; قضيتان رئیسیتان أمام مجلس الأمة | مجلة المجتمع

العنوان قضيتان رئیسیتان أمام مجلس الأمة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 24-أكتوبر-1972

مشاهدات 12

نشر في العدد 123

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 24-أكتوبر-1972

مشروع قانون.. لحماية العقيدة.. والأمن الاجتماعي

صباح هذا اليوم تبدأ دورة جديدة في عمر مجلس الأمة.

والبرلمان الحر في أي بلد ديمقراطي يمثل «عقل» الأمة.. ونوع اهتماماتها وحركة التنفس الصحية فيها.

أمة بلا حرية.. لا تساوي أكثر من قطعان تهش بالعصا.. وتقاد إلى حتوفهم استدراجًا.

وحرية غير منظمة.. فوضى عامة واضطراب شامل.

ومن قديم كانت الحرية مطلبًا أساسيًّا تتطلع الشعوب إليه.. ويسعى الرواد إلى تحقيقه.. ولقد اتخذ تحقيق هذا المطلب.. أو هذا المبدأ الثابت أشكالًا تعبيرية مختلفة.

وكان البرلمان أفضل صيغة عصرية لتحقيق مبدأ الشورى والتعبير عن الحرية بشكل منتظم.

إن الأمم ليست لعبة في يد التسلط الفردي.

إن الدكتاتورية والكبت والقمع.. هذه المساوئ الفتاكة ليست استعباد الإنسان.. وقتلًا لروحه فحسب.. إنها كذلك مهلكة.. لمصالح الناس.. ومضيعة لقدراتهم.

إفساح المجال لظهور الآراء.. وتنافسها.. هو الضمان الوحيد ضد إبرام مصائر الشعوب بعقلية الظلام والسراديب.

رأي حر يمكن أن ينقذ أمة بكاملها من هلاك محقق.

ورأي متسلط.. مستبد يبعث من رأس صاحبه مباشرة إلى التنفيذ والتطبيق دون أن يمر ببرلمان يصقله.. أو يعدله.. أو يلغيه.. يستطيع قتل شعب.. وإضاعة وطن.. وتوريط الأمة في مشكلة قد تطحن أعصابها.. وتعوق نموها قرونًا.

إن الإسلام حين ألزم المسلمين بالشورى.. وجعلها صبغة عامة في حياتهم -مثل الصلاة- إنما ألزمهم بما تقوم به حياتهم.. وتصلح به مسيرتهم.. وتتحقق به مصالحهم.

في بدر.. وفي الخندق قامت الآراء الحرة بأداء دور إيجابي في تحويل الموقف لصالح المسلمين.

وفي حزيران عام ١٩٦٧..

قاد التسلط الفردي.. والاستبداد بالرأي واحتكار الصواب... واتخاذ القرار الخطير.. أدى ذلك كله إلى هزيمة ساحقة أرجعتنا إلى الوراء قرونًا..

الحرية إذن ليست ترفًا يمكن الاستغناء عنه، الحرية «ضرورة» لا تقوم الحياة الجادة الواعية الراشدة إلا بها. ونعتذر للوعي الإنساني المستنير من أننا نناقش بديهيات لا ينبغي المراء فيها.. في عصرنا هذا.

ولكن.. ما العمل في أمة لا تزال تصفق للمستبدين بأمورها.. المتسلطين على مقدراتها.. الذين يديرون شؤونها.. بالهوى والمزاج.

إن الكلام عن الحرية... وضرورة تمكينها في حياتنا.. ينبغي أن يطول ويستفيض في أمة عطشى إلى الحرية...

وقد تتاح الحرية.. وتتهيأ ظروفها.. ويرفع الحظر عن استعمالها... ومع ذلك تبقى معطلة.. أو قليلة التأثير.

وهي ظاهرة مفزعة أيضًا تكاد تعادل ظاهرة الحرمان من الحرية.

لقد ألف عالم روسي.. أودع في السجن بتهمة الجنون -طبعًا!!- كتابًا بعنوان: هل يبقى الاتحاد السوفيتي حتى عام ١٩٨٤؟؟

وأورد في هذا الكتاب ظاهرة مماثلة.. ظاهرة أن الشعوب التي تئن تحت وطأة الحكم الشيوعي لا تستطيع أن تستعمل الحرية حتى ولو أعطيت لها.. ويعلل ذلك بأن طول الإلف للكبت.. والخضوع للقمع طبع النفوس والعقول وكيفها بمناخات خنقت نوازع التطلع إلى الحرية.

القدرة على استعمال الحرية يساوي -إذن- الحصول عليها.

ومن هنا يجيء الدور المسؤول الذي ينبغي أن يقوم به نواب مجلس الأمة من تجربتنا الديمقراطية.

إن الكلمة الحرة لا بد أن تقال

وكأين من كلمات حرة قادت شعوبًا إلى مرحلة أفضل من الرقي الإنساني.. وصاغت مصائر.. وبنت حضارات.. كلمة الحق.. تمثل الاستعمال الصحيح للحرية.. والتقدير الكريم لقائلها.. والمصلحة الحقيقية للأمة.

كلمة الحق.. في الباعث والأسلوب والهدف هي خلاصة مبادئ الشورى.. وقيم الديمقراطية السليمة.

كلمة الحق.. في وجه باطل يحاول أن يسيطر.. وفي وجه الخطأ تريد أن تأخذ صفة الدوام..

كلمة الحق.. في قضايا الأمة المالية.. والأخلاقية والإدارية.. والسياسية.

كلمة الحق هذه.. هي العهد الذي بين النائب وربه.. وهي الميثاق الذي بين النائب.. ومن انتخبه وأنابه في التعبير عن إرادته..

ولا خير فيمن لا يقولها.. ولا خير فيمن لا يسمعها.

ونحن في رمضان الكريم -شهر القرآن ومولد هذه الأمة بالتالي- هناك قضيتان رئیسیتان.. إلى جانب القضايا الأخرى.. لهما علاقة وثقى بهذه الأيام المباركة..

- قضية عقائدية.

- قضية أخلاقية- اجتماعية.

• في الأسابيع الماضية اهتزت الأمة كلها.. وغشيها من الأسى والغضب ما غشيها بسبب التطاول على مقام الله -سبحانه- والاستهزاء بعقائد المسلمين ومقدساتهم.. في بعض الصحف المحلية.

هذه قضية رئيسية وجوهرية.. ومسؤولية النواب اليوم أن يعطوها حقها من الاهتمام.. والعمل الجدي..

أهم شيء بالنسبة للأمة عقيدتها.. والغيرة على حرمة هذه العقيدة هو المعيار الصادق والأصيل للغيرة على ما دون ذلك من قضايا الأمة.. ومقدراتها... ومصالحها.

إن الأسئلة الفرعية في مجلس الأمة.. ومسائل الطرق.. والغلاء.. والعلاقات الدولية.. وأخطاء بعض الوزارات.. هذه كلها تأتي في الدرجة الثانية أو الثالثة بعد أمر عقيدة الأمة.

وتجريدها للموضوع -موضوع التطاول على مقام الله- من الهيئات الشخصية التي علقت به.. وإفساح للإجراءات القضائية أن تأخذ مجراها الطبيعي.. نقترح علاجًا دائمًا وحلًّا مستمرًا لهذه المشكلة..

إن تقديم مشروع قانون لمجلس الأمة ينص على أن التطاول على مقام الله ورسوله.. والطعن في عقائد المسلمين ومقدساتهم يعد خيانة عظمى.. في الجريمة والعقاب..

هذا المشروع.. وتحويله إلى قانون نافذ هو الحل المستمر.. وإلا فإن الذين لا يحسون بمسؤولية، ولا يرعون حرمة يوجهون بين الحين والآخر طعنات مؤذية تصيب عقيدة الأمة.. ومشاعرها.. وإيمانها.. وهذه فتنة لا يعرف مداها... إلا الله وحده.

تقربوا إلى الله -في رمضان- بتقديم هذا المشروع... يا رجال..

• والقضية الرئيسية الثانية هي قضية تزايد حوادث الجريمة في البلاد.

لقد روّع مجتمعنا هذا في الفترة الماضية.. -ولا يزال يروع- بجرائم بالغة الخطورة والبشاعة.

قتل عائلات كاملة.. وقتل الأطفال بعد اغتصابهم.. جرائم سرقات وهتك عرض.. ونهب وقطع طريق.. وجرائم سكر ذهب ضحيتها أبرياء في حوادث السير.. هذه الموجة العاتية من الجرائم تقتضي وقفة حازمة وحاسمة في وجهها.

إن الأمن الاجتماعي ضرورة قصوى لاستقرار البلد.. لا البترول ينفع.. ولا المال الكثير ينفع.. ولا الحياة الرغدة تهنأ إذا فقد الناس الأمن الاجتماعي.. وأصبحوا مفزعين مروعين من موجة الجرائم المتزايدة.

وواضح أن هذه الجرائم مرتبطة بعوامل معينة:

- سهرات القمار التي يقود الإفلاس فيها إلى السرقة والنهب.

- الخمر التي يؤدي تعاطيها إلى فقدان الأعصاب.. وغياب الوعي.. ومن ثم تقع

الجريمة.

أجهزة الإعلام -وهي التي تتحمل أكبر قسط في الإغراء بالجريمة- تسوق الناس سوقًا عنيفًا إلى الإجرام.

• بمثيراتها الجنسية تحرض على جرائم هتك العرض والاغتصاب.. ثم القتل خوفًا من العقاب..

• بعرضها لأفلام العنف.. وفنون وسائل الإجرام تدرب الناس على الجريمة وتوقظ في دمائهم جراثيم الشر.

• بدقها المتواصل على الجوانب المغرية تضعف الناس قوة الإرادة.. ومن ثم يسهل السقوط.. ومع السقوط تكون الجريمة. والاقتراح هو: مشروع قانون يعتبر المروج للجريمة عن طريق الإغراء الجنسي... أو تقديم أفلام العنف... أو إقامة موائد القمار أو جالب الخمر وشاربها شريكًا فيها حين تقع.. لأنه تسبب في حدوثها.

إن المهمة الرئيسية لمجلس الأمة هي مهمة تشريعية.. بإقدامه على صياغة هاتين القضيتين في شكل قانوني يكون قد أدى واجبًا كبيرًا من واجباته.. قيامًا بحق الله.. وأداء للأمانة التي يحملها.. ورعاية لمصالح الناس.. وأخلاقهم وعقائدهم.. واستقرارهم.. وآمنهم النفسي والاجتماعي.

 

برامج رمضان الخاصة والتحريض على اللهو..

ليالي رمضان هي ليالٍ مقدسة تتهيأ فيها السماء لقبول دعوات الصائمين واستغفاراتهم، وتفتح فيها أبواب الرحمة ليدخل التائبون الأوابون.

إنها ليالي العبادة والركون إلى حمى الله، تصفد فيها الشياطين فلا يبقى سوى الملائكة تتنزل والبشر تتسامى إلى دنيا الملائكة بالإمساك عن الشهوة والكف عن الشر والتقرب إلى رب العالمين بالتقوى والتهجد وعمل الخير... من هنا فإن الناس يحيونها بالقيام والتلاوة والعبادة... لكن... بعض المسلمين لا يفهمون ذلك، أو لعل مصيبتهم أنهم يفهمون.. حينما يبدأ جهاز التلفزيون أو جهاز الإذاعة مثلًا في وضع برنامج خاص لرمضان، فماذا يضع في اعتباره؟ هل يتصور حقيقة رمضان الدينية والروح الإسلامي المتجدد الذي ملأ قلوب الناس فتوجهوا بكاملها نحو الله -سبحانه وتعالى؟

ومن ثم فإن برامجه تأتي مشاركة لهذا الاتجاه ومساعدة للمسلمين في إحياء هذه الليالي المباركة بالذكر؟ كلا.. والواضح أن رجال التلفزيون -مثل عامة الناس- يتصورون أن الجمهور في رمضان يحس ضجرًا من تعب الصوم وإرهاقه وأنه لا بد له من برامج تسلية وسهر يمتد حتى الفجر ليمضي يومه غدا نائمًا مسترخيًـــا كسولًا. والبرامج بكل أسف محشوة بالمنكرات؛ فهو يبدأ بالقرآن الكريم... ولكنه تقليد شكلي لا يمنع أن تكون الفقرة التالية امرأة ترقص سافرة أو فلما يعرض علينا كل منكرات المجتمع «غير المسلم» من محرمات.. إلخ وهكذا فإننا نمضي ليالينا المباركة مع هذه المنكرات في حين كان يجب أن نقضيها في عبادة الله انتهازًا لهذه المناسبة العطرة..

فهذه الأجهزة تصرف الناس عن العبادة في ليالي رمضان باسم رمضان.. وتضع برامج لهذا الشهر المبارك هي حرب معلنة لكل المبادئ الدينية التي جاء بها.

هي برامج رمضان عند رجال التلفزيون والإذاعة... ومثل ذلك تجده في الأندية العامة التي تعد نشاطات خاصة لإحياء ليالي رمضان... مثل حفلات الميسر التي ينظمها نادي السالمية باسم التامبولا... حتى مدن الملاهي لها برامجها في رمضان... وحتى بعض التجار في السوق... يستقبلون رمضان باستغلال الشهر المبارك لاستنزاف جيوب المساكين باسمه.

وبعد... فإذا كانت الدولة قد دخلت وأغلقت المطاعم والمقاهي في نهار رمضان تقديرًا لحرمة الشهر المبارك وحفظًا لدين الناس من إغراء الضالين المضللين.. فقد كان أولى بها أن تبدأ بما تقدمه للناس في أجهزة إعلامها مما يفسد صيام الصائمين ويدنس لياليهم المباركة ثم تنتبه لحفلات القمار ومظاهر التهتك والتبرج التي تملأ الشوارع تحديًا لمشاعر الصائمين واستخفافًا بأيام الله.

الرابط المختصر :