العنوان مؤتمر المنصرين بأكسفورد
الكاتب د .أحمد عبدالحميد غراب
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يناير-1987
مشاهدات 13
نشر في العدد 800
نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 13-يناير-1987
● المنصرون يزعمون أن الإسلام يفتقر إلى الناحية الروحانية التي تتميز بها المسيحية.
● المستشرقون يمجدون دومًا وعمدًا في كتاباتهم الحلاج وأمثاله من الصوفية المنحرفين.
● الإسلام منهج متكامل يجمع بين الجوانب الروحية والمادية فهو عقيدة وعبادة وتربية وشريعة.
● المنهزمون نفسيًّا أمام الغرب المسيحي لا يمثلون إلا أنفسهم.
عُقِد هذا المؤتمر في إحدى كليات جامعة أكسفورد، واستغرق أسبوعًا «من ١٨ - ٢٥ أغسطس 1986» واشترك فيه كبار الأساقفة والمنصرين والمنصرات من أوروبا وأمريكا وكان موضوعه: كيفية التعامل مع المسلمين في الشرق الأوسط.
لم أعلم عن هذا المؤتمر شيئًا حتى مساء الثلاثاء ١٩ أغسطس «أي بعد مرور يومين على انعقاده» عندما اتصل بي هاتفيًّا د. فرحان نظامي «مدير مركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد» ودعاني لحضور جلسة المؤتمر صباح الأربعاء ٢٠ أغسطس، وأخبرني أن المشرف الرئيسي على المؤتمر هو الأسقف كينيث كراج. وبالرغم من أن دعوتي جاءت متأخرة، وأنني كنت أحزم حقائبي للسفر من لندن إلى الرياض يوم الخميس ٢١ أغسطس- فقد قررت الحضور عندما أكد لي د. فرحان أنه يمكنني الكلام في حدود التعليق على ما يُقال فرأيتها فرصة سانحة- وإن كانت قصيرة-
للقيام بواجبي، وإبداء وجهة النظر الإسلامية، والرد على ما يقوله كينيت كراج بوجه خاص.
إنه كينيت كراج- رئيس هذا المؤتمر والمخطِط له- هو منصر ومستشرق في آن واحد، ويُعد من أخطر المنصرين والمستشرقين وأشدهم عداوة للإسلام والمسلمين، وقد خلف منصرًا آخر لا يقل عنه خطورة وعداوة وهو صمويل زويمر في توجيه النشاطات والمخططات التنصيرية الحاقدة التي يهدفون جميعًا من ورائها إلى رِدة المسلمين عن دينهم، كما قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (البقرة:۱۰۹).
وقد عمل كراج أستاذًا للدراسات الاستشراقية حول الإسلام «تلك الدراسات التي يجنحون الآن إلى تسميتها بالدراسات الإسلامية خداعًا وتضليلًا للمسلمين»، وذلك في عدة جامعات بريطانية وأمريكية منها الجامعة الأمريكية في بيروت «وقد أُنشئت هذه الجامعة سنة ١٨٦٥ وكان اسمها الكلية السورية الإنجيلية، وكانت وليدة للإرسالية الأمريكية لتنصير المسلمين بوجه خاص، وتعد المنصرين للتدريس في المدارس الأمريكية في أنحاء الشرق الأوسط.. وقد قرر أحد رؤسائها أن التنصير هو المبرر الوحيد لتأسيسها».
واشترك كراج أيضًا في البرامج «الدراسية الإسلامية» التي يقوم بها المجلس المسيحي للشرق الأدنى في القدس، بالتعاون الوثيق بين الصليبيين واليهود.
ومؤلفاته العديدة تزخر بالطعن على الإسلام، والقرآن الكريم والافتراءات على الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن أشهرها: نداء المئذنة، والقبة والصخرة، ومن أحدثها: عيسى والمسلمون.
موضوعات مشتركة:
كان موضوع محاضرة كراج في الجلسة الصباحية يوم الأربعاء هو: «موضوعات مشتركة» «أي بين المسلمين والمسيحيين».
وفيما يلي أعرض لبعض المزاعم التي وَرَدَت في المحاضرة مع ردها إلى أصولها في مؤلفاته، وتفنيدها بصورة أكثر تفصيلًا مما أُتيح لي أثناء المناقشة:
الزعم الأول: أن تأثير الغرب المسيحي في بعض الكُتاب المسلمين المعاصرين يؤدي إلى «التقارب» في وجهات النظر بين المسلمين والمسيحيين.
«ينبغي أن تلاحظ أن مصطلح «التقارب» الذي يستعمله المنصرون «واليهود» كثيرًا في عبارات مثل: «التقارب بين الأديان» إنما هو دينهم، وينزلون به إلى مستوى الديانتين المحرفتين ويساووه بهما، لينتهوا- تدريجيًّا أيضًا- إلى «حرية» الخروج منه، واتباع مِلة اليهود والنصارى، كما قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة:120)».
ويشير كراج بذلك إلى تأثير الغرب المسيحي في بعض الكُتاب المسلمين الذين يفسرون الإسلام تفسيرات روحانية مستمدة من المفاهيم المسيحية «كمفهوم الدين وإنه صِلة روحية فردية بين العبد وربه، لا علاقة لها بتنظيم المجتمع كله بواسطة منهج متكامل يقوم على العقيدة، ويشمل كل جوانب الحياة الإنسانية، وتتولى تنفيذه حكومة تُطبق الشريعة، كما هو الحال في الإسلام»..
واستشهد المنصر على ما يقول بقراءة فقرات من کِتاب بالإنجليزية لمؤلف «مسلم» مغمور، لم يسمع به أحد، ويبدو من كلامه التأثر «المصطنع» بالروحانية المسيحية، لدرجة أن كراج قال للحاضرين: «لا تظنوا أني أقرأ لكم من كِتاب ألفه مسيحي، بل من كِتاب ألفه مسلم»..
ولتوضيح موقف كراج من هذه النقطة نبيّن أنه «كغيره من المنصرين والمستشرقين» يردد في مؤلفاته الزعم القائل بأن الإسلام يفتقر إلى الناحية الروحية التي تتميز بها المسيحية، فيزعم مثلًا أن نبينا- صلى الله عليه وسلم- قد أقام علاقته بالناس «في المدينة» على أساس تحقيق هدف دنيوي، وهو الانتصار الحربي «على الكفار» وتولى السلطة السياسية المتمثلة في إقامة الحكومة الإسلامية. بينما تتميز المسيحية بالانتصار الروحي الذي يتمثل في «صلب المسيح» ولذلك نجد كراج يجد كَاتبًا «مسلمًا» آخر وهو الطبيب محمد كامل حسين الذي ألّف كتاب قرية ظالمة يحكي فيه قصة «اضطهاد» المسيح يوم الجمعة الحزينة. وقد نال عليه جائزة الدولة التقديرية في الأدب في عهد عبد الناصر ووجد كراج في الكِتاب ما يخدم أغراضه التنصيرية فترجمه إلى الإنجليزية وكال لمؤلفة المديح لتأثره بالمسيحية.
في ردي على كراج أشرت إلى أن الكُتاب «المسلمين» المنهزمين نفسيًّا أمام الغرب المسيحي لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يمثلون الإسلام بأية صورة من الصور، فالإسلام يؤخذ من القرآن والسُنة، ويتلقى العِلم به من العلماء المسلمين الملتزمين بالقرآن والسُنة.
وأشرت إلى أن هؤلاء المنهزمين نفسيًّا في عصرنا الحاضر لهم أشباه في الماضي في بعض الصوفية المنحرفين، أمثال أبي منصور الحلاج الذي نادي بفكرة الحلول «وهي تشبه فكرة التجسد INCARNATION المسيحية التي تزعم أن الله- تعالى عما يقولون- قد حل في المسيح عليه السلام».
وطالما مجّد المنصرون والمستشرقون الحلاج وأمثاله من الصوفية المنحرفين، مع أنهم يعلمون تمام العلم أن هؤلاء المنحرفين -في الماضي والحاضر- لا يمثلون إلا أنفسهم، أي يمثلون فكر القلة الشاذة المنحرفة عن الإسلام.
وعلى النقيض من ذلك نجد في الفكر المسيحي المعاصر كِتابًا هامًّا ألفه عدد من كبار علماء اللاهوت المسيحيين، أي علماء العقيدة المتخصصين في دراسة المسيحية وتدريسها في أشهر الجامعات البريطانية، ومنها جامعات أکسفورد وكامبردج وبرمنجهام وغيرها. وعنوان الكِتاب: أسطورة الإله المتجسد THE MYTH OF GOD INCARNATE ويبيّن هذا الكِتاب بوضوح أن إضفاء الألوهية على بشر وهو المسيح عليه السلام إنما هو خرافة لا تتفق مع الحق، ولا يقبلها العقل، وإن المسيح عليه السلام لم يدع قَط الألوهية بل أكد دائمًا أنه بشر رسول.
وما وَرَدَ في هذا الكِتاب لا يمثل آراء مؤلفيه فقط، وإنما يعبر في الحقيقة عن موقف الملايين من المسيحيين المعاصرين الذين يشكّون في العقيدة المسيحية: «فإن الشك في العقيدة المسيحية المُحرفة التي تزعم ألوهية المسيح هو شك أخذ ينتشر في السنوات الأخيرة بين المسيحيين الغربيين حيث المتدينين منهم، ولذلك كانوا- وما زالوا- يتلهفون على من يعبّر عن الشكوك التي تختلج في نفوسهم حول المسيحية» ومن هنا كان الإقبال الشديد على هذا الكِتاب من بريطانيا، حيث صدرت منه عدة طبعات في سنوات قليلة.
وقد بيّن هذا الكِتاب أيضًا أن المسيحيين المعاصرين في أشد الحاجة إلى رفع هذا التناقض من عقيدتهم والاعتراف بأن المسيح بشر، كما وصف في العهد الجديد بأنه «رجل قد تبرهن من قبل الله» أي أيده الله بمعجزات «وآيات صنعها الله بیده»
«وقد بينت أن الحل الوحيد لهذا التناقض هو اعتناق الإسلام» وقد أكد أحد مؤلفي الكِتاب أن هذه العقيدة التي تضفي الألوهية على المسيح قد صُبغت المسيحية بصبغة وثنية واضحة، وحولت المسيحيين من عبادة الله إلى عبادة البشر، وإلى تقديس التماثيل والأيقونات بل إن المسيحية- بسبب هذه الصبغة الوثنية- قد أصبحت مصدرًا من مصادر الكفر والإلحاد في العصر الحاضر.
أما الزعم بافتقار الإسلام إلى الناحية الروحية فالمنصرون أول من يعلم بطلانه، وذلك لتأكدهم من أن الإسلام منهج متكامل يجمع بين الجوانب الروحية والمادية، وإنه عقيدة وعبادة وتربية وشريعة، وجهاد للنفس وجهاد للعدو، أي إنه دين ودولة. وما يزعجهم في الحقيقة هو هذا المنهج المتكامل الذي يبذلون أقصى جهودهم، وينفقون جل أموالهم، لتفكيكه وعزله عن الحياة، وذلك بوسائل شتى، من أهمها تحالفهم مع العلمانية الغربية على حرب الإسلام والمسلمين كما سنرى فيما يلي:
«يتبع»
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

