العنوان نحو أدب إسلامي.. الأديب المسلم ودوره في المجتمع الحديث
الكاتب محمد حسن بريغش
تاريخ النشر الثلاثاء 14-يناير-1975
مشاهدات 13
نشر في العدد 232
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 14-يناير-1975
نحو أدب إسلامي..
الأديب المسلم
ودوره في المجتمع الحديث
لقد عرفنا أن للأدب دوره المهم في تقدم الشعوب ورسم صورة مستقبلها. أو الإرهاص لكل ثورة أو تغيير في نظمها ومعتقداتها وحياتها.
وبقدر ما يكون الأدب أصيلاً يعبر عن حقيقة المشاعر الدفينة لدى الفرد والجماعة يكون دوره مهماً وكاملاً في تحقيق آمال الشعب والوصول إلى غاياته العظام وفي هذا العصر الذي يتميز بالأفكار والعقائد والنظم الاجتماعية المستحدثة التي تحاول تفسير الحياة تفسيراً شاملاً تنبع من فلسفات معينة، وآراء متباعدة في هذا العصر بالذات يبدو الأدب أكثر فعالية في رسم إطار المجتمع الجديد وتحقيق الصورة المنشودة، وتهيئة النفوس والمشاعر للتبديل الشامل والتغييرات الجديدة للمجتمع بكامله.
إن الحضارة المادية فقدت مثلها، وأصبحت سمة على الدمار والخراب والخطر وعاملاً مهماً في الاستعمار والاستغلال والتهديد. وهنا تنفس العالم مرة جديدة وهو يبحث عن متطلبات روحه، بل متطلبات وجوده الإنساني فراح يبحث عن عقيدة تصلح لحياته وعن منطق يوافق فطرته. ولعل الأدب يسهم في هذا المجال. لعله يكون صرخة استغاثة، أو نداء للضمائر، أو تعبيرًا عن نفثة المحزونين وآمال المظلومين.. إلخ
ولهذا أصبح دور الأدب كبيرًا- لأنه يخاطب مشاعر الإنسان أينما كان، ويعبر عن إحساسه وآماله، ويتجاوب مع إنسانيته المعذبة المظلومة، أو الفرحة المسرورة. وغدا بذلك حافزاً مشجعًا لكل تطور منتظر، وماديًا أمام كل ركب في صوته إرهاصات التغير، وفي أنغامه بشائر الانتصار، ومن إلهاماته تأملات الغد الجميل.
فالشاعر الأصيل- في المجتمع المتخلف- لم تعد شاعريته انطلاقا وراء الخيال الميت، وإنما أصبح خياله صورة لمجتمع منشود، ونقمته هدماً لحاضر ممقوت وبذلك يتجاوز الحاضر إلى المستقبل كما يتصور ويحس بأحاسيسه المتيقظة. ويعبر بهذه الصور عن إحساس الشعب وما يكنه بضميره ويتحسسه بمشاعره دون أن يلمسه حقيقة أو يعيش فيه واقعًا.
والأديب المسلم في خضم الحياة الواسعة مسئول عن هذا الدور الرائد والخطير في حياة أمته.
إن كثيراً من الأدباء والكتاب تناولوا مسئولية الأديب المسلم في هذا العصر، وحاولوا رسم الخطوات الكفيلة بحمل هذه المسئولية وحسبنا في هذا أن نساهم بملاحظات على الطريق[]
فالأديب المسلم يعيش اليوم في خضم الحياة الواسعة، وهو مسؤول عن دوره الذي هو دور الريادة في حياة أمته.
ان لديه عقيدة يؤمن بها دستوراً لحياته وفلسفة لوجوده ومبررًا لبقائه عقيدة تشمل الحياة بشعابها المختلفة ونواحيها المتباعدة. وعليه إذن أن يكون على إدراك تام لهذه العقيدة وطبيعتها وتصورها، ليستطيع النظر بوضوح ودقة إلى الكون والحياة، إلى الإنسان والحيوان، وإلى عالم الثبات وعالم الطبيعة كلها، وإلى هذه العلاقات الدائمة بين الله والعباد وبين العباد أنفسهم، وبين العباد والطبيعة، ثم ليستطيع تحديد مسئوليته من خلال هذا التصور الإسلامي الشامل لهذا كله. ثم إن لديه واقعاً يعيش فيه، بكل متناقضاته ودعاويه وفلسفته، وبشتى صوره وأشكاله، وعلى اختلاف انحرافاته وضلالاته وإنه من ذلك يعمل ليحدد مواقع أقدامه إزاء هذا المجتمع من خلال تصوره الإسلامي الواضح ليبدأ الخطى بثبات وأصالة وإبداع .
وحين يعي الأديب المسلم هذه المسؤوليات مسؤولية الوعي الكامل للتصور الإسلامي، والوعي الكامل لحقيقة المجتمع المعاصر- حين ذلك يدرك طبيعة العقيدة الفاعلة التي يؤمن بها، وطبيعة تصوراتها للكون كله، وللطبيعة الرحبة بما فيها من أفلاك ومخلوقات وأشياء للعالم الجميل والقبيح، للخير والشر، وللعلاقة القائمة بين الخالق والعباد والطبيعة. وللمشاعر الإنسانية ومثلها الصحيحة.
وحينما يسير على هدى ونور في طريقه الشاق، وينتج أدبًا أصيلًا يحمل طابعه الإسلامي الذي هو طابع الإنسانية بحقيقتها وفطرتها دون أن يصرعه العصر فيدور في فراغ مجنون، أو يحار أمام السأم أو تلفه ضبابات العوالم الغامضة، ودون أن يلوك مخلفات الماضي مهما كانت لامعة رائعة، ودون أن تبهره بهرجات الغرب فيقلده بغباء وجنون، وإنما يدرك عالمه حق الإدراك، ويكون شخصيته الأدبية بوضوح الحق ليزاحم العباقرة بإبداعه وأصالته وفنه وروائعه.
والأديب- وأعني به من يستحق هذا اللقب بأصالته لا بادعائه- ينبغي أن يتمتع بحساسية مرهفة، ووعي فائق، وشعور يقظ، وفكر نير ليساعده ذلك كله على إدراك ما يريد، والتحليق فوق عالم البشر العاديين. إن دمعة بائس مظلـــوم يمر بها ألوف الناس- مثلا- فيشمئزون أو يحزنون ويتأوهون، ولكنها ترتسم لوحة كاملة معبرة عن قصة العذاب الإنساني على قرطاس الأديب لتستبشع صور الظلم ويحبب صور العدل في كل نفس وفي ضمیر کل إنسان.
ولهذا فمسؤولية الأديب المسلم في أمة لها عقيدتها الواضحة مسئولية كبيرة، مسؤولية تتطلب الوعي والأصالة والجد والإخلاص والتفاني.
ولا يستطيع الأديب المسلم القيام بدوره هذا إلا حين يتمثل التصور الإسلامي تمثلاً كاملاً، ويسم نظرته وفكره ومشاعره بسمة هذا التصور وحين ذلك تصبح نظراته في الحياة أصيلة واضحة، تنبع من مشاعره الإسلامية الواقعية، وتنظر بمنظارها الإسلامي الصافي، ويطبعه بطابع هذا التفسير الشامل لكل شيء من خلال التصور الإسلامي .
ينظر إلى الماضي والحاضر على ضوء هذا الوعي والتصور، فيرسم- في أدبه- الصورة واضحة لمجتمعة بما فيه من محاسن ومساوئ، وينقد الحياة كما توحي له عقيدته، ويتأمل المستقبل بنور بصيرته الصادقة.
ولا أعتقد أن في هذه النظرة للأديب المسلم تقييداً للأدب والأديب لأن العقيدة الإسلامية شاملة، تدرك حقيقة الكون والإنسان والخالق وتدرك معنى الجمال والحق والخير، وتؤمن بكل ما هو جميل ونافع للحياة وتعرف من المثل والمشاعر أكثر من أي عقيدة في الحياة.
إنها تخاطب الفطرة الإنسانية بصدق، وتعبر عن مكنوناتها أدق تعبير وأشمله، وهي التي تخلق الإبداع والتأمل وحب الجمال والخير عند كل إنسان- بله الأديب والمفكر- بل تدعو الناس جميعاً وتأمرهم إلى النظر في أرجاء الحياة، ليتأملوا بديع التنسيق والصنعة، ولتستتجيش عندهم شتى المشاعر والأحاسيس للماضي والمستقبل بأبعد صوره وأزمانه.
ولذا فالأديب المسلم بتصوره الإسلامي تتسع نظراته، وتكبر دائرة مشاعره، ويزداد تعاطفه مع الكون والحياة، ويصبح صوته المبدع وأدبه الأصيل هو صوت الإنسان أينما كان لأنه صوت الفطرة الشاعرة الأصيلة، بل يزيد إبداعه ويغزر حتى يشمل مظاهر كثيرة من الحياة يغفل عنها أدباء سواه.
إن المسلم يعتقد أنه خليفة في الأرض يستطيع أن يكون أديباً مبدعاً إذا أوتي الموهبة، وأن ينتج أدباً عالمياً إنسانياً يتسم بالأصالة والواقعية والجمال، أدباً يجد تجاوباً عميقاً مع إحساسات الإنسان في هذا العصر، ومع كل التطورات الحديثة فيه.
وعلى ضوء هذه النظرة أيضـاً تساهم فروع الأدب كلها في خلـق الأدب الإسلامي: من قصة ومسرحية وشعر، ومقالة وبحث ونقد وغير ذلك.
وبهذا يختفي من عالم الأدب أو يتضاءل ويتراجع «أدب» الميوعة والجنس والإثارة واللذة، وأدب المناسبات والظروف، لأنه أدب مصطنع لا يعبر عن مشاعر الناس ولا يمثل حقيقة الإنسانية ، ولا يعطي للشعب ما ينتظر من هذا الفن.
وبظهور الأديب المسلم يختفي من عالم الأدب مدعو الأدب ومروجو الزيف، وتجار الكلمة، ودعاة الدعارة باسم الفن والتجديد.
إن الأمة الإسلامية التي تدين بالإسلام، عليها أن تخلق أدباً إسلامياً بروحه وصوره وأسلوبه وفنونه حتى لا يمثل هذا الشعب أدعياء وخبثاء، وحتى لا تزيف الكلمة الطيبة علي يد المارقين.
إن الأدب الإسلامي هو الأدب الأصيل حين ينبع من التصــور الإسلامي الصحيح، لأنه يعبر عن روح الأمة ومشاعرها وآمالها، ويستطيع أن يساهم في إنقاذ الحياة والمجتمع بهدمه للصور المشوهة في عالم الأدب والواقع، وبرسمه للصورة الصادقة لحياة تعبر عن حقائق النفس الإنسانية وسوي فطرتها، وجمال أحاسيسها، ومستقبل تطلعاتها.
إن الحياة كلها، والفطرة الإنسانية، والطبيعة الواسعة عالم رحب وحافز قوي لنشوء الأدب الإسلامي. ولكن تبقى مسؤولية خلق هذا الأدب تقع على عاتق الموهوبين والدارسين والغيورين المخلصين.
وعلى هؤلاء أن يعوا المسؤولية، وأن يعرفوا مواقع أقدامهم في هذا العصر، وطبيعة الأمانة التي يحملونها لكي ينهضوا جادين لإنشاء أدب جديد لمجتمع إسلامي منشود، ولن يكون أحد أجدر من الأديب المسلم في الحداء لهذا المجتمع الذي يؤمن بالإسلام في أعماقه لأنه عقيدة الفطرة، عقيدة الحياة.
ولعله قد آن الأوان لأن يتداعى أدباء الفكرة الإسلامية إلى عقد مؤتمر يحددوا فيه منهجاً لعملهم، وطريقاً لأدبهم لكي يأخذ سماته الأصيلة، ويعبر عن حقيقة الشعب المسلم في عالمنا المعاصر.
وما لم يكن هناك لقاء وتعاون، وتحديد للأهداف القريبة والبعيدة لا يمكن أن يظهر تيار الأدب الإسلامي بما له من أصالة وجمال وعمق.
محمد حسن بریتش
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
رسالة ماجستير عن «علي أحمد باكثير» تكشف- كيف تنبأ الأدب الإسلامي بسقوط الشيوعية؟
نشر في العدد 1101
8
الثلاثاء 24-مايو-1994