العنوان في غيبة ابن الخطاب وصلاح الدين.. روجرز يوزع مقدساتنا!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 11-مايو-1971
مشاهدات 17
نشر في العدد 59
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 11-مايو-1971
يوم تقع الفريسة يتكاثر جزاروها.. كل يحمل سكينه ويقطع من لحمها ما يريد!!
وأمتنا بعد أن دوختها الضربات المتوالية وأنهكتها الهزائم المتلاحقة بركت من شدة الإعياء..
وكان الخصوم على أهبة الاستعداد فسارعوا إلى الإفادة من هذه الظروف قبل أن تفيق من الدوار..
إنها فرصة إملاء الشروط.. وتحقيق الأماني.. والتمتع بإذلال هذه الأمة.. وكسر نفسها وعزتها.
وحين تتعرض الأمة لهذه الظروف العصيبة فإن هذا البلاء لا يصيب أراضيها ومقدراتها المادية..
وإنما يصيب قبلاً معتقداتها.. وقيمها ومقدساتها.
وإفراغ الصراع القائم اليوم من محتواه العقائدي.. واعتباره صراعًا على أجزاء من الأرض العادية لتجريد هذه الأمة من أمضى الأسلحة.
إن الطمع في أراضينا هدف حقيقي ومطبق عمليًا.. ولكنه ليس هدفًا مقصودًا لذاته..
أولًا: لأن الطمع في أراضينا ينبعث من عقيدة اليهود الدينية ذلك أن ملك إسرائيل لم يحدده مؤتمر سياسي صرف، وإنما حددته كتب اليهود الدينية.
ثانيًا: إن جميع الخصوم يدركون أن يقظة هذه الأمة.. وقوتها.. وقدرتها على المواجهة والثبات.. يدركون أن هذه النهضة يصنعها الإسلام ويغذيها.. ويمدها بعوامل الاستمرار.. ومغالبة الفناء.. وبهذا الإدراك يعمل الخصوم على قتل هذه القيم في نفوس أمتنا.. لكي تتحول إلى أشباح.. مجرد أشباح!!
أشباح لا روح فيها.. ولا عزة.. ولا حرية إيمان.. ولا حرارة عقيدة، حتى إذا تقدمت للصدام. أو
ألجأتها الظروف للبقاء في خطوط الدفاع.. لا في الخصوم أشباحًا تنفخ بالفم.. لا رجالًا يثبتون عند اللقاء.
وأمة هذه حالها لا تستطيع الحفاظ على مقدساتها التي هي هدف العدو ومحور نشاطه العسكري والسياسي.
ومما لا شك فيه أن هذا التصور كان في رأس وزير الخارجية الأمريكي "وليم روجرز" وهو يطلق تصريحاته عن مصير القدس بروح الوصي على بلادنا ومقدساتنا؛ فقد قام بتوزيع تركة الأمة التي يعتبرها قد انتهت.. وزع هذه التركة أو قسم المقدسات الإسلامية القدس على النحو التالي:
١- قسم لليهود بإشراف إسرائيل.
٢- وقسم للنصارى بإشراف لبنان.
٣- وقسم للمسلمين بإشراف الأردن!!
و كأن روجرز يقول: إن عمر بن الخطاب الذي فتح بيت المقدس، وسلم مفاتيحه للمسلمين ليس موجودًا اليوم كذلك لا يوجد صلاح الدين الذي استعاد القدس من أيدي الصليبيين.. ولا داعي للأمل في جولة قادمة يستطيع المسلمون فيها أن يأخذوا ما سلب منهم عنوة: أي أن روجرز يمحو تاريخنا.. ويتصرف في حاضرنا.. وينصحنا باليأس والقنوط من المستقبل.
وهو يطلق تصريحاته أيام مولد النبي عليه الصلاة والسلام.. وكأنه يقول إن الجزء الثالث من حديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..» قد نسخ عمليًا.. إلى الأبد.
فهل كان روجرز يطلق هذه التصريحات، ويقدم على تلك التقسيمات لو أن أمتنا معافاة في دينها وعقيدتها.. وعقلها؟ إن القدس قدسنا، وهو لا يخص الأردن وحده حتى يصبح الجزء الممنوح للأردن مقنعًا للمسلمين بالقسمة الأمريكية.
إن القدس للمسلمين جميعًا، ومن ثم ينبغي أن يعلم روجرز أنه وهو يطلق تصريحاته تلك إنما كان يتصرف في حقوق ٦٠٠ ستمائة مليون مسلم أو يزيد.
ومهما يكن من أمر.. ومهما كان وضع أمتنا سيئًا ومحرجًا فإن الموقف الذي يجب أن يتخذ هو: الرفض الحاسم والقوي لتمزيق مقدساتنا وتوزيعها بهذه الطريقة المهينة.
إن التسليم أو القبول بهذه الحلول المذلة معناه المباشر والمؤكد: الإقرار التام بحق إسرائيل في الاغتصاب والعدوان.. ومعناه التنازل عن حقوقنا بقانون دولي... ومعناه إنهاء قضيتنا تاريخيًا.. ومعناه: توكيد آثار العدوان لا إزالتها!!
ولا نلوم الآخرين بقدر ما نلوم أنفسنا..
إن الآخرين لهم مطامع.. نعم.. وما خلت الأرض يومًا من هذه المطامع.. ولكن هؤلاء لا يستطيعون أن يحققوا مطامعهم إلا بنا نحن.. بتفريطنا في حقوقنا.. والاستسلام لظروف... التغلب عليها ليس مستحيلًا.
في عهد عمر بن الخطاب كانت هناك مطامع دولية في القدس.. ولكنها لم تجد سبيلًا إلى التطبيق لأن عمر بن الخطاب.. كان هناك.. سد الفراغ وتشبث بالحق. وأحبط الأطماع الدولية.
و في أيام صلاح الدين كانت هناك أطماع دولية في القدس، ولكنها لم تجد سبيلًا إلى التطبيق، رغم أنها قاتلت بشراسة؛ لأن صلاح الدين كان حاضرًا.. سد الفراغ، واستمسك بالحق.. وأحبط مطامع الخصوم.
لا قيمة للحق في واقع الناس إلا إذا أحبط بقوة وإصرار واستعداد تام للتضحية في سبيله.
ولو أن إسرائيل -وباطلها واضح- ظلت تبكي في الأمم المتحدة آلاف السنين وظلت تقيم الندوات السياسية والفكرية وتطلق الوعود بتحرير أرضها المزعومة.. لما استطاعت أن تقيم كيانها على أنقاضنا.. لكن اليهود استخدموا الأسلوب العملي -وهو القوة- لقيام كيانهم.
ولا سبيل إلى رد الموت عن أمتنا.. واستئناف حياة عزيزة لا أوصياء فيها علينا.. لا سبيل إلى ذلك إلا بالقوة.. وكل الحلول فاشلة إلا هذا الحل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل