العنوان ماذا يريد أن يقول ثروت أباظة عن قصته: الطابق الأعلى؟
الكاتب عبد الله السالم
تاريخ النشر الثلاثاء 02-نوفمبر-1976
مشاهدات 12
نشر في العدد 323
نشر في الصفحة 13
الثلاثاء 02-نوفمبر-1976
يوم الجمعة الفائت 22/10/76 استمعت إلى قصة الأسبوع التي تذاع بعد الساعة السادسة مساء، وكانت تحت عنوان: الطابق الأعلى، لثروت أباظة.
وأنا لا أريد أن أغمط الكاتب فأنكر علمه السيال أو أدبه القصصي، ولكن قصته هذه احتوت على فكرة غريبة جدًا بل وخطرة جدًا.
وغرابة فكرتها وخطورتها دفعتني إلى الكتابة عنها.
إنها تحتوي على سخرية مبطنة ببطلها الأستاذ عبد الله، الرجل المحافظ المتدين القاطن على طابق في مبناه، والذي تعود محاسبة أسرته على الصغيرة قبل الكبيرة، فزوجته تتوقع منه كلما دخل المنزل مشكلة، وابنه يقف بين يديه لا حرية له ولا شأن سوى استماع المواعظ والأوامر يلقيها إليه أبوه جزافًا وبشكل تشنجي.
ويدخل ذات يوم إلى منزله فيبدأ سيل أسئلته بالانهيار، ينادي زوجته فتجيبه من المطبخ، يسأل عن الطعام فتقول: جاهز.
يستفسر عن الولد فتخبره أنه لم يحضر بعد رغم فوات ميعاد حضوره.. ولكن طرقًا على الباب يقطع عليه أسئلته، ولما أن فتح الباب وجد شرطيًا يخبره: ولدك في المخفر موقوف لضبطه وهو يعاكس إحدى الفتيات، وعليك أن تراجع قسم الشرطة لاستلامه.
ويصعق الأستاذ ويكاد لا يصدق.. أهذه نتيجة تربيته الصارمة، أهذا هو حصاد تنبيهه، ويثور ويحلف لزوجته– رغم توسلها– أنه لن يذهب ليخرج هذا الولد الشيطان وليحدث ما يحدث، بل سيمضي ليلقي درسًا خصوصيًا في منزل أحد الوجهاء، وقد حان ميعاده.
وفعلًا يمضي ولكنه لم يلق تلميذه ابن الوجيه بل يلتقي بأبيه فأصر على اصطحابه معه ولم تجد فيه أعذار الأستاذ المختلفة.
ومضى معه إلى سهرة حمراء غانية وخمر.. واستنكر بادئ ذي بدء.. وكيف يرافقه وهو المعروف بالدين والعفة؟.. ولكن لم يلبث أن غُلب على أمره فقد بهره الجمال الفتان وأخذ بلبه.
ثم تدور الكأس فيحتسيها أول الأمر مكرهًا ثم يحتسيها ثانية راغبًا فيها ويحس بشيء جديد.. شيء يصدمه فتنفرج أساريره ويزول تشنجه ثم يهرول مسرعًا لنراه بعد حين وقد اصطحب ولده وهو يضع يده على كتفه ماشيًا معه إلى المنزل غير آبه ولا مكترث بشيء..
ومغزى القصة وخاتمتها صورت أن الخمر والوجه والمفاتن استطاعت حل عقدة الأستاذ فأعادت إليه اتزانه واعتداله.. بعد أن فقدهما كلية حين نراه يرفض الذهاب إلى القسم لبحث مشكلة ولده.
ولا أدري من أين نبتت هذه الفكرة في رأس كاتب القصة ثروت أباظة؟
كما لا أدري من أي وجه اقتنع بها المسؤولون عن مراقبة البرامج.
كذلك كيف لنا أن نتقبل مثل هذه الأفكار الشاذة؟
فمتى؟.. ومن من العقلاء يقول إن الخمر أو مجالسة الغواني تعيد إلى الشخص طبيعته واعتداله وتحل عقده النفسية؟.. بل على العكس، متى كان التدين والمحافظة عليه– كما صور ثروت أباظة– يؤدي بالمرء إلى التشنج أو سحق العواطف والأحاسيس المشروعة تجاه الولد أو الزوجة أو المجتمع؟
ولولا أن القصة ألقيت في الإذاعة أي لو افترضنا أنها كتبت في صحيفة أو مجلة لما استحقت منا هذه الوقفة معها، لأن ما كل ما يُكتب يُقرأ، ولكن كل ما يُذاع يُسمع.
فالإذاعة أداة توجيه مباشر ومؤثر تصل إلى المثقف والأمي والبعيد والقريب، لذلك كان خطرها أعظم ومسؤوليتها أكبر.
إنني أرجو من الأستاذ أباظة أن يتقن الفكرة كما يتقن حبكها، وأن يراعي أخلاق الناس وأحاسيسهم كما يراعي، على الأقل، قواعد الأدب وأصوله.
كما أن على الإذاعة أن توجه النقد الأخلاقي إلى كل ما يقدم إليها.
لا أن تذيع ما يقدم إذاعة عمياء دون اختيار الطيب أخلاقيًا وإسلاميًا، وطرح التافه الخبيث.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل