العنوان في غيبة الحرية.. والعقيدة احتل اليهود.. أرض الفارغين
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1972
مشاهدات 20
نشر في العدد 103
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 06-يونيو-1972
للذين يعقلون
في غيبة الحرية.. والعقيدة
احتل اليهود.. أرض الفارغين
المنطق العملي لعقيدة القضاء والقدر
إقدام على التضحية.. في ثقة واطمئنان
أسباب كثيرة -من صنع العرب أنفسهم قبل أي شيء آخر- أدت إلى الهزيمة عام١٩٦٧.
لكن يبقى هناك سببان رئيسيان وراء هذا الانهيار الشامل الذي وقع في ٥ يونية من ذلك العام السببان هما:
· غياب الحرية
· وغياب العقيدة
فمهما كان السلاح كثيرًا وفعالًا.. ومهما كان عدد الجنود ضخمًا وكثيفًا.. ومهما كانت الظروف مهيأة.. والموقع الاستراتيجي ممتازًا فإنه لا يستفيد من ذلك كله.. إلا الحر صاحب العقيدة. ولما كانت الحرية محرمة. ولما كانت العقيدة مسجونة ومضطهدة. فقد فل السلاح.. وشلت أيدي الجنود والقادة.. وتحولت الظروف الحسنة إلى ظروف رديئة.. وتحول الموقع الاستراتيجي الممتاز إلى ثغرات يدلف منها العدو.. بجسارة لم تعرف عنه في تاريخه!
• إن الحرية ليست ترفًا يمكن الاستغناء عنه.. إنها شيء ضروري سواء بالنسبة لتكوين الشخصية.. وبالنسبة لإدارة شئون الأمة بمقتضى الحكمة والوعي والرشد.. وبالنسبة لوضع كل الكفاءات في المعركة.. وإتاحة المجال لها لكي تعمل وتبدع.
لقد كان غياب الحرية وراء هذا الانهيار المفزع المخجل أن الجنود والقادة حين لاقوا العدو لم يثبتوا.. وبدلًا من الإقدام المطلوب.. تولوا يوم الزحف.. وصاروا بددًا.. وعلة ذلك واضحة.. فهؤلاء قتلوا داخل أوطانهم قتلهم الكبت والإذلال.. فلما تقدموا إلى الميدان كانت أرواحهم تفتقر إلى «حرية» المقاتل وعزته وآبائه.
والرجل الذليل في وطنه لا يمكن أن يكون عزيزًا.. في ميدان القتال تجاه عدوه.
إن الحرية مقوم رئيسي من مقومات تكوين الشخصية.. وحين تبنى القوات المسلحة ويصاغ أفرادها في جو غير حر فإنها تخفق ويخنق أفرادها.. قبل أن يخنقها العدو.
﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: ١٥٩)
والحرية ضرورة من إدارة شئون الأمة بمقتضى الحكمة والشورى ذلك أن الاستبداد بالرأي -خاصة في هذه الأمور الفاصلة- يقود الأمة إلى كوارث ماحقة.
وكلما كثرت الآراء.. ووجدت الأفكار الحرة طريقها إلى النور كلما زادت كمية الصواب.. ونقصت بالتالي كمية الخطأ.
ولا ينبغي أن تعرض مصائر أمته بكاملها لطيش الأفراد المستبدين الذين يضيقون بالرأي الحر.. وبالشورى فمصلحة الأمة أولى وأهم من هوى الأفراد.
والحرية ضرورية من أجل أن تجد الكفاءات مناخها الطبيعي والصحي فتعمل وتبدع.
ولما كانت الكفاءات الحية لا تستطيع أن تعيش وتنتج إلا في جو حر فإن غياب الحرية قد أفقد المعركة أسلحة فعالة وماضية.
وبينما كانت الكفاءات اليهودية تشجع وتمكن ويتاح لها أوسع المجالات وأرحب آفاق الحرية كانت الكفاءات العربية تضطهد وتذل وتعطل مواهبها ويتسلط عليها الجهلة.. ويتعالى عليها المهرجون مما جعلها تعيش في جو نفسي لا يسمح لها بالإنتاج.. بله الإبداع.
وغياب العقيدة من جهة أخرى كان وراء الانهيار المفزع المخجل.
إن اليهود يملكون الفانتوم.. ولكن الأهم من ذلك والأجدر بالاهتمام والتقدير الصحيح أن هؤلاء اليهود يحاربوننا بمعتقد ديني سيطر على أفكارهم ومشاعرهم وأعصابهم.
وفي الوقت الذي يكافح فيه زعماء عرب.. وكتاب عرب.. وأدباء عرب وفنانون عرب وصحافيون عرب.. وأيضًا نساء عربيات!! في الوقت الذي يكافح فيه هؤلاء في سبيل تجريد الأمة من دينها ومعتقدها، ويحاولون تعليمها مبادئ الإلحاد -تحت لافتات مختلفة- في هذا الوقت كان اليهود- حاخاماتهم وعسكريوهم وسياسيوهم وعلماؤهم- يعلمون جنودهم وأولادهم ويربونهم على العقيدة اليهودية.. ويشبعون أفكارهم ومشاعرهم وتصوراتهم وتطلعاتهم بها!
كان اليهودي يحارب بعقيدة دينية.
وكان العربي مشوشًا لا يستطيع أن يحارب بعقيدة دينية.. لأن الدق الإعلامي المخرب.. والتوجيه الفاسد.. وترويج شعارات الإلحاد.. كل هذه العوامل إن لم تكفر الجندي العربي فقد جعلته تائهًا.. مفرغ القلب من عقيدة دينية حارة متقدة بالحماس والتضحية والإقدام.
إن للعقيدة الإسلامية وزنها الهائل وأثرها الحاسم في دفع الناس إلى القتال وركوب الأهوال.. والإقدام على الموت ببسالة خارقة.
فبالإضافة إلى معاني الحرص العزة.. ونصرة الإسلام.. والرغبة في الشهادة التي تفرسها العقيدة الإسلامية من حس المسلم وشعوره وفكره.. هناك المنطق العملي لمفهوم القضاء والقدر في الإسلام.
فالإيمان بالقضاء والقدر يدفع المسلم دفعًا حارًا إلى ساحات الجهاد.. لأن هذا الإيمان يرسخ في قلب المسلم إقناعًا تامًا بأن الأجل إنما بيد الله وحده.. ولن يزيده الأحجام دقيقة واحدة.
ومن الملاحظ أن معظم آيات القضاء والقدر -تقريبًا- قد نزلت في جو حربي.. ومناخ جهادي حتى يعلم المسلمون أن الإيمان بالقضاء والقدر سبب من النشاط والقوة.. وليس تبريرًا للكسل والعجز.
وهذه بعض الأمثال:
في غزوة بدر يقول الله سبحانه: ﴿إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ (الأنفال: ٤٢).
وفي غزوة أحد يقول سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ (العمران:145).
وفي غزوة تبوك يقول جل شأنه: ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة:51).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
نص محاضرة الشيخ محمد متولي الشعراوي التي ألقاها بجمعية الإصلاح الاجتماعي (الجزء الثاني)
نشر في العدد 228
9
الثلاثاء 03-ديسمبر-1974