العنوان قراءة في الاتجاه إلى خفض الإنتاج النفطي
الكاتب عبدالله الصالح
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1980
مشاهدات 13
نشر في العدد 500
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 07-أكتوبر-1980
- النفط ثروة ناضبة ورأسمال يجب الحفاظ عليه وتقنين إنتاجه.
- منظمة أوبك أفلحت إلى حد ما في توحيد الأسعار ولم «تتوحد» بشأن خفض الإنتاج.
- بعض الدول زادت الإنتاج رأفة بالسوق العالمي فتكون «فائض» هدد أسعار نفطها!!
لئن أفلحت/ منظمة أوبك في تحقيق أسعار عادلة لثرواتها النفطية الناضبة إلى حد ما، فإن السؤال الذي يظل بحاجة إلى إجابة هو ماذا حققت على صعيد تقنين الإنتاج، وهل يبقى خفض الإنتاج مجرد شعار يرفع حسب الظرف والمناسبات ؟! ثم هل يتم التوصل إلى سياسة موحدة للإنتاج؟!
لماذا خفض الإنتاج؟
الأساس النظري لاتجاه خفض الإنتاج هو أن الدول المنتجة للنفط مع تنامي الوعي فيها خاصة مع إهلالة السبعينات, باتت تدرك أن النفط ثروة ناضبة يجب الحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة. وفوق ذلك فالنفط لدى معظم الدول المنتجة والمصدرة له يشكل ما يزيد عن 70٪ من دخلها القومي يصل في بعض البلدان إلى 95٪من الدخل القومي وبالنسبة للإيرادات تشكل عائدات النفط أكثر من ٨٠٪ من مجمل الإيرادات لمعظم دول الأوبك وتشكل في بعضها 96٪ من الإيرادات وعليه فإن النفط يعتبر بالنسبة لهذه الدول «رأسمالًا» وليس سلعة إستهلاكية.
ومنذ تعديل أسعار النفط عام ١٩٧٤ أخذ يتجمع لدى بعض دول الأوبك عائدات نفطية فائضة عن حاجتها أخذت توظفها في الأسواق المالية الغربية والأمريكية اتخذتها الأوساط الغربية لإسقاط كل أسباب التضخم والبطالة والإنكماش في الاقتصاد العالمي على هذه الفوائض والاستثمارات.
وهنا رأت بعض الدول المنتجة أنه ينبغي عليها للحفاظ على ثرواتها خفض الإنتاج وإبقاء النفط في الأرض خيرًا من تحويله إلى نقد «يأكل» قيمته الشرائية التضخم وتقلب أسعار الصرف للدولار الذي لا يزال العملة الأساس في احتساب عوائد النفط.
ومن أوائل الدول التي باشرت إلى خفض إنتاجها الكويت وفنزويلا وليبيا والعراق والجزائر وكان ذلك في أواسط السبعينات ولكن قرار الخفض في هذه الدول كان قرارًا إفراديًا.
محاولات جماعية :
على أن المحاولات الجماعية للتوصل إلى قرار بخفض الإنتاج وهو ما عرف في الأدب النفطي بتقنين الإنتاج، فقد انحصرت في مؤتمرات الأوبك الوزارية، ولكن يلاحظ أن البحث الجاد في هذا الموضوع من قبل هذه المؤتمرات لم يطرح إلا حديثًا فالسنوات السابقة كانت مؤتمرات الأوبك تنعقد في الغالب لبحث مشكلة الأسعار.
ففي مؤتمر كراكاس الذي انعقد في أواخر العام الماضي طرح موضوع توحيد الأسعار وخفض الإنتاج للبحث والنقاش ولكن المؤتمر وقد سارعت بعض دول الخليج بقيادة السعودية إلى إعلانها عن رفع أسعار نقطها قبل انعقاده، لم يكن له أن ينجح فخرج بقرار مفاده أن لكل دولة حق تحديد أسعار نفوطها بالشكل الذي تراه.. وأرجىء البحث في موضوع خفض الإنتاج كنتيجة لذلك!
وماذا بعد ؟
وقد علقت معظم الصحف ووسائل الإعلام الغربية والعربية على ذلك المؤتمر بأنه كان منعطفًا خطيرًا هدد الأوبك «بانفراط عقدها» ومضي كل طرف في سبيله وهذا ما تسعى إليه بالضبط دول العالم الرأسمالي المستهلكة للنفط.
ومنذ مؤتمر كراكاس أنعقد للأوبك ثلاثة مؤتمرات في الجزائر وفينا كان هم المؤتمرين الأول هو الحفاظ على «وحدة الأوبك» ولو على حساب التوصل إلى سياسات سعرية وإنتاجية مهمة.
وقد كان من المفترض أن يتعزز الاتجاه لخفض الإنتاج منذ عام ۱۹۷۸ وهذا ما فعلته بعض الدول، ولكن دولًا أخرى وفي مقدمتها السعودية باشرت منذ عام ۱۹۷۹ إلى زيادة إنتاجها بحيث وصل إلى 9.5 مليون برميل يوميًا. وقد كانت وجهة النظر السائدة لدى المسؤولين السعوديين وفي مقدمتهم وزير النفط أحمد زكي اليماني: أنه بعد توقف إنتاج النفط إبان الثورة الإيرانية وخفض الإنتاج الإيراني من ٦ مليون برميل يوميًا إلى حوالي ٣,5 مليون برميل يوميًا في أعقاب انتصار الثورة قد أدى إلى فجوة في سوق النفط العالميةونقص في إمدادات النفط للدول الصناعية التي تقيم معها السعودية علاقات اقتصادية متينة.
ولذا ترتب على السعودية زيادة إنتاجها لسد هذه الفجوة وللحيلولة دون حدوث زعزعة في الاقتصاد العالمي.
يقول أحمد زكي يماني في مقابلة مع مجلة «المجلة» قبيل انعقاد مؤتمر الجزائر في شهر يونيو الماضي.. في حال وجود الفائض فعلى أوبيك أن تدبر فيما بينها طريقة لتحديد الإنتاج، وفي حال وجود النقص في الإمدادات فعلى أوبيك وعلى الدول التي تملك الفائض في طاقة الإنتاج أن ترفع إنتاجها لتخفيف حدة النقص، وبذلك تجنب العالم ماقد يحدث نتيجة النقص في الإمدادات وتجنب أنفسنا نتيجة ماقد يحدث نتيجة زيادة الإنتاج».
فائض في الإنتاج:
وعلى أن هذه القناعة لم تقتصر على السعودية وبعض دول الخليج، بل أخذت العراق منذ مؤتمر كاركاس يقترب منها بحيث أصبح الموقفان السعودي والعراقي متماثلين إلى حد بعيد في مؤتمر فينا الأخير.
وعلى أية حال وكنتيجة لهذه المعادلة حقق عام ۱۹۸۰ فائضًا في الإنتاج يقدر بحوالي ثلاثة ملايين برميل يوميًا. والسبب إضافة إلى ذلك يعود إلى نجاح الدول المستهلكة في خفض استهلاكها من النفط بنسبة تتراوح بين ١٠ – ١٥٪ فيما زاد الإنتاج في بعض دول الأوبك كالسعودية والعراق، ففي السعودية مثلًا زاد الإنتاج عام ٧٩ بمعدل 5 ,14٪. وإذا كان السعوديون يعترفون بأن أسبابًا سياسية قد دفعتهم لزيادة الإنتاج والحفاظ على معدله الحالي 9,5 مليون برميل يوميًا، فإن العراقيين عزوا ذلك إلى حاجتهم لتمويل خطط التنمية ومساعدة الدول النامية كما ذكرت ذلك مجلة الحوادث اللبنانية.
تخفيضات حديثة:
وقد تشكل اتجاه جديد لخفض إنتاج النفط بسبب وجود فائض نقطي سواءاً كان فائضًا حقيقيًا أم مصطنعًا كما تقول كل من إيران وليبيا.
ويبلغ إنتاج أوبك حاليًا حوالي ٣٣ مليون برميل يوميًا، أي ما يوازي ٦٠٪ من إجمالي الإنتاج العالمي و ٩٠٪ من مجمل صادرات النفط العالم.
أما الاستهلاك العالمي فقد استقر هذا العام على حوالي ٣٠ مليون برميل يوميًا, وبسبب هذا الفائض فقد أصاب السوق القورية في روتيردام ركود نسبي، كما اتجهت المبيعات إلى العقود الآجلة الثمن. وفي محاولة لحد من الفائض النفطي وللحفاظ على أسعار عادلة للنفط فقد لجأت بعض الدول إلى خفض الإنتاج. ففي الكويت تم خفض الإنتاج منذ أبريل الماضي إلى معدل ١٫٥ مليون برميل يوميًاكما أعلن ذلك وزير النفط الشيخ علي الخليفة الصباح. وتشير صحيفة نفطية متخصصة إلى ان إنتاج الكويت في شهر أغسطس بلغ ٣٥٠,000 ,ا برميل يوميًا، وفي الإمارات العربية تم تخفيض الإنتاج بمقدار ٨٠ ألف برميل من أصل ۷ ,ا مليون برميل يوميًا.
ومع أن السعودية قد ألمحت على لسان وزير النفط أحمد زكي يماني منذ أوائل عام ١٩٨٠ إلى نيتها بخفض الإنتاج بحيث يصل إلى 8,5 مليون برميل يوميًا إلا أن نشرة البتروليوم- ايتجلنس ويكلي ذكرت بأن الانتاج السعودي ظل حتى نهاية شهر اغسطس الماضي على حاله أي بمعدل 9.5 مليون برميل يوميًا.
جدل حول خفض الإنتاج:
وفي مؤتمر الأوبك الذي عقد خلال الفترة ١٥- 18/9/ ١٩٨٠ في فينا وحضره وزراء المال والخارجية والنفط للدول الأعضاء دار جدل كبير حول سياسة خفض الإنتاج بالرغم من أنه كان هناك اتجاه عام لخفض الإنتاج. وقد كان واضحًا من خلال جلسات المؤتمر أن العامل السياسي كان له أثر كبير في اتجاه النقاش بين مختلف الوفود.
وفيما يخص الإنتاج فقد كان هنالك إلحاح من معظم الدول الأعضاء بضرورة خفض الإنتاج بنسبة موحدة قدرها ١٠٪. ومن أبرز الدول التي دعت إلى ذلك إيران وليبيا. وبسبب مناورات أحمد زكي يماني وتايه عبد الكريم وزير النفط العراقي اتجه المؤتمر إلى الرأي الذي يتبناه كل من العراق والسعودية وهو ترك مسألة خفض الإنتاج لكل بلد بمفردها حسب مصلحتها وحسب أوضاع السوق.
والحجة التي يستند إليها هذا الرأي، هو أنه لا يمكن الاتفاق على تحديد الإنتاج ما لم يتم الإتفاق على أستراتيجية طويلة المدى حتى نهاية القرن الحالي. وقد اشترط هذا الرأي ضرورة الاتفاق أولًا على توحيد الأسعار. ويقول مانع سعيد العتيبي معلقًا على مؤتمر فينا «ليس هناك مجال لخفض مستوى الإنتاج قبل خفض نسب الفوارق في الأسعار».
وفي هذا المجال فقد وافقت السعودية على رفع أسعار نفطها بمعدل دولارين للبرميل حيث أصبح ٣٠ دولارًا للنفط الخفيف. وتم اتخاذ قرار بتجميد أسعار نفوط الدول الأخرى بمعدل ۳۲ دولار للبرميل.
ولكن هل يخفض الإنتاج؟!
وبعد أن تم اتخاذ قرار بشأن توحيد الأسعار وتم إرجاء بحث خفض الإنتاج إلى مؤتمر قادم، هل تبادر بعض الدول إلى خفض إنتاجها وبالذات المملكة العربية السعودية؟ لقد فهم من غياب أحمد زكي يماني عن آخر جلسة لمؤتمر فينا التي تم فيها مناقشة طلب خفض إنتاج أوبك بمعدل 10٪، أن ليس في نية السعودية خفض الإنتاج في الوقت الحاضر ومنذ أن أندلعت الحرب العراقية- الإيرانية وتوقف ضخ النفط من البلدين فإنه من المرجح- كما يعتقد المراقبون- أن لا تلجأ السعودية لهذا الاجراء حفاظًا على نظرية الموازنة بين العرض والطلب التي تتبناها السياسة النفطية السعودية.
وبالرغم من أن دولة الإمارات العربية كانت من ضمن الدول التي أعلنت أنها ستخفض انتاجها بنسبة 10٪ في أعقاب مؤتمر فينا لتخفيف الفائض النفطي، كما أعلن ذلك من قبل وزير البترول مانع سعيد العتيبة إلا أن وكالة رويتر نسبت لمسؤول في وزارة النفط قوله يوم 26/9 أن بلاده لم تتخذ قرارًا بعد بخفض الإنتاج وامتنع عن ذكر الأسباب!!
وعلى أية حال فإن ما تجدر الإشارة إليه أن مؤتمر فينا كما قال صحافيون أميركيون، قد توصل في آخر جلساته إلى ما سبق أن وتوقعته» الصحافة الأميركية قبل انعقاده بأسبوعين.
وإذا كان المؤتمر قد خلص إلى تأجيل البت في كثير من المسائل وأرجأ ذلك إلى مؤتمر القمة المقرر عقده في بغداد على أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن استراتيجية حتى نهاية القرن فإنه بعد اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية وتبلور بعض المحاور السياسية داخل الأوبك وسيجعل انعقاد المؤتمر مشوبًا بالشكوك، وإذا انعقد فلن يكون بأحسن من المؤتمرات السابقة! وهكذا تتوالى المؤتمرات ويظل الإنتاج حسب نظرية السوق التي لا يحكمها الاقتصاد هذه الأيام يزداد ويتخفض ليحقق مصالح الدول المستهلكة أكثر من تحقيق مصالح الدول المنتجة و«الحق» ليس على الساسة ولا رجال الاقتصاد في هذه الدول بل على قوى السوق في الدول المستهلكة!!!
فمتى يفيق المنتجون من سبات قد يطول إلي أن ينضب النفط؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل