; مصر بين عودتها إلى العرب وعودة العرب إليها | مجلة المجتمع

العنوان مصر بين عودتها إلى العرب وعودة العرب إليها

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-فبراير-1983

مشاهدات 38

نشر في العدد 607

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 08-فبراير-1983

  • هل زالت الأسباب التي أدت إلى ابتعاد العرب عن مصر؟

  • إسرائيل تخطط للاستيلاء على النفط والوصول إلى خيبر فهل يمنعها «الصلح»؟

  • نقول لمن يعتبر إسرائيل حقيقة واقعة: إن الحقائق الواقعة تتغير وتتبدل

كثرت في الآونة الأخيرة الأصوات والأقلام التي تدعو إلى عودة مصر إلى العرب أو قرب عودتها، كما كثرت المطالب بأن تتقلد مصر مرة أخرى وسام القيادة العربية بعدما تبين كما يقول البعض إن العرب بدون مصر لا شيء، وإن عقدهم سرعان ما انفرط بعد خروج «واسطة العقد». وذهب البعض في حماسة إلى دعوة الجماهير العربية للتبرع لإنقاذ الاقتصاد المصري لأن مصر ضحت بكرامتها من أجل العرب!

 ومن حيث المبدأ، نحن لسنا ضد عودة مصر إلى العرب أو عودة العرب إلى مصر، ولكننا نتساءل من الذي ابتعد عن الآخر هل هي مصر أم العرب؟ وإذا كانت مصر هي التي ابتعدت عن العرب فهل هي مصر الشعب أم مصر النظام؟ وإذا كان النظام المصري هو الذي ابتعد عن العرب فلمن اتجه؟ ولماذا؟ 

اتجه إلى اليهود والأمريكان واتخذ منهم أولياء وأصدقاء وأعزاء وأبناء عمومة.. ألم يكن «كيسنجر» في نظر السادات هو «العزيز»؟ ألم يكن «بيغن» في نظر السادات هو «الصديق وابن العم» ألم ينفض السادات يده من يد العرب «المتخلفين»، ويضع يده في يد اليهود «المتحضرين» لتلتقي الحضارتان «الفرعونية» «واليهودية» في هذه المنطقة التي لم يكن للعربان فيها وجود؟!

ولماذا كل هذا النفاق والتزوير والكذب؟ حتى يعيد سيناء إلى مصر وحتى ينقذ الاقتصاد المصري من الانهيار، ها قد عادت سيناء باستثناء «طابا» إلى مصر، ولكن السيادة المصرية لم تعد إلى سيناء لأن مصر لا تستطيع أن تحرك قواتها كما تشاء في أرض سيناء، كما لا تستطيع أن تمتنع عن تحويل نفط سيناء إلى إسرائيل وبسعر محدد.

بل إننا لا نبالغ إذا قلنا أن جيش اليهود خرج من سيناء ولكن مصر كلها أصبحت رهينة لإسرائيل اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيا. وما الخلاف الظاهر بين مصر وإسرائيل حول لبنان إلا بمقدار ما يجمل وجه النظام المصري أمام العرب، ولا يمكن أن يزيد عن هذا الحد، وإلا عادت إسرائيل إلى سيناء!

وأما بالنسبة للاقتصاد المصري فهو بعد توقيع الصلح مع إسرائيل ازداد انهيارًا. وكل الذين راهنوا على أن يعم الرخاء أرجاء مصر كلها بعد الصلح أسقط في أيديهم الآن، إذ تبين لهم أن لا انتعاش اقتصادي لمصر بفضل اليهود ولا بفضل الأمريكان، وإن حفنة من الطفيليين المصريين هي التي استفادت وأصبحت من أصحاب الملايين، وإن هذه الحفنة من أقارب النظام الساداتي وأصهاره ومحاسيبه وأتباعه وأتباع الأتباع ومن المتاجرين بالحشيش والمهربين والنصابين والمختلسين «والفتوات» ومن لف لفهم. وهذا ما كشفت وتكشف عنه المحاكمات الحالية في محكمة «العيب» فالنظام المصري عندما ارتمى في أحضان أمريكا وإسرائيل وأدار ظهره للعرب بزاوية مقدارها ۱۸۰ درجة لم يفعل ذلك من أجل العرب ولا حتى من أجل مصر بالمفهوم الإقليمي، إذ إن سيناء من الناحية العملية تحت الهيمنة الإسرائيلية عسكريًا واقتصاديًا، وفي استطاعتها أن تعود إليها وقتما تشاء وبمباركة أمريكا «الشريك الكامل» ولكن بعدما تفرغ من أداء دورها في الشمال ثم في الشرق، وبعد ذلك تعود إلى مصر.. ومن يمنعها من ذلك؟ هل تمنعها اتفاقيات كامب ديفيد؟ أم تمنعها أمريكا؟ أم يمنعها الجيش المصري الذي لم يعد قادرًا إلا على نصرة أنظمة تريد لها أمريكا أن تبقى أو المشاركة في حروب تريد لها أمريكا أن تشتعل؟! قال السادات عندما عرض عليه العرب مبلغًا ضخمًا من المال لإنقاذ الاقتصاد المصري: «إن مصر لا تباع» وفي الحقيقة أنه في ذلك الوقت كان قد باع نفسه للشيطان الأكبر «أمريكا» والشيطان الأصغر «إسرائيل» وما كان يدري أن منيته ستكون على أيدي «فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى» صرعوه وهو يقيه على شعبه فجرًا وخيانةً وغرورًا.

 واليوم.. ما الذي تغير؟ هل زالت الأسباب التي من أجلها جمد معظم العرب علاقاتهم الدبلوماسية مع مصر؟ بمعنى.. هل نفضت مصر يدها من اتفاقيات كامب ديفيد وعدلت عن «الصلح مع إسرائيل» أم أن معظم العرب يسيرون الآن في طريق مصر السادات ويريدون «الصلح مع إسرائيل» بمعونة مصر؟ إن كل الدلائل تشير إلى الاحتمال الثاني، ولكن إسرائيل التي عزفت على أسطوانة الصلح مع العرب سنين طويلة نجدها اليوم تتمنع.. ولماذا تقبل الصلح مع العرب وهي التي تريد أن تبتلعهم قطرًا إثر قطر؟، وليسوا قادرين - منفردين أو مجتمعين - على أن يتصدوا لها فضلًا عن أن يهزموها؟!

العرب اليوم - ونحن نقصد الأنظمة - ليس في نيتها محاربة إسرائيل بل في نيتها مصالحة إسرائيل ولكن، هل كانت الأنظمة العربية السائدة أو البائدة تنوي في السابق محاربة إسرائيل وتحرير فلسطين؟ والجواب بالقطع.. لا.. حتى عبد الناصر الذي لا يزال البعض يتغنى بأنه كان «بطل العروبة» لم يفكر يومًا في تحرير فلسطين ولقد قالها بصراحة ذات يوم وأعلن أن كل ما يسعى إليه هو فقط الوقوف أمام «خطر التوسع الصهيوني» أما الوجود الصهيوني في فلسطين فلم يخطر في باله يومًا أن يقتلعه من جذوره باعتباره سرطانًا سيتفشى إن عاجلًا أو أجلًا في كل الجسم العربي «من المحيط إلى الخليج» وليس فقط من «النيل إلى الفرات»، وهذا ما كشفت عنه الوثائق التي نشرت أخيرًا حول استراتيجية إسرائيل المستقبلية التي تسعى إلى الهيمنة على دول النفط والعودة إلى «خيبر» حيث طردهم النبي صلى الله عليه وسلم - من هناك.

إن النظام الحالي في مصر لا يبدو أنه ينوي التخلي عن اتفاقيات كامب ديفيد بل أنه يحاول تعميم هذه الاتفاقيات على بقية العرب، وفي لقاء «حسني مبارك» مع زعماء اليهود الأمريكيين في زيارته الأخيرة لأمريكا يوم 1983/۱/28 وجدوه «رجلا ملتزمًا تمامًا» بالسلام، وهو بالفعل رجلٌ ملتزمٌ وهذا ما عرف عن سيرته كرجل عسكري منضبط منفذ للأوامر بدقة وهذه هي طبيعة التربية العسكرية التي نشأ عليها. فعندما طلب منه قصف المسلمين في جزيرة «أبا» السودانية بالطائرات نفذ ذلك بكل دقة، وعندما أرسل إلى اليمن ليقصف المسلمين هناك نفذ الأوامر بكل دقة، وهو اليوم يعلن جهارًا نهارًا أنه ملتزم بما وقع عليه سلفه أنور السادات.

والسادات الذي أعلن في «الكنيست» الإسرائيلي أن «لا حرب بعد اليوم» كان صادقًا من جانبه أي أنه لن يعلن على إسرائيل حربًا ولن يشارك في حرب ضدها بعد ذلك التاريخ، وبالطبع فإن «الخلف» ملتزم بما التزم به «السلف» غير الصالح.

ولعل الحروب العربية الإسرائيلية جميعًا كانت بمبادرة إسرائيلية إلا حرب رمضان فإنها كانت بمبادرة عربية ولكنها للأسف كانت حرب «تحريك» لا «تحرير» وليتها لم تكن؛ لأن القرار السياسي أجهض التضحيات البطولية الفذة والانتصار الرائع الذي حققه المقاتل العربي الذي تصور أن الفرصة قد حانت للخلاص من إسرائيل إلى الأبد.

خلاصة القول إن كلا من النظام المصري والأنظمة العربية يسعى إلى الآخر، وليس هناك شروط مسبقة يفرضها أحد الطرفين على الآخر. ولقد كانت حرب لبنان وما أفرزته من معطيات جديدة عاملًا مشجعًا على سرعة التقارب ولا سيما وإن الموقف المصري من الأزمة اللبنانية ربما كان أكثر إيجابية من بعض المواقف العربية، ولكن هذه المواقف جميعًا تصب في بوتقة واحدة هي ترويض الجماهير العربية وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية وتهيئتها للقبول بإسرائيل كحقيقة واقعة والتعامل معها على هذا الأساس.

وإذا كانت إسرائيل حقيقة واقعة كما يقولون فهل الحقائق الواقعة لا تتغير ولا تتبدل؟ وهل هي سرمدية إلى الأبد كما يقول بيغن؟ هل كانت إسرائيل حقيقة واقعة قبل عام ١٩٤٨ أم كانت فلسطين هي الحقيقة؟ وهل ران اليأس على قلوب هذه الأنظمة بحيث لا ترى إمكان عودة فلسطين إلى الحظيرة الإسلامية وزوال إسرائيل؟

إذا كان الأمر كذلك فإن في هذه الأمة من أمن بالله واليوم الآخر، وعقد العزم على أن يعيد فلسطين للمسلمين وأن يعيد المسلمين لفلسطين وما النصر إلا من عند الله. وليست هذه هي المرة الأولى التي تقع فلسطين فيها في أسر الغزاة. ولن تبقى مع الغزاة إلى الأبد مادام هناك إسلام ومسلمون.. وسواء عادت مصر إلى العرب أم عاد العرب إلى مصر فلن يغير ذلك من أمر الله شيئًا ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ  * لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة: ۲۲-۲۱). 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

182

الثلاثاء 24-مارس-1970

البترول العربي وقضَايا المصير

نشر في العدد 7

66

الثلاثاء 28-أبريل-1970

مجلس الأمة - عدد 7