; كتيبة النور (مسرحية في ثلاثة فصول) | مجلة المجتمع

العنوان كتيبة النور (مسرحية في ثلاثة فصول)

الكاتب سيد ورد

تاريخ النشر الثلاثاء 29-سبتمبر-1970

مشاهدات 59

نشر في العدد 29

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 29-سبتمبر-1970

«يظهر «وائل» على المسرح وبجواره سرير، وبينما هو يتأهب للنوم، يحدث نفسه بصوت مسموع ويقول»: -

وائل: سأنام، ها ها، سآوي إلى فراشي لأنام، كل ليلة أنام، كل ليلة أنام.. آلاف الليالي تجري على صورة واحدة كأنها تماثيل جامدة، وتمر على هيئة واحدة كأنها أشباح خامدة، لا، لا، لا بد أن أتجول، لا بد أن أتغير، لا أكرر نفسي مع الليالي، لا أجعل حياتي نسخة مطبوعة كطبعات المطابع، سأتذوق من جديد معنى الحياة، سأكتشف في نفسي سر الإله، فلست إنسانا لصورة اللحم والعظم والدم سأصافح الملائكة مع خيوط كل فجر، سأداوم العمل، وأرقب نهاية الأجل، وأجعل الآخرة هي الأمل، كل الأمل «فما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم: أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، تزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة»، والأمة الجادة لا تعرف العبث ولا يركن رجالها إلى الراحة. ولا يسكن النوم مضاجعهم، ولا الكسل.

 «ثم يضبط المنبه» ويأوي إلى سريره ويقول»: -

باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، «يدق جرس «المنبه» فيستيقظ ويقول»: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور. «ثم يرفع يديه مناجيا» اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

والد وائل: «يتنحنح ويقول»: عجبا أسمع بلبلا، وأشم نورا، وأرى ضياء السماء في بيتنا فيا ترى ما هذه النسمة الطيبة التي حلت بدارنا؟

وائل: لا تعجب يا والدي فالولد سر أبيه، وما أنا إلا فرع من شجرتك، وغصن من دوحتك وقد انشرح قلبي وانفسح، فأصبح لي نورا أمشي به في الظلمات، ومن الآن سألتحق معك بكتيبة النور.

الوالد: معي، معي، كتيبة النور، كتيبة النور آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق، «ثم يبكي».

وائل: لا تبك يا والدي، لم تبكي؟ هل أحزنتك فبكيت؟ هل أغضبتك فتساقط منك الدمع؟ كفكف دموعك يا والدي.

الوالد: لا أحب أن أكفكف هذه الدموع يا ولدي: فليست كل دمعة تنتمي إلى حزن، وليس كل بكاء ينتسب إلى ألم فإن للعيون لدمعات، لكل دمعة سبب، ولكل قطرة لون فهناك عين تدمع من خشية الله، وهناك عين تفيض من جلال الله، وهناك عين تذرف مع ألوان الحياة، فهذه دمعات سرور وفرح وتلك دمعات حزن وترح، وإن دمعاتي هذه يا بني: دمعات شكر، دمعات رضا، دمعات أب أصلح الله له ولده، وأجزل له أجره، وأبقى له في الصالحات عمله، ولكن أي شيء هذا؟ أشيء فجر الإيمان في قلبك؟ فكان عصا التحويل في حياتك.

وائل: إن الذي فجر الإيمان في قلبي فكان عصا التحويل في حياتي: هو القدوة الحسنة الطيبة، هي حركات نفس وإشراقة روح تنطق بعملها، وتتكلم بآثارها فيكون عملها نورا من الكلام، وتكون آثارها كلاما من النور، عصا التحويل في حياتي، هو أستاذي مدرس التربية الإسلامية الذي جعلني أعرف ربي وأحب رسولي، وأعشق قرآني: فقد كان قدوة في الصف، قدوة في الفناء، قدوة في المسجد، قدوة مع أسرة المدرسة، كان ريحانة عبقة: شذاها علم مستنير مدروس، وعبيرها تخطيط مستقيم مأنوس، فكنت أمتص من سلوكه وخلقه أكثر مما أخذ من علمه ودرسه.

الوالد: يا بني إن المؤمن ينبعث من حدود دینه وفضائله لا من حدود نفسه وشهواتها فإذا أدرك أستاذ التربية الإسلامية أنه أمين أولا على نفسه مسؤول أن يحكمها بما يدعو إليه تلاميذه کان محلا للقدوة، وكان له في النفوس فعل الأعاجيب، ولكن، أليس هناك أمور أخرى تدخلت في هذا التحول المندفع إلى طريقة اندفاع السيل.

وائل: نعم، نعم يا والدي، هناك قصة حزينة قصها علينا مدرس التاريخ عمقت مجرى التحول وساندت عصا التحويل فقد كانت هذه القصة خنجرا جرح كرامتي، وإن هذه الجراح لن يسكت نزفها.

الوالد: وما تلك القصة الحزينة التي جرحت كرامتك؟ وألهبت نخوتك.

وائل: لقد قص علينا أن المسلمين عاشوا في الأندلس نحوا من ثمانية قرون أرسوا فيها مشاعل الحضارة، ثم غامت عيناه، وتلجلج في كلامه وأشار بيده إلى الخريطة وقال: كانت هنا الأندلس، وكان يعيش هنا المسلمون وكانت ترفرف هنا راية القرآن، ثم أسدل على هذا المجد الستار، وبينما هو يلتقط أنفاسه ليسترسل في الحديث دق الناقوس، فانصرف وتركنا حيارى.

الوالد: إن ما قاله أستاذك حق: ولقد أطلق على هذا الموقع اسم إسبانيا، وإن الذي حدث لبصمة من البصمات السوداء التي يأكل كبد كل غيور.

وائل: أستحلفك بالله يا والدي أن تكشف لي كيف حدثت هذه البصمة السوداء، وما ردود الفعل لها في نفوس المسلمين وقلوب الغيورين، فلقد سمعت فيما سمعت منك أن المسلمين ما دخلوا بلدا إلا امتزجوا بأهله، واندمجوا بشعبه، وتآخوا مع سكانه، وأنهم ما فتحوا أرضا إلا استوطنوها، ولم يغادروها حتى كان ذلك أشبه بالقاعدة التي لا تتحول، والقانون الذي لا يتغير.

الوالد: لم يتخلف عن هذه القاعدة ولم يشذ عن هذا القانون إلا حالة واحدة هي حالة الأندلس، وإليك يا بني: صورة تقريبية عن أسباب هذه النكبة يسمعان من أذان الفجر، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، يدعوان معا دعاء بعد الأذان، حين نفرغ من صلاة الفجر إن شاء الله سأقص عليك بعد الملامح التاريخية لهذه المأساة التي تلغ من عنفها وقوتها أنها شلت عند المسلمين كل تفكير وكسرت عندهم كل تدبير، فلم يعقدوا مؤتمرا يتبادلون الرأي فيه عن موجبات الكارثة، ولم يصدروا أمرا يحطمون به موجات الهزيمة ومضاعفات الانهيار وسترى أن الإسبان قد تمركزوا في بعض الولايات وخصوصا »قشتالة وأرغون» وفرخوا فيها الأحقاد وأشعلوا منها الحروب ضد الحضارة وضد العدل وضد المسلمين، ويا للحسرة والأسى فلم يفق المسلمون إلا على احتلال سيناء والجولان وغرب الأردن.

 

 

ستار

 

الفصل الثاني

يظهر «ألفونسو» ملك قشتالة على المسرح ومعه رجلان من الحاشية،

ألفونسو: يمشي على المسرح ويقول:

إن المسلمين حين تدفقوا على بلادنا لم يستغرقوا أكثر من عامين لإسقاط عروشنا واستلاب تيجاننا، ونحن معاشر الإسبان استغرقنا ثمانية قرون في تحرير أرضنا من سلطانهم فلم نظفر بشيء إلا بخيبة الأمل، وإن هذا الفشل يضاعف من مسؤولية قشتالة ويجعل الأحداث الأليمة تتدامى عليّ كقطع الليل المظلم. فلا بد من إعادة النظر في التخطيط، ولا بد من تجربة سلاح جديد.

جوليان: سيدي ألفونسو حامي قشتالة: لقد أوشكنا منذ أربعة قرون أن نطردهم، وانحدرت شمسهم إلى الغروب لتختفي إلى الأبد، ولكنها ظلت دائرة في الأفق دون اختفاء.

غيطة: لو كان أرطبون قشتالة على رأس الإسبان حينذاك لأجبر شمسهم إلى الأفول، ولكن أي سر إذن وراء الصمود، وأية قوة تكمن وراء هذا البقاء.

جوليان: إن السر الذي أخر هذا الاختفاء، وإن القوة التي أخرت هذا المغيب: هذا السر وتلك القوة في كلمة قالتها أم لابنها فك فأشعلته حماسا وفجرته التهابا، فلقد بكى المعتمد بن عباد يوما على ضياع ملكه فأدمت أمه كرامته وجرحت كبرياءه بقوله له «ابك على ملكك يا بني بكاء النساء فإنك لم تحافظ عليه محافظة الرجال».

غيطة: وأي سحر تحتويه هذه الكلمة حتى تخلق حولها أسطورة، وحتى تحيا بها أمة أربعمائة عام.

جوليان: إنها فضلا عن إذلال کبریائه كرجل، وتوهين رجولته كملك جعلته ينتفض انتفاضة البعث بعد الرقاد، فقد عقد مؤتمرا لأمراء المسلمين بالأندلس وقرروا الاستنجاد بأخيهم »يوسف بن تاشفين« أمير المسلمين بالمغرب، وأصر على هذا الاتجاه ولم يتحول عنه رغم تخويف الأمراء له وتحذيرهم إياه من أطماع»يوسف بن تاشفين« هذا وقال الكلمة التاريخية على حد قولهم والتي يعدو بها في الحل الأرفع من مفاخرهم، وفي المكان الأسبق من أمجادهم قال المعتمد »أنا أعرف هذا عن يوسف بن تاشفين» ولكنني أفضل أن أرعى جمال أمیر المؤمنين من أن أرعى خنازير ملك الإسبان.

وكان يوم الزلاقة يوما مشهودا، انكسر فيه الإسبان، وقرت فيه الصناديد من فرنسا وإيطاليا وظلت شمس المسلمين قاهرة ساطعة ترفض المغيب.

الحاجب: يدخل ويقول: سيدي الملك: قائد الجيش يستأذن ومعه رسول.

ألفونسو: مره فليدخل.

يدخل القائد ويؤدي التحية ويقول:

القائد: هذا رسول الملكة إيزابيلا جاء ليعرض زواجها من سيدي الملك.

الملك: «موجها كلامه إلى الرسول: أي شيء هذا، أحقا ما يقوله القائد عن ملكة أرغون، إن هذا الكلام خداع سراب وأضغاث أحلام ورؤيا منام.

الرسول: لا تعجب سيدي الملك، فإنها قررت أن تثأر من أصحاب محمد، وأعطت على ذلك قسما ولن يتحقق هذا إلا بتنازلها عن عرشها لعرشك وعن سلطانها لسلطانك، فإذا تم الزواج واستظلت قشتالة وأرغون بتاج واحد صح عزمها ونالت ثأرها وبرت بقسمها.

الملك: يا لها من ملكة عظيمة حقا، أبلغها بأني فخور بها شاكر لفضلها، وأن شعبا تنتمي إليه مثل هذه الملكة لجدير بالخلود والبقاء، وإن امرأة تبذل سلطانها وتاجها وعرشها من أجل دينها الجديرة بالتأسي، جديرة بالاقتداء.

ثم ينصرف القائد ومعه الرسول

ويدخل الحاجب

الحاجب: أحد رجال الاستخبارات يستأذن

الملك: مره فليدخل

يدخل رجل الاستخبارات ويؤدي التحية:

الملك: أوجز الخبر واطو الكلام.

رجل الاستخبارات: لقد بثثت أعواني ونشرت أجهزتي لنعرف سر بقاء المسلمين بأرضنا: وأسباب انتصارهم علينا ليكون ذلك وسيلة لاكتشاف السلاح الذي نزيحهم به، فاجتمع رأي كل رجالنا على أن سر قوة المسلمين في تخلقهم بأخلاق القرآن، وتجمعهم حول راية الإسلام، وإن سر صلابتهم في النظافة وفي الصلاة وفي يقظة الضمير ولهذا فإنهم إذا استعرضوا الجبال وأرادوا أن يزيلوها لأزالوها، ومن هنا اكتشفت السلاح المضاد الفتاك وإن أردت أن تجرب سلاحا جديدا فجرب فيهم سلاح المعصية فإنه أفتك بهم من الذئاب الجائعة هاجت في قطيع من الغنم، وإنه مدمر لقيمهم ونظافتهم وأخلاقهم وفاعلية تعاليم دينهم ومقومات بقائهم.

الملك: وما السبيل إلى ذلك.

رجل الاستخبارات: أطلق عليهم سموم الخمر وأفاعي النساء ونحس الربا وخراب الضمير وعبادة الجاه واحتقار المثل والقيم ومتاهات التفرق: إنك إن أطلقت فيهم هذه الرصاصات صاروا أهون من العبيد، وأحقر من الذباب، وأذل من الأنعام.

الملك: شكرا لك، سنفعل ذلك، فقد آن الأوان لراية الإسبان أن تعلو.

 

الفصل الثالث

يظهر «وائل مع والده» في حالة كآبة وحزن.

الوالد: هل سمعت يا بني ففهمت وعرفت لم غامت عينا أستاذ التاريخ، ولم تلجلج في كلامه؟ وهل عرفت السر في محو كلمة الأندلس من الخريطة وإثبات كلمة إسبانيا مكانها؟

وهل سكت جرحك أم سيظل ينزف ويزأر؟

وائل: نعم يا والدي سمعت وفهمت فعرفت ذلك جيدا، وعرفت شيئا آخر معاصرا: عرفت السر في قيام دولة إسرائيل، وفي تحويل أصحاب الأرض الأصليين إلى لاجئين مشردين وعرفت السر في النكبة الأولى والسر في النكبة الثانية، والسر في النكبة الثالثة، ولكن جراحي لن يسكت نزفها حتى ترسم لي الطريق الصحيح للتغلب على النكبات وإزالة عار النكسات.

الوالد: الطريق الصحيح يا بني هو: التربية، ثم التربية، ثم التربية،

فإن الأمة إذا عجزت في دور التربية كانت في ميادين الحرب أعجز، وإذا قدرت أن تنتصر في معاهد التربية كانت في معاركها أقدر يا بني: العدو يعمل على تجهيلنا فلنتعلم،

ويعمل على تمزيقنا فلنتجمع، ويعمل على مسخنا فلندر مع القرآن حيث دار، يا بني: عليك بالنظافة، والصلاة، والقرآن، والتجمع، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

وائل: قسما بربي لأسيرن على قدم النبي، قسما بربي لأكونن على مستوى المسؤولية،

وعلى العهد بربي، أن أكون نیرا أحیا به وبروح من شعل جاهدا، أحيا بجسم من عمل، قانتا أحيا بقلب من جيل يا شباب الإسلام هيا نعيد مجدنا تخرج مجموعة من الشباب تنشد:

أعيدو مجدنا دنيا ودينا

وزودوا عن تراث المسلمينا

فمن يعنو لغير الله فينا

ونحن بنو الغزاة الفاتحينا

ملكنا الأمر فوق الأرض دهرا

وخلدنا على الأيام ذكرا

وساد العدل بين الناس طرا

كذلك كان عهد الراشدينا

جبينا السحب في عهد الرشيد

وبات الناس في عيش رغيد

وطوقت العوارف كل جید

وصار شعورنا رفقا ولينا

سلوا بغداد، والإسلام دين

أكان لها على الدنيا قرين

رجال للحوادث لا تلين

وعلم أيد الفتح المبينا

ستار

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل