; مشكلات في ضوء الإسلام (122) | مجلة المجتمع

العنوان مشكلات في ضوء الإسلام (122)

الكاتب طايس الجميلي

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1972

مشاهدات 18

نشر في العدد 122

نشر في الصفحة 19

الثلاثاء 17-أكتوبر-1972

س - من الأخت سعاد عبد الحميد جزلان - بنغازي - ليبيا:

أعاني مشكلة غير عادية في نظري وهي: أنني أحس بأن خشوعي في الصلاة وبين يدي ربي سبحانه وتعالى، ليس تامًا، وأبذل جهدًا كبيرًا للتغلب على هذه المشكلة التي تنتقص من سعادتي الروحية.

ولكن ما زلت أعاني منها، عسى أن أجد حلًا لـدى حضراتكم يزودني بوسيلة «عملية» لأحصل على خشوع تام؟

ج - أحمد الله وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه وأصلي وأسلم على خير من سجد لله وركع وتبتل بين يدي الله وخشع، وبعد؛

أختاه: اعلمي وفقني الله وإياكم لحسن عبادته، أن الشارع الحكيم قدم بين يدي هذه الصلاة إجراءات وأعمال كفيلة بتفريغ الجسم والقلب من المشاغل التي تعرقل اتصاله بربه تبارك وتعالى منها:

أولًا: كراهة الصلاة في حضرة الطعام لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فأبدأوا بالعشاء» متفق عليه.

ثانيًا: كراهة الصلاة لمن يدافعه الأخبثان «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» مسلم.

ثالثًا: كراهة النقوش في المساجد «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» أخرجه الخمسة إلا الترمذي وصححه بن خزيمة.

رابعًا: حرمة المرور بين يدي المصلى «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه».

خامسًا: حرمة التشويش على المصلي ولو بقراءة القرآن «حديث الإنبجانية- والقرام»

سادسًا: حرمة الالتفات في الصلاة: «ذاك اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم»

وظاهرًا إن الأمور المتقدمة منها ما كان متعلقًا بالمكين- المصلى- ومنها ما كان متعلقًا بالمكان.

فإذا سلم المكان من الصوارف لذهن المصلي عن صلاته وسلم المصلي نفسه من تغليب الفكر فيما يعانيه في جسده، كان حريًا أن يفكر فيما يقرأ في صلاته هذه المقدمة من مستلزمات المصلي قبل مثوله في الصلاة فماذا يجب عليه لدى دخوله فيها؟

من المعلوم بيقين أن العناية بالأسباب الظاهرة مطلوبة في الصلاة لكن ليس لذاتها، بل هي مقدمات فإن موضع نظر الرب تباركت أسماؤه هو الباطن والباطن يتأثر بالظاهر تأثرًا مباشرًا، لذا ينبغي أن يبذل من العناية لاستخلاص الباطن وتوجيهه إلى الله أكثر مما بذل في الظاهر، وليس في قاصر علمي أجمع للقلب وأقوى أثرًا من محاكمة عاجلة ومناقشة سريعة قبل تكبيرة الإحرام فتتناول هذه المناقشة موازنة هموم الدنيا التي قد تهجم على القلب فتسلبه خشوعه بهموم الأخرى ويقينا ستترجح هموم الآخرة، ثم يجزم المصلي مؤكدًا أن هذا الموقف لا ينازع فيه فهو لله- للآخرة- لطلب رضوانه.

وسؤال أخير: بين يدي من أنا واقف الآن؟ وهل هذه الوساوس والمعاني الطارئة أكبر أم الله تبارك وتعالى- ولا شك فالجواب.

الله أكبر: ذاكرًا أن الاتجاه إلى القبلة لم يتم إلا بالانصراف عن جميع الاتجاهات وكذلك القلب لن يتوجه إلى الله إلا بالانصراف عن جميع الجهات.

ويحضر في النفس عند كل حركة وسكنة معنى من المعاني التي تربط القلب بالله خالقه:

ففي القيام- معنى التأدب مع الله تبارك وتعالى.

ويأتي دور الصدق فــي القول: فبعد تكبيرة الإحرام يقرأ دعاء الاستفتاح فإذا يقول المصلي وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، فليعلم أن المراد هو وجه القلب إذ أن الباري تبارك وتعالى لا تحده الجهات 

فينظر هل أن القلب متوجه إلى الله عز وجل أم وراء المصالح العاجلة

فمن أقبح القبيح أن تبدأ مناجاة المصلي لربه بالكذب.

ثم في قوله: "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي" معنى التسليم للمالك الحقيقي وهو الله، فكأنك تقول محیاي وما فيه من نشاط، أو ذهاب، أو إياب، أو حركة، أو سكنة ينبغي أن يتصرف وفق منهاج الله وشرعه.

فكما أني لا أملك التصرف بنفسي بعد موتي فأنا أيضًا لا أملك التصرف بمعزل عـن ربى مخالفًا لأمره ونهيه، إن الظلال والمعاني التي ينشرها تفهم دعاء الاستفتاح كفيل بأن يمنحه لذة لا توصف.

تلك التي كان يسميها المصطفى «راحة» «أرحنا بها يا بلال» ولم يقل أرحنا منها.

ثم يأتي دور الاستعاذة والاحتماء بحمى الله من الشيطان العدو اللدود الذي يسعى جاهدًا لصرف المصلي عن لذة المناجاة بما يثيره في النفس من وساوس- حسدًا- لأنه طرد بسبب سجدة.

ويلزم المصلي بعد ذلك معرفة المعاني الرائعة في سورة الفاتحة ليكون عارفًا متفهمًا لما يقرأ وليس هنا مكان تفسيرها.

وفي الركوع والسجود يجب أن يحضر القلب معاني الكبرياء لله عز وجل ورفع اليدين بعد الركوع يحمل معنى الاستجارة من غضب الله، فإن قلت: "سمع الله لمن حمده" كان ذلك إشارة إلى أن الله سمعك وأنت تحمده وتشكره فهو إذا يرقبك، وإذا وضعت الجبهة على الأرض فإنما هو إعلان برد الفرع إلى أصله أو لست من تراب؟!

وأنك ستعود إلى التراب؟ فإذا تكرر الركوع والسجود فإنما ذلك لتوكيد هذه المعاني في القلب.

وأما في التشهد فجلوسه يحمل معنى التأدب وإزجاء صفات الكمال المطلق لله عز وجل، والاتصال بركب الإيمان عن طريق السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم السلام على عباد الله الصالحين، فهم أشقاء المبدأ وإخوان العقيدة، ثم تكرر العهد عن طريق الشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، ثم يأتي ارتباط الجندي بالقائد عن طريق الدعاء له بالصلاة عليه.

فإذا شارفت النهاية من التشهد دعوت الله بما تحب.

 والخلاصة أن معرفة الله عز وجل وتقديره حق قدره ومعرفة المرء بنفسه وحاجته إلى ربه وخالقه واختيار الأسوة واستحضار الموقف والمقام بين يدي الله ومعرفة المقبول من الصلاة من المضروب بها وجه صاحبه إذا حضرت هذه المعاني للعبد لا شك استجلبت له الخشوع وزودته باللذة التي ينشدها في مناجاة ربه.

ومن المناسب أن أختم إجابتي هذه بما روي عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال:

"إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي فأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي- أظنها آخر صلاتي،

ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرة بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعًا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشيع، وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها (الورك) وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص.

ثم لا أرى أقبلت مني أم لا؟".

وختامًا أرجو الله عز وجل أن يجعلنا والأخت السائلة ممن سلك سبيل الفلاح (۱) وأن يحشرنا مع أهل الإحسان (۲) وهو حسبنا ونعم الوكيل.

----

(۱) {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}.

(۲) حديث جبريل "ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الأسرة (العدد 492)

نشر في العدد 492

11

الثلاثاء 05-أغسطس-1980

استراحة المجتمع (1512)

نشر في العدد 1512

15

السبت 03-أغسطس-2002