; التجزئة والاستبداد وباءان ابتليت بهما الأمة فمتى تتخلص منهما؟ | مجلة المجتمع

العنوان التجزئة والاستبداد وباءان ابتليت بهما الأمة فمتى تتخلص منهما؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001

مشاهدات 10

نشر في العدد 1440

نشر في الصفحة 9

الثلاثاء 27-فبراير-2001

رأي المجتمع

في ظلال الحج الذي يوحد بين المسلمين وفي ظل التكتل العدواني الصهيوني

منذ اندلاع انتفاضة الأقصى لم يتوقف السعي الحثيث داخل الكيان الصهيوني من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع حزبي العمل والليكود، وذلك بدافع أساسي هو تكتيل القوى اليمينية واليسارية في مواجهة الانتفاضة ومحاولة القضاء عليها في أقصر وقت ممكن واحتواء أي آثار إيجابية قد تترتب عليها، وحرمان الطرف الفلسطيني والعربي منها، وإعادة الأوضاع إلى نقطة الصفر، والاستعداد لاحتمالات خوض حرب شاملة إن اقتضى الأمر.

وبالرغم من عمق الانقسامات التي يعاني منها المجتمع السياسي في الكيان الصهيوني، وتنخره من الداخل، إلا أن هذه الانقسامات لا تتعدى نطاق الصراع على السلطة بين الأحزاب المتنافسة، ولا تمس توجهات السياسة الخارجية بشكل جوهري وبخاصة في الأوقات التي يشعر فيها الكيان بالخطر على وجوده، ونتيجة لذلك ارتبط تشكيل حكومة الوحدة الوطنية - دومًا- بالفترات التي تعتبر غير عادية، وبات من المعروف أن الرغبة في تشكيل مثل هذه الحكومة تؤشر إلى شعور الكيان الغاصب بدرجة أعلى من الخطر على وجوده، كما تشير إلى استعداده لخوض حرب شاملة، الأمر الذي حدث أكثر من مرة في تاريخ الصراع الذي تخوضه أمتنا ضد هذا الكيان منذ أكثر من نصف قرن.

وضمن سياق الحرب والاستعداد لمزيد من العدوان على الشعب الفلسطيني المجاهد جاءت المساعي الأخيرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد فوز المجرم شارون في الانتخابات على منافسه باراك الذي لم يقل عنه إجرامًا ووحشية.

ومن المفارقات المؤلمة أنه في الوقت الذي يتجه العدو إلى توحيد صفوفه وتكتيل قواه لإيقاع الأذى بأمتنا ومقدساتنا، نجد أن الفرقة لا تزال تمزق صفوف العرب والمسلمين، وأن الاختلافات والمنازعات فيما بينهم تزيدهم وهنا على وهن يحدث هذا بالرغم من أن لديهم كل مقومات الوحدة العقدية والاجتماعية والتاريخية والسياسية، ولديهم أيضًا كل مبررات الإسراع في تحقيقها لمواجهة التحديات الخطيرة التي تحدق بهم من جميع الاتجاهات، وفي مقدمتها الخطر الصهيوني الغاشم.

إن الإسلام الحنيف الذي يدين به الآن أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة يشكلون الكيان الاجتماعي– السياسي للأمة الإسلامية حض على الوحدة، ورغب فيها ودعا إليها وبين ما يترتب عليها من قوة وعزة ومنعة للأمة، كما حذر من الفرقة ومن عواقبها الوخيمة ومما تؤدي إليه من ضعف وذلة وهوان. قال تعالى:

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾  (آل عمران : 103)، وقال سبحانه:

﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) (الأَنعام :153)

وقال: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾  (الأَنفَال: 46)

كما أن للرسول الكريم ﷺ أحاديث كثيرة في الحض على الوحدة وعن مدى أهميتها في حياة الأمة ويتجلى ذلك في أروع معانيه في فريضة الحج التي تجمع بين المسلمين من شتى البقاع، وتخضعهم جميعًا الشعائر واحدة يستوي فيها الجميع، الأمر الذي يجعل الحج تجسيدًا مثاليًا لمبدأ الوحدة والدعوة إليها، كذلك، فإن معظم العبادات التي أمر بها المسلمون تعبر عن عمق معنى الوحدة، ولكن أين العرب والمسلمون من هذه التوجيهات الربانية والأوامر الإلهية لقد تفرقت بهم السبل، ودب بينهم الخلاف والتنازع، وعندما حاول البعض منهم تجريب الوحدة على أسس قومية أو عنصرية أو مذهبية ضيقة باءت محاولاته بالفشل والخسران المبين، وحل بالأمة الضعف والهوان جزاءً وفاقًا للبعد عن منهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وإذا نظرنا إلى حال الأمة في واقعها الراهن، سنجد أن الفرقة أو التجزئة، والاستبداد السياسي صنوان لا يفترقان، وأن كلًا منهما سبب للآخر ونتيجة له في الوقت نفسه، وأن المحصلة المرة لذلك لا تصطلى بنارها الأنظمة أو الحكومات، بل الشعوب والمجتمعات، فبعضها محاصر بالجوع والمرض، وبعضها مبتلى بالفتن الداخلية، والحروب الأهلية والدسائس الخارجية، وفي جميع الحالات، نجد أن أكثرية الشعوب العربية والإسلامية هي ضحية العدوان الأجنبي الاقتصادي أو العسكري أو الثقافي من جهة، والاستبداد الداخلي من جهة أخرى.

وستبقى الفرقة ما بقي الاستبداد والعكس صحيح. وهذا هو الدرس الذي يجب أن يعيه جميع أبناء الأمة.

إن العالم من حولنا يتجه بخطى سريعة نحو الوحدة وتظهر فيه تكتلات اقتصادية وسياسية قوية وكبيرة لتحقيق مصالح خاصة، بل والممارسة أشكال مختلفة من العدوان على الشعوب الضعيفة أو التابعة، كما يتجه بخطوات لا تقل سرعة من أجل التخلص من الأنظمة الدكتاتورية المستبدة، وأمتنا العربية والإسلامية أحق بالأمرين وأجدر بهما الوحدة، والتحرر من الاستبداد، ليس فقط لأن تحديات المرحلة الراهنة تفرض ذلك فرضًا لا بديل عنه، وإنما أيضًا- وبالأساس- لأن الإسلام الذي تدین به الأمة يأمرها بذلك باعتباره نظامًا متكاملًا أملًا: للأخلاق والمدنية والاجتماع، والاقتصاد والسياسة، وكل مناحي الحياة ولا عاصم لكيان الأمة بعد الله إلا به، ولا نهضة لها إلا بالتزام تعاليمه، وتحكيم شريعته.

وعلى قادة العرب والمسلمين وحكامهم أن يسارعوا إلى اتخاذ خطوات عملية على طريق توحيد صفوفهم، ولم شملهم وتجميع قواهم، وأول هذه الخطوات أن يتخذوا الإجراءات الكفيلة للتفعيل الجاد المخلص للأطر الوحدوية القائمة وفي مقدمتها جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والتجمعات الوحدوية الإقليمية الأخرى، على أن تتلو ذلك خطوات أخرى جدية تكون قريبة من تطلعات الشعوب وأمالها بقدر ما تكون بعيدة عن الكلام الذي لا ظل له من الحقيقة.

ولنأخذ من معاني الحج- الذي نعيش هذه الأيام نفحاته الطيبة- درسًا وعبرة ودافعًا نحو خدمة الإسلام والمسلمين..

الرابط المختصر :