; لا نكفِّر مسلمًا برأي أو معصية | مجلة المجتمع

العنوان لا نكفِّر مسلمًا برأي أو معصية

الكاتب محمد سلامة جبر

تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978

مشاهدات 12

نشر في العدد 412

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 19-سبتمبر-1978

  • لا ينبغي أن يكون للهوى مدخل في الحكم على الناس
  • لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو معصية؛ إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر 

قلت:

إن اعتقاد كفر من كفر، وإيمان من آمن، واجب على كل من ظهر عنده ذلك بالدليل الواضح والبرهان القاطع، واستبان لديه الحكم الفصل في حق فرد معين أو أفراد مخصوصين.

ولا ينبغي أن يكون للهوى في ذلك مدخل، ولا للعداوة والبغضاء في تقرير الحكم نصيب: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ (التوبة: 8).

وحكمنا على معين بالكفر، ليس حكمًا عليه بسوء الخاتمة، فلربما تدركه رحمة الله قبيل موته فيؤمن ويكون من الذين سبقت لهم من الله الحسنى، والعكس كذلك صحيح، فحكمنا على معين بالإيمان ليس حكمًا عليه بحسن الخاتمة، ولكن نرجو ونخاف، ولا خير فيمن لا يخاف ولا يرجو، ونسأل الله العافية والثبات على الحق بمنه وكرمه، آمين.

الفيصل

ولعل ما ذكره الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله في رسالة التعاليم يصلح «فيصلًا عادلًا» نفرق به بين الكفر والإيمان، فلا نرمي مسلمًا بالكفر فيبوء به الرامي، ولا نتساهل كذلك فنعتقد الإيمان فيمن أظهر الكفر ولم يدار.

وقوله رحمه الله: «لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض» هذا القول قد يوهم لكل من نطق بالشهادتين لا يعتبر مسلمًا حتى يعمل بمقتضاهما ويؤدي الفرائض، وليس هذا بصحيح، ولا هو مراد أستاذنا رحمه الله بدليل قوله بعد ذلك: برأي أو معصية؛ أي لا نكفر المسلم برأي أو معصية. ومعلوم أن ترك بعض الفرائض من المعصية، والعبادة المشوبة ببعض الرياء مما يخالف مقتضى شهادة التوحيد، ولم يقل أحد بكفر أي منهما، فتبين من ذلك أن مراد إمامنا الشهيد أن النطق بالشهادتين يستلزم العمل بمقتضاهما، ومن مقتضاهما أداء الفرائض على قدر الطاقة.

متى نحكم بردة المسلم؟

قال رحمه الله:

1- إن أقر بكلمة الكفر.

2- أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة.

3- أو كذب صريح القرآن.

4- أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية.

5- أو عمل عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر.

قلت: فهذه خمسة قيود واضحة جلية يكفي أن يتحقق واحد منها لنحكم بالردة دون تردد أو ارتياب، ومن أجل تبيان بعض ما غمض نقول:

أولًا: إن قوله رحمه الله: «إن أقر بكلمة الكفر» يعني إن أقر راضيًا غير مكره، أو أكره فجعل فتنة الناس كعذاب الله، فأقر بكلمة الكفر منشرحًا بها صدره، فهذا وذاك يخرجان عن كونهما من المسلمين بالإجماع.

ثانيًا: قوله رحمه الله: «أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة» يعني من أنكر «المسلمات الشرعية اليقينية كفرضية الصلاة، أو حرمة الخمر، أو رد آية من القرآن وأنكر كونها منه».

والشرط في هذا أن يكون «الإنكار مع العلم»، أو بعبارة أوضح «الإنكار بعد قيام الحجة على المنكر بالبيان الواضح والبلاغ المبين».

أما من أنكر جاهلًا بأن أمثال هذه الأمور مما علم من الدين بالضرورة فيعذر حتى يعلم، وإثمه على من وجب عليه البلاغ ولم يفعل.

ثالثًا: وقوله رحمه الله: «أو كذب صريح القرآن» يعني أنه ليس المراد هنا التكذيب بآية أو أكثر، فهذا مما يدخل في القيد السابق، وهو إنكار ما علم من الدين بالضرورة، والمناسب هنا أن يكون المراد هو التكذيب بعلوم واضحة صرح بها القرآن كأخبار الأمم السابقة، وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

رابعًا: قوله رحمه الله: «أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية». نرى منه أن الأصل في تفسير القرآن النقل الصحيح عن الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن فعن أصحابه رضوان الله عليهم، فإن لم يكن فللاجتهاد نصيب بشرط الأهلية لهذا المقام واستيفاء شروط المفسر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»، وهذا إذا فسره بما يوافق هواه وتحتمله أساليب اللغة العربية. أما من فسر القرآن بما لا تحتمله أساليب اللغة العربية بوجه من الوجوه فيعتبر تفسيره تكذيبًا صريحًا للقرآن، ويخرجه ذلك عن كونه من المسلمين، ومثال ذلك من فسر نعيم الجنة وعذاب النار بأنهما معنويان روحانيان وليسا بمحسوسين.

خامسًا: قوله رحمه الله: «أو عمل عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر». یعني أنه قد يأتي المسلم أعمالًا يوهم ظاهرها ممالأة الكفار واتباع غير سبيل المؤمنين؛ غير أنه يفعل ذلك بنوع تأويل يستبيح به لنفسه ذلك العمل، فهذا مسلم قد يعذر أو يؤاخذ بحسب ما يرى ولي الأمر من دلائل إخلاصه وحسن نیته، مثال ذلك: ما فعله أحد الصحابة ممن شهد بدرًا حين أرسل رسالة سرًّا إلى قريش يعلمهم فيها بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على حربهم، فعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي وأرسل من الصحابة من أتى به وبالرسالة، ولما سئل عما جعله يفعل ذلك اعتذر بما أرضى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

أما إذا عمل المسلم عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر، فذلك مرتد إلا أن يعود فيتوب؛ مثال ذلك: من فر من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار وناصرهم على إخوانه المسلمين بالقوة أو بالعمل، أو خرج معهم لحرب المسلمين يكثر سوادهم، فهذا وأمثاله ممن نحكم بردتهم: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ ﴾ (المائدة: 51).

ومن سب الله ورسوله، أو استهزأ بشرع الله أو بحكم من أحكامه، كان ممن أتى عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر.

ومن قتل الدعاة إلى الله، لا لسبب إلا لأنهم يدعون إلى الله، وكراهية أن ينتشر دين الله؛ كان هذا من العمل الذي لا يحتمل تأويلًا غير الكفر.

وصدق الله العظيم: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (البروج: 8).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حَديث صَريح للشيخ محمد أبو زهرة

نشر في العدد 2

1042

الثلاثاء 24-مارس-1970

تفسير زئبقي للقرآن

نشر في العدد 11

39

الثلاثاء 26-مايو-1970

كيف يفكر أشبال الجيل الجديد؟

نشر في العدد 46

23

الثلاثاء 02-فبراير-1971