; لا تفجعونا مرة ثانية.. في سورية | مجلة المجتمع

العنوان لا تفجعونا مرة ثانية.. في سورية

الكاتب الطاهر إبراهيم

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2003

مشاهدات 13

نشر في العدد 1549

نشر في الصفحة 28

السبت 03-مايو-2003

تعود المواطن العربي من معظم حكومات منطقتنا عدم الاستعداد لمجابهة الأخطار إلا عند وقوع الفاس في الراس الاستعداد لمجابهة الخطر لا يقتصر على حشد الأسلحة وتكديسها، بل يهتم بالبحث عن مواطن الضعف وبؤر السوس التي تهدد أمن الوطن وسلامته.

ونعتقد أن أهم خطأ ترتكبه الحكومات والأنظمة هو إهمال أهم سلاح لديها وهو المواطن، وعدم الزج به في معادلة الدفاع عن الوطن. 

وإذا كان العراق يتعرض لمحاولة نسف كينونته العربية والإسلامية، فإن هذا يوجب علينا أن نسعى لتلمس ثغرات الضعف التي أتي من قبلها العراق، وسدها قبل فوات الأوان.

وقد يكون من الأمانة والإنصاف أن نذكر بأن العراق قطع أشواطًا متقدمة في معادلة تكنولوجيا القوة العسكرية التي بناها ليجعل من نفسه قوة لا يستهان بها في المنطقة، وللأسف فقد أخفق العراق في توظيف هذه القوة، وبددها في ما لا طائل تحته. وقد لفتت ضخامة المقدرة العسكرية أنظار إسرائيل، التي لم تكتم خوفها، مما جعل رأس العراق مطلوبًا إسرائيليًا، وعجل بتدمير العراق وجعل استقراره ريشة في مهب الريح، وتبدد تقدم العراق بسبب كثير من السياسات الخاطئة والارتجالية، التي شكلت مقتلًا، وليس هنا مجال ذكرها.

وإذا كان قد تم الإجهاز على الكيان العراقي أو كاد، فهل نطمح في أن تستفيد الأقطار العربية من التجربة المريرة التي تعرض لها؟ أم أن حب الاستحواذ سوف يبقى مهيمناً على العقلية المتسلطة لدى بعض الأنظمة، مما قد يجعلها تخسر كل شيء وأخص بالذكر الأنظمة التي وضعتها الأجندة الأمريكية في رأس أولويات التغيير وأولها سورية .

كان بعض رموز القيادة السورية يظن – وربما لا يزال - أن هذا الأمر مستبعد اعتمادًا على سكوت الإدارات الأمريكية على النظام خلال أربعة عقود. ولا نريد أن نذهب بعيدًا في تلمس الذنوب التي تجعل أمريكا تصب جام غضبها على سورية فالذنب لا يعتدي على الخروف لذنب ارتكبه هذا المسكين، ولكن لم يعد يخفى على أحد أن أجندة بوش - وأجندة شارون - تختلف كلياً عن ثوابت السياسة الأمريكية قبل بوش، وأن ما يحصل في العراق هو المقدمة الطبيعية لمخطط واسع رسمه صقور البنتاجون الذين يدينون بالولاء الإسرائيل ويقدمون مصلحتها على مصلحة أمريكا، وعلى وجه الخصوص بعد شعورهم بنجاح هذا المخطط في العراق

كما أنه ينبغي ألا ننخدع بتصريحات تنفي أن تكون إدارة بوش ذاهبة المهاجمة سورية، فهي تدخل ضمن توزيع الأدوار كما حصل قبل اجتياح العراق وقد اعتقد البعض أن الهدف الوحيد لاجتياح العراق هو الاستيلاء على النفط، ثم تبين أن تدمير الحضارة العراقية لا يقل أهمية عن نفط العراق فقد سمعنا المحامي العراقي محمد الشيخلي ينادي بصوت متهدج مجروح من قلب بغداد الأمريكان أحضروا شبانًا غرباء عن المدينة وبرعايتهم شرعوا في النهب والسلب، وعاثوا فسادًا ..... ونقلت قناة أخرى مشهدًا لممثل مسرحي عراقي يبكي على ما آل إليه وضع بغداد الثقافي والحضاري في ظل الاحتلال.

ونريد هنا أن نقرر حقيقة أن المواطن السوري مهما كان انتماؤه الحزبي، قوميًا أم إسلاميًا أم يساريًا، وأني كان موقعه السياسي، داخل النظام الحاكم أم في المعارضة، وأني كانت سكناه، داخل سورية أم في أرض الشتات، فهو مواطن يشعر بالخوف من أن يكون مصير دمشق كمصير بغداد وأن تحترق غوطتها وقصر العظم فيها، كما احترقت بساتين بغداد وكما نهب ودمر متحف بغداد. ولقد بلغت الاستهانة والازدراء أن يشبه وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد هذا النهب بأعمال الشغب بعد مباريات كرة القدم، بل أضاف «أن هذا أحد نتائج الحرية التي تكون في التخريب كما تكون في البناء...»وحتى نجنب المدن السورية المصير المظلم الذي آلت إليه مدن العراق ينبغي أن نتجنب الأخطاء القاتلة التي أودت بالعراق

ولأن سورية هي وطن كل السوريين، فإن من حق السوريين كلهم أن يمكنوا من الدفاع عن بلدهم. بأن يبادر نظام الحكم بإلغاء كل الحواجز التي كانت وما زالت تقف عائقًا أمام ممارسة هذا الحق

أجندة بناء الدفاعات

وأول ما يجب تعديله، بل إلغاؤه المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو قائد للدولة والمجتمع وغيرها من مواد ترسخ للتمييز بين فئات الشعب السوري لن أشعر بالخوف من ملاحقتي بجناية تغيير الدستور بالقوة كما لوحق الناشطون العشرة عندما دعوا إلى تنقية الدستور، لأن الخوف على مصير الوطن ينسي أي خوف سواء كما يجب إلغاء قانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية التي حكمت سورية خارج القانون الطبيعي لأربعة عقود. ويجب إلغاء محكمة أمن الدولة وكل المحاكم الاستثنائية، كما يجب إقفال أجهزة المخابرات التي زرعت الخوف والرعب في قلوب المواطنين حتى الذين هربوا إلى خارج الوطن، والاكتفاء بجهاز واحد للأمن الخارجي سورية الآن في خطر ماحق يتهدد وجود دولة وحضارة والذين فعلوا في العراق ما فعلوا لن تأخذهم رحمة أو إنسانية عندما يأتي الدور على سورية. وما نلاحظه أن معظم أعضاء قيادة حزب البعث لم يدركوا حتى الآن مدى هذه الخطورة فلو أحسوا بالخطر لاختلف سلوكهم عما نراه حاليًا. لقد حرم مئات الآلاف من أن يتفيؤوا ظلال وطنهم بسبب رفضهم للسياسات الخاطئة التي المحنا إليها، فهل يحرمون من شرف الدفاع عن الوطن. أم أن منظري حزب البعث وبائعي الشعارات سوف يصرون على أن الوطن غير محتاج لخدمات «هؤلاء المارقين»؟

إن الذين استمرأوا سياسة الأخذ على مدى أربعة عقود، لا يجيدون البذل والعطاء. وقد رأينا في هزيمة ١٩٦٧ التي لايزال بعض من فرسانها يصول ويجول في ساحة الحكم بعد أن ولى الأدبار في ساحة تلك المعركة، ورأيناهم في حرب (۱٩۷۳ 

وقد قام الجيش السوري، في بدء المعركة، بإزاحة العدو بضعة كيلومترات من الأرض التي احتلت عام ١٩٦٧، وما إن غابت شمس اليوم الثاني حتى ترك بعض القيادات مواقعه، ليضيف العدو أرضًا أخرى إلى ما احتله في هزيمة يونيو، ولا يزال بعض هذه القيادات يتبوأ مراكز حساسة في قيادة الجيش وفي مراكز صنع القرار السياسي

أما المعارضون للنظام أحزابا وشخصيات فقد كان شأنهم يختلف عن شأن من هم في الحكم. رغم ما أصابهم من لأواء على أيدي أجهزة الأمن البعثية فقد بادروا بالوقوف في وجه التهديد الأمريكي لسورية، دون أن يقيموا أي اعتبار لموقف النظام منهم، لأنهم يعلمون أن التهديد يتجاوز النظام والحكومة إلى اجتثاث الوطن والشعب كما فعل في العراق، ولسان حالهم يخاطب أركان النظام «لا تفجعونا مرة ثانية في سورية بعد فجيعتنا في العراق».

أركان المعارضة السورية يستشرفون المستقبل الذي ينتظر سورية، في حال استطاعت أمريكا تنفيذ تهديداتها، لأنهم يدركون الأخطار المحدقة لوطن أكثر مما يدركها أركان النظام ولدى معظم سائل المعارضة أجندة كاملة المشروع الدفاع عن وطن وحتى يمكن الاستفادة من مشروع عارضة ذاك لابد قبل ذلك من أن يضع النظام الحصان أمام العربة، فكيف يتم ذلك؟

أجندة الإصلاح

أولًا: إصدار عفو عام عن كل المعارضين بلا استثناء وإلغاء القانون ٤٩ لعام ۱۹۸۰ الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وإطلاق سراح جميع من تبقى في المعتقلات السياسية، وإلغاء كل الآثار التي ترتبت على الاعتقالات والملاحقة الأمنية والسياسية وإعادة الاعتبار لمن ظلم في تلك المرحلة الكتيبة من حياة سورية.

وبمناسبة العفو العام الذي أصبح لا مفر منه إذا كان النظام جادًا بترميم وشد الصف الداخلي فإن هناك الكثير من البعثيين، ومنهم رئيس دولة سابق وأعضاء قيادة قومية بعثية عالقون على الحدود الغربية للعراق مع سورية، ورغم توسل

أهاليهم ومناشدة شخصيات مؤثرة في المعارضة فإن النظام يصم أذنيه عن سماع هذه الصرخات ويرفض السماح لهم بدخول وطنهم.

ثانيًا: الدعوة إلى مؤتمر عام لكافة الأحزاب والهيئات الموجودة في داخل سورية وخارجها، يتم فيه تداول الأمر ووضع تصور لكيفية الخروج برؤية واضحة للوقوف في وجه التهديدات، واتخاذ قرارات وتوصيات توضع موضع التنفيذ.

ثالثًا: الدعوة إلى انتخابات برلمانية عامة ينتج عنها تشكيل حكومة طوارئ لا تستثني أي فصيل عامل على الساحة، وتعبئة طاقات الشعب والدولة في وجه العدوان الذي قد تشنه أمريكا.

إذا كان رموز النظام مدركين لضخامة التحدي فإنهم سيدركون أيضًا أن البقاء في دائرة المعادلة الحالية، هو انتحار كانتحار الحيتان على شاطئ البحر، وأن عليهم أن يتجنبوا مصيرًا كمصير رموز النظام العراقي، رغم ما بذلوه مؤخرًا من مجهودات لاستدراك ما فات.

الحاجة إلى القفز فوق إرث عقدة التفرد بالحكم

قد ينهض واحد من منظري النظام إياهم. فيزعم أن ما تدعو إليه المعارضة من خلال البنود الثلاثة أعلاه، سيعمل على كسر التوازن الوطني والاستقرار الذي تحقق خلال أربعة عقود من حكم البعث، وقد يؤول الأمر بسورية إلى ما آل إليه حال الاتحاد السوفييتي.

ونحن نقول إن الاستقرار الحالي في سورية استقرار ظاهري وهش، ولا يختلف كثيرًا عما كان عليه حال العراق قبل العدوان الأخير عليه «تمثلت الهشاشة في استقرار العراق، بحصول الانهيار الكامل المؤسسات الدولة بسبب الفراغ الذي حصل بعد أن توارت القيادة السياسية عن الأنظار، وتوقفت عجلة الحياة بالكامل فيها، بسبب حالة الانفصام بين الشعب وتشكيلات الحكومة التي كانت تعتمد أساسًا على كوادر البعث ولو كانت مؤسسات الخدمة مستقلة عن القيادة السياسية لبقيت البنية التحتية تعمل ولو في حدها الأدنى» وهذا يؤكد أنه لن يكون هناك استقرار حقيقي إلا إذا شارك الشعب بجميع فصائله في حماية استقرار واستقلال الوطن. 

هذا أولًا، أما ثانيًا، فإن على قيادة حزب البعث في سورية أن تختار بين أن تشرك فصائل الشعب في تحمل مسؤولية مواجهة ما يحاك السورية، أو أن تواجه المصير الذي واجهته قيادة حزب البعث في العراق، بل إننا نخشى أن تتأخر القيادة السياسية باتخاذ القرار الاستراتيجي إلى مرحلة، قد لا يكون فيها مجدياً اتخاذ مثل هكذا قرار

وثالثًا، فإن قيام أمريكا بمهاجمة سورية لا يتعلق بكون حزب البعث يحكم سورية، وأن أمريكا تريد إحلال حزب آخر مكانه، لأن التعايش القائم بين النظام الحالي والإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال أربعة عقود ينفي هذا الزعم وإنما يتعلق بفرض تغيير جذري في المعادلة السياسية في سورية، بما يتماشى مع التغيير الذي حصل في العراق، وبما يتناسب مع أجندة شارون المتمثلة بضرب البنية التحتية لحزب الله وحماس والجهاد وبالتالي فرض تسوية إقليمية هي الاستسلام بعينه.

ورابعًا، فإن فصائل المعارضة لاتزال تعتبر حزب البعث فصيلًا يمكن أن يكون شريكًا فعالًا في حكم سورية، وأن تأخر هذا الحزب بالدخول في شراكة حقيقية مع فصائل المعارضة، قد يخرجه من المعادلة السورية نهائيًا، إذا حصل اجتياح أمريكي

أخيرًا يتطلع الشعب السوري، في داخل الوطن وفي الشتات إلى خطوة سباقة يتخذها الرئيس بشار الأسد، تكون تطبيقاً لما قاله في افتتاح انعقاد مجلس الشعب الجديد في 10 مارس الماضي عندما قال فنحن في مرحلة تاريخية تحدد فيها مواقفنا الراهنة مستقبلنا لعقود قادمة.. لا تنفع فيها المسايرات والمجاملات وعلى كل مسؤول وعلى كل دولة أن تتحمل مسؤوليات مواقفها أمام شعبها

فهل نطمع بأن تتخذ القيادة السورية قرارًا يخلو من المسايرات والمجاملات بأن تعلو فوق نوازع الذات وعندها ستجد الشعب السوري كله معها في معركة الدفاع عن الوطن.

يبقى أن نقول إن الشعب السوري مهيا نفسيًا. ويشكل فطري للمضي في معركة الدفاع عن الوطن بمعزل عما تخطط له الحكومة إذا وجد أن الحكومة لا تزال تجد نفسها مستغنية عن إمكانات وقدرات الشعب وعندها سيزول الحرج ولن يجد الشعب نفسه واقفًا في معركة ضد حكومة بلاده، وإنما سيقف للدفاع عن وطنه ضد عدو يريد أن يعيد احتلال الوطن لصالح إسرائيل.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

من القنيطرة إلى دمشق

نشر في العدد 497

25

الثلاثاء 16-سبتمبر-1980

المجتمع الدولي (العدد 465)

نشر في العدد 465

8

الثلاثاء 15-يناير-1980