; مذكرات رضا نور - التحاقي بحركة كمال أفادها دعائيًّا- الحلقة الثامنة | مجلة المجتمع

العنوان مذكرات رضا نور - التحاقي بحركة كمال أفادها دعائيًّا- الحلقة الثامنة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-يوليو-1981

مشاهدات 19

نشر في العدد 537

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 21-يوليو-1981

أحرض الناس للالتحاق بمصطفى كمال

الآن أقوم بالدعاية لكي يهرب كل الناس من «إستانبول» إلى الأناضول (حيث مصطفى كمال) سبب هذا: ألا تبقى الأغلبية (أغلبية النواب) في العاصمة إستانبول، بدأ ولكن ببطء قسم من النواب في الهروب إلى الأناضول. وأنا حتمًا كنت سأهرب. فاتحت إسماعيل حقي باشا بأفكاري هذه، اعترض بشدة، لكني لم أعر اعتراضه ذرة من اهتمام.

كانت الحكومة في هذه الأثناء في اضطراب وعلى وشك السقوط وسيتولى بعدها فريد باشا رئاسة الوزارة، أما الصلة بين إستانبول والأناضول فكانت مقطوعة، لا تعرف واحدة عن الأخرى شيئًا. حقيقة إن الوزارة وعلى رأسها علي رضا باشا وزارة فيها حمية، رأيت هذا بعيني عدة مرات.. وزارته كانت تريد أن تتعاون مع الحركة الوطنية في الأناضول، كانوا يريدون أن يكون بينهم وبين الأناضول تخابر وتعليمات، أرادوا أن يبعثوا وفدًا من النواب إلى أنقرة من أجل ذلك. كان النواب أيضًا يريدون هذا. لكن هذا لم يعد ممكنًا. وفي اجتماع خاص للنواب في المجلس تشكل الوفد المشار إليه من أربعة أشخاص، وكنت أنا ضمنه، وبفضل هذا تقرر ذهابي إلى أنقرة، توجه الوفد إلى الباب العالي. استقبلنا علي رضا باشا وصالح باشا.

نحن: ما هي واجباتنا؟! وأي خدمة نستطيع أن نقوم بها؟

صالح: والله، إننا أيضًا لا نعرف

واستولت الحيرة والدهشة علينا.

أنا: في هذه الحالة!

صالح: تصرف بما تعلم أنه مصلحة الوطن، وإنما هناك نقطة هامة، إن وزارتنا تهتز، وسيأتي فريد باشا رئيسًا للوزارة القادمة، وإذا أتى فسينتهي كل شيء إلى السيئ، ينبغي ألا يتولى الوزارة، بقاؤنا خير، لاشك أننا سنسقط إن آجلًا أو عاجلًا، ولكن بقدر ما نستطيع البقاء بقدر ما يكون في هذا من صالح للبلاد.

كلام الباشا مضبوط ولا أحد يستطيع الاعتراض عليه، وإننا نسمع أن مصطفى كمال لم يقبل التعامل مع هؤلاء فضلًا عن أنه يعمل ضدهم. وهذا، لا شك، أمر غير مصيب.

صالح: هيا أسرعوا بالتحرك.

مصطفى كمال يقبض على وفد أنا عضو فيه

تحركنا، وصلنا إلى أزنيق استضافنا فيها متصرفها ويدعى سعاد، وفي اليوم التالي وصلتنا صحف إستانبول وقد أطلقت علينا لقب: «وفد النصيحة»! شيء عجيب! وكأننا لجنة مهمتها تقديم النصح. معنى هذا- بالنسبة لكلام الجرائد- أن وزارة إستانبول أرسلتنا لكي ننصح القائمين بالحركة الوطنية في الأناضول، ونقنع مصطفى كمال، ولابد من محاولة هذا. وهذا يستلزم وقتًا، ليست خطة خبيثة، معهم الحق في هذا، لكنهم استعملونا كحيوانات المعامل.. ذلك لأن مصطفى كمال سيطير صوابه من جراء هذه الجملة، أيقبل هو أن يتصاغر لدرجة تلقيه النصيحة، لا بد أنه سيتخذ ضدنا إجراءات رديئة، لم يفكروا في هذا.

في الطريق وصلتنا برقية مصطفى كمال، باختصار يقول لنا: «إنكم عملاء للإنكليز، إنكم خونه لوطنكم، إنكم رجال حكومة إستانبول الحقيرة، تحقير وتهديد مدهش: ها هو بالضبط ما كنا نفكر فيه ونخشاه قد حدث. حتى العودة إلى إستانبول لم تعد ممكنة «لأن المنطقة تحت سيطرة القوات الوطنية التي يرأسها مصطفى كمال». إذن فقد سبق السيف العذل وانطلق السهم من قوسه. أجبنا على مصطفى كمال ببرقية قلنا فيها: «إننا لسنا كذلك!» أجابنا بقوله: «أنتم وفد نصيحة، وبينما يفر الوطنيون ويصلون عندنا سيرًا على الأقدام بعد تنقل بين الجبال والأحجار، تأتون أنتم إلى هنا مرهقين داخل قطار تابع للإنكليز، ما قولكم في هذا؟!».

إذن فهذه هي النتائج المضرة لما نشرته الصحف، لكن الأساس في الأمر أن مصطفى كمال لا يريد أن يتعاون مع إستانبول، إن طموحه ينحصر في أنه يريد أن يركز كل شيء في ذاته شخصيًّا.

أجبت أنا على مصطفى كمال، كلمته من علٍ.. كتبت له عن الأحوال وأننا لم نفكر إلا في الوطن، ولا قصدنا إلا مصلحة الوطن، لهذا ركبنا هذه الصعاب والمخاطر. كما قلت له: إننا لسنا وفدًا ناصحًا وإننا أكبر من أن نكون مطية للإنكليز وبذلك لا يمكن أن نكون جواسيسهم.

كتبت إليه كل هذا بلهجة شديدة حتى إن الزملاء قالوا لي: «إنك ستثير علينا هذا المغفل (أي مصطفى كمال) وتغضبه علينا». قالوا هذا وأرادوا تعديل البرقية لكني خالفتهم، وأخيرًا ألغوا جملة أو اثنتين من البرقية.

أحسست بشيء غريب، قلت لزملائي في الوفد يبدو أننا مقبوض علينا ولا ندري ثم أدركنا أن هذا صحيح بالفعل.

وأخيرًا تلقينا الجواب من مصطفى كمال على برقيتنا إليه، كان في هذه المرة رقيقًا وكان يدعونا، وعلى الفور إذا بعملية القبض علينا التي أحسسنا بها إذ لم نكن نستطيع التجول أو الخروج من المكان الذي نحن فيه، قد انتهت.. خرجنا وتجولنا قليلًا.

خائن! من لا يلتحق بمصطفى كمال

كان كثير من الناس قد انتقلوا إلى أنقرة، وأصبح من «الموضة» أن يطلق على كل من لا ينتقل إلى الأناضول لقب خائن للوطن! وكان هذا خطأ عظيمًا.

إن في إستانبول كثيرًا من الوطنيين يشكلون الجمعيات من أجل إرسال الأسلحة إلى الأناضول؛ فكيف يمكن أن يطلق على هؤلاء «إنهم خونة؟

لقائي بمصطفى كمال

وأخيرًا وصلنا أنقرة، التقينا بمصطفى كمال.. شرحنا له الموقف، لم يقبل قَطْ التعاون مع إستانبول، يا عزيزي ما الضرر في هذا؟ بالعكس، فالفائدة إنما تكون في هذا. لكن لا مجيب.

كنا مقتنعين بأن العمل مع هذا الرجل مستحيل.. أردنا العودة إلى إستانبول.. ذهبنا وأبلغنا مصطفى كمال بأننا سنعود، وفجأة أصابني المرض، وإذا بمصطفى كمال يزورني ويأتي حتى سرير مرضي، كان ناعمًا ورقيقًا. أراد أن يجاملني. قال لي: «لا تذهبوا فالوطن في حاجة إليكم».

نشر مصطفی کمال عقب إبلاغنا له برغبتنا في العودة، تعميمًا مؤداه.. إنني ويوسف كمال قد التحقنا به، أخبرنا بهذا بعد أن نفذ الأمر، اضطرب أهالي سينوب من جراء هذا الأمر خوفًا من أن يقضي مصطفى كمال على حياتي. أبرق لي الأهالي يسألونني عن صحتي أجبتهم بقولي: لا تقلقوا! اعملوا في سبيل الوطن.

التحاقي بحركة كمال أفادها دعائيًّا

أثر بیان مصطفى كمال هذا تأثيرًا طيبًا جدًّا في الأمة .كل الناس كانوا أعداء للاتحاديين. إن أكبر جريمة قام بها علي كمال «الصحافي» هو أنه أظهر الحركة الوطنية في الأناضول على أنها حركة اتحادية قامت بها جمعية الاتحاد والترقي، وهكذا خدع الأمة ومنع أكثر الأهالي الوطنيين من الاشتراك لمدة طويلة في هذه الحركة حتى أنه تسبب في أن يتحرك كثير من الناس أعداء الاتحاديين، ضد القضية الوطنية.

لم نعد نستطيع العودة.. لقد جعلنا مصطفى كمال ببرقية، نواجه الأمر الواقع.. كانت هذه البرقية ذات تأثير كبير في القضية الوطنية، فلقد كان كل من في إستانبول من فريد وعلي كمال والائتلافيين والسلطان يصفون حركة الأناضول بأنها حركة اتحادية.. كان الشعب كله في الأناضول خاصة هؤلاء الشرفاء المعارضين للاتحاديين يخافون من هذا، ويشعرون بالحساسية تجاهه.

وكان التحاقي بالحركة الوطنية في الأناضول أكبر دليل بارز على أن هذه الحركة ليست حركة اتحادية فبدأ هؤلاء في الالتحاق بالحركة والانتقال إلى الأناضول بعد إذاعة هذه البرقية.

بعد أن فعل مصطفى كمال بنا هذه الحركة التي احتقرنا بها، يريد الآن أن يستفيد منا ولا يتركنا.. أراد الاستفادة منا، لاسمه هو، ولصالحه هو، لا نستطيع العودة.. أحيانًا نلين ولكن كلما نتذكر هذه الحركة ننهض مرة أخرى نستعد للعودة.

في أنقرة الشوارع خالية، لا أحد فيها، وليس لدينا عمل فيها.. يستدعينا مصطفى كمال بين الحين والحين- أنا ويوسف كمال- إلى مدرسة الزراعة، إنه ينام فيها.. هذه المدرسة تقع فوق تل بجوار أنقرة.. كان يتباحث معنا هناك حول ضرورة تشكيل حكومة، وكيفية تشكيلها.

الرابط المختصر :