العنوان ماذا تعني هجرة الرسول؟
الكاتب أحد القراء
تاريخ النشر الثلاثاء 09-مارس-1971
مشاهدات 43
نشر في العدد 50
نشر في الصفحة 23
الثلاثاء 09-مارس-1971
إن هذا الرجل قد جاء لإنقاذ البشرية من ظلمة الحياة ووحشتها، من التأخر والانحطاط وظلمة الجاهلية بما فيها من عدم الاستقرار، من كلّ ذلك إلى الحياة الرغيدة إلى الأمن إلى الحضارة إلى العلم إلى دعوة نتيجتها بزوغ دولة تحت العناية الإلهية المُطلقة على ما مضى وما هو آت.. دولة من الصين شرقًا إلى إسبانيا غربًا، فقال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾. (الجمعة: 2)
وهناك قول لكاتبة إيطالية «فاغليري» في كتابها «دفاع عن الإسلام» نصّه:
«إلى مصدر الإسلام سوف يرجع المسلمون، حتى إذا نهلوا مباشرة من معين هذا الكتاب الكريم -القرآن- فعندئذٍ يستعيدون قوّتهم السابقة من غير ريب».
إنّ هذا الرجل الكريم هو محمد بن عبد الله - رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي تتحدّث عنه المؤلِّفة المذكورة وتصف ما جاء به:
«نشأ الإسلام مثل ينبوع من الماء العذب الصافي وسط شعب همجي يحيا في بلاد منعزلة جرداء بعيدة عن مُلتقى طرق الحضارة والفكر الإنساني، وكان الينبوع غزيرًا إلى درجة جعلته يتحوّل إلى جدول، ثم إلى نهر ليفيض آخر الأمر فتتفرَّع منه آلاف القنوات تتدفّق في البلاد».
إنّ هذا الإنسان الذي هو سيد البشر الذي جعله الله سبحانه سببًا في إنقاذ البشرية من كلّ أنواع الجهل، يجب أن يعترف كلُّ فردٍ من أهل الأرض بالجميل.. والاعتراف بجميله لن يتحقّق إلّا بالانقياد تحت الدستور السماوي الذي جاء به والسُنة التي فصّلته، وسوف نحظى بطاعتنا لهذا الرسول الكريم بحبّ الله سبحانه وتعالى لنا ورضاه عنّا، حيث يقول سبحانه في محكم كتابه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (آل عمران: 31)
وبعد أن تقدّم رسول الله إلى قومه بالنور والهداية، أبَوا إلّا الجهل فعذّبوه ونكّلوا بقومه حتى جاء يومًا جبريل ومعه ملك الجبال فقال: لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين -اسم الجبال في مكّة- فقال صلّى الله عليه وسلّم «اللَّهمَّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون»، فقال جبريل:
«صدق من سمَّاك الرؤوف الرحيم» حيث قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾. (التوبة: 128) واحتمل رسول الله كل ّالعذاب والاضطهاد والمقاطعات خلال 13 سنة -مدّة الدعوة في مكّة- حتى جاء الأمر الإلهي بالهجرة عشيّة أن أراد قومُه قتله- فهاجر صلّى الله عليه وسلّم ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي هو أول من آمن من الرجال ودخل الإسلام فمكثا في غار ثور -أحد جبال مكّة- ثلاثة أيام ووَصَلَا إلى المدينة المنورة ونزَلا بقباء حيث أسَّس رسول الله أول مسجد في الإسلام فقال تعالى: ﴿ل لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾. (التوبة: 108) وكان أول يوم جديد بتاريخ ظهور الإسلام هو اليوم الثاني من شهر ربيع الأول الموافق 20 سبتمبر 622 م. وهنا في يثرِب «المدينة المنورة» أسَّس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه دولتهم الجديدة وقاعدة الإسلام الصلبة التي وُلِدَت بالإذن الإلهي.
وكان للهجرة أثر عظيم في وضوح رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم، حيث علم العرب وغيرهم من القبائل أنّ هذه الدعوة الجديدة لم تظهر حسب ما هو مُعتاد من قبيلة من قريش من السيطرة والسيادة وإنّما جاءت لتكون رحمةً للعالمين وإنقاذًا للشعوب من هلاك الجهل وظلمته فزادت الهجرة في التفاف عدد كبير من العرب حولها- الدعوة الإسلامية.
فانطلق رسول الله في تكوين دولة مُنظمة فوحّد بين المهاجرين والأنصار وعقد معاهدة مع يهود المدينة -نقضوها فيما بعد كعادتهم- فعلِمَت قريش وحلفاؤها بالتأييد الذي حظَي به رسول الله، فجهزّت كلّ قواها لمقاومة الدعوة وأصحابها.
حتى اضطُرَّ المسلمون أن يمتشقوا حسامهم للدفاع عن دينهم بعد الإذن الإلهي فقال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾. (الحج: 39 و 40) صدق الله العظيم.
وحقًا نصرهم الله وبفضل إيمانهم بزغَت حضارة قالت عنها الكاتبة آنفة الذكر: «إن التاريخ لم يشهد قط، ظاهرة مثل هذه من قبل ومن العسير على المرء أن يُقدّر السرعة التي حقّق بها الإسلام فتوحَه، والتي تَحوَّل بها من دين يعتنقه بضعةُ نفر إلى دين يؤمن به ملايين الناس ودولة تضئ شَطري الأرض ولا يزال العقل البشري يقف ذاهلًا دون اكتشاف القوى السرّيَّة التي مكّنت جماعة المسلمين من تأسيس حضارة عريقة وراقية»، هذا هو قول الكاتبة الإيطالية في كتابها «دفاع عن الإسلام».
فجدير بنا اليوم نحن المسلمين أن نحتفل بيوم الهجرة التي كانت ثمرته علماء باحثون ورجال استشهدوا من أجل بقاء ديننا ورووا شجرة الإسلام بدمائهم وأينَعت ثمارُها لنا، واحتفالنا بالهجرة ينبغي أن يكون عبارة عن تجديد العهد الذي بيننا وبين الله سبحانه على التأسِّي بأصحاب الهجرة -وأوَّلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- والسير في طريقهم.
محمود يوسف بهزاد
المدينة المنورة
الجامعة الإسلامية
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل