; كيف يتعامل الأديب المسلم مع أدبه؟ | مجلة المجتمع

العنوان كيف يتعامل الأديب المسلم مع أدبه؟

الكاتب المحرر الثقافي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-1979

مشاهدات 12

نشر في العدد 434

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 27-فبراير-1979

رحلة الأديب المسلم من الالتزام.. إلى العطاء.. إلى الثورة

عشقت الفن لا للفن                لكن للذي أسمى

وسددت قصيد الشعر               في قلب الخنا سهما 

وضعت اللفظ قنبلة                تبيد اللحم والعظما 

ومن خفق السطور الغر        ماجت ثورة الكرما

وصاحب هذه الأبيات هو الأستاذ «نجيب الكيلاني»، وهي الأبيات الأول من قصيدته «الفن» الرائعة المثبتة في مجموعته الشعرية «عصر الشهداء».

ويبدو أن الكيلاني اختصر الدراسات النقدية للشعر الإسلامي.. تلك التي تحاول تحديد مفهوم الفنان المسلم لموضوع فنه، وتبين فحوى رسالته في الحياة.

وإذا كانت الدراسات تستعرض مبادئ المذاهب الفنية والأدبية في هذا المجال، فإن الكيلاني يريد أن يعلن مبدأه الفني وفق التصور الملتزم الذي يصدر عنه كل الأدباء الإسلاميين.. وهنا يجوز لنا القول: إن صاحب الأبيات عبر عن الرؤية الفنية التي ينطلق منها الأدباء والفنانون الملتزمون..

وإذا كان الكيلاني الفنان شاعرًا، فإن ملكته الفنية «الشعر».. إنما هي أداة ووسيلة يصوغها للوصول إلى هدف أسمى من الوقوف على رموش الكلمة وصقلها لذاتها، فمن اللفظ يصنع بندقيته وعتاده في معركة الحق مع الباطل.. وهذه هي رسالة الفن والفنان في الحياة.

ولعل الشاعر المسلم ينظر إلى الخروج على هذا المفهوم نظرة تصف الفن بالتفاهة التي يحلو لمن سار في مضطرب التيارات الدنيوية أن يلوكها في ألفاظه، وهو يظن أن الفن بلا رسالة.. بلا التزام.. بلا هدف.. يقول الأستاذ عيسى السلامة: 

عللوه بكل ما يتمنى                وتباكوا من حوله فاطمأنا 

ثم قادوه كالبعير ذليلًا             خاسئًا يحسب التفاهة فنا

وهنا تبرز السمة الأولى من سمات الأصالة الفنية، فالسلامة لا يؤمن بالفن إلا إذا وضع الهدف الأسمى نصب عينيه. 

وإذا كانت للرسالة الفنية عند الشاعر المسلم أصول ومبادئ، فإن ذلك لا يعني إلا أن الشاعر والأديب والفنان المسلم يستمد هذه المبادئ والأصول مما يمليه عليه دينه وواقع أمته.

ومن هنا فإن الأديب الملتزم أديب صادق.. ولعل الذين ضحوا بهذه القيمة من القدماء والمحدثين لم يكونوا قد وصلوا بعد إلى تشكيل رؤية فنية واضحة في الالتزام الذي هو عنوان الرسالة الفنية عند الإسلاميين، والصدق هنا لا يعني البعد عن الخيال والصورة كما قد يفهم البعض، وإنما هو الصدق في التجربة، والصدق في العواطف، والصدق في التعبير عن هذه العواطف، ولعل الفن المجرد عن هذه الصفة إنما هو نغم عاثر مهزوز لا روح ولا حياة فيه. يقول الأستاذ الكيلاني في قصيدته «البحث عن واحة»:

الفن هو الصدق الأكبر

الكاذب لا يخلق فنًّا 

يفرز أنغامًا تتعثر 

يتغنى باللحن الميت

ويعطي الشعراء الإسلاميون الملتزمون للأشكال الفنية دورًا طليعيًّا في هذه الحياة، ولعل الشعر الذي هو ألصق من غيره من الفنون بموقع الدعوة والمجابهة من ناحية، وبحياة الداعية المسلم من ناحية أخرى، كان أسبق إلى الريادة الفنية الدعوية من القصة والمسرح، ومن هنا فإن الرسالة الهادفة الصادقة التي يحملها الشاعر المسلم رسالة ذات عطاء ثري لا ينضب، ويكاد العطاء أن يكون صفة ملازمة لا تنفك عنه مهما كانت أشكاله التعبيرية، وأما العطاء فهو النور الذي يهدي السبيل للضالين في تيه الحياة وخضمها، وإذا لم يتسن للعطاء الشعري أن يكون المشعل المنير الهادي.. فلا كان، يقول الأستاذ محمد منلا غزيل في قصيدته الشهيرة «الله والطاغوت»: 

والشعر إن لم تلح في النية جذوته               نورًا مبينًا فلا كانت عطاياه

إن لفه الصمت في أكفانه أمدًا                   أو ضمه الرمز حينًا في حناياه

فالحرف ما زال يذكي وهج شعلته            وقع الصراع فيؤتي بعض نجواه 

ولعل هذا المفهوم للعطاء لا يتأتى إلا إذا خاض الشاعر لجج الحياة، وعايش تجربة الصراع بين الحق والباطل، وامتزج بالنور وهو يشق طريقًا وسط النار الملتهبة في ميدان الصراع مع الجاهلية، يقول الأستاذ عبد الله عيسى السلامة في قصيدته «مكابدة»، وهي إحدى قصائد مجموعته الشعرية الأولى «الظل والحرور»:

من لم يخض لجج الحياة فرأيه                   زبد علي ثبج المبادئ طاف 

إن الحياة سعير حرب مرة                       بين الهدى وشرائع الأجلاف

بهذين البيتين حدد السلامة ميدان العمل الفني.. الصراع مع الباطل.. مع الطواغيت.. مع الإرادة الباغية المنحرفة.. مع كل من يحاول خنق نور هذا الدين.. وهيهات يقف هذا الصراع..

إن رسالة الشاعر والفنان رسالة موارة.. لا يخبو نورها مهما حاول الأعداء أن يطفئوا هذا النور، وذلك نابع من إصرار صاحب هذه الرسالة على المضي من أجل بلوغ هدف العقيدة الأسمى، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ غزيل:

هيهات يخبو سنا التبيان مذ صبغت                آي الكتاب بلون الحق معناه 

هيهات ترضى ظلال الحق صبغته               هيهات يعنو لأغلال جناحاه

لكن.. لماذا هذا الإصرار من صاحب هذه الرسالة الفنية؟

إنه الحنين إلى النصر.. إلى عودة الأمة المسلمة الحرة.. إلى إعلاء كلمة القرآن في هذا المجتمع، يقول الأستاذ الكيلاني: 

أريد الفن محرابًا                    تؤجج أفقه الثورة 

ويحيى بين أضلعنا                 نداء الأمة الحرة

أريد الفن منطلقًا                   يقود خطاك للنصر 

يواكب وثبة الأحرار              نحو طلائع الفجر 

أريد الفن ممتزجًا                  بروح الحق والخير

أريد الفن قرآنًا                      يداهم مجمع الكفر

ولعل هذه الإرادة لا تتحقق إلا إذا استطاعت الرسالة الفنية أن تشكل الجيل الغاضب الثائر الذي يترتب عليه أن يقوم بالتغيير وهو يترجم عن عقيدته وإيمانه بالحركة والعمل، وذلك على الشكل الذي يختتم فيه الأستاذ نجيب الكيلاني قصيدته «الفن»:

أريد الفن أن يلهب روح الغضبة الكبرى

يشكل جيلنا الحيران.. يزكي فكره الحرا

يطارد خيبة الآمال والاتحاد والفقرا 

يفيض على الربا عدلًا ويملأ روضها برا

أريد الفن يومض من آهاتنا الحرى

يترجم عن هدى الإيمان في أيامنا الحيرى

وهنا نستطيع أن نؤكد أن الأديب والفنان المسلم يتخذ من فنه وأدبه وسيلة في كفاحه وجهاده وأدبه رسالة تتصف بالالتزام والصدق والعطاء من خلال تصور عقدي إسلامي، بعيدًا عن مفهومات الالتزام الأخرى.

الرابط المختصر :