; كلمة أخيرة للعام الهجري المنصرم | مجلة المجتمع

العنوان كلمة أخيرة للعام الهجري المنصرم

الكاتب د. عبد المجيد البيانوني

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999

مشاهدات 19

نشر في العدد 1350

نشر في الصفحة 55

الثلاثاء 18-مايو-1999

مع دنو الشمس من المغيب، كانت الورقة ثلاثون دامعة العين حزينة مغبرة الوجه كتيبة، تلملم متاعها. وتجمع ما تناثر من أشيائها، وتستعد للرحيل.. وكانت الورقة واحد تغذ السير من بعيد، وتسرع الخطى، تريد أن تلتقي مع أختها لحظة واحدة، لتؤدي إليها حق التحية والوداع.. واقتربت الورقة واحد من الورقة ثلاثين...

ونظرت إليها في إشفاق، وقالت: السلام عليك أيتها الأخت ما لي أراك مطرقة حزينة؟ وكيف لا أكون حزينة؟ وهأنذا قد اقتربت من الرحيل... وكنت أعلق الآمال تلو الآمال ألا أنقل إلى العام الجديد ما في جعبتي من الآلام، وألا يجد من يخلفني من الأحزان والمآسي ما وجدت، وألا يذوق ما ذقت وتجرعت.... وأي مآس وأحزان تشتكين؟ لقد عشت أيتها الأخت في هذا المكان برهة طويلة.. ترحل أخواتي واحدة تلو الأخرى، وكنت آخرهن.. وكانت كل واحدة تحمل معها من الأحزان والمآسي ما تنوء بحمله وثقله.. وتخلف إلى ما بعدها ما هو أشق منه وأسوأ.. وكنت أرنو إلى كل واحدة منهن أؤمل أن يكون معها شيء من الفرج والبهجة، ولكنها سرعان ما ترحل على حال أسوأ مما قدمت عليها... وهأنذا ألتقيك كتيبة حزينة لأنني أنقل إليك كل ما تحملته ممن كان قبلي، فمعذرة إليك، فليس لي من الأمر شيء. ولكن الأحزان التي تؤرقك، والمآسي التي تشتكينها أرى فيها مبعث أمل، وإيماضة نور في قلب هذا الليل الحالك.... إنها تبشر بميلاد أمة يتضوع سناها على أنقاض أمم قد تعفنت أخلاقها، وتهتكت عنها الأسمال الدنسة التي تتوارى خلفها، وإنها إذ تنازع الحياة ما بقي فيها من رمق، فلابد لها من أن تعيث يمينًا وشمالًا وتمضي في التعبير عن خلائقها، فترمي من حولها بآخر ما عندها من سهام الشر والأذى، كالأفعى السامة إذا أمسكت بها يد الصياد من ذيلها أو وسطها، فإنها تتلوى وتدفع يمينًا وشمالًا بغير وعي بكل ما في جوفها من السم، لتبعد ما يحيط بها من الخطر الداهم الماحق.

ولكن الواقع لا يؤيد قولك: إنني أرى الشر يختال سلطانه، ويزداد طغيانه، وأرى الحق يزداد ضعفه، ويتوهن بنيانه..؟!

لا يغرنك هذا المظهر يا عزيزتي إنه المخاض الصعب قبل الولادة المبشرة، وإنها لحظة الظلمة العابرة في الغسق الداجي، التي تسبق بزوغ الفجر الصادق... فلا يهولنك ما معك من الأثقال، ولا تحزني لتلك المآسي الدامية، والفتن الداجية، فالعاقبة للحق مهما طال ليل الظالمين.... شكرًا لك أيتها الأخت الطيبة المؤمنة، لقد زرعت في قلبي الأمل الباسم، وأذهبت عن روحي اليأس القاتل، وهأنذا أيتها الأخت الوفية أسلمك الراية من بعدي، وأرجو الله لك أن تنعمي بأطيب المباهج بنصر الحق، ومحق الباطل وأستودعك الله فقد حان موعد الرحيل... في حفظ الله ورعايته، وستأتيك الأنباء بإذن الله، وأنت في غيب الله المستور، أن العاقبة لمن كان مع الحق، وعاش في النور...

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل