العنوان في سبيل النفط.. قرن من الحروب والإرهاب
الكاتب محمد السانحي
تاريخ النشر السبت 03-مايو-2003
مشاهدات 14
نشر في العدد 1549
نشر في الصفحة 18
السبت 03-مايو-2003
التقرير الاستراتيجي للطاقة وتحديات القرن الحادي والعشرين يكشف دوافع حروب النفط والحملة العسكرية على العراق
الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت: أزمة هذا البلد.. أنك لا تستطيع الفوز في الانتخابات بدون تكتل شركات النفط.. كما أنك لا تستطيع الحكم معها
مايكل كولون: إذا أردت أن تحكم العالم فعليك بالسيطرة على النفط.. كل النفط في كل مكان
سر دعم توني بلير المطلق للإدارة الأمريكية يكمن في هذا القطب النفطي الجديد
الأسباب الحقيقية وراء حرب فيتنام.. وكيف تم تقسيم الكعكة الفيتنامية بين شركات النفط العالمية على أنقاض ملايين القتلى الأبرياء؟
عائلة روكفلر المهندس الخلفي لكثير من حروب النفط.. ومعارك النفط في فيتنام وإيران وكولومبيا.. تشهد بذلك
شركات النفط العملاقة. صاحبة الكلمة الأولى والذراع الطولى في كواليس الحكم وأروقة اتخاذ القرار وهي التي ترشح من يخدم مصالحها لأرفع المناصب.. كل الذين مروا بأروقة الإدارة الأمريكية كانوا إما تجار نفط وإما موظفين في شركات نفطية
برمنجهام: محمد السائحي
صحفي مختص في الشؤون الأمريكية
تحت المقولة البريطانية «الذهاب حيث يكمن النفط» سارت الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا بكل ترسانتها العسكرية ومقدراتها المالية مرة أخرى، لتغزو بلدًا أنهكته الحروب وشل الحصار قدرته، في حرب نفط هندسها ودفعها بقوة إلى الأمام أرباب النفط بكل الوسائل التي كان أقواها التقرير الإستراتيجي للطاقة وتحديات القرن ۲۱
التقرير.. صاغه مجلس العلاقات الخارجية المكون من ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي، وكل من هنري كيسنجر وجيمس بيكر، ويحذر من نضوب الاحتياطي الأمريكي من النفط مع نهاية العقد القادم متوازيًا مع ازدياد الطلب على الطاقة.
ونصح التقرير بضرورة إسراع الولايات المتحدة في إجراء تغيير نظام الحكم في العراق... ولم يكن الذي حصل اليوم في العراق وبالأمس في أفغانستان بالشيء الجديد في تاريخ الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد كانت. ولا تزال - الدوائر الحاكمة في الدولتين دوائر استعمار وسيطرة ونهب لمقدرات الشعوب عبر الاستعمار والانتداب المباشر أو المبرر بأكاذيب مفضوحة غير مقنعة تدفعها إلى ذلك شبكة من شركات النفط التي توفر لها الحجج والمبررات وتيسر لها السبل التكنولوجية والعسكرية والمالية، حيث كان القرن العشرون منذ بدايته حافلًا بالحروب والنزاعات التي دبرتها شركات النفط الأمريكية والبريطانية وأساطنتها أمثال روكفلر و هاریمان اند مرجان براون، وكان الأشد تغلغلاً في نظم الحكم المتعاقبة والمهندس الخلفي لكثير من حروب النفط الأمريكية عائلة جون د. روكفلر، مالك شركة بترول إستاندرد للبترول وأخواتها وأول أثرياء العالم الذي قرر السيطرة على احتياطيات العالم منذ مطلع القرن الماضي انتقاماً لما تعرضت له ممتلكاته بعد الثورة الأمريكية عام ۱۹۱۱، ومنذ ذلك الوقت أصبحت شركات النفط وعلى رأسها إستاندرد وشل إكسو وبريتيش بتروليم هي التي تصنع الحروب من خلال تنافسها أو تحالفها وهي التي تحدد الرابح والخاسر فيها، وعملت هذه الشركات بشتى السبل - ولا تزال - للسيطرة على كل احتياطيات العالم من النفط وإبقائها تحت هيمنتها، ومن بين أساليبها لتحقيق ذلك دعم الأنظمة الفاشية في ألمانيا وإيطاليا واليابان وكذلك الأنظمة الدكتاتورية والفاسدة في العالم الثالث بين تحالف وكيد لبعضها البعض وتأجيج لكثير من الحروب والأزمات والانقلابات التي دفع ثمنها شعوب العالم الثالث بالدماء والجروح والتشريد والفقر والحرمان والأمراض واستطاعت هذه الشركات بنفوذها وثرائها الفاحش أن يكون لها الكلمة الأولى والذراع الطولى في كواليس الحكم وأروقة اتخاذ القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا، فهي التي ترشح من يخدم مصالحها لأعلى المناصب الحكومية. حتى إن معظم الذين مروا بأروقة الإدارة الأمريكية كانوا إما تجار نفط أو موظفين لدى شركات النفط وقد اعترف الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت بهذا النفوذ المتجذر في صلب الإدارة الأمريكية بكل وضوح عندما قال: «أزمة هذا البلد أنك لا تستطيع الفوز في الانتخابات بدون تكتل شركات النفط ولا أنت تستطيع ممارسة الحكم معها. وقد تأقلمت تلك الشركات النفطية التي شهدها القرن الماضي وبداية هذا القرن دون أن تفقد نفوذها ومصالحها الكبرى، بل كانت هي الرابح الوحيد فيها.
وكان أهم تحول استراتيجي في سياسة تلك الشركات قد حدث بعد أزمة النفط عام ١٩٧٣ ثم أزمة النفط الثانية التي تلت سقوط نظام الشاه عام ۱۹۷۹ ، اللذان كان لهما وقع كبير على اقتصادات الولايات المتحدة والغرب عامة، وهو الأمر الذي شجع شركات النفط وأوجد لها مبررات كبيرة للتحريض على غزو عسكري وسيطرة تامة على نفط المنطقة الممتدة من بحر قزوين إلى الخليج العربي مروراً بإيران، وتمخض عن تلك الضغوط بروز معالم سياسة خارجية جديدة للولايات المتحدة وضع أسسها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عام ١٩٧٩ في تهديده باستعمال القوة ضد أي جهة تهدد تدفق النفط من الخليج، وأصبح هذا التهديد بمثابة مبدأ جديد سمي «بعقيدة كارتر»، حيث قامت الولايات المتحدة بعد ذلك باجتياح كولومبيا، وتورطها في حرب الخليج الأولى والثانية، وانهيار يوغسلافيا وغزو كل من أفغانستان والعراق وانتشار القوات الأمريكية في آسيا الوسطى والخليج والبلقان.
ولفهم ما يجري الآن من حروب وغزو تحت مبررات لم يصدقها أحد وللتدليل على كل ما قلناه، نعود لتقليب صفحات القرن الماضي لنقف على بعض المحطات الدامية التي خاضتها شركات روكفلر وشل وبريتش بتروليم النفطية تحالفًا وتنافسًا وتأمرًا.
عندما تمكنت شركة روكفلر ستاندرد أويل من بسط نفوذها على معظم الحقول التي كانت تسيطر عليها شركة شل الملكية الهولندية في جنوب آسيا، وما تلى ذلك من هزيمة اليابان عام ١٩٤٥، وتنصيب الجنرال الأمريكي دوجلاس ماك أرثر حاكمًا عسكريًا عليها، لم يكن عجبيًا ولا غريبًا أن يتم تعيين لورانس روكفلر أحد الأبناء الكبار لجون روكفلر نائبًا له، لكن الغريب أن يستهل هذا النائب مهامه بتقديم مساعدات كانت عبارة عن شحنات أسلحة إلى فيتنام أطلق عليها آنذاك مبادرة حسن النية، ولم تعرف في ذلك الوقت سبب هذه الهبات ولا أهدافها وأبعادها لبلد . كفيتنام الذي كان آنذاك مستعمرة فرنسية فقيرة - وبعيدة عن اليابان ولا أهمية لها من الناحية الاستراتيجية، لكن الذين عادوا للتقليب في الملفات القديمة لعلهم يجدون جوابًا مبثوثًا في قلب التاريخ عن النية الحسنة الأمريكية، وجدوا أن الجواب عن هذه التساؤلات لا يخرج عن دوائر - النفط ولا عن مسرحها، ففي عام ۱۹۲۰ قدم هوفر هیربرت دراسة تقول إن أكبر الاحتياطيات العالمية - من النفط مدفونة تحت سواحل الهند الصينية التي أصبحت تعرف فيما بعد بفيتنام، وكان ذلك الخبر قبل أن تنشأ شركات الحفر والتنقيب الدولية ويصبح من أقطابها عائلة بوش، ولهذا السبب كان لورانس روكفلر يشحن تلك الأسلحة - كهبات لهوتشي منه تحريضاً للثورة على الفرنسيين وطردهم من فيتنام، وبالفعل فهم –الجنرال الفيتنامي جياب Giap الرسالة وثار على الفرنسيين الذين انهزموا في معركة ديان بيان فو Dien Bien Phu عام ١٩٥٤، ودخلت أمريكا المعركة ضد فيتنام بعد انقسامها إلى شمال وجنوب... وبعد حقبة مريرة من الحرب والدمار الذي شهدته فيتنام وراح ضحيته 5۷۰۰۰ أمريكي ونصف مليون فيتنامي حقق روكفلر هدفه وأصبح مستعدًا لبدء أعمال الحفر فور انتهاء مفاوضات السلام التي تزعمها من جانب الولايات المتحدة هنري كيسنجر المساعد الشخصي لنيلسون روكفلر والحائز بعد ذلك على جائزة نوبل للسلام، وما إن تكللت تلك المفاوضات
بالنجاح على أنقاض ملايين من القتلى والجرحى والمشوهين والمشردين الذين لا يعرفون لماذا حصل كل هذا، حتى بدأ تقسيم كعكة فيتنام، فقد تم تقسيم سواحلها إلى قطع على كل من شركة ستاندرد أويل الأمريكية، وشركة ستاتويل النرويجية وبريتش بتروليم البريطانية، وشل الهولندية وشركات أخرى من روسيا وألمانيا وأستراليا، تسد نهمهم وتقي سكان المنطقة شرهم
في نهاية الحرب العالمية وبعد بسط شركة بريتش بتروليم نفوذها على حقول النفط الإيراني بعد أن نصبت بريطانيا محمد رضا بهلوي شاها على إيران، كان الخطأ الكبير الذي ارتكبه الشاه الجديد في حق الإنجليز هو تعيينه الدكتور مصدق رئيسًا للجنة الشؤون البترولية، لينتخب فيما بعد رئيسًا للوزراء ليبدأ عام ١٩٥١ بتنفيذ أهم وعوده وهي تأميم حقول النفط و إزاحة الإنجليز، وكانت تلك الخطوة هي التي حددت مصيره السياسي وجعلت تلك الشركة تعلن
الحصار الاقتصادي والعسكري عليه، وعندما حاولت شركة روز ماري Rose Mary البنمية نقل النفط الإيراني من عبدان، تعرضت لها القاذفات الجوية الملكية وأرغمتها على التحول إلى ميناء عدن للحجر عليها، ثم انضمت شركات النفط الأمريكية للحصار البريطاني على إيران، ولما فشل الشاه في إزاحة مصدق عن منصبه بالرغم من الضغوط الأمريكية والبريطانية، دبرت الولايات المتحدة بمساعدة بريطانيا عملية للإطاحة بمصدق عبر وكالة المخابرات الأمريكية قادها كرمنت رورزفلت حفيد فرانكلين روزفلت «الرئيس الأمريكي الأسبق»، وبعد نجاح العملية التي كلفت 700.000 دولار عادت شركات النفط البريطانية الأمريكية مرة أخرى لتشكل تكتلًا دوليًا فيما بينها لشراء وإنتاج النفط الإيراني، ولم يكتف روکفلر بذلك، بل راح يتطلع إلى ما وراء النفط الإيراني بإرساله مفاوضًا من قبله هو أرماند هارنمر من أجل إجراء مفاوضات مع القائد الروسي جوزيف ستالين لشراء النفط الروسي وتكللت تلك المفاوضات بالاتفاق على مد أنابيب عبر بحر قزوين لتصل إلى سواحل إيران، ثم تقوم بعد ذلك شركة ستاندرد أويل بتحويل ذلك النفط الخام إلى مصافي تكرير في سان فرانسيسكو وهيوستن ولوس أنجلوس ليستخدمه بعد ذلك الأمريكيون في سياراتهم طيلة ٤٥ سنة ظانين أنهم يستخدمون نفطًا إيرانيًا.
بالرغم من طول حقبة الانتعاش والثراء الذي حققه شاه إيران لروكفلر وأصحابه فإن وصول الحصار الخميني إلى الحكم عام ١٩٧٩ أنهى تلك الهيمنة النفطية الطويلة، وتوقفت أنابيب النفط الروسي، مما أدى بالاتحاد السوفييتي آنذاك إلى التفكير في مد خط أنابيب بديل، ولم يكن أمامه إلا أفغانستان التي قام بغزوها، فكان النفط مرة أخرى هو الذي حرك جحافل القوات السوفييتية لكن الحظ لم يكن دائمًا في صالح تجار النفط ومسعري الحروب، إذ اندحرت القوات السوفييتية في أفغانستان ثم انهار الاتحاد السوفييتي برمته بعد ذلك، وأدت الثورة الإسلامية في إيران إلى ظهور قطب نفطي جديد جمع بين شركتي بريتش بتروليم واستاندرد أويل أطلق عليه BP-America ثم BP-AMOCO لتتأقلم مع التحديات الجديدة بالنسبة لها، وفي هذا المولود الجديد يكمن سر دعم بلير المطلق للإدارة الأمريكية. لقد كانت سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا في الاستيلاء على نفط العالم تسير وفق مقولة مايكل كولون: إذا أردت أن تحكم العالم فعليك بالسيطرة على النفط كل النفط، وفي كل مكان عبر استراتيجية تزويد الكثير من الأنظمة بالسلاح مثل «بنما العراق يوغسلافيا باكستان...» ثم غزوها بعد ذلك كـ اجتياح بنما غزو أفغانستان حرب الخليج الثانية، غزو العراق... أما في بداية القرآن الحالي فإنها أصبحت تعتمد على استراتيجية الاستباق للأحداث والغزو المباشر، الأمر الذي جعل الشعب الأمريكي يتساءل عن أموال الضرائب التي تنفق على أفغانستان والعراق وكولومبيا وهي مناطق لا تشكل أي تهديد بالنسبة له، فعلى سبيل المثال كان الهدف من اجتياح كولومبيا القضاء على منظمات مثل (FARC) وجبهة التحرير (ELN) بحجة الإرهاب، فهل كانت هذه المنظمات تهدد الشعب الأمريكي أم تهدد شركات النفط التي كانت وراء الاجتياح العسكري الأمريكي لكولومبيا، لقد أجابت عن هذا التساؤل شركات النفط الأمريكي التي حطت رحالها بعد الغزو لتباشر مشروعاً بعد ٤٨٠ ميلًا من أنابيب النفط بتكلفة ٩٨ مليون دولار لتربط بين ثاني أكبر حقل نفط في كولومبيا وبحر الكاريبي، وكان هذا هو هدف الغزو ولم تتعرض القوات الأمريكية الغازية لأي من المنظمات التي ادعت أنها ذاهبة للقضاء عليها ..
لم يكن النفط وشركاته بعيدين عما حدث في البلقان من حروب مريعة، فقبل انهيار يوغسلافيا السابقة كانت شركات النفط الأوروبية والأمريكية ترغب في نقل نفط بحر قزوين الذي تقدر احتياطياته بـ ٢٠٦ مليارات برميل عبر إقليم كوسوفا ثم البحر المتوسط، وبدأت تلك المحاولات التي لعب فيها صندوق النقد الدولي دورًا مهمًا من خلال عدة مناورات وضغوط على يوغسلافيا لإجبارها على قبول ذلك المشروع، وبعد فشل هذه الأخيرة، كان العقاب تفكيك يوغسلافيا وتحطيمها على أيدي الولايات المتحدة وألمانيا، وبالرغم مما حصل من فظائع ومآس جراء ذلك الانهيار. صرف النظر عن مشروع أنابيب النفط بحجة التكلفة المرتفعة وعدم الجدوى الاستثمارية أمام تنافس كبير بين نفط الخليج وبحر الشمال وإسكندنافيا وروسيا، واكتفت الولايات المتحدة بتمركز قواتها في قلب البلقان.
اللعبة الكبرى
لقد فتحت أحداث ۱۱ سبتمبر الباب على مصراعيه الشركات النفط المسيطرة على صناعة القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا في تنفيذ الكثير من أحلامها التي كانت تجد صعوبة في تسويقها، وأصبح ما يسمى الحرب على الإرهاب مشروعاً لا حدود له لتنفيذ استراتيجية السيطرة النهائية الأنجلو أمريكية على مصادر الطاقة من بحر قزوين إلى الخليج العربي بالمنطقة ذات المصالح الحيوية بالنسبة لأمريكا، وقبل تلك الأحداث المربعة أعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في ٢٠ يناير ۲۰۰۱ بأن هناك رغبة في نشر قوات أمريكية في 15 بلدًا، وبالرغم من الشعارات المضللة التي رفعت والأسباب الموهومة التي وضعت فقد تحول العالم إلى مسرح للعمليات العسكرية الأمريكية والغزو والانتشار المهول امتدادًا من الحدود الصينية شرقًا إلى مشارف روسيا شمالًا إلى البحر الأدرياتيكي غرباء مطوقة بذلك الثروة النفطية البشرية، وقد خلفت تلك الحملات وراءها فظائع في أوساط الأبرياء الذين لا يعرفون لأجل ماذا يحدث كل هذا، وأمام مناطق النفوذ والثراء تلك لم تكن و إفريقيا الفقر والانتحار والأمراض مطروحة بشكل استراتيجي في حسابات الأجندة الأمريكية وسماسرة الحرب، فما يكل ويبي من معهد واشنطن للدراسات السياسية والمتقدمة، يصف إفريقيا - الغربية في محاضرة أمام الكونجرس الأمريكي بالمنطقة المهمة بالنسبة للمصالح الأمريكية، واقترح - إنشاء قيادة عسكرية جديدة لجنوب الأطلنطي تمكن - البحرية الأمريكية وقواتها من التحرك بسهولة لتدافع عن المصالح الأمريكية وحلفائها في إفريقيا الغربية.
وقبل أحداث 11 من سبتمبر ومنذ عام ۱۹۹۸ طرحت شركتا ستاندرد أويل وأنوكال UNOCAL الأمريكية التي تمتلك ٤٦,٥٪ من - مؤسسة غاز آسيا الوسطى Centgaz مشروع مد خط أنابيب لنقل الغاز والنفط يبلغ طولها ۱.۲۷۱ - كلم انطلاقًا من حقول تركمانستان إلى مدينة. مولتان بباكستان مرورًا بأفغانستان، وبتكلفة ١.٩ - مليار دولار، وعلى الرغم من المفاوضات المكوكية بين الشركتين وحكومة طالبان والوساطات التي قام بها كل من حامد قرضاي الذي كان مستشارًا مهمًا لشركة UNOCAL، وصاحب العلاقة القوية. مع وليام كاسي مدير المخابرات الأمريكية السابق الذي وفر له ولبعض أفراد أسرته الملجأ والجنسية الأمريكية بعد نهاية الجهاد الأفغاني في الثمانينيات، وزلماي خليل زاده مستشار الرئيس الأمريكي حول أفغانستان ثم العراق الآن، وأحد الأعضاء السابقين في مشروع Centgaz، وأحد مستشاري مؤسسة رائد السابقين، والمنسق بين
UNOCAL وحركة طالبان فإن تلك المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود وتم تحديد مصير أفغانستان و نظام طالبان بعد الشهادة التي أدلى بها جون مارسيكا نائب رئيس UNOCAL الذي تلك الفترة سفيراً خاصاً للولايات المتحدة عين في: في أفغانستان، وكان ذلك في ١٢ من فبراير ۱۹۹۸ أمام المشرعين قائلًا: «ما لم يتم إيجاد حكومة واحدة وموحدة وصديقة في أفغانستان، فإنه لن يتم بناء خطوط أنابيب عابرة فيها».
بعدها مباشرة وضع الملف الأفغاني على الطاولة ولم يعد يفصل بين الغزو إلا جمع ما يمكن جمعه من حجج ومبررات، ومنذ ذلك الوقت بدأت خيوط الحرب على أفغانستان تنسج وهندستها تصاغ بدءاً من الهجوم الصاروخي على جلال آباد وانتهاء بالغزو الشامل في أكتوبر عام ٢٠٠١، الذي تمخض طبعًا عن تعيين حامد قرضاي رئيساً الحكومة أفغانستان الجديدة، ومع كل ذلك الدمار والتشريد الشعب فقير ومشرد وأطلال خاوية وتنصيب حكومة صديقة كما أوصى جون مارسيكا، لم ينفذ مشروع الأنابيب التي تمت من أجله تلك الحرب، وتحول الاهتمام فورًا إلى غزو آخر أشد وأنكي من المؤكد أن حقيقة الحرب على العراق التي قادتها الولايات المتحدة تدخل في إطار العودة إلى أيام العز الأولى عندما كانت شركات النفط الأمريكية وعلى رأسها شركات روكفلر في الحقبة ما بين ١٩٤٨ و ۱۹٦٠ تمتلك حقول النفط في الخليج و إيران، وتجني ۱۳ مليار دولار، وهي نسبة تمثل نصف أرباح مجموع الشركات غير النفطية الأخرى.
وفي العقود الأخيرة لم تعد الولايات المتحدة تمتلك حقول النفط مباشرة في الخليج العربي لكنها لا تزال تجني أرباحًا طائلة، عبر مدخرات أموال الحقول الخليجية التي تذهب إلى بنوك الشركات النفطية نفسها، مثل بنك روكفلر مانهاتن.
لقد كان العراق محط أنظار شركات النفط الأمريكية والبريطانية منذ أن خرجت منه بعد تأميم المحروقات الذي تم عام ۱۹۷۳، لكون العراق يطل على بحيرة من النفط تقدر بـ ۱۱۲ مليار برميل من النفط ذي الجودة العالية لاحتوائه على مستويات دنيا من الكبريت أضف إلى ذلك الاكتشاف الجديد لحقل في صحرائه الغربية التي قيل أنها تفوق ما تحتوي عليه المملكة العربية السعودية برمتها، كما أن النفط العراقي لا تتجاوز تكلفة إنتاجه أكثر من ٩٧ سنتًا للبرميل الواحد حسب قول جون تيلنج رئيس إحدى شركات النفط الغربية، مقارنة بنفط الشمال الذي يكلف إنتاج البرميل الواحد منه ما بين ٣ و٤ دولارات طبقا للبنك الألماني، الأمر الذي يجعل استخراج النفط العراقي يوفر أرباحًا تصل إلى 97%، وفي خضم الصراع المحتدم على النفط والسباق المحموم على مصادره، أدت هذه العوامل بشركات النفط الألمانية والفرنسية والروسية للإسراع إلى إبرام عقود مبكرة مع العراق سدا للطريق أمام الشركات الأمريكية والبريطانية، خصوصًا وأن شركة إكسون موبيل وشل وبريتش بتروليم جددت مطالبها بحقوق قديمة في شركة النفط العراقي IPC قبل تأميمها عام ۱۹۷۳، لكن شركات الـنفط الأمريكية والبريطانية سبقت الكل بوصولها السريع إلى بغداد على ظهر الدبابات لفرض واقع وتصنعه وحدها وتفرضه على الجميع، تمامًا كما فعلت من قبل في إيران والخليج وفيتنام هذه أهم الأسباب التي أدت إلى غزو العراق، أضف إلى ذلك عوامل أخرى منها استنزاف احتياطي الولايات المتحدة التي قدرت عام ٢٠٠٠ بـ28,6 مليار برميل مع حلول عام ۲۰۱۰، كل هذه العوامل التي لا تخرج عن دائرة النفط ومصادره عجلت بغزو العراق، وكان نجم الحرب ديك تشيني نائب رئيس شركة هاليبورتون سابقًا أول المتسلمين لقطعته من كعكة العراق النفطية وقبل أن تضع حرب العدوان أوزارها، وكان أول ما فعلته القوات بعد انهيار نظام صدام توجهها إلى حقول النفط العراقي ومقار شركاته لتحميها، طبعا كأمانة للشعب العراقي كما أكد كولن بأول في بداية الحرب بينما لم تتحرك تلك الجحافل لحماية ممتلكات الشعب العراقي الأخرى الاقتصادية والعلمية والتراثية التي تعرضت إلى النهب والتدمير والإتلاف، بل ولم تجد متاحف العـراق التي تحتوي على أكبر تراث للحضارة الإنسانية
من يبكي عليها كما بكت كل العيون على تمثال بوذا في أفغانستان فهل ستدوس دبابات النفط على أشلاء وجثث الفقراء والأبرياء العزل تحت شعارات تحريرهم من أنظمة القهر والاستبداد التي نصبتها عليهم بالأمس، أم تحرير نفطهم منهم، أم أن السحر سينقلب على الساحر؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل