; ماذا أقول له؟ | مجلة المجتمع

العنوان ماذا أقول له؟

الكاتب عبد الرحيم عبد الخلاق

تاريخ النشر الثلاثاء 11-يوليو-1972

مشاهدات 11

نشر في العدد 108

نشر في الصفحة 25

الثلاثاء 11-يوليو-1972

ماذا أقول له؟

بقلم: عبد الرحيم

·       دخل الفتى بخطي وئيدة منهك القوى، بادي الهزال، في عينيه دمعات تترقرق تحاول مترددة الانفلات من عقالها لتنساب على خديه وألقى بجسده في المقعد ثم ألقى السلام والتحية كأنه يريد أن يتخلص من إثم انحباسهما. هل يمكن أن يدور بخلدك أننا أمة تسير نحو النصر أو تحاول أن تسترد الأمجاد الخالية؟

قلت له: ولم هذا التساؤل الاستنكاري؟ ولم هذه الروح اليائسة؟ وبدلا من أن يجيب نشر صفحات جمعها من إحدى الصحف عن الجاسوسية بين العرب و «إسرائيل». وأردف قائًلا:

أي خبر يرتجى والعدو يسرح في داخلنا بجواسيسه، ويترددون بين شتى بلادنا، ويتصيدون نفرًا منا، بل إنهم أنفسهم يستطيعون الوصول إلى أرفع المناصب وأدقها من أجهزتنا..ومخابراتنا في بعض بلادنا قد جندت كل إمكانياتها للتجسس على أبناء الأمة، ورصد تحركاتهم حتى أنك لتشعر بأن أفواه بعض الناس الحريصون مكممه، ونظراتهم زائغة وتشككهم أصبح باديًا في كل الناس حتى ولو تجاوزوا أرض بلادهم إلى بلاد أخري.

هل قرأت كتاب «لعبة الأمم»؟

هل قرأت كتابا «وتحطمت الطائرات عند الفجر»؟

هل قرأت كتاب «المسلمون والحرب الرابعة»؟

هل طالعت الصحف اليومية هنا في الكويت؟

·         أنا أعلم أننا كأمة مسلمة أصحاب مبدأ «كن مستعدًا» لحماية الثغور والبيضة و«كن مستعدًا» للنجدة تهرع إليها إذا صدرت من مستضعف أو معتدى عليه، و «كن مستعدًا» لحرب البغاة، و «كن مستعدًا» للفتح وإزالة العوائق أمام نشر الدعوة وانطلاق أنوارها من العالمين؛ ولذلك كان الجهاد عندنا فريضة، وذروة سنام الأعمال ونداء رسولنا عليه الصلاة والسلام «من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات ميتة جاهلية»

أنا أعلم أن رسولنا القائل «الحرب خدعة» وإنه كان يستعين على قضاء حوائجه بالكتمان، وأنه «يوري» أي يضلل الأعداء في مسيرة جيشه ووجهته وأنه كان يبث العيون «الجواسيس» والأرصاد عند الأعداء.

ولا زلت أفهم أنه يوم الهجرة ترك عمه «العباس بن عبد المطلب» وقد كان بيقين مسلم يخفي إسلامه إذ إن أهل بيته حدثوا بذلك وأنه حقيقة الوحيد الذي حضر مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في اجتماعه الخاص بالأنصار «يوم القصبة»[1] والذي بايعوه فيه على أن يمنعوه مما يمنعون به أهليهم وأنهم سيتلقونه في بلادهم أنصارًا وأنه -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب قد أمر «نعيم بن مسعود» بأن يظل في جيش الحلفاء من الأحزاب قائًلا له: إنما أنت نفر واحد فخذل عنا إن استطعت، وأرسل كذلك وراءه عينًا آخر هو «حذيفة بن اليمان» وأمره بأن يأتيه بخبر القوم وألا يحدث بينهم شيئًا يمكن أن يكتشفوه به».

وإن مهارة العيون عنده كانت في أوقات الحروب وبين الأعداء؛ وإنه لم يسمح أن تتجه هذه المهارة إلى صفوف الأمة المسلمة فقد روى أبو إمامة عنه -صلى الله عليه وسلم- «أن الأمير إذا أبتغي الريبة في الناس أفسدهم» وروى معاوية عنه-صلى الله عليه وسلم- «أنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم» وروى ابن عمر عنه - صلى الله عليه وسلم- «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورات المسلمين، يتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله».

أنا أعلم أنه - صلى الله عليه وسلم- حرم التجسس المحلي على المؤمنين فقد روى أبو هريرة «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا»

وحاولت عبثًا أن أوقف بلطف مجرى الحديث بتحويلة نحو رفد آخر لكن قوة الاندفاع استمرت ليقول الفتي :أما نحن فوصف الشاعر لنا «أسد على وفي الحروب نعامة»

أما نحن فنستبق بالاعتقالات لمجرد الريبة، ولا نقبض على الجواسيس من الأعداء إلا بالتلبس، ونتجاوز في التنكيلات والاعتقالات إلى الأصدقاء والغلمان والنساء، ومع الأعداء نترفق بهم ونطلق سراحهم لا أكاد أصدق أن وراء اختطاف الضباط السوريين من جنوب لبنان الصدفة وحدها فتاريخنا المعاصر شاهد وناطق بغير ذلك»

·       نحن لا يعوزنا السلاح فكما ذكر تقرير منظمة حلف شمال الأطلسي لدى أربعة دول منا (١١٤٧) طائرة من الميج وللسكاي هوك بينما لدى العدو (٦٠٠) بما فيها الميراج.!

·       نحن لا يعوزنا العدد فدولة واحدة منا لديها مجندون أكثر من دولة العدو.

·       ولا تعوزنا المقدرة القتالية فنحن معتدى علينا فعندنا دوافع الثأر والانتقام.

·       ولا تنقصنا الدعاية والرأي العام العالمي فهو يعرف تمامًا أن العدو محتل لأراضينا ومغتصب لدولة بأسرها.

·       وليس أعداؤنا محاصرين لنا من جميع الجهات ولا تمنعنا عنهم هضاب ومرتفعات.

·        وليس دينهم بخير من ديننا، ولا رجولتهم بأشد بأسًا من رجولتنا، ولا أموالهم.

بأكثر أموالا منا، ولا اقتصادهم امتن من اقتصاداتنا، ولا ذكاؤهم بأقوى من ذكائنا.

أنا أعلم أن الله تعالى قال: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾. (الأنفال:60)

 (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ (العنكبوت: 69) وأنه قال ﴿ انْفِرُواخِفَافًا وَثِقَالًاوَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه ﴾  (التوبة 41:)

وأنه قال: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)

مع ذلك كله أقول بملء في: إننا لا نسير نحو النصر وسكت الفتى

وسكت. ماذا أقول له؟!

[1] - المقصود (بيعة العقبة)

الرابط المختصر :