; مسائل ومشاكل (العدد 51) | مجلة المجتمع

العنوان مسائل ومشاكل (العدد 51)

الكاتب د. عمر سليمان الأشقر

تاريخ النشر الثلاثاء 16-مارس-1971

مشاهدات 16

نشر في العدد 51

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 16-مارس-1971

حلق اللحية

كنت قد أشرت في تضاعيف موضوع يتعلق بالأضحية إلى أن حلق اللحية حرام وأنه من الكبائر وقد جاءنا من فضيلة الشيخ على الطنطاوي تعليق على هذا الموضوع ننشره بنصه كرغبته آملين أن نجيب عليه في عدد قادم:

قرأت في العدد (45) من مجلة «المجتمع» وقد وصل إلى متأخرًا، قول مفتي المجلة حفظه الله وجزى من أصدر المجلة ومن يقوم عليها خيرًا.

«إن حلق اللحية حرام وهو كبيرة» فرأيت من الواجب على بيان أن التحريم بلا دليل قطعي لا يجوز، لكني خفت أن يقع منى ما أنكره على غيري، وهو شغل الناس بالجدال على الفروع، ونحن «نحن المسلمين» نقف في ميدان حرب بين الكفر والإيمان، ومن كان بيته مهددًا بالنسف بالبارود، لا يسأل عن زجاج النافذة من كسره، و من كان على سرير العمليات يعمل الطبيب سكينه في رئته لاستخراج السرطان منها، يخشى أن يعاجله الموت قبل أن يعالجه من المرض- لا يدع «عملية» الرئة، لاستخراج شوكة من تحت ظفر اليد- ولو تجمع فيها القيح وثابت عليها الجراثيم.

وترددت ثم عزمت على أن أقول كلمتي وأمشي، فلا أعود إلى الكلام في الموضوع سواء لدى أأعرض الناس عنها فلم يحفلوها، أم صوبوا رأيي فيها وأيدوها، أم خطؤوه وردوها.

 وبذلك أقوم بواجب البيان، وأبعد خطر المعركة، وأنبه قبل أن أبدأ إلى أن رسالة في تحريم حلق اللحية، نشرت في الكويت من نحو عشر سنين كما أذكر، ووزعت مجانًا. فيها مقالة كتبت في رأسها أنها للشيخ على الطنطاوي لأن كاتبها «وأظنه أخانا الفاضل الأستاذ عز الدين إبراهيم» رمز لاسمها بحرفي (ع .أ ) فحسبوها لي، وصرحوا بنسبتها إلي مع أني لم أكتبها ولم أرها إلا مطبوعة.

وتنبيه آخر لا بد منه... هو أن قولي «الذي سأدلل عليه» بأن حلق اللحية ليس حرامًا «بالمعنى الأصولي» لا يقتضي أنه مباح جائز، إذ ليس بين الحرمة والإباحة تناقض ولا تضاد بل مطلق الاختلاف، وقد يكون الأمر من الأمور مكروهًا مثلًا «كراهة تحريم أو كراهة تنزيه» فلا يكون حرامًا ولا مباحًا وهذا هو حكم حلق اللحية.

وبعد.. فالحرام هو ما نهى عنه الشارع بنص قطعي الورود، قطعي الدلالة، يفهم منه أن الشرع يراه قبيحًا لذاته، ويطلب اجتناب قليله وكثيره إلا في حالات الضرورة، التي هي «مسألة حياة أو موت»، أو إضاعة ما يكون أثمن من الحياة أحيانًا كالعرض أو المال... هذه هي الضرورات التي تبيح المحظورات.

والذي ورد في اللحية هو الأمر بإعفاتها مخالفة للمجوس وأنا أرى أن ذلك لا يفيد حرمة الحلق، وإن أطلقها عليه «بلا دليل» كثير من الفقهاء.

- ذلك:

1- لأن الأمر بالشيء «على المختار عند الحنفية» لا يستلزم حرمة ضد المأمور به، بل كراهته «انظر المنار وشرح مصنفه عليه».

2- إذا اقترن الأمر بالشيء بعلة معقولة المعنى «أي أن الشارع لم يطلبه لذاته، بل أقصد آخر مقترن به عند صدور الأمر» إذا انفك هذا المقصد عنه لم يعد الأمر الوجوب.

والأمر بالأحفاء والإعفاء المقصود منه مخالفة المجوس «كما قال ابن حجر في فتح الباري».

3- ومخالفة المسلمين غيرهم مطلوبة فيما هو من شعائر دينهم لا مطلقًا، فإن لم يكن من شعائره لم تكن محرمة.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الألبسة التي يلبسها الكفار وترد من بلادهم وليست من شعائر دينهم «راجع زاد المعاد».

وفي سيل السلام (21/ ١٥٦) أن التعليل يكون الوصال في الصوم من فعل النصارى لا يقتضي التحريم.

4- الرسول صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث «اعفوا اللحى وخالفوا المجوس».

وقال في الحديث الآخر «صلوا بالشمال وخالفوا اليهود» وكلاهما صحيح وهما متماثلان في صيغة الورود- وكلاهما «أمر» معلل بعلة معقولة المعنى والحكم الذي يستنبط من أحدهما يستنبط مثله من الآخر قطعًا.

فهل فهم أحد أن الصلاة بالنعال واجبة وأن خلعها حرام.

5- ومثله حدیث «أن اليهود والنصارى لا يصفون فخالفوهم» وقد فهم منه الصحابة الندب، فلم يصبغ بعضهم «كما نقل ابن حجر في الفتح» ولو كان للوجوب، لما خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

6- وقد يرد هذا الاحتجاج بأنه لم يرو أن أحدًا من الصحابة حلق لحيته لكونه فهم منه الندب، والجواب أن إعفاء اللحى عادة العرب كلهم قبل الاسلام وبعده، فيحتمل أنهم أعفوها لهذا لا للوجوب- ومعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال.

7- إذا ذكرت أفعال متعددة وأعطيت حكمًا واحدًا- سرى هذا الحكم عليها جميعًا، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: عشر من الفطرة، قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك- واستنشاق الماء، وقص الأظفار- إلى آخر الحديث.

وقال ابن دقیق العيد في العدة شرح العمدة (1/ 357).

 الفطرة لفظ واحد استعملت في الكل فلو أفادت مرة الوجوب، ومرة الندب، لاستعمل اللفظ الواحد في معنيين.

وقال محشيه الأمير الصنعاني (١/353).

 وكلها سواء في الحكم. والقول بأن بعلمها واجب، وبعضها غير واجب تحكم «ومعلوم أن السواد وقص الأظفار مندوب»

8- وقد يرد على هذا بأن الكلمة «رجس» في آية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ (المائدة: ٣١) فهمت مرة بمعنى النجاسة العينية، ومرة بمعني النجاسة الحكمية، والجواب أن من حكم بنجاسة الخمر العينية استند إلى دليل آخر، هذا مع العلم بأن هذا الحكم ليس له دليل قطعي وقد رجح بعض المحققين أن نجاسة الخمر حكمية أخذًا من هذه الآية- وهذا استطراد وليس من موضوع الكلام.

9- وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته- من طولها ومن عرضها، ولو كان الأمر بالإعفاء على إطلاقه ما أخذ منها شيئًا ومن هنا قال متأخرو الشافعية «على ما سمعت من مشايخنا»، بأن حلقها مكروه لا حرام.

 والذي أقوله إن حلق اللحية ليس حرامًا حرمة صريحة- فضلًا عن أن يكون كبيرة من الكبائر وليس مباحًا جائزًا ولكنه مكروه.

وقد ذهبت في الصيف الماضي الى أوروبا- أتداوي فيها- وألقى الطلاب والشباب المسلمين في كل بلد- أشارك في مشكلاتهم، وأجيب على سؤالاتهم فرأيت أن إعفاء اللحية صار شعارًا، لطائفة الهيبيين (الهيبز) الفاسدين- وأنها حلية «موضة» المنحرفين- أقول هذا لمجرد البيان. وأكرر القول: إننا نواجه اليوم أعنف هجوم على الإسلام نقابل حربًا تخطط لها عقول كبيرة شريرة، وتنفق عليها الأموال الكثيرة الوفيرة، وأن كثيًرا من حصوننا في دواوين حكمنا ومجالس قضائنا ومدارسنا- وبيوتنًا قد جاس العدو خلالها- فأفسد بالشبه والمذاهب الكافرة عقول أبنائنا وبالتكشف والاختلاط، والروايات الداعرة، والأفلام الفاجرة، بيوتنا ومجتمعاتنا وغلبنا على قدسنا وأولى قبلتينا.

وإن من الواجب توجيه القوى الإسلامية كلها إلى ذلك العدو وإن اللحية وإعفاءها أمر فرعي لا أريد أن أثير في أمره حربًا- ولا أنشيء معركة وإنما هو رأي رأيته، وحکم بینته، ومقصدي منه أن أقول لإخواننا الدعاة إلى الله- أن إعفاء اللحية ليس من أركان الدين (1) [1]وحلقها ليس من المحرمات الصريحة- فلا يبدأوا الشبان بها ولا يحملوهم حملًا عليها بل نبدأ بما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيح الإيمان. واجتناب الكبائر وإقامة الأركان.

ولن أعود إلى الكلام في هذا الموضوع إن شاء الله.

على الطنطاوي

 

 

[1] - في كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم «في أوله» تعداد لبعض أمراض المسلمين فعد المؤلف أولًا الشرك وثانيًا حلق اللحية..

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مسائل ومشاكل (55)

نشر في العدد 55

21

الثلاثاء 13-أبريل-1971

مسائل ومشاكل (58)

نشر في العدد 58

15

الثلاثاء 04-مايو-1971

مسائل ومشاكل.. (العدد 52)

نشر في العدد 52

16

الثلاثاء 23-مارس-1971