العنوان مفهوم السياسة والدين. هل نملك السكوت عن كلمة الحق؟!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 01-سبتمبر-1970
مشاهدات 41
نشر في العدد 25
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 01-سبتمبر-1970
المجتمع
مفهوم السياسة والدين.
هل نملك السكوت عن كلمة الحق؟!
بقلم: رئيس التحرير
• كان العدد الثالث والعشرون تحت الطبع حين صدر قرار مجلس الوزراء بتعطيل جريدة المجتمع للعددين 23، 24؛ وذلك لنشرها في عدديها رقمي 21، 22 الصادرين بتاريخ 4 و11/8/1970 ما يخالف المادة (35) المعدلة من القانون رقم (3) لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر وهو تعرض الصحيفة للأمــور السياسية.
• ولنناقش إذًا ما كتب في العددين السابقين من خوض في الأمور السياسية!
في العدد (۲۱) الذي صدر بعد موافقة بعض دول المواجهة على مشروع روجرز المتعلق بإقامة سلام دائم مع إسرائيل.
وفي هذا العدد تطرقنا لقضيتين غير محليتين لا تتعلقان بمشاكل المجتمع الكويتي مباشرة وهما فلسطين وتشاد.
وفي العدد (۲۲) تحدثنا عن قضية فلسطين فقط.
ونحن لا نعتقد أن قرار التعطيل قد صدر بسبب تعريف القارئ العربي بمشكلة تشاد البلد الإسلامي الثائر ضد الصليبية الحاكمة واليهودية المتسلطة، إذ لا توجد علاقات أو اتفاقيات تربط الكويت بتشاد فتتأثر هذه العلاقات بما تكتبه الصحف المحلية.
لذلك فإننا لا نجد في العددين ما يقصد بالخوض في الأمور السياسية إلا الحديث عن قضية فلسطين، وقبل الخوض في الحديث عن قضية فلسطين نود أن نتطرق إلى الحديث عن «الأمور السياسية» لنرى مدلوله في «القاموس الإسلامي» وكما ذكرنا فإن هذا المفهوم غربي المنبع والمعنى، وعندما ابتدعه الغرب أراد به فصل الأمور الدنيوية وخاصة المتعلقة بشئون الحكم عن سلطان الكنيسة التي كان قد استشرى فيها الفساد ووصل بها التسلط على البشر حد استغلالهــم واستعبادهم وتضليلهم باسم الدين، فالغرب النصراني الذي حرف دينه من أول يوم قد يكون معذورًا أمام الناس «وليس أمام الله» في أسلوب المنهج الفكري السابق ذكره، ولكن كيف يعقل أن نطبق- نحن الأمة الإسلامية الأصيلة -هذا الفكر المنحرف على سلوكنا في الحياة وبين أيدينا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي يأمرنا بوضوح ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾. (النساء: 105).
﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾. (الشورى: 10).
﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾. (الشورى: 15).
فما المقصود بالحكم في سياق الآيات السابقة، أيقصد به الصلاة والصيام والحج وبقية العبادات وذكر الله والمشي في الجنازات وزيارة القبور، أعتقد أنه لا يختلف مسلمان على أن المقصود هنا كل ما يتعلق بشئون الحكم وسياسة البشر ويدخل في مضمون ذلك جميع قضايا الناس سواء ما أسماه الغرب النصراني «بالأمور السياسية» أو سواها من الأمور الاجتماعية والاقتصادية.
• إننا نأبى على أنفسنا أن نكون ممن يتحاكمون إلى الطاغوت وقد أمُرنا أن نكفر به فنسلك الطريق الذي سيؤدي بنا في النهاية إلى الضلال البعيد.
ونرفض أن نعرض عن الاحتكام إلى كتاب الله ودينه الذي ارتضاه لنا ونحن عبيده وخلقه.
· إننا نقرأ في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحقرن أحدكم نفسه! قالوا يا رسول الله وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أن لله عليه مقالًا فلا يقوم به فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس! فيقول فإياي كنت أحق أن تخشى».
نقرأ هذا الحديث فترتجف قلوبنا خشية أن نكون من الفريق الذي يمسك عن كلمة الحق.
• أظن أنه لا يصح لنا أن نطيل كثيرًا في إثبات ما هو واضح لكل مسلم يعرف قراءة القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أن الإسلام شامل لكل شئون الفرد على ظهر الأرض وأن الإسلام لم يعرف في يوم من الأيام الفصل بين الأحكام، والعبادات والشئون الاجتماعية والاقتصادية.. إلخ، فهي جميعًا وحدة واحدة مترابطة متماسكة.
لذلك فإننا نخرج بنتيجة واحدة وهي أن الإسلام يأمرنا بالاحتكام إليه في كل الأمور السياسية منها و«غير السياسية».
• نأتي الآن إلى الحديث عن القضية التي نعتقد ولسنـا موقنين تمامًا «ونرجو من وزارة الإرشاد تصحيح مفهومنا هذا إن كنا مخطئين».
إن مجلتنا عطلت بسببها ألا وهي قضية فلسطين، أيقبل أن تتجنب أي صحيفة محلية كانت أم عربية أم إسلامية الحديث عن قضية المسلمين الأولى وملتقى أفكارهم ومحط آمالهم، فهل يجوز أن يسمى هذا الحديث خوضًا في السياسة ونحن نقرأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».
فحكم الله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نهتم بأمر المسلمين جميعًا دون تجزئة، وقضية فلسطين ترتفع بتاريخها إلى قمة القضايا الإسلامية.
وهي قضية لا تحتمل أكثر من واحد، «حق في مواجهة باطل»، حق ينتصر له المؤمنون، وباطل يناضل عنه عبدة الطاغوت.
والانتصار للحق يكون بالسلاح والمال والقلم وكل أسباب القوة.
ونحن لا نزيد الناس علمًا إذا قلنا إن أطماع اليهود لا نهاية لها، ولو قدر لهــم أن يتمكنوا من أرض فلسطين لكانت خطوتهم التالية إلى خيبر، ولما سلمت منهم أمة عربية.
إن هذه القضية لا نستطيع أن نفصلها عن ديننا ولا نملك السكوت عنها، والكلمة هي أضعف سلاح فيها.
• وأخيرًا.
وأخيرًا نحن في حيرة من الأمر، لأن القيد الموضوع على الصحافة الإسلامية، لا يتفق مع حريتها في أداء رسالتها.
إن جميع قضايا الحق في عالمنا يطلق عليها قضايا سياسية وهي في الوقت نفسه قضايا إسلامية، إن العالم الإسلامي المنتشر في أفريقيا وآسيا يعاني من ضغط الدول الصليبية أو الشيوعية، فهل الدفاع عنه يعتبر عملًا سياسيًا فقط؟! وبالتالي يمتنع علينا الخوض فيه.
إن هذه المشكلة عانت وتعاني منها كل الصحف الإسلامية في المنطقة، وكان أملنا ألا ندخل دائرة المعاناة، ونوضع في موقف دقيق ومحرج إن إغلاق صحيفة البلاغ والمجتمع كان يمكن أن يقبل إذا كنا قد خرجنا عن آداب رسالتنا فنشرنا مثلًا صورًا عارية، أو تعرضنا لأسرار أشخاص أو عرضنا سلامة أمتنا للخطر.
إننا لا نحب هنا أن نتحدث عن الصحف التي تعرض أخلاق الشباب والأسر للانهيار، ونخرج عن حدود رسالتها وترخيصها، ولكن نقول إنها للأسف تنعم بحرية وافرة في الحركة والنشر.
والكلمة الأخيرة إننا نشعر بثقل المسئولية الملقاة علينا.
فنحن لا نملك إصدار الحكم بفصل الدين عن السياسة والحكم والاقتصاد وشئون الحياة.
كما لا نملك السكوت عن معالجة قضايا الحق وهي كثيرة ومتعددة.
ثم إننا لم نهتد بعد لتحديد مفهوم السياسة حتى نستطيع تجنب الخوض فيها.
وأملنا في الله كبير أن نصل إلى الحقيقة وتشرق بها قلوبنا، ونؤدي حق ديننا وأمتنا علينا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل