العنوان مسائل ومشاكل.. (العدد 52)
الكاتب د. عمر سليمان الأشقر
تاريخ النشر الثلاثاء 23-مارس-1971
مشاهدات 16
نشر في العدد 52
نشر في الصفحة 15
الثلاثاء 23-مارس-1971
يقدمها: عمر سليمان الأشقر
موقف المسلمين من الحضارة الأوروبية
الحضارة الأوروبية فيها النافع والضار. *
نفعت الإنسان من حيث هو جسد حيواني. *
*أهملت الاستضاءة بنور الوحي السماوي في التربية والأخلاق وتسيير شئون الحياة
طغيان المادة يهدد العالم. *
التقسيم الصحيح يحتم إلى الأخذ بنافع الحضارة وترك الضار. *
وذلك سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم في حضارة فارس والروم. *
*كثير من المسلمين يأخذون مساوئ الحضارة الأوروبية ويتركون منافعها.
ما موقف المسلمين الذين يجب أن يتسموا به تجاه الحضارة الوافدة إليهم من وراء البحار ماذا يأخذون منها وما يدعون؟
أفضل أن أنقل في جواب هذا السؤال كلامًا شافيًا لأحد العلماء المعاصرين المتبحرين في علوم الشريعة هو العلامة الشيخ محمد الأمين بن محمد الجكني الشنقيطي، قال حفظه الله في تفسيره أضواء البيان عارضًا موقف المسلمين من الحضارة الأوروبية:
«الاستقراء التام القطعي دل على أن الحضارة الغربية تشتمل على نافع وضار، أما النافع منها-فهو من الناحية المادية وتقدمها في جميع الميادين المادية أوضح من أن أبينه، وما تضمنته من المنافع للإنسان أعظم مما يدخل تحت التصور، فقد خدمت الإنسان خدمات هائلة من حيث إنه جسد حيواني.
وأما الضار منها فهو إهمالها بالكلية الناحية التي هي رأس كل خير، ولا خير البتة في الدنيا بدونها، وهي التربية الروحية للإنسان وتهذيب أخلاقه، وذلك لا يكون إلا بنور الوحي السماوي الذي يوضح للإنسان طريق السعادة، ويرسم له الخطط الحكمية في كل ميادين الحياة الدنيا والآخرة ويجعله على صلة بربه في كل أوقاته».
ومعلوم أن طغيان المادة على الروح يهدد العالم أجمع بخطر داهم وهلاك مستأصل، كما هو مشاهد الآن، وحل مشكلته لا يمكن البتة إلا باستضاءته بنور الوحـي السماوي الذي هو تشريع خالق السماوات والأرض، لأن من أطغته المادة حتى تمرد على خالقه ورازقه لا يفلح أبدًا.
والتقسيم الصحيح يحصر أوصاف المحل الذي هو الموقف من الحضارة الغربية في أربعة أقسام لا خامس لها، حصرًا عقليًا لا شك فيه:
«الأول»: ترك الحضارة المذكورة نافعها وضارها.
«الثاني»: أخذها كلها ضارها ونافعها.
«الثالث»: أخذ ضارها وترك نافعها.
«الرابع»: أخذ نافعها وترك ضارها، فنرجع بالسير الصحيح إلى هذه الأقسام الأربعة، فنجد ثلاثة منها باطلة بلا شك، وواحدًا صحيحًا بلا شك، أما الثلاثة الباطلة: فالأول منها تركها كلها ووجه بطلانه واضح، لأن عدم الاشتغال بالتقدم المادي يؤدي إلى الضعف الدائم، والتواكل والتكاسل ويخالف الأمـر السماوي في قوله جل وعلا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال:60)
القسم الثاني من الأقسام الباطلة -أخذها كلها، لأن ما فيها من الانحطاط الخلقي وضياع القيم الروحية والمثل العليا للإنسانية- أوضح من أن أبينه، ويكفي في ذلك ما فيها من التمرد على نظام السماء، وعدم طاعة خالق هذا الكون جل وعلا ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ (يونس:59) ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (الشورى:21)
والقسم الثالث من الأقسام الباطلة – هو أخذ الضار وترك النافع، ولا شك أن هذا لا يفعله من له أقل تمييز.
فتعينت صحة القسم الرابع بالتقسيم والبر الصحيح، وهو أخذ النافع وترك الضار، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد انتفع بحفر الخندق في غزوة الأحزاب، مع أن ذلك خطة عسكرية كانت للفرس اختبره بها سلمان فأخذ بها، ولم يمنعه من ذلك أن أصلها للكفار، وقد هم صلى الله عليه وسلم بأن يمنع وطأ النساء المراضع خوفًا على أولادهن، لأن العرب كانوا يظنون الغيلة «وهي وطأ المرضع» تضعف ولدها وتضره ومن ذلك قول الشاعر:
فوارس لم يغالوا في رضاع فتتبعوا في أكفهم السيوف
فأخبرته صلى الله عليه وسلم فارس والروم بأنهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم فأخذ صلى الله عليه وسلم منهم تلك الخطة الطيبة، ولم يمنعه من ذلك أن أصلها من الكفار.
وقد انتفع صلى الله عليه وسلم بدلالة أبي الأريقط الدؤلي له في سفر الهجرة على الطريق، مع إنه كافر.
فأتضح من هذا الدليل أن الموقف الطبيعي للإسلام والمسلمين من الحضارة الغربية هو أن يجتهدوا في تحصيل ما أنتجته من النواحي المادية، ويحذروا مما جنته من التمرد على خالق الكون جل وعلا فتصلح لهم الدنيا والآخرة.
والمؤسف! أن أغلبهم يعكسون القضية، فيأخذون منها الانحطاط الخلقي، والانسلاخ من الدين، والتباعد من طاعة خالق الكون، ولا يحصلون على نتيجة مما فيها من النفع المادي، فخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
أخبار بني إسرائيل
ما نأخذ منها وما ندع؟؟
نرى كثيرًا من المؤلفين والوعاظ يكثرون من الرواية عن بني إسرائيل، وقد أجاز البعض رواية أخبارهم ولم يجزها البعض الآخر فما القول الفصل في هذه المسألة؟
وضح هذه المسألة الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره فقال:
«ما وافق منها الحق مما ما وافق منها الحق فما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح وما خالف شيئًا من ذلك رددناه، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه بل نجعله وقفًا، وما كان من هذا الضرب منها فقد رخص كثير من السلف في روايته وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما ينتفع به في الدين، ولو كانت فائدته تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة، والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من تضييع الزمان ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم فإنه لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة»
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل