العنوان ليبيا من يزرع الريح يحصد العاصفة
الكاتب راشد السالم
تاريخ النشر الثلاثاء 15-مايو-1984
مشاهدات 7
نشر في العدد 671
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 15-مايو-1984
عملية العزيزية: المحاولة رقم واحد من أجل تغيير النظام.
* أمين عام الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا ينعي أحمد أحواس القائد العام لقوات الإنقاذ.
* يوم «8» مايو بداية المواجهة العسكرية المنظمة للنظام الليبي.
* مقتل مهندس العملية في حادث غامض في شمال ليبيا.
من يزرع الريح يحصد العاصفة- تابع
شهدت العاصمة الليبية طرابلس يوم الثلاثاء الماضي عملية انتحارية تستهدف فيما يبدو القضاء على النظام القائم اتخذت السلطات الليبية على إثرها إجراءات أمنية مشددة، فهم منها تخوف النظام من محاولة انقلابية. فمن الذي قام بهذه العملية؟ ولماذا؟ ثم ما هو مستقبل الوضع السياسي في ليبيا؟
ومع أن الوقت ما زال مبكرًا للحصول على المعلومات الدقيقة حول العملية وتحليل أبعادها، إلا أنه يمكن للمراقب استقراء بعض الملاحظات الأساسية في ضوء ما توافر من معلومات. والمعلومات المتوافرة تتعلق بسير العملية نفسها وردود فعل السلطة الليبية عليها، والجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي أعلنت مسؤوليتها عن العملية.
وبوضع هذه المعلومات في سياسة السياسة العامة للنظام الليبي تتضح معالم صورة مستقبلية لليبيا، تكثر فيها الدماء والعذابات.
* محاولة اغتيال
تفيد المعلومات التي توافرت لدينا من مصادر صحفية مختلفة أن العملية الجريئة التي قام بها خمسة عشر فدائيًّا على إحدى ثكنات العزيزية العسكرية؛ حيث يقيم معمر القذافي صباح يوم الثلاثاء الماضي، والتي انتهت بعد بضع ساعات بمقتل الفدائيين جميعًا. تفيد المعلومات أن هذه العملية التي أعلنت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا مسؤوليتها عنها، هي واحدة من سلسلة من العمليات تخطط لها الجبهة للقضاء على النظام الليبي. فقد صرح ناطق باسم الجبهة «بأن المحاولة الأخيرة لاغتيال الرئيس القذافي ليست إلا واحدة من سلسلة محاولات ستنتهي باغتياله» وفي عاصمة عربية قال أمين عام الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا الدكتور محمد يوسف المقريف: إن عملية الثلاثاء الماضي ما هي إلا البداية، بداية العمل العسكري في الداخل، وكان الدكتور المقريف قد قال للوطن العربي «العدد 376-84/4/27»: «إننا أصبحنا قادرين على الرد على العنف بالعنف».
ومما يؤيد قول الدكتور المقريف وهو ما لاحظه أكثر من مراقب على أية حال، أن الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا اختارت أحد أهم قادتها ورموزها لقيادة العملية الفدائية بنفسه، وهو أحمد إبراهيم أحواس الذي دخل هو واثنان من رفاقه على الحدود الليبية من البحر قريبًا فيما يبدو من الحدود التونسية. وخلافًا لرواية النظام الرسمية التي قالت: إن أحمد أحواس ورفاقه تم القبض عليهم على الحدود التونسية الليبية، بعد أن أشهروا جوازات سفر ديبلوماسية، واشتبكوا مع رجال الحرس بالسلاح، الأمر الذي أدى إلى إصابة أحواس إصابة قاتلة، وإصابة رفيقه إصابات بالغة. خلافًا لهذه الرواية التي شككك فيها الصحفي الفرنسي أريك رولو في سؤال وجهه للقذافي، تقول المعلومات: إن أحمد أحواس استطاع أن يدخل ليبيا، وأن يتخفى فيها لمدة أسبوعين إلى أن تم اكتشاف هويته في حادث ما زال غامضًا، وقد استجوبت السلطات الليبية رفيقه لمدة يومين، لم تحصل منهما على أي معلومات، خلافًا لما ادعته السلطة، الأمر الذي جعلها تقدم على إعدامهما في الساحة الخضراء في طرابلس. ولو كانت السلطة قد حصلت على معلومات عن المجموعات والقواعد والمخططات السرية المناوئة، لما تم تنفيذ العملية الفدائية في الموعد المحدد. وقد تمكنت المجموعة من الوصول إلى ثكنات العزيزية، واحتلت أحد المواقع بعد اشتباك ظهر في مجموعة من الضباط في ميدان لسباق الخيل وبيده رشاش، في محاولة منه لإظهار أن العاصمة آمنة وأن سلطته لم تتعرض لخطر!
* إجراءات أمنية واتهامات
ومنذ تم اكتشاف هوية أحمد أحواس ورفيقه، صدرت بيانات ليبية رسمية متناقضة حول مكان مصرعهم، والجهات التي ادعت أنها تقوم بدفعهم وتدريبهم، وهي كما قال القذافي بريطانيا وأمريكا والسودان، وقد سارعت هذه الجهات التي نفي أن تكون لها صلات من قريب أو من بعيد حول العملية. وبعد أن تمت العملية يوم الثلاثاء الماضي لم يجد القذافي من يوجه له التهمة إلا الإخوان المسلمين! وهم الذين عمل القذافي على اعتقالهم وتعذيبهم وتشريد أفرادهم منذ بداية
عنيف بالأربي جي والأسلحة الأتوماتيكية. مع الحرص الخاص، إلا أن تعزيز الدفاع بالدبابات من داخل العزيزية كما تقول رواية الوطن العربي اضطرت المجموعة للانتقال إلى بناية تبعد عن الموقع كيلومترًا واحدًا، وبعد مقاومة لحوالي سبع ساعات، تم قتلهم جميعًا وعرض تلفزيون طرابلس صورًا لجثثهم.
كما عمل القذافي في استعراضًا إعلاميًّا عندما عهده بالحكم. وقد أدى تخبط السلطات الليبية في البداية إلى توتر العلاقات مع تونس، عندما اتهمت السلطات الليبية تونس بمساعدة المهاجمين وإيوائهم. وهذا ما يرجح أن النظام الليبي لم تكن لديه أية معلومات دقيقة حول العملية الفدائية أو العملية المماثلة التي حدثت في ليبيا، كالانفجار الذي شب في مستودع للسلاح في بنغازي في شهر مارس الماضي..
وتفيد المعلومات الواردة من طرابلس أن النظام شدد من الإجراءات الأمنية، وتم إقامة حواجز عسكرية مكثفة في العاصمة.
كما انتشر رجال الشرطة والجيش بملابس مدنية بحثًا عن مسلحين! من جهة أخرى تم إغلاق الحدود لفترة محدودة، واتخذت إجراءات بمنع سفر العرب قبل الحصول على ترخيص من السلطات الليبية.
ومن الجهات التي لم تنج من اتهامات النظام الليبي الفلسطينيون الذين أسماهم بأنهم من مؤيدي أبو إياد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح.
وإتهام الفلسطينيين أدى كما تناقلت وكالات الأنباء إلى اعتقالات شملت المئات منهم من المقيمين في ليبيا. ومع أن خلاف القذافي مع فتح ليس جديدًا حيث عمد إلى مضايقتها بالضبط المالي والقتال، إلى جانب المنشقين في طرابلس، إلا أن الاتهام الأخير لا يعود إلى هذه الخلفية، بقدر ما يعود إلى ما رواه النظام الليبي نفسه بأن أحمد أحواس ورفيقاه ادعيا بأنهم من أصل فلسطيني!! الأمر الذي يؤكد تخبط النظام، وتخوفه الذي يملك عليه نفسه من المعارضة الليبية المنظمة، وهو ما يجعله يتصور أن كل من ناله شيء نم أذاه يتآمر عليه! وإلا كيف يمكن تفسير التناقض والتخبط في بيانات وإجراءات النظام الليبي، في الوقت الذي تعلن فيه الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا مسؤوليتها عن العملية، وعن نيتها لتصعيد العمل العسكري داخل ليبيا!
هذا يجرنا إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا ولماذا قامت؟
* المعارضة الليبية
تأسست الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في 7 أكتوبر 1981م، وتم الإعلان عنها في لندن، وأعلن اسم أمينها العام الدكتور محمد يوسف المقريف، وهو سياسي ليبي من ضمن الذين لم يطيقوا سياسة النظام.
وتضم الجبهة العديد من رجالات ليبيا الذين جمعتهم النقمة على سياسية النظام الليبي؛ سواء من تعرضوا لإرهاب النظام بشكل مباشر أو غير مباشر. وفيهم وزراء وسفراء وصحافيين وكتاب وأساتذة وطلاب ذوي ميول واتجاهات فكرية متعددة، ولعل من أهم أسباب تعاظم المعارضة الليبية بالإضافة إل التضييق على الحريات هو تبني الناظم لأفكار معادية للسنة النبوية الشريفة، وتحويرات في بعض الشعارات الدينية والمعاني القرآنية، وإعطاء الكتاب الأخضر مرتبة فوق مرتبة القرآن والعياذ بالله.
ومن مؤسسي الجبهة أحمد إبراهيم أحواس مهندس العملية الفدائية الأخيرة، وهو من زملاء القذافي في الكلية العسكرية وتخرج قبله. تعرض للاعتقال والسجن بعد انقلاب الفاتح في سبتمبر، ثم حاول القذافي استمالته من خلال المناصب الدبلوماسية؛ حيث شغل منصب القائم بالأعمال لبلاده في عدن والصومال والدنمارك وماليزيا وغويانا؛ لكنه أعلن استقالته في فبراير 1981م، وشارك المقريف في تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني.
وكان من الطبيعي أن تلقى الجبهة تأييد مختلف أوساط الشعب الليبي في الخارج والداخل بمختلف مستوياتهم الفكرية والسياسية.
على أن إقدام أحمد أحواس وإصراره على تنفيذ العملية الفدائية بنفسه مع موافقة أمين عام جبهة الإنقاذ على ذلك، وهو الشخص القيادي في الجبهة يجعل المراقب في حيرة من السبب الذي جعل الجبهة تضحي بأحد قياداتها البارزين في مثل هذه العملية.
والسبب المعقول الذي نميل إليه في ضوء نقص المعلومات في هذا الصدد، هو أن الجبهة قررت خوض غمار التحدي العسكري المتواصل ضد النظام الليبي، كما صرح ناطق باسمها، وأن الجبهة قررت أن يقوم بالعملية الأولى أحد أبرز القياديين العسكريين والسياسيين في آن واحد، للفت نظر الشعب الليبي أن ساعة الصفر قد حانت، كما توحي العملية بأن الجبهة باتت واثقة من قدرتها على إنهاء النظام الليبي، ولو لم تكن الأمور كذلك فإن الجبهة بعملها هذا تكون قد خسرت أحد أبرز قياديها في مقابل لا شيء، كما تكون العملية جسرًا يعبر عليه النظام لتصفية كل معارضيه! وهي على أية حال عملية تتسم بالجرأة والمخاطرة.
ومع أن المعلومات لم تتكامل بعد عن العملية وأبعادها المختلفة، إلا أن المراقبين الحياديين يرون أن البيانات الليبية الرسمية على تناقضها وتخبط السلطة في إجراءاتها المضادة تؤكد بصورة غير مباشرة على أن يوم 8/5/84م هو بداية عهد جديد من المقاومة العسكرية ضد النظام الليبي.
وبالرغم من القضاء على أفراد المجموعة كلها، إلا أن وقائع العملية كما ذكرناها توحي بأن هناك من تعاون مع المجموعة من أفراد الجيش والحراسات، الأمر الذي سهل وصولها إلى ثكنات العزيزية التي يقيم فيها القذافي، كملجأ أمن تحيط بها الرادارات والدشم الإسمنتية والدبابات وكل الاحتياطات الأمنية. وهذا ما يوحي للمراقبين بأن المعارضة الليبية قوية وجريئة. فماذا سيكون مستقبل الوضع السياسي في ليبيا؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمات
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكللفت نظر · نحن معك.. وامضِ في طريق الإسلام لا تتلفت ولا ترتاب
نشر في العدد 85
16
الثلاثاء 09-نوفمبر-1971