; ليكن المجلس مجلس قضايا | مجلة المجتمع

العنوان ليكن المجلس مجلس قضايا

الكاتب عبدالله الصالح

تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

مشاهدات 15

نشر في العدد 551

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

المتأمل في ما مضى من رحلة مجلس الأمة الحالي، يرى أنه– لأسباب كثيرة– كان يعني بطرح ما يتعلق برغبات الناخبين من خدمات ومرافق عامة ومكاسب مادية أكثر مما يعني بطرح قضايا مجتمعية كلية. 

ولأن النيابة عن الأمة مسؤولية عظيمة عند الله وعند الناس؛ ولأن الوقت هو الحياة فالمجلس مدعو إلى وقفة تأمل ومراجعة.... وقفة يحاول منها الإجابة على الأسئلة ماذا؟ وكيف؟

ما هي القضايا الكلية التي ينبغي التركيز عليها؟ وبأيها تكون البداية؟ 

والحقيقة أن الإجابة على هذين السؤالين ليست بسيطة، بل تحتاج إلى دراسة معمقة للواقع وتحديد للأهداف في ضوء ذلك، ومن هنا فإن وضع سلم أولويات لمجلس الأمة يجب أن يشارك فيه أكثر من طرف..... المجلس والشعب والحكومة، والشعب هو أهم هذه الأطراف وآراء أبنائه المثقفين الواعين أولى بأن يلتفت إليها.

قضايا كثيرة

والقضايا المجتمعية الكلية المطلوب من المجلس أن يبحثها ويضع لها الأسس كثيرة:

  • منها ما يتعلق بمظهر القوة المادية للبلاد كسياسة التسليح والعلاقات الخارجية وبناء الاقتصاد الوطني على أساس تنويع مصادر الدخل ووضع سياسة محكمة للاستثمارات الخارجية، وكذلك إنتاج النفط وأسعاره.
  • ومنها ما يتعلق باستقرار المجتمع كالعدل في توزيع الثروة والحفاظ على الحريات العامة ومعالجة قضية الأمن والعمالةالوافدة والإسكان.
  • ومنها ما يتعلق بالشخصية الحضاريةالمميزة للشعب الكويتي المسلم، كتعديل المادة الثانية في الدستور لتنص على أن الإسلام مصدر التشريع وتنقيح القوانين طبقًا لذلك وصيانة التراث العربي والإسلامي.
  • ومنها ما يتعلق بجميع هذه القضايا ويخدمها كالسياسة التربوية والتعليمية والسياسة الإعلامية والإدارة العامة.

نعم هذه هي القضايا العامة في خطوطها العامة، ولكن السؤال الخطير الذي يحتاج إلى إجابة هو بأي هذه القضايا تبدأ وكيف تكون البداية؟!

ملاحظات إجرائية

وقبل محاولة الإجابة على هذا السؤال الخطير هناك ملاحظات إجرائية ينبغي الانتباه لها لما لها من أهمية ودور حاسم في ترتيب سلم الأولويات.

أول هذه الملاحظات أن المجلس عندما وافق على معظم «قوانين الحكومة» كان يتذرع بأن ما يعترض عليه في بنودها قليل يمكن تلافيه بمشاريع قوانين للتعديل يتبناها المجلس.

ولكن هذا الطريق وإن كان صحيحًا إلا أن الوقت الذي يقتضيه لحين إقراره يساوي الوقت الذي يقتضيه سن أي قانون جديد وقد يزيد هذا الوقت إذا ما لجأت الحكومة إلى استخدام اللعبة البرلمانية، كما ألمح لذلك بعض النواب. 

ولذلك فإن الأسلوب الأمثل في رأي المراقبين الدستوريين هو رفض القانون المعروض إذا كان غير مقبول فعلًا وطرح قانون آخر بديل له في نفس الوقت.

ولعل خير دليل على فاعلية هذا الأسلوب هو إعطاء بحث قانون الخدمة المدنية الذي تقدم به بعض النواب صفة الاستعجال.

الملاحظة الأخرى هي ضرورة عدم الاستجابة... لألاعيب الحكومة وطلباتها المتكررة في تأجيل أو تأخير البحث في موضوع معينبحجة الصالح العام وحساسية الوضع الأمني وما إلى ذلك من تخريجات.

الملاحظة الثالثة هي وجوب الأعراض نهائيًا في الوقت الحاضر عن تعديل الدستور وعدم مناقشة ما ستقوم الحكومة بطرحه في هذه الدورة.

والاكتفاء بملاحقة مطلب المجلس بتعديل المادة الثانية فقط لتكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع وذلك حتى يتسنى تنقيح القوانين طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية وتهيئة المجتمع للتحول نحو الحكم الكامل بالإسلام تدريجيًا وبشكل متكامل ومتوازن وينضاف إلى هذه الملاحظات مطالب شعبية بضرورة تكثيف عدد جلسات المجلس واللجان والاستعانة بالمستشارين في مختلف الميادين.

أولويات لابد منها

وبعد هذه الملاحظات ماذا يبحث المجلس وبماذا يبدأ؟

القضايا التي يجب أن يعني بها المجلس يتبناها على سبيل الإجمال قبل قليل والذي نود أن نلفت الانتباه إليه هذا ونحن نحاول أن نضع سلمًا للأولويات، هو أن هذه القضايا المجتمعية الكلية لا تنقسم إحداها عن الآخر، وهي متداخلة إلى حد التشابك والترابط لكن مع ذلك أي هذه القضايا أشد إلحاحًا وأولى بالعناية والبحث؟

صيانة مكتسبات الشعب

لعل القضايا التي تتعلق باستقرار المجتمع هي الأولى والأكثر إلحاحًا بالبحث والنقاش خاصة في الوقت الذي يجمع فيه الجميع أن المنطقة تعيش ظروفًا صعبةوأنها مهددة في أمنها واستقرارها.

وسواء كان التهديد من الخارج أم في الداخل فلا جدال أن استقرار الجبهة الداخلية هو أهم ضمانة للأمن ومواجهة القلاقل ولاشك أن صيانة الحريات العامة واستقرار العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يكفل مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية والعمل بمبدأ تكافؤ الفرص هي أهم عوامل الاستقرار، لذا فإننا نتصور أن رفض القوانين أو بعض مواد القانون أو مشاريع قوانين جديدة تقيد حرية الموظف المكفولة دستوريًا يجب أن تكون في رأس سلم أولويات المجلس والتحديد نقول أن رفض المادة ٣٥ مكرر من قانون المطبوعات والطبع مشروع القانون المعروض حاليًا.

وقانون التجمعات والمادة (٣٣) من قانون الخدمة المدنية وغيرها من القوانين التي تحد من الحريات أو تخالف الدستور، يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات المجلس.

وبقدر ما يعد المجلس من مشاريع قوانين بديلة لهذه القوانين بقدر ما يكونناجحًا وقويًا أمام الحكومة.

ومن الطبيعي بعد ذلك أن تكون الأولوية للناحية الإيجابية في هذا الباب وذلك بتحقيق المزيد من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وإدارة الشؤون العامة.

وخاصة السياسة الخارجية والاستثمارات الخارجية.

وكذلك متابعة مطالبة المجلس بجعل الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع لارتباط ذلك بعقيدة المجتمع ودينه.

وإذا كانت السياسة الخارجية تلقي الرضا الشعبي بشكل إجمالي، فإن الاستثمارات الكويتية في الخارج لا تزال سرًا من الأسرار لا يطلع عليها إلا قلائل... حتى المجلس نفسه لا تزال بالنسبة له سرًا ومن هنا فإن كشف هذا السر ووضع تفاصيله في متناول ممثلي الشعب لدراسته واتخاذ التدابير الكفيلة بحسن الاستثمار وضمانه تكون القضية الملحة الثانية ويلحق بجعل هذه القضايا قانون التجنيس،وقد تأتي قضية الوافدين في المرتبة الثالثة: كم نحتاج سنويًا من الوافدين؟ وماهي الخبرات التي نحتاجها؟ ومن أي الجنسيات ينبغي توفيرها؟ ثم على أية شروط يتم التعاقد معهم، وكيف تكون طريقة التعامل معهم؟ بل هل يمكن الاستغناء عنهم؟

كل هذه الأمور يجب أن تطرح وتدرس بعمق لكي يتم وضع سياسة ثابتة.

كنا نفضل الإنجليز للإدارة العليا ثم العرب ثم الهنود والباكستانيون، ثم العرب ثم الأسيويون ومن جديد بدت معالم سياسة التهنيد، إن صح التعبير.

ونحن لا نضع تصورًا بل نشير إلى أهمية هذه القضية وضرورة تسويتها وهذا هو دور المجلس.

التربية والإعلام

ومع تشابك القضايا الكلية التي أشرنا إليها لكننا نعتقد بسبب عدم وجود ملامح سياسة تربوية مدروسة، وسياسة إعلامية وما لهما من انعكاسات على الوعي العام والأمن والاستقرار، فإن مبادرة المجلس إلى مراجعة هاتين السياستين مراجعة دقيقة متأنية وإبدالهما بسياستين مدروستين للتربية والإعلام يعتبر من القضايا المهمة العاجلة.

قد يكون تحديد إنتاج النفط قضية أولى وأسهل وهذا حق لكن تخطيط الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل مع الاتجاه إلى تقليل الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة، يتوقف النجاح فيه إلى حد كبير على السياسة التربوية والتعليمية.

لقد ابتكرت الحكومة فكرة المعاهد الفنية لتوفير احتياجات سوق العمل من الأيدي العاملة المهنية، ولكن هل تلبي هذه المعاهد الحاجة الفعلية؟! وهل أسهمت في اجتذاب الشباب الكويتي للعمل في هذا القطاع؟

لكل هذه الأسباب إدراج موضوعي السياسة التربوية والإعلامية على سلم أولويات المجلس.

الإسكان والخدمات

ومن القضايا التي أثارت اهتمام المجلس واهتمام الشعب كثيرًا في قضية الإسكان التي لا تزال معالم سياستها غير واضحة.

فالسكن هو من الحاجات الأساسية فلإنسان، وفي دولة كالكويت أنعم الله عليها بالخير العميم ينبغي توفير هذه الحاجة لكل مواطن على أساس من العدل والإنصاف.

وبعد ذلك تأتي قضايا خدمات الصحة والمواصلات والماء والكهرباء وأجهزة الأمن وغيرها من الخدمات.

وبالنسبة للجهاز الإداري فإننا نرى أنه وإن كان مهمًا وطالب أمير البلاد بالاهتمام به، لكن وضع السياسات العامة يظل هو الأهم، وهو الأساس في تطوير الجهازالإداري وزيادة كفاءته.

والآن يقول قائل ثمة قضايا أخرى بحاجة إلى بحث... كما أن هذه القضايا تحتاج إلى تفصيل، وهذا حق لكن حسبنا هنا أن ننبه إلى خطورة هذه القضية ولعل المجلس بهمة أعضائه يجتهد في أن يكون مجلس أمة بحق لا مجلس خدمات وأمنيات وإننا لما سيفعله المجلس لمنتظرون.

الرابط المختصر :