العنوان كيف نجاهد لننتصر..؟
الكاتب عبد اللطيف مشتهري
تاريخ النشر الثلاثاء 06-سبتمبر-1977
مشاهدات 22
نشر في العدد 366
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 06-سبتمبر-1977
مقتطفات من مقال الشيخ مشتهري من جريدة «أجيال»
كيف نجاهد لننتصر..؟
لفضيلة الشيخ/ عبد اللطيف مشتهري
1- شهد الله والملائكة وأولو العلم، وشهد واقع الحياة، أن الحق وحده بدون قوة تدعمه، ومساندة مادية، تفرض على المعاندين احترامه، وتدفع عنه تأويل المتأولين ومن أصحابه اضطهاد المستعبدين، بدون هذه القوة فهو لدى كثرة كاثرة أشبه بالباطل عنه يعرضون، بل ويصدون، وعلى المتمسكين به يتألبون، ومن أجل هدف محوه من الوجود يتجمعون، تلك سنة الحياة، وواقع الدنيا التي نعيشها، لحكمة يعلمها الله الحكيم، لعل منها أن يعلم الله من يخافه بالغيب، ومن سيصبر على تبعات الجهاد، وويلات الدفاع عن الحق، ويصابر ويرابط من أجل حماية الحرمات قال تعالى: ﴿لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ (محمد:31) وقال سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران:142).
ومعنى هذا بوضوح أنه لا بد من بلاء أهل الحق بتسلط أهل الباطل عليهم ليفتنوهم ويسلبوهم ويطمسوا معالم دينهم ودنياهم، وأن هذا البلاء هو حكمة من الله ليعلم من صدق في إيمانه مجاهد وصبر، ومن كذب ونافق فجبن وأدبر، وأنه من المحال في حكمة الله أن يظفر أحد بالجنة دون أن يقدم لها ثمنها من البذل والجهاد والصبر ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ (التوبة:111)..
2- وهذا الجهاد المقترن بالصبر والتضحية، هو عدة النصر، كما يشهد الواقع فإن العاقبة دائما في المعارك إنما تكون لأقوى الفريقين قلبًا، وأصبرهم نفسًا، وأثبتهم لدى اللقاء، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «واعلم أن النصر مع الصبر»، وسأل عظيم الروم قائده في إحدى الحروب بينهم وبين المسلمين قائلا: كيف ينتصر المسلمون علينا مع قلتهم، وننهزم أمامهم مع كثرتنا، فرد عليه قائده «لأن المسلمين إذا حملوا علينا صدقوا وصبروا، ونحن إذا حملنا عليهم لم نصدق ولم نصبر، فقال له: ولِمَ كانوا كذلك وكنا كذلك؟ قال: لأنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتناصفون فيما بينهم، فلا يأكل قويهم ضعيفهم ولا يظلم غنيهم فقيرهم. أما نحن فنشرب الخمر ونزني ونسرق، ونأمر بالمنكر وننهى عن المعروف، ويأكل قوينا ضعيفنا، ويظلم غنينا فقيرنا، ولا نتناصف فيما بيننا.. فلما سمع منه هذا التقرير الصادق، قال: ما داموا كذلك وما دمنا هكذا، فلن نثبت أمامهم، ولن يستقر لنا معهم قرار أبدا. وقد صدق، وعلى نفسها «حکمت» براقش...
وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل وفد الأزديين عن برهان إيمانهم، فكان فيما أجابوا به، يفصحون عن أخلاقهم، قولهم: «نحن الشاكرون عند الرخاء، الصابرون عند البلاء، الراضون بمر القضاء، الثابتون عند الحرب واللقاء، التاركون للشماتة بالأعداء» فأعجب صلى الله عليه وسلم بما هم عليه من جهاد وثبات ومصابرة، وقال: أنتم علماء حكماء، كدتم من فقهكم أن تكونوا أنبياء..
ولا يمكن لأية أمة تريد أن تحيا حياة الكرامة والاستقلال والرخاء أن تحقق ما تنشده إلا بالإعداد والاستعداد، تلك سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال:60).
ولولا الجهاد والذود عن الحقوق والمقدسات بالنفس والمال وبكل مرتخص وغال لأستعلى المجرمون على الصالحين بل ولأفنوهم من الوجود، ولما قام حق هذه الحياة، ولما انتصر دين الله أبدا، وقال تعالي في بيان حكمة مشروعية الجهاد: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ (البقرة:251)، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ (الحج:40).
4- والجهاد الذي هو عدة النصر ليس قاصرًا على لقاء العدو في ساعة القتال، بل يشمل جهاد السلاح وجهاد المال وجهاد اللسان وجهاد القلب وجهاد النفس؛ فجهاد السلاح طعن وطعان.
وجهاد ال24مال البذل في سبيل الله والإنفاق عن سعة على الجيش في البر والبحر والجو، وعدم الشح بشيء مما يستوجبه الزحف، قال تعالى مبينًا أهمية الإنفاق في الجهاد: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة:195)، وفسر أبو أیوب رضي الله عنه التهلكة هنا بأنها البخل من الإنفاق على المجاهدين، فإنه يؤدي إلى إضعاف الجيش ماديًّا ومعنويًّا فتضعف مقاومته للبغي، عند ذلك يسهل على العدو أن يقتحم الوطن ويستولي على مرافقة وحكمه، وهذا هو الهلاك بعينه لدنيا الناس ودينهم ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ (الكهف:20).
وأما جهاد اللسان فالدعوة إلى الحق والانتصار له وتقوية الروح المعنوية للجيش والشعب، بحسن الدعاية والتبشير بقرب الفتح وهزيمة العدو، ورب كلمة أقوى في دفع الطاقات من مدافع وقنابل.
وأما جهاد القلب، فهو أن تكون القلوب في جهادها مخلصة لله تعالى، لا تريد بالحرب إلا إعلاء كلمة الله، ونصر الحق، ودفع الظلم وإنصاف المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، حتى يكون الله لها مؤيدًا ونصيرًا، وكلما صلحت النية كلما أسرع المدد من الله ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ (الحج:40)، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ (المدثر:31).
ولهذا سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية «أي غضبا وتعصبا» والرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، فمن منهم في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، ثم تلا قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف:110)، وهذا الشرط في إخلاص النية لضمان النصر يتفق تماما مع قوله تعالى موضحًا الفرق بين هدف الكافر في الحرب، وهدف المؤمن فيه ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ (النساء:76) -أي الطغيان والظلم- فقاتلوا أولياء الشيطان ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء:76).
وأما جهاد النفس الضامن للنصر، فهو ملازمة الفضيلة، ومجانبة الرذيلة واصطحاب تقوى الله على كل حال، فإن التقوى هي زاد النصر ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم:47) ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:7) والمعاصي هي أشد فتكا بالجيوش والشعوب من أعدائها، وذلك من ناحيتين:
أولاهما: أن المعاصي شهوات تصرف عن الجد في العمل وعن معالي الأمور ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (النساء:27)، ولا وقت عند العاصي لنصر دين أو فداء وطن..
وثانيتهما، أن المعاصي محل سخط الله ومقته، ومتى سخط الله ومقت فمن أين يأتي النصر؟ ولقد مضى في حديث قائد معركة الكفر والظلم مع الروم خير شاهد لهذا، وكان الصحابة رضي الله عنهم كثيرًا ما يتلقون وهم في ساعة الجهاد من قوادهم نصائح الإيمان أو التقوى، والتحرير من الذنوب، أرسل عمر إلى سعد بن أبي وقاص فائدة يوصيه ومن معه بتقوى الله وإقام الصلاة والبعد عن المعاصي، قال: «فإن ذنوب الجيش أشد عليه من عدوه».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل