; لمحات في الحقبة العبرية (٦) نصب تذكاري مقابل كل الحليب من البقرة | مجلة المجتمع

العنوان لمحات في الحقبة العبرية (٦) نصب تذكاري مقابل كل الحليب من البقرة

الكاتب محمد الراشد

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995

مشاهدات 17

نشر في العدد 1133

نشر في الصفحة 19

الثلاثاء 10-يناير-1995

في «غابة القدس» أقامت الاستخبارات الإسرائيلية نصبًا تذكاريًا علنيًا لمواطن أمريكي هو «جيمس جيسوس إنجلتون» تعبيرًا عن خدماته الجليلة لـ «إسرائيل» و«جيم» هذا، كما يحب أن يسميه أصدقاءه الإسرائيليون جُنِّدَ في عام١٩٤٣م في «مكتب الخدمات الاستراتيجية» والذي ألغي بعد الحرب العالمية الثانية ليؤسس وكالة المخابرات المركزية.. عام ١٩٤٧م؛ حيث عين كضابط محطة أساسي لإيطاليا وسويسرا عام ١٩٤٤م، وكان له جهود خاصة في المساعدة على الهجرة السرية لليهود لـ «إسرائيل».

 لكن الدور الرئيسي والأساسي، والذي قام به «انجلتون» وقدم خدماته الجليلة «لإسرائيل»، قد بدأ عام ١٩٥١م حيث أصبح همزة الوصل الرئيسية لـ «سي. أي. إيه» مع الموساد حتى انتهاء خدمته.

فقد زار ابن غورين الولايات المتحدة في هذا العام للقيام بحملة لجمع ما لا يقل عن بليون دولار من مبيعات السندات الإسرائيلية، لكن كانت مهمته السرية تجنيد منظمة الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» في خدمة الـ «سي. أي. إيه»؛ حيث اجتمع مع مدير الـ: «سي. أي. إيه» والتر بيديل سميث ونائبه آلان دالاس، وفي الشهر الذي أعقب تلك الزيارة وصل «شيلوه»- رئيس الموساد - إلى واشنطن لترتيب التفصيلات النهائية لهذا المشروع مع مدير الـ: «سي. أي. إيه» ونائبه بحضور «جيمس جيسوس انجلتون»

 وبالرغم من توليه عام ١٩٥٤م كرئيس لمكافحة الجاسوسية في (C.I.A) إلا أنه ظل محتفظًا طوال حياته المهنية كمسئول ارتباط الـ «سي. أي. إيه» بجميع وكالات الاستخبارات الأجنبية المخالفة وكان كما يقول أحد أصدقاء المقربين أنه كان يقوم بالعمل الذي يريد، وفي الوقت الذي يريد لا ما تريده (C.I.A)، وكان يستغل علاقاته مع الاستخبارات الإسرائيلية وهي علاقة احتفظ بها لنفسه كمرجع لاي خط يحاول أن ينتهجه في (C.I.A)، ولد ولم يكن أحد يناقضه لأنه لم يكن مسموحًا لأحد غيره بالتحدث مع الاستخبارات الإسرائيلية، حيث وجدت الولايات المتحدة في أوائل الخمسينيات أنها غير قادرة على اختراق الستار الحديدي «الاتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية» وكان من الأجدى البحث عن بلد بديل ليتواجد فيها عدد كبير من الناس ذوي خبرة حديثة بالحياة في هذه المنظومة، كما أن لهذا البلد خبرة بالعمل السري من خلال تنظيماته السرية في هذه البلدان، ووجد الأمريكيون ضالتهم في حليفهم «إسرائيل»، والتي ساعدوها في عمليات سرية لنقل آلاف المهاجرين الشرقيين «لإسرائيل» وهؤلاء يملكون ثقافة ولغة مجتمعات الاتحاد السوفيتي بالإضافة إلى استخبارية عالية الكفاءة متلهفة للتعاون ولهذا كان التنسيق الذي قاده انجلتون حتى النهاية، ولكن كان الإسرائيليون لديهم ما يقدمونه «للبقرة» مقابل الحصول فيما بعد على كل «الحليب» وفق تعبير مؤلف كتاب: «علاقات خطرة.. القصة الخفية للعلاقات السرية الأمريكية الإسرائيلية» إندرو وليسلي كوكبيرن CLA DANGEROUS LI AISON، ويقصدا بالبقرة «الولايات المتحدة».

لقد استطاع انجلتون ان يساهم بشكل فعال إقامة علاقة سرية مع المخابرات الإسرائيلية «الموساد» وكانت الميزة الكبيرة لهذه العلاقة انها تستطيع الصمود أمام أية تغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية الرسمية هذه العلاقة التي سميت «اتفاقية لارتباطه»، وقد استطاعت «إسرائيل» بجهود «انجلتون» في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن تحصد على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي والمعلوماتي مصالح لا تقدر بثمن حيث استطاعت «إسرائيل» أن تحتوي الولايات المتحدة ضمن نظريتها الخاصة في أنها قادرة على احتواء الأنظمة المساندة للشيوعية في المنطقة، ومن خلال حربين (١٩٥٦) (۱۹۹۷) حققت مواقع متقدمة في هذه السياسة.

لقد كان دور انجلتون مهما في تضليل مدير (C.I.A) في جدية إسرائيل، للقيام بهجوم على مصر عام ١٩٥٦ بالرغم من تقارير السفير الأمريكي في «إسرائيل»، والتي فندها انجلتون في اجتماع لجنة المراقبة، وهي لجنة لأزمات المشكلة من ووكالة الاستخبارات الأمريكية وبرر بان الإسرائيليين لن يقوموا إلا بتدابير وقائية ضد الأردنيين، حتى اتهمه نائب مدير (C.I.A) روبرت اموري بأنه عميل للتضليل الإسرائيلي. 

كما أنه تم السماح سرًا لـ «سي. أي إيه»، بأن تساعد «إسرائيل» في الحصول على المقدرة النووية، ولهذا انهم انجلتون بمساعدة الإسرائيليين في عملية «نيوميك» والتي من خلالها استطاعت «إسرائيل» سرقة اليورانيوم المخصب لصنع القنبلة الذرية.

«تيدي كوليك» من أصدقاء «انجلتون» الإسرائيليين يذكر بأن «جيم» يرى في «إسرائيل» حليفًا صادقًا في زمن كان فيه الإيمان مهمة فكرة نادرة. 

ولقد تبنى انجلتون «إسرائيل» بشكل يبدو فيها وكأنه مجلة «نيوريبيبك» وهي مجلة أمريكية موالية لإسرائيل.

 لقد أحب انجلتون الإسرائيليين لكنهم استنفذوا أغراضهم منه، يقول الكاتبان كوكبيرن في كتابهما «علاقات خطرة»: بعد سنة من افتتاح النصب التذكاري لانجلتون فإن معظم الأشجار والشجيرات الصغيرة ماتت أو على وشك الموت، كما أن الأرض المحيطة بالنصب قد غطت بالنفايات فليس هنالك أي ناشئ يثير الوجدان إزاء هذا الموقع، لقد أهدى الإسرائيليون نصبًا تذكاريًا غطى بالنفايات مقابل «كل الحليب من البقرة».

 واليوم يتباهى بعض الزعماء العرب والَّذين وقعوا معاهدات تطبيع إبان هذه الحقبة العبرية بعلاقاتهم السرية على أمل أن يحصلوا على نصب تذكاري ستحيط به النفايات فيما بعد حيث سيذهبون مع التاريخ وستبقى «إسرائيل» مع حليبها كما ذهب انجلتون وبقي «كل الحليب من البقرة».

الرابط المختصر :