العنوان في الرد على مقال: لماذا أيها الشباب؟
الكاتب توفيق علي وهبة
تاريخ النشر السبت 06-أغسطس-1977
مشاهدات 17
نشر في العدد 361
نشر في الصفحة 22
السبت 06-أغسطس-1977
الممنوع والمباح
المباح
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ (الحج: 8-9).
ويقول جل وعلا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (لقمان: 6-7).
ويقول تعالت كلماته: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ (لقمان: 21).
من العجيب ما نقرؤه هذه الأيام مما يكتبه بعض الكتاب الذين لا يلتزمون وجه الحق فيما يكتبون... فكلما أراد أحدهم أن يدلل على دعواه الباطلة لجأ إلى التمسح بالدين، وحاول إلصاق رأيه بالإسلام سواء كان ذلك بحسن نية أو بسوء نية، وإن كان الظاهر دائمًا هو سوء النية؛ لأنهم ينسبون إلى الإسلام ما هو بريء منه.
لقد كتبت إحدى السيدات مقالًا في مجلة نسائية([1]) تدافع فيه عن التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية تطرقت فيه إلى الحديث عن المباح والممنوع (الحرام) في الإسلام، إلى أن قالت «... إن ديننا ينص صراحة - وأنا أتحدى من يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة الدينية - على حق ولي الأمر - أي الهيئة الحاكمة - في تقييد المباح وإباحة الممنوع إذا دعت إلى ذلك ضرورة اجتماعية... إلخ».
ولن نناقش رأيها في تعديل القانون، حيث سبق أن ناقشنا مثل هذه الموضوعات في مجلة منبر الإسلام خلال عام 1393هـ في مقالاتنا بعنوان (المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام) ومجلة التوحيد([2]) عام 1394هـ، ولكن ما يهمنا الآن هو الرد عما قالته عن المباح والممنوع في الإسلام، حيث إنه يبدو من قولها إنها تجهل ما هو المباح وما هو الممنوع، وما هو موقف الشرع من كل منهما، وما هي سلطة ولي الأمر في تقييد المباح، وإباحة الممنوع.
لقد أطلقت القول على عواهنه حيث لم تأت بأي دليل من القرآن أو السنة لإثبات دعواها، واكتفت بتحدي من يثبت خلاف رأيها. فإذا أردنا أن نرد على رأيها بمثل قولها لقلنا: إن ما قالته مخالف للقرآن والسنة وإجماع فقهاء المسلمين ولا دليل يؤيد ما ذهبت إليه.. ولكننا لن نكتفي بذلك كما فعلت ونطلب منها إثبات العكس بل سنقدم الدليل على ما نقول.
أولًا: المباح:
تعريف المباح:
يعرف الفقهاء الإباحة بأنها ضد الحظر، وأن المباح أجيز للمكلفين فعله أو تركه بلا استحقاق ثواب ولا عقاب أو مأخذ عليه، وهذا هو المباح بصفة عامة.
والإباحة قسمان:
أ- إباحة عامة: بحكم أن الأصل في الأشياء الإباحة مثل إباحة استعمال الطرق ومياه البحار والمحيطات والصيد... إلخ... ويكون الاستيلاء على المال المباح - وهو كل ما خلقه الله لينتفع الناس على وجه معتاد وليس في حيازة أحد مع إمكان حيازته - مباحًا لكل ما يستولي عليه، أما بعد الاستيلاء عليه فيصبح في ملكية الغير ولا يجوز إعادة الاستيلاء عليه.
ب- إباحة خاصة: وهي التي لم تكن مباحة في الأصل وأباحها الشارع بالنص عليها وبيّن لها شروطها وحدودها التي لا يجوز تعديلها أو تقييدها، مثل الإذن للمسافر بالفطر، والإذن للطبيب بالاطلاع على عورة المرأة للعلاج... وإباحة تناول طعام أهل الكتاب.
وهذا النوع من الإباحة لا يجوز لولي الأمر تقييده أو تعديله؛ لأن ما نص عليه الشارع بحكم شرعًا لا يحق للعباد مخالفته([3]) ولأن الفعل الأصلي كان حرامًا وأبيح لوجود سبب إباحة، فمثلًا النظر إلى عورة المرأة الأجنبية حرام، ولكنه أبيح النظر إليها للعلاج فكيف يمكن أن يقيد هذا الفعل؟ والفطر في شهر رمضان محرم ولكنه أبيح للمريض والمسافر والإباحة هنا مقررة بحكم الشارع ولا يمكن تقييد هذه الإباحة فالقاعدة أن المباح بالنص لا يجوز تقييده.
إن القانون الوضعي إذا نص على إباحة فعل معين فلا يستطيع القاضي أن يجرّم هذا الفعل أو يعاقب عليه، لأن القانون هو الحكم، ولا يجوز معاقبة شخص على فعل أباحه القانون.. ولا يجوز للقاضي تقييد هذه الإباحة أو تعديلها.
إذا كان ذلك يحدث بالنسبة للقوانين الوضعية، فما بالنا نتصور حدوثه بالنسبة للقانون السماوي الذي وضعه خالق البشر.. إن ذلك تفكير خاطيء وقاصر.. فمن أی أنواع الإباحة يكون الطلاق وتعدد الزوجات الأصل في العلاقات الأسرية هو الزواج، والأصل في الزواج أن ينعقد مؤبداً حتى يحقق الغرض الذي شرع من أجله وهو تكوين الأسرة والمحافظة على النسل.
أما إذا اعترى هذا الزواج ما يجعل العشرة بين الزوجين مستحيلة ولا يمكن التوفيق أو الصلح بينهما فيباح الطلاق لإنهاء هذه العلاقة غير الموفقة. وقد حدد الشارع
سبحانه وتعالى كيفية الطلاق وشروطه وآدابه.
أما بالنسبة لتعدد الزوجات فإن الأصل هو الزواج بواحدة لقوله سبحانه وتعالى : ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة﴾ (سورة النساء:3). ويباح التعدد للزوج إذا وجدت لديه أسباب لذلك وكان قادرًا على الإنفاق على زوجاته والعدل بينهن.. ولقد كان التعدد في الجاهلية وبداية الإسلام غير محدد بعدد فكان للرجل الحق في الزواج بأي عدد يريد ولكن الإسلام قصر التعدد على أربع فقط.. ولا يوجد في التشريع الإسلامي ولا أقوال الفقهاء الأربعة أو غيرهم من أئمة الفقه ما يوجب عرض هذين الموضوعين على القضاء لأن في ذلك تقييدًا لحق أباحه الله لصاحبه، وتضييق لا مبرر له ولا يستند على أي سبب شرعي.
وعلى ذلك يمكن أن يقال- تجاوزًا أن صح ذلك- أن الطلاق وتعدد الزوجات من النوع الثاني من المباح الذي لا يجوز تقييده.
أما القول الذي تؤيد به الكاتبة رأيها، وانضم إليها في ذلك أحد القضاة السابقين (٤) محتجين بأن بعض الدول العربية والإسلامية أصدرت قانونًا بعرض الطلاق وتعدد الزوجات على القاضي فإن ذلك لا يلزمنا لأنه إذا خالف غيرنا الشريعة الإسلامية فلا يحق لأحد أن يطالبنا بارتكاب نفس المخالفة.
ويكفي لدحض هذه الحجة أن بعض هذه الدول نفسها تبيح الزنا ولا تزال قوانينها تحافظ على بيوت الدعارة وتحمي شرطتها الفساق والفجار للشريعة الإسلامية، وليس منقولًا من دولة ما مهما كان انتسابها للإسلام.. وأن يكون هذا التشريع ضمن تعديل شامل لقوانيننا طبقًا للشريعة الإسلامية كما نص على ذلك الدستور الدائم للبلاد وأن نطبق الإسلام في جميع نواحي الحياة في بلادنا.
إن المختصين بهذا العمل كثيرون عندنا والحمد لله، ولسنا في حاجة إلى نقل قوانين غيرنا ولكن المطلوب هو صدق العزيمة والإخلاص لله سبحانه وتعالى ولوجه الحق..
وإلى الذين ينادون بتقييد التعدد ومنع الطلاق إلا أمام القاضي أقول: إن الزواج نفسه من زوجة واحدة قد يكون حرامًا حسب حالة المكلف، فلماذا لا يطالبون بمنع الزواج نهائيًا، أو عرضه على القاضي لبحث مدى حله أو حرمته ابتداء؟
فالزواج أما أن يكون فرضًا، أو واجبًا أو حرامًا أو مكروهًا أو مندوبًا حسب حالة كل مكلف. (٥)
ا - فيكون الزواج فرضًا إذا كان الشخص قادرًا على نفقات الزواج ويستطيع العدل في أهله إذا تزوج ووجد في نفسه عدم القدرة على مدافعة الزنا إذا لم يتزوج.
2 - ويكون واجبًا إذا كان الشخص قادرًا على النفقة وعلى العدل مع زوجته ويغلب على ظنه الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج.
٣ - ويكون حرامًا إذا كان الفرد غير قادر على نفقات الزواج ويتأكد من الوقوع في ظلم أهله إذا تزوج.
4 - ويكون مكروهًا إذا غلب على ظنه أنه سيقع في ظلم أهله إذا تزوج.
5 - ويكون الزواج مندوبًا ( أي سنة بحسن فعله ولا يأثم الفرد أن لم يفعله ) إذا كان الشخص في حال اعتدال لا يقع في الزنا ولا يخشاه، ولا يقع في ظلم أهله ولا يخشاه.
هذه هي الأحكام المتعلقة بعقد الزواج سواء أكان الزوج متزوجًا بواحدة أو اكثر. والمرجع في تحقق هذه الشروط من عدمه هو الشخص نفسه، وما يمليه عليه ضميره ودينه.. وليس من حق أحد التدخل لبحث مدى تحقق هذه الشروط أو تخلفها أو تقييد الجمع بين الزوجات أو الطلاق لأن في ذلك حرجًا ومشقة على الناس وكشف ما أمر الله بستره من الأمور الخاصة، وتقييدًا لما أباحه الله سبحانه وتعالى دون سند من الدين.. فإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾(سورة البقرة 236) فهل لهذه الكاتبة أو غيرها أن يعارض ذلك ويطالب بغير ما أمر الله سبحانه وتعالى به فيقول بوجوب تقييد هذا الحق، أو هذا المباح لوجود ضرورة تدعو إلى ذلك وهي في نظرها ونظر من تمثل رأيهم كثرة عدد المطلقات وكثرة عدد الرجال الذين يجمعون بين أكثر من زوجة.
فهل حقيقة زاد عدد المطلقات، وكثر الجمع بين الزوجات بصورة مخيفة أدت الى ضرورة تقييد الطلاق وتعدد الزوجات؟ وما هي الحقيقة في هذا الموضوع؟
أولا : تعدد الزوجات :
نشر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانات عن الزواج والطلاق في مصر سوف نعتمد عليها فيما نورده بخصوص إحصاءات تعدد الزوجات والطلاق.
يقول تقرير الجهاز عن تعدد الزوجات : ( تبلغ حالات الزواج التي تمت مع وجود زوجات بالعصمة ۲۳۸۸۷ حالة بنسبة 6.8 بالمائة في حالات الزواج عام ۱۹۷۱ وتبلغ نسبة الأزواج الذين لهم زوجتان في العصمة حوالي 4 بالمائة من جملة المتزوجين ولهم زوجات بالعصمة.. ولا تكاد تذكر نسبة الأزواج الذين لهم ثلاث زوجات في العصمة.. ويمضي التقرير فيقول ما نصه: «يتضح مما سبق أن ظاهرة تعدد الزوجات ليست بالظاهرة المخيفة، وقد تكون الدوافع إليها مرض الزوجة أو عدم قدرتها على الإنجاب كما يوضحه إقبال نسبة كبيرة من الأزواج في عمر مبكر بعد اختبار الزواج الأول كما قد يكون أحيانًا نتيجة للزواج المبكر للرجل من زوجة في الموطن ودعت ظروف الزوج الاقتصادية للهجرة بدونها ( مثل الهجرة من القرية إلى البندر ) فيتخذ في بلد المهجر زوجة أخرى، كما قد تكون ظروف الزوج التعليمية أصبحت لا تتناسب مع زوجه الأولى فيضطر - للزواج ثانية) أ.ه مختصرًا
هذا ما يقوله جهاز الإحصاء والتعداد التابع للدولة وهو الجهة الوحيدة المعتمد عليها، فهل فيما ذكره ما يشكل خطورة على وضع الأسرة والمجتمع وما يقال ويشاع بصورة منفرة في موضوع قانون الأحوال الشخصية؟ وهل من مصلحة المرأة نفسها أن تتزوج على أخرى أم تظل عانسًا؟ إننا نري أنه في الجمع بين أكثر من زوجة مصلحة للمرأة نفسها، فإذا وجدت أن من مصلحتها ألا تتزوج على أخرى فلها أن تمتنع ولا تقبل هذا الزواج وبذلك ينتهي التعدد دون حاجة إلى إصدار قوانين.
إما إذا استمر الجمع بين الزوجات فمعنى ذلك أن المرأة ترى أن ذلك من صالحها
ويبقى على أصحاب هذه الدعوات الخبيثة أن يصمتوا لأنهم لن يستطيعوا
وقف الحياه أو تنظيمها حسب أهوائهم.
ثانيا : الطلاق :
يقول تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: بلغ عدد إشهادات الطلاق في عام ١٩٧١ عدد ۷۰۷۳٦ إشهادًا بمعدل 2.1 بالمائة وبزيادة قدرها ١٩٢٦ عن العام السابق ۱۹۷۰ والذي بلغ معدله اثنين من كل ألف من السكان ويعتبر معدل الطلاق في ج.م.ع من المعدلات المرتفعة نسبيًا إذا ما قورن بمعدلات دول العالم.. وهناك دول غير إسلامية ليست بالقليلة يزيد معدل الطلاق فيها عن معدل مصر، من ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وبلغ مقدار زيادة معدليهما عن معدل مصر ۷۷ بالمائة، ٢٥ بالمائة على التوالي.
وتتجه معدلات الطلاق في جمهورية مصر العربية إلى الانخفاض بدرجة ملموسة. ومن مقارنة متوسط معدلات الطلاق لسنوات خمس تبين أنها بلغت 3 لكل ألف من السكان للسنوات ١٩٥١ - ١٩٥٥، وانخفضت إلى 2.5 بالمائة للسنوات ١٩٥٦ - ١٩٦٠، وإلی ۲٫۲ بالمائة للسنوات ١٩٦٥، ثم إلى ٢ بالمائة ١٩٦١ للسنوات ١٩٦٦ – ۱۹۷۰ أي إنه في خلال عشرين عامًا انخفض متوسط المعدل بنسبة الثلث تقريبًا!
الطلاق والأبناء :
يمضي التقرير فيقول : «ما من شك في أن وجود الأبناء من العوامل إلتي تدعو كلا من الزوج والزوجة إلى التروي ومحاولة معالجة ما ينشأ من خلافات بينهما قبل أن يستفحل الأمر وينتهي بالطلاق فتتصدع الأسرة ويلحق بالأبناء أضرار عديدة.
وقد تبين أن نسبة كبيرة من الزوجات بل الأكثر من ذلك أن البعض في إحدى هذه الدول طالب بوقف ركن من أركان الإسلام وحرم تطبيقه ويطالب بمساواة المرأة بالرجل في الميراث، وهو يعلم تمامًا أنه بذلك يهدم الدين كله.
فهل لنا أن نتبع هذه الدول ونصدر قوانين مثل قوانينهم؟ إن المطلوب هو إصدار تشريع عام للأسرة مطابق اللاتي طلقن في خلال عام ۱۹۷۱ لم يكن لديهن أبناء أحياء من المطلق عند الطلاق، وقد بلغت هذه النسبة ٦٩ بالمائة من مجموع إشهادات الطلاق كما بلغت نسبة من كان لديها ابن أو بنت واحدة 13 بالمائة. أما الأسر التي حدث بها طلاق ولديها أكثر من ابن أو بنت من المطلق فلم تتجاوز نسبتها ۱۸ بالمائة من مجموع حالات الطلاق».
هذا ما يقوله الجهاز المركزي للتعبئة العامة والأحصاء عن تعداد الطلاق في مصر وهي نسبة ليست كبيرة كما يدعي أصحاب التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية ومن يسيرون في طريقهم فإذا حسبنا عدد الرجعات التي تمت وعدد عقود الزواج التي أعادت الزواج إلى مطلقين من طلاق بائن لانخفضت نسبة الطلاق إلى أقل من واحد في الألف فقد بلغت نسبة الزواج الرجعي بين زوجين سبق طلاقهما رجعيًا 1.5 بالمائة.
وبلغت نسبة الزواج الذي لم يفصله آخر بين زوجين سبق طلاقهما بائنًا بينونة صغرى 1.6 بالمائة هذا بخلاف الطلاق برضا الزوجين أو بخلع ويكون بناء على رغبة الزوجة نفسها أو الطلاق قبل الدخول، وهذه كلها تصحيح لخلل حدث للأسرة ولا يمكنها إتمام رسالتها وقد يكون في إنهاء العلاقة بين مثل هذين الزوجين ما يسمح لكل منهما باستئناف حياة أخرى أكثر استقرارًا.
أما إذا ضيقنا عليهما ومنعنا الطلاق أو قيدناه فسوف نفتح الباب إلى الفسق واتخاذ الخليلات في هذه الأيام التي يسهل فيها الحصول على المرأة التي تقبل أن تكون خليلة للمتعة الحرام فقط، ونمنع بذلك الزواج من أن يؤتي ثماره المرجوة ونتائجه المطلوبة وهي إنجاب الأطفال كما هو الحال في الدول التي تمنع الطلاق أو تقيده إذ أصبح الزواج فيها صورة فقط تختفي وراءها العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء وقد يعلم بها كلا الزوجين، ولا يجد خلاف ذلك منفذًا.. فهل يريد المدعون للإصلاح أن تصل بلادنا إلى هذه النتيجة؟
ورغم دعوة المتشائمين المرددين بوجود ضرورة لتقييد الجمع بين الزوجات وجعل الطلاق بيد القاضي فإن الجهاز المركزي للإحصاء يقول عن الطلاق في تقريره: «إن ۹۸ بالمائة من إشهادات الطلاق ممكن أن تعود فيها الحياة الزوجية بين المطلق والمطلقة إذا ما سويت أسباب الخلاف بين الطرفين».
وسبق أن أوضحنا نسبة الزواج الذي تم بين المطلقين رجعيًا أو بائنًا بينونة صغرى، وإذا كانت الكاتبة تقول إن أهل الاختصاص هم الذين يبينون لولي الأمر ما إذا كانت هناك ضرورة لتقييد المباح أو إباحة الممنوع من عدمه وتدعي أن الأخصائيين الاجتماعيين الذين يمثلون ولي الأمر هم أصحاب الحق الأول في تحديد هذه الضرورات بعد ثبوت الأضرار بالبحث العلمي العلمي والدراسة الوافية التي قامت بها وزارة الشئون الاجتماعية.. إلى آخر ما قالت فما رأيها وما رأي وزارة الشئون الاجتماعية التي تقول إنه ثبت لديها وجود ضرورة لتقييد الطلاق وتعدد الزوجات، فيما نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذي يثبت عدم وجود أي ضرورة كما تدعي الكاتبة ووزارة الشئون وإن ذلك من اختلاقهم وليس نتيجة بحوث ودراسات كما تدعي.
إن جهة الاختصاص هذه ليست وزارة الشئون وإنما جهاز الإحصاء الذي يقدم بالأرقام ما يدحض كل قول يخالف ما أعلنه وهو يقول في تقريره كما سبق أن نقلنا عنه بالحرف الواحد أن ظاهره تعدد الزوجات ليست بالظاهرة المخيفة وأن معدلات الطلاق تتجه إلى الانخفاض بدرجة ملموسة»- وهذا يدل دلالة واضحة على عدم صحة ما تعلنه هذه الكاتبة وأمثالها وعدم تحريهم للدقة والصواب في موضوع هام يتصل اتصالًا وثيقًا بحياة البشر في هذا البلد واعتمادهم على إثارة العاطفة والمشاعر فقط وبعدهم عن الطريقة العلمية الواجب اتباعها في مناقشة وبحث مثل هذا القانون.
ثالثًا: النفقة :
النفقة المقررة للزوجة من زوجها تسمى نفقة العدة إذ إنها طوال فترة العدة تكون نفقتها على زوجها لأن زوجيتها تعتبر في حكم القائمة فإذا ما انتهت فتره العدة تكون نفقتها على أقاربها من الرجال طبقًا للترتيب الذي بينه الشرع الإسلامي، وقد بين القرآن مدة العدة بثلاثة قروء: أى ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار كما في بعض الآراء ومدتها ثلاثة شهور وبالنسبة للمتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام. ولكن الشرع جعل النفقة سنة وهي أقصي مدة حمل، وحتى لا يفتح المجال إلى الكذب وادعاء الحمل أمام بعض النسوة.
أما التعديل الذي ينص على أن تمنح الزوجة نفقة سنة عن كل خمس سنوات قضتها مع زوجها يكون قد خرج بالموضوع عن نفقة العدة وجعل الزوجة مثل العامل أو الخادم وهذا يحط من قدرها لأنه حينما فرض لها تعويضًا أو مكأفاة عن مدة زواجها وكأنها مدة عمل لدى الزوج يكون قد نزل برابطة الزوجية إلى رابطة العامل أو الخادم.. إن رابطة الزوجية شيء مقدس يجب وضعها في موضعها الصحيح كما أمر بذلك القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
فإذا كان الشرع يريد أن يعطي الزوجة تعويضًا إذا أساء الزوج استعمال حقه في الطلاق فإن من واجبه أيضًا أن ينص على أن تدفع الزوجة تعويضًا لزوجها إذا ما كانت هي المتسببة في هذا الطلاق حتى تكون هناك عدالة في القانون بين الرجل والمرأة.
إن القانون المقترح يفترض سوء النية من الزوج فلماذا لم يفترضها أيضًا في الزوجة ويكون المشرع عادلًا؟ الواجب أن تبقى نفقة العدة طبقًا لما شرعه الدين الإسلامي ولا نبتدع قوانين وننسبها إلى الإسلام بالظلم والزور.. إذا أردنا بعد ذلك أن ينص القانون على تعويض فيجب أن يكون التعويض لمن يضار من الطلاق سواء أكان الرجل أو المرأة.
أى أن النفقة شيء والتعويض شيء آخر.
إن اقتراح التعديل يضع بذلك تفرقة واضحة بين الرجل والمرأة ويريد أن يمنح المرأة حقوقًا ليست لها، فهل نحن أعدل من الله سبحانه وتعالى الذي وضع التشريع السماوي؟ حاشا لله.. إن الله سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
إن المرأة هي أخت الرجل أو أمه أو ابنته أو زوجته والرجل أخو الزوجة أو أبوها أو ابنها أو زوجها ولا انفصال بينهما، لقد خلقهما الله من نفس واحدة وكرمهما معًا ولم يفضل أحدهما على الآخر - يقول سبحانه ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70) أي الرجل والمرأة علي السواء.
إن واجب المشرع أن يضع من القوانين والنظم ما يكفل حصول المطلقة على نفقتها ونفقة أولادها بدلًا من أن يدخل في متاهات نحن في غنى عنها وأن يعطي للقاضي سلطة أكبر في الإسراع في فض نزاعات النفقة ومشاكل الأسرة عموما.
يتبع
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل