العنوان كيف سقط الفكر الماركسي والماركسيون؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 05-سبتمبر-1972
مشاهدات 21
نشر في العدد 116
نشر في الصفحة 10
الثلاثاء 05-سبتمبر-1972
لعل من أبرز آيات البلاغة في الحديث النبوي «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم» تعدى معنى اللغة في الحديث - وفق تصوري - إلى لغة الفكر.
ومن هنا فقد كنت أحرص بين الحين والحين على قراءة الفكر المضاد لما اعتقد فقد قرأت عن المسيحية وعن اليهودية والماسونية وعن الشيوعية سواء في مرحلتها التنظيرية أو عبر مراحل التطبيق. أو في مقالات ومحاورات المتظاهرين بالماركسية من العرب.
وكنت أحس إحساسًا تاريخيًا خاصًا بأن الفكر الماركسي - لاسيما على يد الماركسيين التقليديين - لا يمكن أن يلقى أي رواج في عالمنا الإسلامي.
قد يستطيع الماركسيون أن يصلوا إلى السلطة بواسطة انقلاب يدبره الأمريكان لربما
لكن مع ذلك يبقى الماركسيون في واد والمناخ التاريخي والعقائدي والحضاري والنفسية العربية والإسلامية في واد آخر.
● إن ارتباطنا لم يكن موضوعيًا منذ البداية بهذا الفكر فنحن لم نعرف المعسكر الاشتراكي إلا عبر موجة انفعالية جرتنا إليها الصليبية واليهودية العالمية مجرد البحث عن بديل يعطى السلاح بعيدًا عن أي ملتقى فكري أو حضاري يربطنا بهذا المعسكر، بل إن أصداء وقوف المعسكر الاشتراكي من قيام إسرائيل واعترافه بها ومساندته لها فور قيامها كان لايزال له صداه في الضمير العربي والذهنية الإسلامية وكان الاتحاد السوفيتي أكبر أعداء العرب قبل احتلال فلسطين واستيطان اليهود بها، وقد قدم وحده ٤٠ ٪ من الأموال الضخمة التي تدفقت على اليهود لشراء الأراضي من العرب ، بينما قدمت دول أوروبا الشرقية ٢٨ ٪، وقدمت الولايات المتحدة ۱۹% من نسبة هذه الأموال.
وحين بدأ تعاملنا مع الاتحاد السوفيتي، لم يبدأ التعامل معه فكريًا إنه لم يستطع، ولم نكن لنسمح له، بأن يأتي ليلقننا دروس «الأيديولوجية» والوعظ والإرشاد الرومانتيكيين وإنما بدأ التعامل معه مصلحيًا، وبضغط عوامل غير فكرية وغير موضوعية فلما أراد المعسكر الاشتراكي الذي بدأ معنا مصلحيًا أن ينتهي فكريًا وأيديولوجيًا بدأ النفور الشعبي يحوطه من كل جانب بدأت النفسية العربية تحس بأنه يشكل عبئًا على المصير العربي، وبأنـــه لا يعدو أن يكون الوجه الآخر من العملة الاستعمارية.
ولم تنجح قلاعه المختلفة ومراكزه الثقافية والصحف والمجلات التي أصبحت «لسان حاله» خضوعًا من الأمة لظروف سياسية لم تنجح كل هذه في أن تخلق له قاعدة فكرية يمكن أن يقف على أقدامه فوقها.
ومما لا شك فيه أنه بتأثير ظروف، كان المعسكر الاشتراكي أبرزها، تم الانقضاض على الفكر الإسلامي، وتعطلت طاقاته الإيجابية عن تأدية عملها.
ومع كل هذا المناخ المنحاز لجانبه، فلم يصل المد الفكري الماركسي إلى أية آفاق حقيقية واضحة، وباستثناء مجموعة من الطيبين الذين لم يقرأوا شيئًا عن الفكر الإسلامي أو قرأوه من كتابات أعدائه، أو المنتفعين
الذين ارتبطوا بهذا الفكر مصلحيًا، وكان التظاهر بالتقدمية والثورية الماركسية هو سلاحهم الوحيد أو مؤهلهم الوحيد للبقاء في مراكزهم باستثناء هذين النموذجين ونماذج أخرى – ليس ارتباطها موضوعيًا على أية حال - لم يجد هذا الفكر الركائز أو الكادرات التي يمكن أن تتبناه عقيدة موت وعقيدة حياة.
هل هناك فكر ماركسي في الحقيقة؟ هل هناك أصول كلية تجمع بين هذه الماركسيات المتناثرة أو بين ما يسمي بالاشتراكيات المختلفة التطبيق؟
هل يمكن القول بأن هناك موقفًا اشتراكيًا أو ماركسيًا متطابقًا إزاء الأبجديات الماركسية التي وضعها ماركس وأصلح شأنها لينين؟
أو ليس من الغباء إنكار القول إن الاشتراكية التي ظهرت في صور مختلفة في العالم الإسلامي تختلف في قضايا أيديولوجية أساسية عن تلك التي ظهرت في روسيا وعن تلك التي ظهرت في الصين وعن تلك التي يؤمن بها الفرنسي الذي أصبح يرى في الاشتراكية اسمًا غير ذي مدلول موحد أو حقيقي تكاملي.
- الموقف من الأممية والقومية
- الموقف من المعسكر الرأسمالي
ـ الموقف من الدين
- الموقف من زعماء المذهب
- الموقف من التجربة الستالينية
- الموقف من زعامة الاتحاد السوفيتي
- الموقف من الدول النشاز كيوغسلافيا وكمحاولة تشيكوسلوفاكيا
ومواقف كثيرة تتعلق كلها بأبجديات المذهب، تناثر حولها الماركسيون، دون أن يتفقوا حول أبجدية واحدة.
والتجربة التاريخية تؤكد أن الجديد المنفتح المتحرك هو الجدير بالبقاء، وحتى في عالم الأسلوب والألفاظ، مهما تكن قيمة أساليب وألفاظ معينة من ناحيتي الشكل والمضمون، فإنها لكثرة استعمالها وتهافتات هذا الاستعمال
تبدو عبئًا على حرية الكلمة في الخلق والإبداع والتطور المتحرك وتفرغ عبر مراحل استعمالية متجددة من مضمونها وربما وصل بها قطار الاستعمال إلى المعنى المضاد
ولهذا قال الشاعر العربي في موقف من هذه المواقف التي تحجرت فيها الألفاظ، وأفرغت من مضمونها:
إن كان رفضًا حب آل محمد
فليشهد الثقلان أني رافضي
. لكن الماركسيين «الساذجين»، أدعياء التطور والحركة التاريخية الآلية غير المنضبطة بالعنصر الإنساني هؤلاء قد نسوا في غمرة الانفعال والحماس هذه الحقيقة وفي كل سطر من كتاباتهم. لمجرد وقوعهم على أية محاولة - عاقلة أو غير عاقلة - للمناقشة والحوار سرعان ما ينعتون مناقشيهم بالإمبريالية واليمينية والرجعية والتخلفية وهلم جرًا...
وفي المقابل ينعتون أنفسهم بالثورية والتقدمية والعلمية وهلم جرًا...
وحين تعتقد أنك المتفوق والأعلى فلا ضير في هذا حين يكون هذا هو شعورك الخاص الذي لا يتعدى هذه الحدود إلى انتقاص حق الآخرين في شعور مماثل وإلا فأنت أناني ومتحجر.
حين يصل الانجليزي إلى السيطرة على مناطق الحياة في عالم القرن التاسع عشر فمن شأنه أن يشيد بهذه الصفحة من تاريخه، وأن يعتقد أنه، على الرغم من تخلفه الحالي، يملك القابلية الذاتية للتطور، وأنه عرقيًا وتاريخيًا ليس أقل من غيره والأمر نفسه حق لابد أن يسلم به للأمريكي وللفرنسي وللإنسان المسلم.
ودعوى أن هناك من يملك إيقاف حركة التاريخ والحكم على نفسه بالتالي بأنه آخر مراحل التطور، وبأنه ليس بعد الشيوعية أم الماركسية مراحل أخرى في هذا السلم التاريخي المتقلب الفوقية هذه الدعوى بالتأكيد، أنانية ومتخلفة وتفتقد أبسط قواعد العلمية والبحث المحايد.
لكن الماركسيين قد وقعوا فيما عابوه على الآخرين، وسقطوا إلى منحدرات الأحكام العامة والمطلقة التي تتأبى والمنهج العلمي والتطور التاريخي.
هذا الموقف الماركسي الذي يعكس شعورًا بالأستاذية أو ما يمكن تسميته بالغوغائية. أو الموقف التعاظمي من شأنه أن يغلق باب الحوار. وباب الجدل الهادف وباب الانفتاح الفكري.
من شأنه أن يغلق هذه النوافذ كلها مع الماركسيين أو المتظاهرين - في الحقيقة - بما يسمى ماركسية.
إن الماركسي يفتقد القدرة على الحركة في ظل هذه القوالب اللفظية والفكرية الجامدة، ويفتقد القدرة على الحوار في ظل الشعور بالتعاظم الذي يرجع - أيضًا - إلى هذه القوالب اللفظية.
وهو في الطريق يفقد كثيرًا من ذاته ويفقد كثيرًا من الذين كان في الإمكان أن يلتمسوا له العذر وأن يحاولوا الوصول به إلى الحقيقة.
إنه يفرض على نفسه لونًا من الانعزالية لونًا من الرفض الذي يجعله دائمًا يقف في منطقة «التبرير» المظلمة أن الكون يتحرك من حوله وشطرنج السياسة العالمية يضعه في موقف ذي وجهين: إما الإخلاص لأمته لأيديولوجيتها لتاريخها. لعقيدتها ومحاولة تطوير هذا الفكر وتعميق هذا التاريخ والموت تحت راية هذه العقيدة
وإلا فالوجه الآخر هو الخيانة.
الخيانة التي لا تقبل أدني تلطف في التعبير عنها بغير هذا الاسم اللهم إلا إذا أردنا أن ندور في دوامة الألفاظ، والأساليب - أو الشعارات - الفارغة المضمون.
هل ينطلق الماركسيون العرب أو الموجودون في العالم الإسلامي، من ولائهم لأوطانهم وأمتهم أم ينطلقون من الولاء لروسيا أو الصين دون نظر إلى مصلحة أمتهم إننا سلفًا نفترض الموقف الثاني ونعتقد أنهم ضحايا مؤامرة عالمية، وأنهم ضحايا بريق فكري خلاب لكن إذا ما أصر الماركسيون على موقفهم المعادي لحركة أمتهم فانهم سيكشفون عن انتمائهم للموقف الأول.
إننا ندعو الماركسيين والاشتراكيين إلى موقف علمي محايد.
ندعوهم إلى دراسة نشأة الماركسية، ودراسة أقطابها ومدى انتماءاتهم اليهودية والصهيونية، وندعوهم إلى دراسة بروتكولات حكماء صهيون والحركات الماسونية وندعوهم إلى دراسة المواقف العلمية من جانب المعسكر الاشتراكي تجاه إسرائيل قبل قيامها وبعده وندعوهم للتعرف على الأسلوب الاستعماري الذي جلس أقطابه على مائدة «التقاسمات» الاستعمارية مع قمة الإمبريالية، وندعوهم إلى دراسة موقف الاتحاد السوفيتي من تسليح العرب، وخيانته لهم في محنتهم التاريخية كما أننا ندعوهم إلى دراسة مراحل تطبيق الماركسية في البلاد الاشتراكية، وكيف تم سحق الإنسان وتدمير وجوده وإيجابياته، وكيف أن «تعاليم ماو» لم تعد ترى في الشوارع والقطارات بحثًا عن شعوب تعيش، وليس فردًا يعبد وتموت من ورائه الشعوب، وكيف أن موسكو بعد سجن ما يزيد على نصف قرن وسحق الفرد السوفيتي بعد هذا كل تقترض من أمريكا واليابان.
● إننا نبحث عن طريق جديد. إن هذا الطريق، كما لم يكن «الماركسية»، فلن يكون أبدًا «الرأسمالية» ولئن كان هؤلاء خصومنا، فإن الآخرين لا يقلون عنهم خصومة والطرفان معًا لا يبحثان عن وجودنا، وإنما عن وجودهم، ولكي نبحث عن وجودنا، فإننا لابد لنا من البحث عنه في داخلنا في إمكاناتنا الذاتية في قيمنا وتراثنا وتجربتنا مع التاريخ والحضارة، والعقائديون على اختلاف هوياتهم مطالبون بالرجوع إلى الذات إلى التراث إلى تجربة أمتنا مع التاريخ والحضارة.
لم يعد بأيدينا إلا أنفسنا وإلا طاقاتنا والتوسل على موائد الآخرين، كما لم يجد في الماضي فإنه كذلك لن يفيد في المستقبل.
هذا هو الطريق الجديد الطريق الذي يفرض نفسه بإلحاح لا لأن كل الطرق الأخرى قد فشلت وحسب، بل لأنه من قبل ومن بعد الطريق الوحيد المتاح لنا سواء رضينا أم أبينا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل