العنوان مؤسسات الخير
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 02-مارس-1993
مشاهدات 12
نشر في العدد 1040
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 02-مارس-1993
رسائل الإخاء
منذ مطلع الإسلام وبزوغ فجره وأعداء الإسلام يشنون عليه الغارات منذ فتنة عبد الله بن سبأ والإرجاء والتجهم والرفض والاعتزال والفلسفة والزندقة والحملات الصليبية والشيوعية والعلمانية والحداثة والتبشير والاستشراق كل تلك لتشكيك المسلمين بدينهم والحيلولة دون تجمعهم واتحادهم، واختيار بعض الأشخاص من جلدتنا وتعهدهم والإيحاء لهم بخلق اتجاهات معادية للإسلام لطمسه وزعزعة عقائد المسلمين، وإجراء الدراسات وعقد المؤتمرات لدراسة التطور الفكري والسياسي في ديار الإسلام لتعديل وسائلهم من خلال محاور الهجوم الماكر.
وكانت المقاومة الإسلامية تتمثل في كل عصر وفترة بجهود فردية تتمثل في علماء أفذاذ من الشخصيات الإسلامية البارزة التي لا يكاد يخلو منها بلد أو من خلال الأحزاب والمنظمات الإسلامية وهي أثقل وزنًا وأعمق أثرًا لاتصالها بالشعوب وانطلاقها منها أو من خلال الجمعيات الخيرية وأوعية النشاط الإسلامي من جمعيات شبابية ولجان دعوية ومؤسسات إغاثية التي استطاعت أن تضاعف جهود الجماعات الإسلامية وتستقطب قدرات وإمكانيات الشعوب الإسلامية لتقوية زخم المواجهة، ولحماية جبهات المسلمين المتعددة والتي تستنزف طاقات المسلمين وتبددها كالفقر والمرض والجوع والجهل والحروب والتي ينفذ منها الأعداء تحت ستار المساعدة على مكافحة التخلف، وهذا التعاون والتكاتف بين هؤلاء من خلال الأحلاف العسكرية والاقتصادية والسياسية أمر لا يحسنه المسلمون مع الأسف الشديد.
فكانت هذه المؤسسات والهيئات الخيرية هي السبيل إلى إعادة الثقة في نفوس المسلمين
المضطهدين والمعذبين والمحرومين حين يرون إخوانهم يحثون الخطى لمناصرتهم والوقوف معهم في محنتهم، وإنني في هذا السبيل أنوِّه بجهود المؤسسات الخيرية الكويتية الرائدة ونظيراتها في بلاد العرب والإسلام، وليس جديدًا على المجتمع الكويتي تلك الأنشطة الخيرية الإسلامية ولكن هنا ننوه بمناقب أهله التي عرفت منذ القدم على قلة ذات اليد والعدد في ذلك الوقت والتي كانت من شمائلهم التآلف والتوادد والصِلة والتواصي ونبذ المشاحنات والفتن ومساعدة المنكوبين والمعوزين وإكرام الضيف حيث إن منازل العديد منهم مفتوحة طوال العام لاسيما في رمضان.
ولا تجد فيهم الكبرياء، وجميع الأعمال الخيرية يعملونها بتكتم لا يحبون أن يطلع عليها لحد ولا يتفاخرون بها.
فكانت أولها الجمعية الخيرية التي أسسها المرحوم فرحان الخالد الخضير عام ١٣٣١هـ لانبعاث الطلبة وإرسال المرشدين والوعَّاظ والعلاج الطبي ومواجهة التنصير.
وهكذا تتابعت اللجان الخيرية والمؤسسات النافعة لتكون مدرسة للعمل المؤسسي الناجح في جميع المجالات وليس هذا بدعا في الإسلام، بل كان رسولنا صلوات الله وسلامه عليه أول من ضرب المثل لأمته فأوقف سبعة بساتين كان أوصى بعض الغزاة حين مات أن يترك أمرها للرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف بها كيف يشاء فأوقفها رسول الله على الفقراء والمساكين والغزاة وذوي الحاجات.
وتبعه بعد ذلك عمر بن الخطاب فأوقف أرضه بخيبر وتبعه الصحابة والأنصار فأوقف أبو بكر وعثمان وعلِي والزبير ومعاذ وغيرهم ولم يبقَ صحابي من المهاجرين إلا أوقف من أمواله شيئًا صدقة موقوفة لا تشتري ولا تورث ولا توهب ثم تتابع المسلمون بعد ذلك جيلًا بعد جيل يوقفون الأراضي والبساتين والدور والعمارات لأعمال البِر.
مما ملأ المجتمع الإسلامي بالمؤسسات التي بلغت حدًّا من الكثرة يصعب إحصاؤه والإحاطة به!
ومن هذه المؤسسات ما اختص بالمساجد والمدارس والمكتبات العامة والمستشفيات والفنادق للمسافرين والتكايا والأروقة لطلبة العلم والسقايات والآبار والقنوات والرباطات للمجاهدين والسلاح والخيول للجهاد وتجهيز المقاتلين وإخلاف الغزاة في أهليهم وإصلاح الجسور والطرق العامة وإنشاء المقابر ودور اللقطاء والعجزة والأيتام والمساجين والقرض الحسن للتجار وغيرهم والبذور وأدوات الزراعة مجانًا للفلاحين وغرس الأشجار المثمرة يأكل منها المارة وأوقاف مختصة بالعلماء أو القرَّاء ونحر الأضاحي وإطعام الفقراء في رمضان وغيره وأوقاف للطب النفسي والتزويج وحتى الحيوان وجدت له مؤسسات خاصة في التاريخ الإسلامي.
والتعاون بين المسلمين والخدمة العامة أو الخاصة من أعظم العبادات والقرب التي يتقرب بها العبد إلى الله وأي عبادة أرقى من عبادة تكافأ عليها مرتين مرة في الدنيا ومرة في الآخرة «من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» (أخرجه الترمذي واللفظ له، وأخرجه مسلم)
وهكذا جعلت هذه المؤسسات الخيرية المسلم يلبس دومًا لباس الجندية لخدمة إخوانه «إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».. «خير الناس أنفعهم للناس» وتركت أعظم الأثر في تعميق المودة والمحبة وتلاحم الصف الإسلامي وتدخل هذه الأعمال كلها في الفروض الكفائية «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم» الحديث.
وصارت هذه الأعمال من أخص أوصاف المؤمن بأن يتميز بقلب حي مرهف لين رحيم
يتجاوب مع الأحداث والأشخاص فيرق للضعيف ويألم للحزين ويحنو على المسكين ويمد يده إلى الملهوف.
ومن الواجبات اليومية التي لا يجوز للمسلم أن ينساها أو يهملها واجبه نحو خدمة المجتمع ومساعدة أفراده على قضاء حوائجهم وتسهيل أمورهم ليكون له بذلك صدقة وصلاة.
فالتزاور والإقراض وصلة الأرحام وإغاثة المكروب ومساعدة المحتاج وإنقاذ المصابين والمنكوبين وسداد الدين عن المدينين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنشاء الشركات الخيرية ورعاية السجناء وفك الأسرى والجمعيات التعاونية والمشاريع الزراعية وجمعيات البِر العام لتخفيف الويلات عن المسلمين وإغاثتهم وإزالة كربهم أو تعليمهم وتثقيفهم أو إنشاء المستشفيات والمستوصفات الطبية لهم وتوفير أسباب الراحة واللهو البريء والرياضة لأطفالهم أو رعاية المطلقات والأرامل والأيتام والشيوخ والمقعدين وتوعية العمال وأصحاب المهن كالمهندسين والأطباء والمدرسين وحماية حقوقهم ورعاية الشباب ومحارية البدع والمنكرات والمجالس المحلية والقروية والإحياء والحركة الكشفية وتحقيق التراث، كلها ثغرات من ثغرات الإسلام فلا يؤتين الإسلام من قبلك!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلعقب التصديق عليه.. خبراء ينتقدون قانون الجمعيات الأهلية بمصر ويعتبرونه عقاباً للفقراء
نشر في العدد 2109
27
السبت 01-يوليو-2017