العنوان قراءة في أبعاد العدوان «الإجرامي» ونتائجه المحتملة
الكاتب رأفت مرة
تاريخ النشر السبت 03-يناير-2009
مشاهدات 13
نشر في العدد 1833
نشر في الصفحة 10
السبت 03-يناير-2009
الوقائع العسكرية تشير إلى أن العدوان سيكون طويل الأمد.. بهدف تكريس معادلة أمنية جديدة تعبد «غزة» عن المقاومة
العدوان يدل على حالة إفلاس ويأس وإحباط يعاني منها قادة الكيان الصهيوني بمستوييه السياسي والأمني
مهّد العدو الصهيوني لعدوانه الهمجي الأخير على قطاع غزة بسلسلة من الخطوات السياسية والأمنية التصعيدية، التي تمثلت في إغلاق المعابر على قطاع غزة، ورفع مستوى الهجمات الجوية والبرية على القطاع، ومحاولة فرض شروط سياسية على الشعب الفلسطيني، من خلال دفعه للقبول بتهدئة جدية بالشروط نفسها التي حكمت التهدئة السابقة، على أن يظل الاحتلال الصهيوني متحكمًا في التهدئة ومستفيدًا منها.
غير أن هذا الأمر وُوجه برفض فلسطيني، وبموقف موحّد للفصَائل بالدفاع عن الفلسطينيين، والرد بعنف على أي اعتداء، وهدّدت المقاومة باستهداف المستوطنات في محيط قطاع غزة.
مؤشّرات ومدلولات
يشير توجّه الاحتلال الصهيوني لقصف المدنيين، واستهداف المراكز المدنية إلى وجود حالة من الإفلاس يعاني منها قادة الكيان بمستوييه السياسي والأمني، وإلى وجود حالة من اليأس والإحباط يعانون منها.. فهؤلاء كانوا يهدّدون بإبادة «حماس»، واستئصالها، وإنهاء حكمها لقطاع غزة، وهو ما فُهِم منه أن المسؤولين الصهاينة يَعُدّون لعدوان جوي، أي لمواجهة عن بُعد، في إشارة إلى رغبة قادة الاحتلال في الابتعاد عن المواجهة العسكرية الميدانية على الأرض، حتى لا تسقط خسائر في صفوف جيش الاحتلال، ويؤثر ذلك على شعبية الأحزاب التي ستخوض انتخابات عامة مبكرة في 10/ 2/ 2009م.
ويشير ذلك إلى أن الاحتلال الصهيوني تعلّم من تجربة عدوانه على لبنان في يوليو ٢٠٠٦م ، ويحاول أن يركّز فقط على هجمات جوية بعيدة، خاصة مع وجود معطيات واضحة لدى الاحتلال تشير إلى استعدادات ميدانية من قبَل المقاومة على الأرض، ووجود توقعات «إسرائيلية» تشير إلى إمكانية وقوع خسائر فادحة في الجيش.
وواضح أن الاحتلال الصهيوني بدأ يطبّق في الاعتداءات على غزة توصيات لجنة «فينوجراد» في التحقيق في الحرب على لبنان، فالاحتلال شن هجومًا متدرجًا على مراحل، كما أنه أخضع كل مرحلة من مراحل العدوان للتقويم، وإن كان قد ركز - كما فعل في لبنان - على الأهداف المدنية، والبنية التحتية والمقرات الرسمية، وأخر العملية البرية.
أهداف ونتائج
لا شكّ أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة يهدف إلى تحقيق النتائج التالية:
- إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الفلسطينيين؛ بهدف تشويه صورة حركة «حماس»، وإيجاد شرخ بينها وبين الفلسطينيين، وإجبارهم على رفع صوتهم ضد «حماس» وسلطتها.
- تدمير البنية الأمنية للسلطة القائمة في قطاع غزة من مقرات ومراكز ومؤسسات، بهدف إضعاف السلطة الأمنية في القطاع، وإضعاف الذراع الأمنية لحكومة «إسماعيل هنية» التي قطعت شوطًا بعيدًا في إنجاز الأمن والاستقرار للمواطن الفلسطيني، وخففت نسبة الجرائم في المجتمع.
- إجبار الفلسطينيين على الخضوع للشروط «الإسرائيلية» حول التهدئة والمتمثلة في إبقاء الحصار ومنع الهجمات الفلسطينية على الاحتلال.
- بناء معادلة أمنية جديدة في قطاع غزة تقضي بتحييد المقاومة وفصلها في «غزة» عن باقي المناطق، واستكمال الهدف «الإسرائيلي» الإستراتيجي من الانسحاب من غزة عام ٢٠٠٥م، والمتمثل في توفير الحماية الأمنية للجنود الصهاينة والمستوطنين. والمستوطنات المجاورة، وهو أمر لم يحدث إذ بقيت المقاومة قوية في غزة، وتطلق صواريخها على المستوطنات، وتأسر جنودا صهاينة، وهو ما أوجد أزمة سياسية وأمنية صهيونية.
واليوم، ومن خلال هذا العدوان، يحاول الاحتلال الصهيوني صياغة تفاهم جديد يعطّل قدرة المقاومة في غزة، ويُخرجها من دائرة الصراع.
ولوحظ أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة يتم بناء على ضوء أخضر أمريكي وأوروبي و «عربي» حصلت عليه الحكومة الصهيونية، وبالتحديد وزيرة خارجية الاحتلال «تسيبي ليفني» من القيادة المصرية، حيث قالت «ليفني» في القاهرة، وهي إلى جوار وزير الخارجية المصري «أحمد أبو الغيط» يوم الجمعة ۲6/۱۲/۲008م: إن «تغيير الوضع في غزة ليس مصلحة إسرائيلية فقط، بل هو مصلحة لدول المنطقة»!
وكانت الصحف «الإسرائيلية»، وعلى مدى أسبوع قد حفلت بنقل أخبار وتصريحات تتحدث عن تأييد مصري للاعتداء على «غزة»، ولاغتيال قادة «حماس».
لكن.. إلى أين يتجه العدوان؟ وما نتائجه المحتملة؟ وماذا نترقب من تطورات في المستقبل؟
إطالة أمد العدوان
من الوقائع العسكرية يمكن فهم وإدراك أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة سيكون واسعًا وتصاعديًا، وهذا يعني أنه عدوان طويل ومتواصل، حيث صعّد الاحتلال من وتيرة اعتداءاته، وتدرّج في اختيار سلة الأهداف.
ومن الواضح أن الاحتلال الصهيوني استخدم أسلوب «الضربات»، التي يتم فيها استخدام كثافة من النيران على نقطة محدّدة، بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية.. وكل ذلك من أجل دفع الفلسطينيين في غزة إلى الثورة على «حماس»، وإلى الانتفاض على حكومة «إسماعيل هنية»، وكلما طال أمد العدوان يتوقع الاحتلال «الإسرائيلي» أن يشعر باتساع دائرة الرفض، وأن يبدأ بسماع صرخات وأصوات تعلن الركوع تصدر من الفلسطينيين.
كما أن إطالة أمد العدوان تهدف حسب وجهة النظر الصهيونية إلى توفير غطاء سياسي ورسمي وعربي ودولي ضد «حماس»، يسمح للاحتلال بداية بأخذ فرصة في عدوانه ويسمح بتوفير مناخ سياسي يجبر المقاومة على الخضوع للضغوط الصهيونية.
لكن الاحتلال الصهيوني، في الوقت نفسه، لا يستطيع إطالة أمد العدوان إلى ما يشاء، فهناك أسباب عدّة تمنع ذلك، منها: توفّر مناخ عربي مناهض للعدوان، وصمود المقاومة، وارتفاع الأصوات الشعبية في العالم المعترضة على العدوان، والأهم هو الرد العسكري للمقاومة وسقوط خسائر في صفوف الصهاينة.
استئصال المقاومة: الاحتمال الثاني، هو أن ينجح العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه، وأن يتمكن من القضاء على المقاومة واستئصالها بالكامل من غزة، والسيرة التاريخية تثبت أن الاحتلال الصهيوني فشل طوال تاريخه في القضاء على إحدى مجموعات المقاومة.. ربما يكون قد نجح في القضاء على إحدى خلايا المقاومة لكنه لم يتمكن من استئصال أي مجموعة.
وهناك سبب رئيسي يدركه الاحتلال، وهو أن حركة «حماس» هي حركة شعبية متغلغلة في المجتمع، مندمجة ومنتشرة في شرائح المجتمع كافة، ولها حضورها الديني والاجتماعي، كما أن الاحتلال يدرك أن الشعب الفلسطيني هو الذي أنجب «حماس»، وعزّزها، وأمدها بالقادة والمجاهدين.
والاحتلال يدرك أيضًا أن هناك سببًا رئيسًا في صمود «حماس» طوال تلك الفترة، وهو التفاف الشعب الفلسطيني حولها، ودفاعه عن خطّها، وتوفير الغطاء لها ولذراعها العسكرية، ولولا هذا الغطاء لما استطاعت «حماس» أن تصمد، وتبقى طوال هذه المدة.
اجتياح غزة
من بين السيناريوهات المعروضة أن يقوم الاحتلال الصهيوني باجتياح بري واسع لقطاع غزة، يؤدي إلى سيطرة صهيونية كاملة على القطاع، وتعود «إسرائيل» لحكم قطاع غزة، وإدارة شؤونه.. وهذا الخيار مستبعد؛ لأنه مكلف من الناحية العسكرية للاحتلال الصهيوني؛ حيث يتوقع الاحتلال سقوط عشرات الخسائر بين جنوده، كما أن الاحتلال لا يرغب في إعادة حكم قطاع غزة، وقادة الاحتلال لا يوافقون على العودة لإدارة شؤون القطاع من النواحي الإدارية والخدمية، والسكانية، وتحمل العبء الأمني.. كما أن الخسائر الصهيونية في صفوف جيش الاحتلال أثناء الحكم العسكري لقطاع غزة ستكون باهظة؛ حيث يمتلك الفلسطينيون اليوم أسلحة متنوعة وقوية في القطاع.. إضافة لذلك، فإن الاحتلال يريد أن يتحرّر من مسؤوليته عن حياة الفلسطينيين أمام الجهات الدولية وهو يفضّل وجود سلطة متفاهمة معه، أو تكون أداة له.
التحدي الأساسي
يبقى أن نشير إلى أن التحدي الرئيس في قضية العدوان على قطاع غزة يكمن في العوامل التالية:
- قدرة الشعب الفلسطيني على الثبات والصمود.
- قـيـام قـوى المـقـاومـة بـإمـطـار المدن والمستوطنات الصهيونية بالصواريخ، مّما يُفقد الاحتلال ذرائعه.
- ثبات «حماس»، وحكومة «هنية» على مواقفها السياسية، وعدم تقديم أي تنازلات.
- دخول الجيش الصهيوني في مواجهة برية، وسقوط خسائر كبيرة في صفوفه.
فبهذه العوامل مجتمعة تستطيع المقاومة الانتصار على الاحتلال، وهذه مسألة متوقَّعة، لأن العبرة في النتائج وليس في حجم الضحايا المدنيين الأبرياء الذين يسقطون، ولا في كمَّ المؤسسات المدنية والحكومية المدمَّرة، وهي بلا شك تضحياتٌ قيَّمة، وخسائرُ مؤلمِة، لكنها «فاتورة الدم» التي يدفعها الشعب الفلسطيني.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الشيخ خليل القوقا: الحركة الإسلامية هي التي فجرت الانتفاضة
نشر في العدد 877
27
الثلاثاء 09-أغسطس-1988