العنوان مأساة كشمير ... سلسة متوالية من الاضطرابات والمذابح
الكاتب عبدالله أبو حميد
تاريخ النشر الثلاثاء 16-سبتمبر-1980
مشاهدات 11
نشر في العدد 497
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 16-سبتمبر-1980
* «أعطني حريتي أو دعني أموت» شعار يجسد كفاح كشمير ضد الاحتلال.
* الظالمون لا يفهمون إلا لغة واحدة، هي لغة القوة، وعلى المظلومين أن يتعلموها بسرعة!
* الحكومة العميلة للاحتلال الهندي منعت انعقاد مؤتمر إسلامي دولي.
* للسلطة المستبدة منطق واحد في كل زمان ومكان يلوي الحقائق ويفترض تدخلًا خارجيًّا!
مأساة كشمير:
المأساة في قضية كشمير أنها تطرح كمشكلة كبرى، ولكنها غير هامة؛ لأنه يمكن استمرارها معلقة دون أن تهدد علاقة قوة كبرى بدولة صغرى! أو أن تنال من العلاقات النامية بين الدول الكبرى، وبمعنى آخر فإنه يجب أن ينزع عن كشمير رداء المحلية، وأن تكتسب طابعًا دوليًّا حتى تستطيع إيقاظ الضمير العالمي، ففي مفهوم سياسة القوة اليوم تظل المشكلة محلية طالما أن أحد الاثنين الكبار لا علاقة له بها!! وهنا قمة المأساة! ولذلك نسمع بين فترة وأخرى أنباء مختلفة عن اضطرابات ومذابح للمسلمين في كشمير، ولا يحرك ذلك أي ساكن في الساحة العالمية المملوءة بالمشكلات الصغيرة والكبيرة.
ومع أيام عيد الفطر الماضي وردت أنباء الاضطرابات في مدينة «مراد ﺁباد» بسبب تعدي الهندوس على المسلمين وإثارتهم النعرات الطائفية «المجتمع 493» هذه الأنباء التي كان لها صدى عميق في كشمير أشعلت اضطرابات مماثلة قتل فيها سبعة مسلمين برصاص الشرطة في عاصمة الإقليم «سريناكار»، ولكن هذه الاضطرابات سبقت باشتباكات بين جنود الحدود الهندوس والمسلمين، فقد قتل في السابع عشر من رمضان حوالي ستين شخصًا، وجرح المئات، واعترفت الحكومة بمقتل ستة فقط! «كما ورد إلى المجتمع في رسالة خاصة من كشمير».
ومعنى هذا أن التجارب مع مراد آباد» لم يكن آنيًّا، بل إن له أبعاده وخلفياته العميقة التي تصل إلى ما قبل ثلاثة وثلاثين عامًا!
الكفاح القديم
ففي عام ١٩٤٧ ضمت حكومة نهرو كشمير إلي الهند، ولكن الشعب المسلم في كشمير ثار وحرر جزءًا من الأراضي التي كان يسيطر عليها «الدوكرا» وهم الحكام الهندوس قرابة قرن من الزمان، وبعده بدأت السيطرة الهندية على ثلثي كشمير التي تبلغ نسبة المسلمين فيها أكثر من تسعين بالمائة من السكان، ويرغبون في الانضمام إلى باكستان المسلمة.
وكانوا يطالبون بالاستفتاء على ذلك، والهند تماطل وتمانع؛ لأنها تعلم سلفًا نتيجته. ولقد صرف النظر عنه «على أساس ديني» بحجة أنه سوف يسبب مشاكل كبيرة لا في الهند وحدها، وإنما في أقطار أخرى كثيرة وأصعب ما في الموقف هو أنه إذا ما انسلخت كشمير عن الهند فسوف تتبعها ولايات أخرى حسب رأي أنديرا غاندي.
وهكذا كبتت الرغبة الشعبية بوساطة الاحتلال الأجنبي وإيجاد حكومة عميلة للهند برئاسة الشيخ عبد الله، ولكن كفاح الشعب الكشميري لم ينقطع بقيادة الجماعة الإسلامية هناك وجناحها الشبابي «إسلامي جمعيت الطلبة» التي برزت على الواجهة السياسية في الأيام الأخيرة أنباء الاعتقالات في صفوفها وخاصة القادة منها.
المؤامرة.. واحدة:
في رسالة بعثها أحد الإخوة من كشمير نتبين مدى التطابق الكامل بين كل أنوع التفكير والسلوك السلطوي الحاكم تجاه أي تحرك إسلامي ولنقرأ في الرسالة: «...لقد نشرت إحدى الصحف الهندية منذ مدة بسيطة تقريرًا أعدته المخابرات الهندية عن «إسلامي جمعيت طلبة» وهم بمثابة جناح الشباب في الجماعة الإسلامية بأنهم جماعة إرهابية مسلحة يتخذون من الدين شعارًا لهم وأنهم يقومون بإثارة أعمال الشغب بكشمير، وكتبوا عن نشاطاتهم كاتصالهم بالمنظمات الإسلامية وعن مشاركتهم أخيرًا بالمؤتمر الدولي الخامس للاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية الإسلامية الذي عقد في ماليزيا بيونيو ١٩٨٠. ولما كان حاكم ولاية جمو وكشمير علمانيًّا كالحكومة الهندية والمسمى بالشيخ عبد الله، فإنه دائمًا يتعاون مع الحكومة الهندية للقضاء على الجماعة الإسلامية، وتكفيه إشارة واحدة من سيدته أنديرا غاندي ليقوم بالدور الموكل إليه من إجرام بحق شعب كشمير المسلم، وأنتم تعرفون مواقف أنديرا جميعها حيث حظرت نشاط الجماعة الإسلامية أيام حكمها السابق ومذابح المسلمين الآن في ترايبورا خير شاهد ودليل على ما أقول.
وهنا نجد أن الشيخ عبد الله الملقب بأسد كشمير وكان الأولى بأن يلقب بأرنب كشمير نراه يهدد الجماعة الإسلامية بالحظر والإغلاق مرة أخرى؛ حيث إنه كان من المقرر أن تعقد «إسلامي جمعيت طلبة» مؤتمرًا إسلاميًّا تحضره وفود عدة من كافة الدول الإسلامية وشخصيات إسلامية أمثال محمد قطب ويوسف القرضاوي ويوسف العظم ونجم الدين أربكان وغيرهم، بالفترة ما بين ٢٢- ٢٥/ ٨/ ١٩٨٠. فنجد أرنب كشمير يعلن في مؤتمر عام بأنه سوف يحظر نشاط الجماعة الإسلامية، بالإضافة إلى «إسلامي جمعيت طلبة» إذا ما عقد هذا المؤتمر الإسلامي.
ونجده يتهجم على الإخوة أعضاء الجماعة الإسلامية ويصفهم بأنهم يتخذون من الإسلام ستارًا لإخفاء بعض مآربهم الشخصية ولإثارة الشعب ضد حكومته.
ونراه دائمًا يلصق بهم كل تهمة، ودائمًا يصفهم بأنهم وراء كل حادثة أعمال للشغب حتى يجد الذريعة المناسبة للتخلص منهم.
وذكر أيضًا بأن مؤتمر السيرة النبوية الشريفة الذي عقد قبل الثلاثة أشهر تقريبًا، والذي حضره أمام الحرم النبوي الشريف ووفود إسلامية من الكويت والإمارات وبنغلانش وإيران والباكستان وغيرها لم يكن لخدمة الدين والإسلام؛ وإنما كان من أجل خدمة أغراض بعيدة عن الدين والإسلام».
ومن هنا نفهم مغزى الأخبار التي وردت عن طريق جميع الوكالات في 20/ 8 ومفادها أن الشرطة الهندية قامت بحملة في «سريناكار» ضد المسلمين واعتقلت ١٧٨ شخصًا من بينهم ٢٤ شخصًا من قادة المنظمات الإسلامية في كشمير.
وإن حكومة الولاية حظرت الاجتماعات العامة لمدة شهر لتقطع الطريق على عقد المؤتمر الدولي للشباب الإسلامي، وذكر في الأنباء أن «الشيخ تجمل إسلام» رئيس جماعة الطلبة المسلمين الذي كان قد هدد بالقيام بثورة تشبه الثورة الإيرانية قد اعتقل بموجب قانون «تهديد أمن البلاد».
قصة المؤتمر:
كانت «إسلامي جمعيت طلبة» قد دعت إلى مؤتمر إسلامي دولي يبحث في موضوع الغزو السوفيتي لأفغانستان واحتلال الهند لوادي كشمير. وقد أعلن الشيخ «تجمل إسلام» رئيس الجماعة في مؤتمر صحفي عقده في سريناكار العاصمة بأن المؤتمر المقترح للشباب الإسلامي سيحضره مائة ألف مندوب من كل أنحاء العالم، ويضم وفودًا من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش والمملكة العربية السعودية، وأنه «سيبدأ ثورة على غرار الثورة الإيرانية لتحرير كشمير من الاحتلال الهندي، وأن أهالي كشمير سيختارون باكستان لو سمح لهم بتقرير مستقبلهم».
وقد طالب الشيخ «تجمل إسلام» بأن تصدر الأمم المتحدة قرارًا حول كشمير وتجري استفتاء عامًّا في الإقليم يفسح المجال أمام المواطنين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم.
ولكن حكومة الشيخ عبد الله الموالية للهند سارعت باتخاذ الإجراءات المانعة لعقد المؤتمر في 18/ 8 مع أن بعض الوفود كانت قد وصلت بالفعل ولكنهم أبلغوا بحظر المؤتمر.
وفي الهند كان التعليق على المؤتمر قد ورد على لسان أنديرا غاندي على الشكل التالي أن الصينيين كما يبدو عمدوا إلى إذكاء نار العنف، متخذين من بعض الجماعات المتطرفة أداة لهم، وقد دربوا بعض الفئات منها في أراضيهم، مستغلين الظروف المحتدمة هناك وسريان الروح الدينية في أعقاب الثورة الإيرانية.
ونلاحظ مرة أخرى المنطق السلطوي المتسلط الذي يلوي الحقائق دائمًا على حسب مزاجه، ويفترض لكل حدث داخلي مشجبًا خارجيًّا يعلق عليه همومه وإخفاقه الدائم في المعالجة الموضوعية المنتظرة!
كشمير إلى أين؟!
هذا الجزء الجريح من وطننا الإسلامي الواقع تحت حراب الاحتلال الهندي كيف وإلى أين سينتهي به الحال؟!
إن الاضطرابات ما تزال فيه مستمرة، فلقد ورد في الأخبار أن اثنين من المسلمين قتلا وجرح واحد حين حاولوا إشعال النار في منازل الهندوسيين في ضواحي العاصمة «سريناكار»، كما جرح خمسة عشر شرطيًّا في المواجهة معهم، وكان السيد عبد الرشيد قابيل زعيم المعارضة السياسي يحاول تهدئة المتظاهرين فأصيب بجراح.
وهكذا فإن التناقض الرئيسي بين الطرفين سيمنع أي توصل إلى اتفاق سلمي، وأن الوعي الديني وأصوات الجهاد المنبعثة في كل أرجاء العالم الإسلامي ستجعل أهل كشمير لا ينامون حتى يحصلوا على حقوقهم أو يموتوا دونها، كما صرح بذلك قادتهم وأنهم لن ينسوا أبدًا أحقاد الهندوس وعملائهم من العلمانيين الذين يفتعلون أدنى الأسباب لإثارة الاضطرابات، وإيقاع المذابح في المسلمين، كما حصل في العام الماضي بعد إعدام بوتو؛ حيث دمروا وقتلوا وحرقوا ممتلكات الجماعة الإسلامية في كشمير انتقامًا منهم لإعدام بوتو.
والآن ما هو مصير كشمير وشعبها اليوم؟! إنه بعد ثمانين سنة من تحمل الاستبداد كان لا بد للكشميريين أن يثبتوا أنهم ما عادوا يستطيعون السكوت، وعندما يصبح الحد الفاصل بين الحياة والموت رقيقًا يأبى الرجال أن يموتوا خوفًا، بينما البديل الوحيد هو أن ينزعوا رداء الخوف! ولا بد أن يجيء اليوم الذي يثبت فيه الناس أن احتمال الظلم له نهاية، ويبدو أن الاستبداد يبدأ عندما يسكت الناس عنه! ثم يبدأ المرء في تحمل ما لا يحتمل، ومن ثم يبدأ باستشعار الذنب الذي ارتكبه عندما سكت على الظلم حسب رأي الكاتب المسلم عزيز بيك صاحب كتاب «كشمير ومستقبل باكستان» الذي يرى بالنسبة لمستقبل كشمير أنها ستكون لحظة عظيمة بالنسبة للهند عندما يدرك زعماؤها أن احتلال كشمير بالقوة أصعب بكثير من قبول وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة كل يوم يمر تصبح فيه كشمير بعيدة عن الهند، وفي يوم ما ستتفاقم المشكلات لتؤدي إلى تحد لم تشهد مثله في السابق ولم يخطر على بالها! إن الوقت لا ينحاز وسيأتي اليوم الذي تدفع فيه الهند ثمن استعبادها لشعب لا يريدها أن تحكمه وسيتعلم الذين لم يؤنبهم ضميرهم من الواقع مغبة استعباد الشعوب!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلحَياة شودَري غلام محمد.. سيرة عَلم من أعلام الإسلام في بَاكستان
نشر في العدد 1
851
الثلاثاء 17-مارس-1970