; قراءة في الاتجاه إلى زيادة الإنتاج النفطي | مجلة المجتمع

العنوان قراءة في الاتجاه إلى زيادة الإنتاج النفطي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

مشاهدات 16

نشر في العدد 502

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

  • نَهَب خيرات البلاد والشعوب اتخذ أساليب متعددة وجديدة.

  • العالم الغربي كَرَّس تقسيم بلاد المسلمين وفرض عليها التبعية الاقتصادية.

  • الدولة الصناعية اتخذت من أوبك شماعة لتعلق عليها جميع متاعب الرأسمالية.

  • الاتحاد السوفياتي شارك أوروبا في لعبة الذهب لامتصاص فوائض النفط.

  • دول الأوبك تُقر خفض الإنتاج وبعض أعضائها يزيدون الإنتاج.

  • الفائض النفطي خدعة أوروبية- أمريكية لخفض الأسعار.

  • الدول الغنية لن تتضرر من انقطاع صادرات النفط من العراق و إيران.

  • مال المسلمين أمانة في أعناق الحكام وعنه سيُسألون.

  • إلى متى يظل المسلمون يُمدون يد العون لمن يتربص بهم الدوائر.

  • مصفاة عبدان: هل تعود لسابق عهدها؟!

  • أحمد زكي يماني: سيزيد الإنتاج!

خلافًا لقرار بخفض الإنتاج النفطي اتخذته معظم دول الأوبك في فيينا قبل شهر تقريبًا، عَمَدَت بعض هذه الدول على إثر اندلاع الحرب بين العراق وإيران وتوقف إنتاجها النفطي إلى زيادة الإنتاج النفطي لتفادي النقص في إمدادات السوق، فهل حصل نقص في السوق فعلًا؟ ومن الذي سيتأثر في هذا النقص؟! وإلى متى تظل التبعية هي العلاقة السائدة بين العالم الرأسمالي ودِول العالم الإسلامي؟!

«التبعية» هي شكل العلاقة التي فرضها المُستعمِر الغربي على جميع بلدان العالَم الثالث وبالأخص مجموعة دول العالم الإسلامي، و إذا استطاع العالم الإسلامي أن يتخلص من التبعية العسكرية خلال عقدي الخمسينات والستينات إلا أنه مازال لم يتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية، إن لدول العالم الرأسمالي بقيادة أمريكا أو لدول العالم الاشتراكي بقيادة روسيا.

وعلى صعيد النفط كان من المؤمل أن تنجح منظمة البلدان المُصَدِّرَة للبترول «أوبك» التي تأسست في بداية الستينات في إرساء قواعد سياسة نفطية مستقلة عن العالَم الرأسمالي الجشع. وبالرغم من النجاح النسبي لهذه المنظمة في رفع أسعار نقطها بنسب عادلة طبقًا لقانون العرض والطلب، كما تمكنت من السيطرة على الإنتاج إلا أنها لم تتوصل حتى الآن لسياسة موحدة حيال التسعير والإنتاج.

نهب وابتزاز

والدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة لم تعدم الوسيلة في نهب خيرات الدول المُنتجة للنفط وابتزاز خيراتها. ففي عهد السيطرة الاستعمارية كانت الشركات الاحتكارية هي التي تُسيطر على الإنتاج والتسويق والتصنيع، وكان لا يعود على هذه الدول من جراء ذلك إلا الفتات والنزر اليسير. 

وبعد تحقيق السيطرة الوطنية على الإنتاج وخروج الشركات الاحتكارية من الحَلَبَة؛ لجأت الدول الصناعية الغربية إلى أساليب جديدة للنهب والابتزاز، تُمَثَّل في رفع أسعار السلع الصناعية والاستهلاكية المُصَدَّرَة للدول المنتجة للنفط بشكل فلكي، كما تمثل في ابتزاز الرغبة في الأمن لدى هذه الدول، خاصة في منطقة الخليج العربي؛ فاتبعت الدول الغربية سياسة «القطارة» في بيع الأسلحة، وبأسعار باهظة جدًا يذهب أكثر من ثلثها إلى سماسرة السلاح. ولاتزال الدول النامية عمومًا تُعاني من مسألة الحصول على «التكنولوجيا» بالرغم من ثرثرة الغرب حول ضرورة تطوير العالَم الثالث! 

وبالرغم من ذلك فقد تحقق لبعض دول الأوبك فوائض مالية وظفت معظمها في المصارف الأمريكية والأوروبية، وقد اتخذ الغرب هذه الفوائض بالإضافة إلى أي رفع لأسعار النفط «شماعة» علق عليها جميع متاعب النظام الرأسمالي من تضخم وبطالة وأزمات!

ولم يتوقف الأمر على الحرب الإعلامية، بل عمدت دول المعسكر الغربي إلى ربط أسعار النفط بالدولار الذي جرى التخطيط لعدم استقرار قيمته؛ وبالتالي ضعف القوة الشرائية للفوائض النفطية.

وفي أزمة الذهب شارك العالَم بأسره أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفياتي في التآمر على أموال الأوبك.

فبسبب الانخفاض المستمر لأسعار الدولار تَكَوَّن اتجاه لدى دِول الأوبك بالاستغناء عن الدولار، وبسبب إثارة أجواء الحرب إعلاميًا؛ زاد الإقبال على شراء الذهب. وفي هذه اللحظة امتنعت البنوك الأوروبية عن عرض أي كمية من الذهب بالرغم من أنها تمتلك حوالي 85 % من مجموع الاحتياطات الذهبية في العالَم.

أما الاتحاد السوفياتي فقد عرف 240 طنًا بدلًا من 400 طنًا كان يعرض سنويًا؛ وبسبب هذا الخفض ارتفعت أسعار الذهب خلال العام الماضي والعام الحالي بنسبة عالية جدًا وصلت إلى 30 خلال شهر واحد:

وإذا ما وضعت الحرب أوزارها فسوف نرى تنافس الدول الرأسمالية وجشعها في محاولة الحصول على عقود لإصلاح المنشآت النفطية في العراق وإيران وتزويدها بالسلاح.

هذه صورة مجملة المواقف الدول الرأسمالية والشيوعية من قضية النفط، أما مواقفها حيال القضايا الإسلامية وخاصة قضية فلسطين فليست فيها واقعة يمكن أن تكون مُنصفة أو حتى حيادية.

ولكن كيف يكون الجزاء؟!

وبالرغم من وضوح القضية وحقيقة التآمُر الدولي على بلاد المسلمين وخيراتهم، فإن كثير من الدول الإسلامية قد بنت علاقاتها مع الدول الاستعمارية وكأنها أحسنت إليها ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (الرحمن: 60)!

ففي مؤتمر الأوبك الأخير الذي انعقد في فيينا كان واضحًا أن الغَلَبَة فيه كانت لصالح «الاعتدال» الذي يشترط التوصل إلى توحيد الأسعار قبل التوصُّل إلى استراتيجية طويلة المَدَى حيال الإنتاج والأسعار، باعتبار أن توحيد الأسعار و ربط زيادتها بنسبة التضخم في الدول الصناعية «لا يضر بالاقتصاد العالمي» ويُحقق مصالح المنتجين والمستهلكين على حدٍ سواء.

 ولكن أصحاب هذا الاتجاه لم يتخذوا قرارًا يُخفض الإنتاج بالرغم من أنهم قد هددوا بذلك منذ أكثر من سنة.

وعلى أي حال فقد أعلنت كل من دولة الإمارات العربية والجزائر وليبيا والعراق وإيران رسميًا قرارها بتخفيض الإنتاج اعتبارًا من أول أكتوبر هذا العام.  فهل تم الالتزام بهذا القرار أم تم تجاوزه؟ ولماذا؟

 الإعلان عن زيادة الإنتاج

لقد توقعنا في عدد سابق أن تغُض هذه الدول الطرف عن قرار خفض الإنتاج بسبب الحرب العراقية- الإيرانية. ولكن المُلفت للنظر أن بعض هذه الدول عمدت إلى زيادة إنتاجها بدلًا من خفضه أو على الأقل الإبقاء على مُعَدَّلِه.

ترددت أنباء تناقلتها وكالات الأنباء العالمية على إثر اندلاع الحرب العراقية الإيرانية بأن المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج سوف تعمد إلى زيادة إنتاجها؛ للتعويض عن النقص الناشئ عن توقف ضخ النفط العراقي والإيراني. وقد نسبت وكالات الأنباء تلك الأنباء إلى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل و وزير البترول أحمد زكي يماني.

 كما ذكرت أنباء صحفية أن وزير البترول والثروة المعدنية في دولة مانع سعيد العيتبة صَرَّح بأن بلاده على استعداد لزيادة إنتاجها إذا اقتضى الأمر ذلك.

وفي نهاية الأسبوع الأول من شهر أكتوبر أنهى جولة خليجية شملت كلًا من الكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات العربية. وقد نقلت صحيفة الأنباء الكويتية عن مصادر خليجية مطلعة قولها «إن زيارة الشيخ أحمد زكي يماني وزير البترول السعودي لهذه الدول لم يكن هدفها حَثّ هذه الدول على زيادة إنتاجها من البترول فحسب، بل كانت تستهدف أيضًا طمأنة هذه الدول على أن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي في حالة تعَرُّض أية دولة عربية من دول الخليج لخطر قد ينتج عن الحرب العراقية الإيرانية».

 وتحسبًا لأي اتساع لنطاق الحرب، وخوفًا من توقف عبور شاحنات النفط من مضيق هرمز؛ فقد نكر دبلوماسيون عرب في بيروت أن السعودية تقوم بإنشاء خط أنابيب جديد لضمان وصول إمدادات البترول إلى الغرب، و ذَكَر الدبلوماسيون أنَّ خط الأنابيب الذي يربط حقل البترول السعودي الشرقي بمدينة ينبع على البحر الأحمر من المتوقع أن يتم استكماله قريبًا.

وفي وقت لاحق أعلنت كل من إندونيسيا ونيجيريا وفنزويلا بأنها لن تخفض من إنتاجها النفطي في ظل الظروف الراهنة.

 وتقول مصادر نفطية مطلقة أنه جرى بالفعل زيادة الإنتاج في جميع هذه الدول.

 وقد قدرت مجلة ميدل أيست ايكونوميك سيرفي أن دول الخليج سوف تزيد إنتاجها بمعدل 100 ألف برميل يوميًا، أما السعودية فستزيد إنتاجها بمعدل 900 ألف برميل يوميًا. وذهبت مصادر غربية إلى أن الإنتاج السعودي الذي يبلغ حاليًا 9,5 مليون برميل يوميًا سيصل إلى 11 مليون برميل يوميًا.

لقد سببت هذه الزيادة بالتعويض عن نقص الإمدادات بسبب الحرب العراقية الإيرانية فهل حصل النقص فعلًا ومَن هي الدول المتضررة من النقص؟!

الدول الغنية لن تتضرر

الذي تدل عليه الإحصاءات أن الدول الصناعية لن تتضرر كثيرًا على عكس ما تقوله وسائل إعلامها من توَقُّف ضخ النفط العراقي والإيراني. فالولايات المتحدة مثلًا تستورد فقط «6» ملايين برميل يوميًا من كل من العراق وإيران والكويت وما انقطع عنها بسبب الحرب لا يُشكل إلا نسبة 1 % فقط من مُجمل وارداتها النفطية.

أما أوروبا واليابان فقد فقدت حوالي 7 % من وارداتها النفطية، وهذه النسبة ليست عالية وهي تعادل نسبة التراجع في الطلب على النفط في هذه الدول. كما أثبتت هذه الدول قدرتها على تحقيق خفض في معدلات استهلاكها للنفط بنسبة تتراوح بين 3 – 5 %.

لقد أعلنت هذه الدول أكثر من مرة أن هناك فائضًا نفطيًا في السوق العالمية قُدِّر بحوالي 3 ملايين برميل يوميًا وهذا الرقم هو مُقارب لصادرات النفط العراقية والإيرانية التي تُقدر بحوالي 3,5 مليون برميل يوميًا.

 والمعروف أن هذا الفائض تَشَكَّل بمكر من الدول الصناعية، إذ عمدت هذه الدول إلى الإقبال على شراء النفط لتخزينه بحيث أصبح المخزون حوالي «5» بلايين برميل أي ما يكفي هذه الدول بمعدل مائة يوم، وبعد ذلك استخدم هذا الفائض كورقة ضغط على الدول المنتجة لفرض خفوضات في أسعار النفط أو على الأقل تجميدها حول معدلات تقارب الثلاثين دولارًا للبرميل وهذا ما كان واضحًا في مؤتمر أوبك الأخير الذي عُقد في فيينا!

الخوف من مضيق هرمز

و يُلاحظ أن الدول الصناعية وخاصة أوروبا غير قلقة على إمدادات النفط بسبب الحرب العراقية الإيرانية، ولكن المسؤولين الغربيين والإعلام الأوروبي عمومًا يُبدي مخاوفه من اتساع نطاق الحرب، ويخشى أن تنضم إليها السعودية ودول الخليج. و يُشيرون بصراحة و وضوح إلى أن إغلاق مضيق هرمز أو توقف مرور شاحنات النفط منه ينطوي على نقص خطير على إمدادات النفط إلى الدول الغربية حيث إن نفط الخليج كله يَعْبُر من هذا المضيق. وسيفقد العالَم الصناعي آنذاك حوالي 60 % من وارداته النفطية،  فالولايات المتحدة ستفقد حوالي 30 % من وارداتها، أما أوروبا فستفقد 60% من وارداتها، أما اليابان فستخسر حوالي 70% من وارداتها، على أن أكثر الدول تأثرًا بوقف ضخ النفط العراقي والإيراني هي فرنسا والبرازيل والهند. ففرنسا التي تستورد حوالي 25 % من وارداتها من العراق و إيران تستطيع أن تُعَوِّض النقص من مخزونها النفطي حاليًا، ومن العراق مستقبلًا بسبب طبيعة العلاقات التعاونية القائمة بين البلدين.

 أما الهند التي تستورد حوالي 75 % من وارداتها من إيران والعراق فليس لها مصادر بديلة، ولا احتياطي يكفيها لأكثر من أسبوعين.

مما يعني تأثُّرها بالحرب بشكل كبير وتعرضها لنقصٍ شديد في إمدادات النفط. وللتخفيف من الأزمة التي واجهتها حاولت الهند الاتصال ببعض الدول الخليجية الأخرى لتزويدها بالنفط، وقد ذُكر أن المبعوث الهندي نائب وزير الشئون الخارجية الذي زار الكويت في الأسبوع الأول من أكتوبر الحالي قد حصل على تأكيد بأن الكويت ستزود بلاده بشحنة سريعة من النفط و بالأسعار الجارية. والبرازيل ثاني أكبر دولة مُتضررة من توقف ضخ النفط العراقي والإيراني، فهي تستورد من البلدين حوالي 50 % من وارداتها. أما اليابان فهي تستورد حوالي 30 % من وارداتها. وعلى صعيد الدول العربية فإن كلًا من سوريا ولبنان يتواجهان أزمة نفطية بسبب وقف ضخ النفط العراقي من حقول كركوك عبر خطوط أنابيب بانياس ومصفاة طرابلس.

ونتيجة لما سبق يتضح أن المُتضرر الحقيقي من نقص إمدادات النفط على المدى القصير هو مجموعة الدول الإسلامية والنامية، أما الدول الصناعية الرأسمالية فلا خطر يتهددها ما دامت الحرب محصورة بين إيران والعراق فقط حتى ولو طالت الشهور.

التعويض للفقراء

وإذا كانت هناك نية لزيادة الإنتاج للتعويض عما فقدته الأسواق من نفط العراق وإيران، فإن المنطق والعدل يقضيان بتعويض مجموعة الدول الإسلامية والنامية وليس مجموعة الدول الرأسمالية. فهذه الأخيرة لديها مخزون نِفطي كبير يكفيها لأكثر من مائة يوم خزنته أيام «الرخص» كما أنَّ وارداتها لم تتأثر كثيرًا نتيجة للحرب العراقية الإيرانية، كما أن الفائض في السوق يعوض عن النقص في الإمدادات.

والدول الصناعية التي استعمرت الدول الإسلامية و زرعت فيها روح الفرقة والخلاف ونهبت خيراتها لا تزال تمعن في أساليب النهب والابتزاز، وتعمل جاهدة على إبقاء هذه الشعوب متأخرة ماديًا وتابعة لاقتصادها الرأسمالي، كما جعلت منها «شماعة» تُعلق عليها جميع متاعب النظام الرأسمالي من تضخم وبطالة وأزمات دورية. 

ومن الناحية السياسية فلا تزال هذه الدول تؤيد الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وتقف إلى جانب «إسرائيل» وتمدها بالمال والسلاح. 

ومثل هذه الدول صاحبة التاريخ الأسود مع الشعوب الإسلامية لا تستحق معاملة الكرماء، وعلى الذين يقولون نعم لكل طلب أو رغبة غربية أو شرقية أن يُدركوا أنهم إذ يفعلون ذلك، إنما يهونون في أعين أعدائهم، ويعملون من حيث لا يشعرون على إفقار شعوبهم وحرمان الأجيال القادمة من نعمة أفاء الله بها عليهم من دون الناس، فالنفط فضلًا عن أن عائداته المالية تتأكل بتقلب أسعار العملات العالمية وخاصة الدولار، فهو ثروة ناضبة قد تنفذ في غضون ثلاثة عقود فحسب. وعلى من ولاهم الله من أمر المسلمين شيئًا أن يتقوا الله في أموال المسلمين وإلا فإنها خزي وندامة، ومن يدري فقد تمتد ألسنة النار لتحرق النفط والأرض ومن عليها، وحينذاك هل من شفيع أمريكي أو أوروبي أو روسي؟!

 يومئذ لا ينفع الندم ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (يوسف: 21)

الرابط المختصر :