العنوان ماليزيا.. رؤية من الداخل (1 من 2)
الكاتب شيخة عبدالله المطوع
تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010
مشاهدات 43
نشر في العدد 1915
نشر في الصفحة 44
السبت 14-أغسطس-2010
- من أوائل الدول العالمية التي ارتقت في مجال التعليم حتى هاجر إليها الكثيرون ليطلبوا العلم فيها
- يعتزون بثقافتهم الإسلامية وتقاليدهم الشرقية ويهتمون اهتمامًا كبيرًا بالأسرة
في شرق آسيا، وبالذات في ماليزيا، انتشر الإسلام وساد في البلاد، واعتنقه أهلها عن حب واقتناع، لم ينشر بحد السيف كما قد يشاع، أو عن طريق الفتح وفرض الجزية وتسيير الجيوش، بل نشر بالحب والتفاهم والإقناع.
هم تجارٌ مسلمون، حملوا في صدورهم هم هذا الدين ونشره قبل أن يحملوا معهم الزاد والمتاع، فبأخلاقهم وحسن عشرتهم هدى المولى على أيديهم أفواجًا من الناس؛ لأنهم صدقوا النية وتاجروا مع الله ومازالت آثارهم باقية، وذكراهم خالدة، وعطاؤهم مثمرًا، مادامت شعائر المولى تقام في هذه البلاد ويذكر فيها اسم الله.
لقد زرت ماليزيا منذ ثماني سنوات وها أنذا أزورها للمرة الثانية، ولقد رأيت فيها ما يسر الخاطر، ويسعد الفؤاد ...
شعب منتج
• هم شعب كادح منتج، تراهم دومًا في عمل وعطاء، يصنعون وينتجون ويبتكرون العديد من الأفكار البسيطة ويحولونها إلى منتجات لا يعرفون الركون والخلود إلى الراحة والدعة، لذلك ترى تطورًا وحضارة، وصناعة وتجارة، ومعمارًا هندسيًا بديعًا...
• العمل كما هو متعارف عليه لا يقوم إلا على العلم، وماليزيا تعتبر من أوائل الدول الإسلامية ومن ثم العالمية التي ارتقت في مجال العلم والتعليم؛ حتى هاجر إليها الكثيرون ليطلبوا العلم فيها سواء العلم الشرعي أو غيره من العلوم الدنيوية، وهذه مفخرة للأمة الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك لم يكتف أهل البلاد بالعلوم المتوافرة عندهم، بل ارتحلوا لطلب العلوم من منابعها الأصلية قابلت عددًا منهم قد درس في الأزهر العلوم الشرعية، أو في مكة، أو المدينة النبوية المنورة، وهناك عدد لا بأس به يتكلم اللغة العربية، ولا يكتفون بالدراسة الجامعية، بل يواصلون تعليمهم ويطمحون لأن يقودوا العالم بثقافتهم وتطلعاتهم العلمية.
• وعلى الرغم من انتشار الحضارات وتداخلها في بلادهم، فهم يعيشون مع صينيين يعبدون الأوثان، وهندوس قد قدسوا البقر وعبدوه من دون الرحمن، ووفود السياح والتجار إليهم من كافة البلدان إلا أنهم متمسكون بدينهم وعقيدتهم، ملتزمون بالحجاب ويربون بناتهم عليه منذ نعومة الأظفار، حتى أن إحداهن عندما سألتها عن ذلك قالت: هذا تقليد دارج عندنا منذ أن تبدأ الفتاة بالاعتماد على نفسها بالمشي تتحجب ويعزون الأمر إلى أن الفتاة تتعود بذلك على اللباس الشرعي، وتتضح أمامها الصورة التي ستكون عليها في المستقبل، فلا تتنازعها الأهواء ولا تغريها الأجواء، هذا بالإضافة إلى التزامهم بالصلاة، ففي كل ركن وزاوية هناك مصلى وتجده مكتظًا بالمصلين، وكما تحتوي حقائبنا على محفظة تحتوي حقائبهن على ثوب للصلاة وإن كن متحجبات... أذكر أني ذهبت مرة إلى المصلى قبل أذان المغرب بنصف ساعة، وإذا بالأفواج من المصليات جالسات بانتظار الصلاة! فعجبًا لهن كيف يعظمن شعائر الله.
• وإلى جانب التزام الماليزيين بالصلاة والحجاب بالنسبة للنساء؛ فإنهم قد عرفوا أن الجسد الذي لا يربى على الحلال النار أولى به، فهم يحرصون على الطعام الحلال وفي كل مطعم يجعلونه شعارًا لهم وعنوانًا وعلى كل منتج من طعام وشراب ترى أن ختم«حلال» يعلوه، حتى أنك تأكله وأنت مطمئن البال.
دعوة إسلامية
• والذي نفسي بيده، أني عندما قابلت عددًا من الدعاة منهم وزرت مركزهم الإسلامي خجلت من نفسي واستصغرتها فكما أنهم أحبوا الإسلام ودخلوه عن قناعة، كذا هم أحبوا أن يوصلوه لكل من حولهم، فبإمكاناتهم البسيطة أنشؤوا المراكز الإسلامية والمعاهد والجامعات الشرعية ولم يكتفوا بذلك، بل أنشؤوا لجنة المناصرة فلسطين وبحثوا عن المسلمين المحتاجين للعلم والفهم من البلاد المجاورة لهم، وراحوا يبصرونهم بدينهم، ويجددون إيمانهم، حدثنا أحد الدعاة الناشطين قائلًا: لقد درست طوال عمري في مدارس أجنبية، لذلك كان من الأمور البدهية أن أكمل تعليمي في المملكة البريطانية، ولما ذهبت إلى هناك أسسنا مع الماليزيين جماعة إسلامية، وازداد إيماننا وزادت رابطتنا الإيمانية، حتى إننا رددنا إلى الدين من كان مسلمًا أصلًا من البلاد العربية، ومازالت جماعتنا هناك تقوم بنشاطاتها الدعوية حتى إننا لنبعث من بعدنا أبناءنا ليكملوا المسيرة، وليسيروا على نهج خير البرية.
فأنعم بها من دعوة ودعاة! ثم إن الكثير منهم أيضًا يدب حب الدعوة في أوصالهم ويبذلون الغالي والنفيس ليعلوا راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
• مما يثير العجب أيضًا عندهم أنهم مع اعتزازهم بثقافتهم الإسلامية، كذا هم معتزون بتقاليدهم الشرقية، فتراهم معتزون بهويتهم وتراثهم، طعامهم الآسيوي هو المفضل لديهم، وتجده في كل قوائم الطعام، يأكلونه صباح مساء ولا تجد ذلك الحرص في معظم البلاد بعد أن غزتها الثقافة الغربية.
وكذلك يعتز الماليزيون بلغتهم، فاللغة الأم هي اللغة الماليزية ويفضلونها على كافة اللغات حتى على اللغة الإنجليزية، ومع ذلك فهم مهتمون جدًا بتعلم اللغة العربية ويرسلون أبناءهم لتعلمها في الشام ومصر والأردن واليمن وكافة البلاد الإسلامية، لأنها لغة القرآن ومفتاح العلوم الشرعية.
قابلت إحداهن وقد انتهت توها لدراسة الطب في بريطانيا، وتقول لي: إني الآن في إجازة بعد خمس سنوات من التحصيل فسألتها: وما الذي تنوين فعله في هذه الإجازة؟ قالت لي وبكل حماسة وانطلاق: أود مراجعة علومي الشرعية والتوسع في دراسة اللغة العربية، والتدرب على قراءة المصحف بترانيم محمدية... وإذ بي أفاجا بردها واعتزازها بهويتها بعد أن قضت خمس سنوات في الغربة، يسافر الواحد منا شهرًا أو شهرين وتراه يرجع إليك بلكنة أعجمية، وتقاليع غربية.. فلنتبصر .
اهتمامهم بالأسرة
• واهتمامهم بالأسرة جزء من اعتزازهم بثقافتهم أيضًا، فالشعب هناك حتى غير المسلم تراه يهتم اهتمامًا شديدًا بأسرته، يحترم زوجته، ويكرس وقته لأبنائه وعائلته، يحوم دومًا حولهم ويلبي طلباتهم، وكذا المرأة إذا أنجبت كانت أسرتها في المقام الأول، ومع ما يتمتعون به من سعة صدر ولين الجانب ينشأ أطفالهم هادئين يتسمون بالأدب والخلق، ويتمتعون بالتركيز ودقة التفكير، حتى أني دائمًا يهيأ لي أن المولى قد حباهم دقة في التركيز والابتكار والصنع بالرغم من صغر أعينهم ودقتها ولله في خلقه شؤون.
حبهم للمسلمين
• ولأنهم إخوان لنا في العقيدة تراهم يرحبون بنا ويتهللون لرؤيتنا يستقبلوننا بصدور رحبة، ويلقوننا بابتسامات مشرقة ويشاركوننا المشاعر وتستطيع التفريق بين من يعاملك برقة لمصلحة، ومن تظهر الرقة في طبعه وفقًا لمعتقدات قلبه، وسمو خلقه وتقارب روحه.
• منذ ثلاث سنوات سافرت إلى أوروبا، وإذا بابتسامات صفراء، وبحقد دفين يبدو على الوجوه، وتتزين به الأنظار، وعلامات الدهشة والاستغراب تحوم حولك وحول مظهرك وطريقة معيشتك وكأنك جئت من عالم متخلف، أو كوكب فضائي، أو قرية نائية فشتان بين من يهيئ لك من قلبه متسعًا، ومن يغلي منك حقدًا وغضبًا .
• هذه بعض من الأمور الكثيرة التي أعجبتني وإلا فالمجال متسع، والمميزات أجل من أن تُحصر أو تُعدد، ولأننا مسلمون كحالهم وتراثنا، ومعتقداتنا وهويتنا واحدة رأيت أن أقارن في العدد المقبل بين حالنا وحالهم لعل المولى أن يصلح أحوالنا ويرشدنا سبل الهداية والرشاد.