العنوان فوضى الفتاوى الفضائية بين الأصيل والدخيل
الكاتب د. محمود خليل
تاريخ النشر السبت 21-يونيو-2008
مشاهدات 8
نشر في العدد 1807
نشر في الصفحة 50
السبت 21-يونيو-2008
عندما تتحول «الدعوى» إلى «دعوة»، فثمة خلل هائل.. وعندما تتحول «الدعوة»إلى «فتوى»، فالأمر أشد خطرًا وخللًا؛ ذلك لأنه الفارق الهائل بين الفتوى والدعوى هو الفارق بين الحقيقة والافتراء، وعندما تحتل الثانية موقع الأولى فإن الأمر يتحول حتماً إلى فوضى، وهذا هو الحال في معظم برامج الإفتاء على الهواء، وهذا هو الهم الأكبر لدعاة الفضائيات الجدد بحجة الإتيان بالجديد والمثير واللافت للنظر، ومن ثم الجاذب للجمهور والجالب للدولارات والدراهم. وفي هذه المكلمة الفضائية كادت تضيع المعالم الفارقة بين الأصيل والدخيل وكادت معالم الحقائق الكبرى للإسلام أن تتلاشى وسط الزحام الغزير الإشعاع مما يحتم علينا إعادة فهرسة المسألة عبر ممارسة عملية وعلمية للفرز والتجنيب.
بداية نؤكد أننا لسنا ضد ظاهرة الدعاة الجدد.. وإلا جف ماء الدعوة ولسنا ضد التجديد بحال من الأحوال والا تجاوزنا قطار السنين، ولكننا في الوقت نفسه لا نساوم ولا نهادن في مسألة التأهيل والتأصيل التي يراها د. الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف المصري الأسبق مسألة خطيرة ومسؤولية أخطر، فأجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار، والقول بغير علم ضلال، والجرأة بالعلم المشوش أو المنقوص على الفتيا خيانة لله ورسوله وذلك هو الضلال البعيد، وكم نود أن يكثر المفتون، وأن يتكاثر الدعاة إلى الله عز وجل، ولكن لكل مهنة أصولها، ولكل عمل أدواته، ولكل مهمة ضوابطها وضروراتها، فلماذا يظل سوق الدعوة وحدها، بل الفتوى أحيانًا.. عمل من لا عمل له، ومهنة من لا مهنة له؟!
وأنا أطالب كل فضائية أن تختار من يتصدى للفتوى عبر برامجها باختيار الأسماء المؤهلة المعروفة في الحقل الدعوي: فنحن ننشد الحق ولا نجري وراء جمهور، ونقدم للناس فقيهاً يفصل في قضاياهم، لا نجم شاشة يرضي أذواقهم، وميولهم
وعلى محور أشد خطرًا في القضية
د. محمد عبد المنعم البري: أنا مع الموهوبين الذين يملكون لغة العصر شريطة أن يتعلموا
يرى د. مبروك عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر، وأحد ضيوف هذه البرامج، في إشارة ذات مغزى إلى تحول بعض هذه البرامج إلى الجنس تحت دعوى الثقافة الأسرية والتفتيش في الأسرار، وأسرار الفراش، بزعم إثارة المسكوت عنه في فقه الأسرة، والخوضفي العادة السرية ووسائل الإشباع الجنسي، وإفساد المرأة بدعوى إنصافها، وهذه الموضوعات لا ينبغي أن تناقش على مستوى عام تشاهده البنت ذات الحياء والشاب، والمراهق، فتخدش الحياء، وتهتك الأسرار، وتتحول مثل هذه البرامج إلى إثارة غرائزية أكثر من دعوة إسلامية.
يضيف د. مبروك- أنا أقترح أن يضاف إلى اختصاصات مجمع البحوث الإسلامية، كما يوافق على الكتب الإسلامية- أن يوافق على منح رخصة، مثل التي تمنح للمصنفات الفنية، خاصة برامج الفقه والتفسير والفتوى، أما الدعوة العامة، فلا تضيق فيها على أحد.. شريطة أن يتزود بالأدوات اللازمة من حفظ للقرآن الكريم وإجادة تامة للغة العربية، وتحصيل القدر اللازم من علوم التفسير والحديث والسيرة والتاريخ الإسلامي، ومن الثقافة العامة وعلوم العصر التي لابد منها، حتى لا يكون هم هؤلاء الهواة كسب بعض الشهرة، وجر الإسلام وراءه إلى ميدان السطحية وتمييع، بل تضييع الأصول.
للمجتهد لا للأزهري وعلى الجانب الآخر يؤكد الدكتور عبد الصبور شاهين أنه لابد من إتاحة الفرصة للدعاة الجدد، ولأن معظمهم موهوب ومؤثر، وسوف يستكمل أدواته شيئًا فشيئًا، ويجب أن نعلم أن الناس قد ملت من أصحاب الكلام المحفوظ الذي لا يحمل جديدًا على الإطلاق بل إن بعضهم يقدم فكرًا خرافيًا ميتًا، والبعض الآخر يدلس باسم العلم، وعن اشتراط التخصص الأزهري يقول د. شاهين: إن الداعية لا يتخرج في معهد ولا يشترط فيه أن
يكون متخرجاً في الأزهر، فعظماء الأمة الذين أحيا الله مواتها على أيديهم لم يكن معظمهم أزهريين والدعاة الذين حققوا نجاحاً دعوياً وفكرياً ملحوظاً من خريجي الأزهر أفراد في مجاميع غفيرة هائلة ممن التحقوا بالأزهر، لكن كل واحد منهم كان أمة في نفسه، وأنا أتساءل: كم عدد خريجي الأزهر كل عام من الكليات الشرعية؟ وكم منهم يصلح لأن يكونداعية؟
إن الداعية الحق، يصنعه الله على عينه ثم يتولى هو تكوين نفسه، وتمتين وتعليم وتدريب نفسه، ثم يأخذ مكانه في قافلة الدعاة، لا لأنه أزهري، ولكن لأن الله أحبه لدعوته وأحب هو دعوة الله وتأهل لها!!
فالدعوة ليست حكراً على الأزهر والناس قبل ١٠٤٠ سنة لم يكونوا يعرفون الأزهر لأنه لم يكن هناك أزهر، وكان الناس يدعون ويفتون، ويصنعون علوم الأمة التي مازلنا عيالا عليها.
ويؤكد د. عبد الصبور شاهين هذا المعنى فيقول: أنا مع ضرورة وفرضية التأهل للفتوى والدعوة، ولكني لست مع احتكار الأزهر لدين الله عز وجل.
أنا مع حتمية وجود المجتهد، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا المجتهد أزهرياً،
ولكن إذا كان أزهرياً فيها ونعمت، وإلا فالمجال مفتوح، ولا حرج على فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، لذلك لا يجب أن تترصد لهؤلاء بعض الأخطاء أو الهفوات ولكن المفروض أن نشجعهم ونحتويهم ونحسن توظيف قدراتهم، ونصوب لهم, وفي ذلك كسب للدعوة إلى الله أي كسب خاصة أن معظمهم قد حرك دين الله في جماهير واسعة لم تكن من جماهير الدعوة من قبل وكلمة أخيرة على هؤلاء جميعاً ن يتأصلوا ويتأهلوا، وعلى خريجي الأزهر أن يجددوا أنفسهم، وألا يحتكروا إشارات المرور إلى دين الله عز وجل بل عليهم أن يكونوا رواد القافلة والرائد لا يكذب أهله...
د. محمد رأفت عثمان: فليعملوا بالوعظ والإرشاد ويتركوا الفتوى لأهلها
بين الأصلاء والدخلاء
وفي اتجاه مقابل يرى د. محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية، والعميد الأسبق لكلية الشريعة أن إصدار قانون من مجمع البحوث أو من الأزهر من الممكن أن يحد من هذه الظاهرة، ولكنه لن يكون ذا أثر كبير في منعها، وربما صنع بعضهم من نفسه شهيداً، لهذا المنع.. والأمر يحتاج إلى ضرورة إقناع أصحاب هذه القنوات الفضائية والقائمين على الصحف والإذاعات بالبعد عن الهواة»، وغير المتخصصين الذين ليس لهم صلة بالعلوم الشرعية لأن الفتوى ليست من الأمور السهلة، وإنما هي مسؤولية خطيرة وخاصة ما يتعلق منها بمسائل علمية يحتاج المفتي فيها أن يكون متأهلاً علمياً وعن جدارة، حتى يدلي برأيه فيها.
ويضرب د. رأفت عثمان عدة أمثلة على هذه القضايا المعاصرة مثل الاستنساخ والتحكم في نوع الجنين وجراحات التجميل والبصمة الوراثية ودورها في إثبات النسب، والبنك والبورصات وأسواق المال العالمية، وبنوك المني واستئجار الأرحام، وغيرها من القضايا والتي لم يكن للفقهاء القدامى سابق عهد بها والتي يحتاج النظر فيها إلى الإلمام الدقيق بقواعد اللغة العربية والأصول والفقه وعلوم القرآن والعلوم المعاصرة المتخصصة، وأن يكون محيطاً بمنازل التكليف خبيراً بكيفية تنزيل النصوص واستنباط الأحكام، ماهراً بعلمالحديث.
ثم يفرق الدكتور رأفت عثمان بين الوعظ والإفتاء، فيقول: من السهل القيام بالوعظ والدعوة إلى مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، ولا مانع أن يعمل هؤلاء في هذا الميدان.
أما الإفتاء، فدرجة عظمى في العلم لا يرتقيها إلا من تأهل للعلوم التي أشرنا إليها، فالفتوى لها رجالها، وعلى وسائل الإعلام أن تتقي الله في دين الله، وإلاعمت البلوى وشاعت الفوضى.
بينما البعض يؤيد والبعض يعارض يقترح د. أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري، أن يتم وضع ميثاق شرف بين القنوات الفضائية ووسائل الإعلام، حتى لا يقع الناس في بحر لجي من فوضى الفتوى وما ينتج عنها من بليلة وتضارب وأن تلتزم هذه القنوات ألا تقدم للفتوى عبر قنواتها إلا العلماء الراسخين في العلم، وقد اقترحنا هذا الميثاق ونأمل أن يأخذ دوره في التطبيق، كما اقترحت اللجنة الدينية بمجلس الشعب ضرورة وجود كادر خاص للدعاة، وهو قيد الدراسة الآن.
د. عبد الصبور شاهين: على الأزهر ألا يحتكر العلم.. والفتوى للمجتهد لا للأزهري.
وحول النظر في هذه الظاهرة يقول د. محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر: ليتنا نستطيع أن نقدم داعية جديداً كل يوم، خاصة مع الموهوبين الأذكياء المخلصين المثقفين الذين يجيدون لغة العصر، ولكن لابد مع إجادة لغة العصر من علوم الشرع، والا تتحول الدعوة إلى سبوبة للشهرة والتكسب والنجومية والتأهيل والتأصيل لأن الداعية الذي كان يخاطب قديماً فرد يخاطب الآن ٥٠٠ مليون، فليكن قدر المسؤولية، وعلى بركة الله فليعمل الجميع..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالكتَّاب الدنيويون.. وشيطنة الإسلام! (3 – 4) العدو الأخضر
نشر في العدد 2122
46
الأربعاء 01-أغسطس-2018
من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة: الأصولي الفقيه.. الشيخ عبدالرزاق عفيفي
نشر في العدد 1715
40
السبت 19-أغسطس-2006
الإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
88
السبت 11-أغسطس-2007