أو الملبس أو المأكل، ونادر جدًّا من يسير بمنهج عمر فيضيق على نفسه مع مقدرته للتوسعة، كذلك تميز عثمان بخلقه وأدبه وحيائه ونبله، وقد كان له أربعمائة عبد مسلح، فلما حوصر أرادوا الدفاع عنه أداء لواجبهم، ولكنه أمرهم بإلقاء السلاح وقال: «من ألقى سلاحه فهو حر».

وأما ما ذكره الكاتب من أن عثمان كان يدخل على زوجته نائلة ويطلب منها خلع ملابسها الواحدة تلو الأخرى حتى تصبح عارية، فهل كان ينظر الكاتب إليهما من ثقب الباب؟! أم من الذي روى هذا؟ إن عثمان الحيي الذي عندما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم غطى فخذه من شدة حياء عثمان، وما سرد مثل هذه الرواية إلا قلة أدب وحياء، أما نائلة زوجة عثمان بن عفان فقد كانت نصرانية وأسلمت وقد أعجبت بعثمان وخلقه، وبعد وفاة عثمان خطبها معاوية، فقالت له: ما يعجب الرجال في؟ فقال معاوية: ثناياك، فأخذت نائلة حجرًا وكسرت ثناياها.

إن عرض التراث على أن الصحابة تآمروا كبيرًا وصغيرًا على سلب علِي حقه، يُعد خيانة وهدمًا للتاريخ، كما أن عرض التاريخ بأن الثورة التي قامت على عثمان هي ثورة البروتياريا على الرأسمالية القرشية، كلام فارغ ولا يليق.

إن الإسلام دين ليس فيه يمين ولا يسار، وقد يكون فيه ما لم تصله الشيوعية، فعندما يقول الإمام ابن حزم: إذا مات امرؤ جوعًا في بلد اعتبر أهل البلد قتلة وأُخذت منهم دية القتيل، وقد استنبط هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل بلدة هلك فيهم امرؤ ضياعًا برئت منهم ذمة الله ورسوله».

وفي الإسلام أيضًا الحرية التي تُعد أمرًا ضروريًّا، وذلك أن الرذيلة والفساد لا ينتشران إلا تحت نيران الجبروت والطغيان.

إن كتابات عبد الرحمن الشرقاوي في التاريخ ما هي إلا تجميع للقمامات الفكرية من كتب الفكر والتاريخ الإسلامي، كما أنه لا يرجع رواياته التي ذكرها إلى مصادرها، هذا فضلًا عن أنه قصصي وصحفي ليس له معرفة بالفقه، وإلا فأين يوجد في الفقه ما ذكره عن أن الإسلام يحرم رأس المال وأن يأخذ المسلم ما يكفيه فقط؟ ولكن نجد الإجابة منه عندما سئل من أين أتى بمثل هذه الآراء؟ فقال: أنا أنظر في التاريخ وآخذ منه ما أريد.

ومثل هذا الرد يجوز في أي شيء، ولكن الإسلام دين. قد كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره يقولون: الإخباريون باب من أبواب الكذب، ذلك أن كتب التاريخ فيها الكثير من الكذب.

وهل يجوز أن يأخذ كما أراد ليكتبه في الصحف اليومية! إن مثل هذا المنهج العلماني أو القومي أو الاشتراكي أو غيرها إنما هي أيادٍ تعمل في هدم هذا الدين لصالح الصليبية التي لا تعمل بطريقة مباشرة.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 11

63

الثلاثاء 26-مايو-1970

قضية الحرب والسلام!

نشر في العدد 17

59

الثلاثاء 07-يوليو-1970

أنا شعب مسلم