; معرفة الوضع الدولى لماذا؟ | مجلة المجتمع

العنوان معرفة الوضع الدولى لماذا؟

الكاتب منير شفيق

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

مشاهدات 12

نشر في العدد 1373

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

ثمة سؤال يحتاج إلى وقفة طويلة وتأمل عميق، وهو: لماذا يجب أن ينكب العلماء والمفكرون والحركات الإسلامية على دراسة الوضع الدولي ومعرفة واقع الأمة الإسلامية؟

والجواب ببساطة: لأن من شأن تلك الدراسة أن تعطي صورة دقيقة لموازين القوى عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا وعلميًا، وهو الطريق لتحديد ما المستطاع في كل حالة وظرف؟ وما الإستراتيجية الأنسب لإحداث التغيير في موازين القوى في مختلف المجالات «طبعًا مع تحديد الأولويات»؟

هذه الدراسة أشد ضرورة بالنسبة إلى الذين يعملون على إقامة دولة إسلامية، أو يتصدون للقضايا الإسلامية ذات الطابع الصراعي دوليًا أو إقليميًا.

يجب الإيضاح، قبل كل شيء، أن التحديد الدقيق للواقع العالمي ولما يحمل من اتجاهات وتوجهات، وما يتسم به من موازین قوی وصراعات دولية مستقبلية.. والتحديد الدقيق للواقع الذي تعيشه البلدان الإسلامية لا يعنيان الاستسلام لموازين القوى حين لا تكون مواتية، وما ينبغي لهما أن يقودا إلى يأس أو إحباط إن بدا طريق التغيير والنهوض طويلًا وشاقًا ومحفوفًا بالنكسات والهزائم.

إن المعرفة الصحيحة الدقيقة هي التي تسمح مع توافر التقوى بأن تجد الأمة مخرجًا مهمًا، وإن بدا الوضع معقدًا وصعبًا، أما «المعرفة» الخاطئة أو الشوهاء أو تلك التي تغلب الأماني والأهواء، فتعود إلى تجاهل السنن، ومحاولة القفز على موازين القوى بما يؤدي إلى المغامرة غير المحسوبة، ومن ثم إلى فشل سريع وانتقال إلى قنوط، وربما إلى ألوان من التخبط والاستسلام.

ولعل من أمثلة تقدير الموقف الخاطئ، أو «المعرفة» الشوهاء ما يشاع في هذه الأيام عن انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم والتبخيس من أهمية الدول الكبرى الأخرى، وإخراجها من الفعل والتأثير في ميزان القوى، واعتبار دول العالم جميعًا مهرولة أو هي في طريقها إلى الهرولة، فهذه الصورة تدخل في إطار الحرب النفسية التي تشنها أمريكا لفرض الاستسلام لها، ولا تدخل ضمن المعرفة الدقيقة للوضع العالمي، وما يحمله من موازين قوى، وما يتسم به من صراعات، وهي لا تأخذ في الاعتبار أن الدول الأخرى لا تستطيع أن تسلم مصالحها وأدوارها وإستراتيجياتها حتى لو كانت أمريكا أقوى من كل دولة على حدة، ولكنها ليست أقوى حين تواجه بمعارضة واسعة وتقع في العزلة.

إن هذه النظرة المخطئة تقود إلى نشر الهرولة والاستسلام.. أما المثل المقابل على سوء تقدير الموقف فهو الاستهتار بميزان القوى العالمي الراهن، وعدم إدراك خطورة النظام الاقتصادي العالمي السائد فيصار إلى التصور بأن بالمقدور فرض الإرادة الذاتية إذا ما توافرت الشروط الخاصة للنهوض بهذا الوضع أو ذاك، أو بهذا البلد أو ذاك، وربما بهذه الجماعة أو تلك، ومن ثم لا تقدر موازين القوى حق قدرها ولا يحسب لأخطر نقاط ضعف الأمة حسابها وهي مشكلة التجزئة، الأمر الذي يقود إلى سياسات غير محسوبة جيدًا وخطوات قد تتسم بالمغامرة وهي الانفصال عما يمكن أن يكون في المستطاع، وضمن ما هو متاح في التغيير والنهوض في زمن محدد وظروف محددة.

إن هذه النظرة المخطئة تقود إلى الانتقال لحالة يأس بعد الارتطام بواقع قاس، ووقائع قاسية أو مواجهة نكسات وربما هزائم.

ولهذا فإن المعرفة الدقيقة للواقع العالمي والواقع السائد في الأمة هي التي تسمح بوضع الإستراتيجية المناسبة التي لا تذهب إلى الهروب أو إلى الاستسلام والهرولة، ولا تذهب إلى القفز فوق السنن وموازين القوى لتنتهي بالانتكاس والنكوص، وإنما تتقدم حيث يمكن التقدم وتصبر حيث يتوجب الصبر، وتعمل بأناة ونفس طويل، حيث يكون ذلك ضروريًا، ولا تخشى المخاطرة المحسوبة متى لاحت شروطها.

أما التقوى فهي شرط المعرفة الدقيقة لأنها تحصن من الهلع والقنوط والهرولة، وتمنع من فقدان الصبر، ومن ثم اللجوء إلى العجلة والمغامرة، وتتيح الشفافية المتجردة من الهوى لترى وقائع العالم ووقائع الأمة الإسلامية كما هي لكي تحسن وضع الإستراتيجية المناسبة التي فيها المخرج، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ (الطلاق: 2)

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2183

72

الجمعة 01-سبتمبر-2023

نشر في العدد 414

26

الثلاثاء 03-أكتوبر-1978

نشر في العدد 475

25

الثلاثاء 25-مارس-1980