; معالم على الطريق.. المسلم بين البحث عن مجرم .. وسلام الأموات | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق.. المسلم بين البحث عن مجرم .. وسلام الأموات

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

مشاهدات 11

نشر في العدد 1317

نشر في الصفحة 45

الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

المعروف أن قوة الحق هي التي ترفع الظلم، وبأس العدالة هو الذي يصنع السلام، وضعفهما هو الذي يجلب الهوان ويبدد الأمان، ويكرس الاستسلام، ولكنه قد يبدو في الأفق أن نظرتنا للأشياء أصبحت مقلوبة، ومعرفتنا للأمور أضحت معكوسة، فصرنا نرى أن الضعف والذلة والمسكنة والتسول هو الذي يصنع السلام، ويحقق الأحلام والناس نيام، والمعروف كذلك أنه وعند كل معركة مع المعتدين، لابد أن يصحبها تمايز للعدو من الصديق، والطيب من الخبيث، حتى يحيا من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، ويأمن الناس أويحذروا عن وضوح وبيان وهدى واطمئنان.

لكن أن يلتبس الأمر، ويعمى على الحقائق، ويطمس على الأفهام، ويضرب على الآذان، ويعيش الناس في كهوف الجهالات وعماية الضلالات، وتختلط الأكاذيب بالحقائق، بل وتنقلب الموازين وتتبدل المعايير، ويصبح العدو صديقًا، والصديق عدوًا، والأخ خصمًا، والخصم أخًا  والمتربص حبيبًا، والمحتل قريبًا فهذه هي الداهية، وتلك هي الحالقة التي تحلق الأمم، وتبيد الشعوب، وهذا هو المرض القاتل والوباء الجائح الذي لا يبقي ولا يذر، ونريد أن نضرب أمثلة لبيان ما يقصد، حتى يتضح المقال بالمثال ويظهر الحال للعيان.

فهل من المعقول أن نصادق المحتل، ونعمل على أمنه وراحته، ونأتمر بأمره ونعادي أبناءنا وشعبنا ونهلكهم بالقتل والسجن والتشريد؟ وما تفعله السلطة الفلسطينية بشعبها اليوم وبمجاهديها الآن من قتل لأمثال عياش، والشريف، وآخرين، وسجن للآلاف المؤلفة، وتعذيب حتى الموت لخصوم اليهود ومعارضي سياسة إسرائيل المحتلة ليس بخاف على أحد، وما تقوم به بعض السلطات من عداء لبعضها البعض، وتقاطع لوشائج القربي والصلات والرحم والعقيدة، وعدم الشعور بشعور البعض أو المواساة لجراحه ورد الاعتداء عنه شيء مخجليندى له الجبين.

ويزيد من هذا الخجل اتهام بعضنا البعض ومساعدة العالم للبحث عن مجرم إسلامي، أو شیطان شرق أوسطي، أو إرهابي أصولي، ولو كان هذا رجلًا معتدلًا يدافع عن بلده، أو يجاهد في سبيل رفع الظلم والقتل والاستباحة عن قومه، والويل لمن يساعد محتاجاً مسلماً، أو ينصر مظلومًا ينتمي للأمة المسلمة، وكأنما القتل والهوان كتب علينا، والظلم والبغي هو نصيبنا وقدرنا.

ذكرت صحيفة «الواشنطن بوست» أن التبرعات التي تنهال من اللاجئين الألبان في أوروبا لصالح المقاومة الألبانية في كوسوفا، تسبب قلقًا لحكومات الغرب، ومنذ ثلاثة أسابيع بينما كانت المقاومة تحقق مكاسب ضد الصرب، وبعد أن شكا الوسيط الأمريكي هول بروك من تلقي المقاومة اعتمادات حيوية، تحركت مجموعة الاتصال روسيا مع خمس دول غربية لسد منافذ التمويل ومارست الولايات المتحدة ضغوطاً لعرقلة وصول التبرعات للمسلمين أسفرت عن قرار الحكومة السويسرية بتجميد حسابات البنوك التي كانت تستقبل تبرعات ۱۸۰ ألف لاجئ لأسرهم في ألبانيا، وأجرت الحكومة الألمانية تحقيقاً حول مؤسسة الأرض تنادي الألبانية التي أدارت حملة التبرعات في أوساط ٤٠٠ ألف لاجئ في المانيا. وأعلن كلاوس كينكل وزير خارجيتها عن تدخل حلف الناتو لاتخاذ إجراءات وقائية في ألبانيا تحول دون تهريب السلاح إلى المقاومة التي تعتبرها أمريكا منظمة إرهابية، وكانت الولايات المتحدة قد سنت منذ عامين قانونًا يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتبرع لصالح المقاومة الفلسطينية الموسومة أيضًا بالإرهاب، كما شاركت في تمرير قرار حظر السلاح عن البوسنة سابقًا تسهيلًا لمهمة القوات الصربية المعتدية، وتهدف أمريكا إلى أن يبقى المسلمون بغير سلاح حتى يفسح المجال أمام أطماع كل من يريد استباحتهم، وسفك دمائهم.

هذا وقد أفادت وكالات الأنباء في هذا الشهر أن القتل قد استحر في الشعب المسلم في كوسوفا، وقد عثر على قبور جماعية تضم واحدة منها أكثر من ٥٠٠ قتيل جلهم أطفال بالقرب من بلدة أوراهوفاتش، في إقليم كوسوفا، حيث دارت مجزرة في تلك البلدة أودت بحياة الآلاف، وقد أوردت صحيفة دي بريس النمساوية ٦/٨/۱۹۹۸م أن شهود عيان أرشدوا مراسلها إلى موقع المقبرة الجماعية على تل للقمامة على مسافة ۷۰۰ متر من البلدة على الطريق إلى كوسوفا، وأضافت أن حفاري القبور المذهولين يعتقدون أنهم أحصوا أكثر من ٥٠٠ جثة بينها ٤٣٠ لأطفال، ثم يقول: وقد رأيت أهل هذه القرى يفرون من ديارهم ويتبعهم الجنود الصرب قتلًا وتقطيعًا للأشلاء حتى قتلوا قرابة الألف من المدنيين خلال الفترة من ۱۸ - ۲۱من يوليو، ثم قالت الصحيفة إن الجرافات قد استعملت في مواراة هذه الجثث والأشلاء، وفي إهالة التراب عليها، ولكنها لكثرتها ظلت هناك جثث بارزة فوق سطح الأرض، وإن رائحة تحلل الجثث يمكن شمها من مسافات بعيدة وقد روى أحد الألبان شطرًا مما رأه في هذه المذبحة، فقال: كان الجنود ينتقلون من منزل إلى منزل وقد أمروا الجميع ومعظمهم أطفال بالخروج إلى الشارع، ثم أطلق الجنود الذين كانوا يرتدون عصابات رأس سوداء، ومعهم رشاشات النار على الجميع.

هذه هي الشعوب المسلمة التي يمنع عنها التبرعات ويمنع عنها السلاح للدفاع عن النفس ومن قاوم هذه البربرية، يعتبر إرهابيًا وخارجًا على عدالة الذبح والتصفية والقتل صباح مساء، هذا ما تريده أمريكا صديقتنا ويريده الغرب المقرب والمدلل عندنا، وما يريده بعض منا، حيث يتعامل مع المقاومة المسلمة بسياسة تجفيف الينابيع والإرهاب والتجريم، والتحريض، وهذا ما تحاوله الدول المستعمرة والعدوة للمسلمين جهارًا نهارًا، وتأمر فتطاع بتنفيذ سياستها، سواء وافقت هوى البعض عندنا أو لم توافق، وذلك بالضغط على الدول الإسلامية مجاورة أو غير مجاورة لسد منافذ التمويل عن المشردين، ومصادر السلاح عن المدافعين عن أنفسهم، ومن لا يستجيب يدرج في قائمة الدول المساندة للإرهاب، وتفرض عليه العقوبات، ومن ثم تفرض عليها العقوبات، وتسير في الركب، تعامل بسياسة الدونية والاحتقار بوضعها تحت الترغيب والترهيب، ووقف تصدير التكنولوجيا إليها وبخاصة تكنولوجيا السلاح والصواريخ، وكذلك في المجال الاقتصادي، حيث تضرب بين الحين والحين، ويحال عليها البنك الدولي، ويعمل على أن تكون دائماً تحت مظلة الدكتاتورية، وتظل فاقدة للحرية والديمقراطية حتى تعيش محطمة، ويستحيل على شعوب مهمشة أن تنهض اقتصاديًا.

يريدون لنا أن نظل مجرمين مقهورين، وإذا أردنا سلامًا فليكن سلام الأموات القائم على الخضوع والخنوع لا فرق بين مؤيد ومعارض ولا فرق بين ألباني أو بوسني، أو كشميري أو مصري، أو فلسطيني، أو إيراني، أو باكستاني.

 يقول بعض المحللين المفارقة المحزنة أنهم أصدق منا مع النفس يعاملوننا كأمة واحدة كما أراد الله لنا، ونحن لا نريد أن تعامل أنفسنا كذلك رغم أن الله دعانا إلى ذلك فقال: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المؤمنون: ٥٢)، فهل آن الأوان أن نفقه ذلك؟، ويومها سيفرح المؤمنون بنصر الله نسأل الله ذلك.. آمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 399

19

الثلاثاء 13-يونيو-1978

نشر في العدد 723

18

الثلاثاء 02-يوليو-1985