; المظلومون في تاريخنا.. المعتمد بن عباد «أخيرة».. معركته مع المرابطين ووقوعه في الأسر | مجلة المجتمع

العنوان المظلومون في تاريخنا.. المعتمد بن عباد «أخيرة».. معركته مع المرابطين ووقوعه في الأسر

الكاتب أ.د. عبد الرحمن علي الحجي

تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007

مشاهدات 17

نشر في العدد 1765

نشر في الصفحة 44

السبت 18-أغسطس-2007

لقد اتضح فيما يتعلق بمعركة الزلاقة وما أحاط بها أن من أكبر شناعات ملوك الطوائف في الأندلس استعانتهم بالعدو الصليبي على بعضهم البعض، مقابل دفع جزية له وتنازل عن حصون وأراض مع استخذاء شنيع ومخجل أمامه واستجابة لطلباته التي لا تقف عند حد، بل إنهم حكموه في أمورهم، بينما هو يزداد استهانة بهم واستعلاء عليهم واحتقارًا لهم «الذخيرة 1184/117».

فكانت تلك البارقة الوضاءة، معركة الزلاقة حين انقدحت في النفوس معاني الإسلام وتجددت فاعليته، فتابوا على كبرياء ألفونسو وغروره وشروره.

 وقبل عودة يوسف بن تاشفين إلى المغرب كلم أمراء الطوائف، ناصحًا لهم بالبعد عن مسلكهم القديم، لكن للأسف الشديد عادوا أو عدد منهم إلى ممارسة الفعال نفسها، من الاستعانة بالملك النصراني لحسابات بعيدة عن الخط الخلقي المسلم ومقتضيات الولاء والانتماء لدين الله فبدأت الشكايات تصل إلى يوسف بن تاشفين ضد هؤلاء الطوائف والدعوة إلى التخلص منهم، وبعد مداولات ومشاورات واستشارات تمت الاستجابة للأمر وبدأت الاستعدادات لتنفيذ ذلك.

هجوم المرابطين 

كان الترتيب أن يعرض على كل ملك من ملوك الطوائف أن يستسلم وإلا فبالقوة، فمنهم من استجاب، ومنهم من رفض أمثال المعتمد أكبرهم، وأوسعهم مملكة، وكذا أولاده الأمراء عند ذاك وصل الأمر إلى القتال، وكان من نتائجه أن قتل عدد من أبناء المعتمد أمراء المدن، كان منهم حاكم قرطبة: الفتح أبو نصر الملقب بـ «المأمون»، في ٣ صفر ٤٨٤ هـ «٢/ ٢٦/۱۰۹۱ م».

هنا نواجه القصة الرئيسة بتمامها مباشرة، ذلك أن المأمون حينما لاحت له جيوش المرابطين، وهي متجهة إلى قرطبة تريد إخضاعها تصدى لهم وانتهى الأمر بمقتله، وكان قبل ذلك أو خلاله، حين لاح له هذا الأمر وحاله ونذره أرسل زوجه وأولاده وأموالًا- حيطة حماية وتأمينًا إلى مكان مصون اختاره هو حصن المدور Almodovar del Rio جنوب غربي قرطبة على ضفة الوادي الكبير Guadalquivir «المقتبس ٤١١/٢/١ الحلة ۱۷٨/٢، المغرب ۲۲۷/۱»

سقوط قرطبة

وانتهت هذه الأحداث بمقتل المأمون وأخذ المرابطين قرطبة في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ٤٨٤ هـ «١٠٩١/ ٣/ ٢٦ م»، أما أسرته فقد لجأت إلى ألفونسو! ربما حسب الرواية النصرانية أو هوجم الحصن وأسر من أسر، فكانت بينهم، ثم أخذت إلى ملكهم، وأرجح هذا الاحتمال ذلك لو كان الاحتمال الآخر، أي: هي التي لجأت إلى ألفونسو كان الأولى لها أن تلجأ إلى عمها المعتمد في إشبيلية أو ترسل إليه أو يرسل هو إليها، وهو على علم بأخبارها وبما جرى لزوجها المأمون سيما وقد دارت- بعد ذلك- معركة عنيفة بين جيش ألفونسو والمرابطين قرب حصن المدور، كان المعتمد خلال ذلك ما يزال في إشبيلية يستعد ويعمل للدفاع عنها ولم تقع بأيدي المرابطين، إلا بعد ذلك بنحو ستة شهور، في يوم الأحد ٢٠ رجب سنة ٤٨٤ هـ «الذخيرة ٤٦/٢»، الحلة ٠٥٥.٥٦/ ٢ أعمال ١٦٤».

عندها انتهت حياة مملكة إشبيلية الطوائف وبقية الممالك الأخرى، ليبدأ العهد المرابطي في الأندلس، حيث أخذ المعتمد ومن بقي من أسرته أسارى إلى المغرب ليحلوا في محبسهم بمدينة أغمات جنوب مدينة مراكش، حيث توفي، وقبله زوجته اعتماد في ربيع الأول أو شوال «٤٨٨ هـ» / ١٠٩٥/ ١٠ م»، ورغم شاعرية المعتمد المتقدمة المرموقة العالية، إلا إن أجود شعره الذي قاله في مأساته، ويذكر أيامه السابقة وإمارته وحريته، 

أما زوجة ابنه المأمون «زايدة الأندلسية المسلمة»، فقد أجبرت على التنصر، والتزوج من الفونسو نفسه، وقد ولدت له ابنها الوحيد شانجه سانشو «Sancho»، وتوفيت سنة ١٠٩٨ م، وبعدها قتل شانجه وهو فتى في معركة أقليش مع المرابطين وتشتت جيش الفونسو سنة ٥٠١ هـ «۱۱۰۸ م».

مصادر الرواية 

كنت قد تابعت هذه القصة أو الأسطورة وأنا أكتب كتاب التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط «غرناطة»، وربما لأكثر من سنة وأنا أجول في أمهات المؤلفات الأندلسية، بحثًا عن دليل تاريخي حتى هيا الله تعالى ذلك، وهو الدليل الثاني الذي أذكره أدناه، إذ الأفضل وجود ذلك إلى جانب الأدلة العقلية ولولا الأدلة التاريخية التي تذكر الحادثة، لقلت إنها مختلفة من ألفها ليائها فكان الدليل التاريخي ذا حدين:

  1. أكد حدوث القضية.

  2. ألغى أكذوبتها التي تدعي أن زائدة هذه بنت المعتمد، وأوضح أنها لم تكن هدية منه إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة، وإنما كانت زوجة ابنه المأمون أخذت أسيرة وأجبرت على التنصر والتزوج منه، وإليك هذين الدليلين القويين الواضحين:

 أولهما: أورده أحد مؤرخينا الثقات، أبو عبدالله محمد بن عذاري الأندلسي المراكشي «بعد ٧١٢ هـ»، وجدت في أوراق مخطوطة من كتابه: البيان رب في مكتبة القرويين بفاس المغرب أثناء الحديث عن أحداث عام ٥٠١ هـ، متحدثًا عن حملة أرسلها ألفونسو السادس لمحاربة المرابطين وإنقاذ مدينة أو قلعة أقليش «Ucles» منهم، بقيادة ابنه الوحيد من زايدة المسلمة وولي عهده شانجه «Sancho».

فكانت معركة أقليش الشهيرة في ١٦ شوال ٥٠١ هـ «۱۱۰٨/ ٥/ ٢٩ م» التي تشتت فيها الجيش القشتالي، رغم كثرته وخيرة قادته، وفي إثرها، بعد نحو سنة، ربما كمدًا وحزنًا، توفي ألفونسو أواخر ٥٠٢ هـ «30/6/1109 م»، يقول مؤرخنا ابن عذاري في هذا وفي خلال ذلك وصل إليه «أقليش» ولد ادفونش شائعة، من زوج المأمون التي كانت تنصرت بنحو سبعة آلاف فارس.

 ثانيهما: لفقيه مغربي معروف هو: أبو العباس أحمد بن يحيي الونشريشي «٩١٤ ه»، في كتابه: «المعيار رب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب»، جوابًا على سؤال من أهل الأندلس بعد سقوطها «٨٩٧ هـ «١٤٩٢ م»، عن حكم الشرع ببقاء المسلم في مثل ظروفهم؟ فكانت فتواه المطولة بعدم جواز ذلك وخلاله ضرب مثلًا بما جرى لزوج المأمون وحملت الفتوى هذا العنوان: أسنى المتاجر في بيان أحكام من غَلَب على وطنه النصارى ولم يهاجر وما يترتب على ذلك من العقوبات والزواجر قال: كما عَرَضَ لكنّة المعتمد بن عباد ومن لها من الأولاد أعاذنا الله من البلاء وشماتة الأعداء.. المعيار «2/۱٤۰، ۱٤۱».

خواطر وأمنيات 

الآن وبعد هذه الجولة الشاقة أو الشيقة، لدي بعض الخواطر لكم وددت لمثل هذا الفارس والأمير الشاعر الفذ المعتمد ألا ينساق أحيانًا وراء رغبات زائلة، في بعض مسالكه، وفي انتقاماته القاتلة، ولا يرتكب تلك الشناعات وينكفئ إلى سوابق، لا سيما بعد العودة الحميدة إلى مبناه الأصيل الذي تجلى وضاء، بعد معركة الزلاقة وأمجادها.

ما أكثر ما تمنيت لو أن أمير المرابطين لم يعامل المعتمد وزوجه وأسرته بنين وبنات بهذه القسوة والمعاناة، في النهاية وبعد خلعه «الذخيرة ٤٧/٢، أعمال ١٦٤، نفح ٢١٤/٤، ٢١٦، ٢٧٧»، لا سيما هو الذي رتب وعمل ابتداء على دعوة أمير المرابطين إلى الأندلس رغم كل التحذيرات مؤثرًا الدين على الدنيا «الحلة ٥٥/٢»، ويوسف هو المسلم المعروف والمنتصر، وكان الأمل أن يسع بعفوه هذا الفارس الذي دافع قويًا، واستسلم لهم حين وقع مغمدًا سيفه «سير الذهبي ٦٣/١٩، المعجب ١٤٠، ١٤٢، أعمال ١٦٣»، بجانب سابقته وجهاده وفروسيته «المعجب ١٠١، ١٤٠»، كان له أن يتخذ منه مستشارًا واثقًا ذكيًا وناصحًا أمينًا وأخًا مقربًا وحبذا لو انه اسبح «رفق وأحسن العفو»، واتبع ما ورد في الأثر، وهو أهله، إذا ملكت فاسجح.. فيوسف به خليق والمعتمد له خير أهل وبه جد جدير.

 بعد الذي ذكرت أراني المح شيئًا من خلال معايشة هذا التاريخ وشخصياته أنه لو كان المعتمد في ظروف أخرى وبيئة أفضل كالتي كانت في القرون الثلاثة الأولى من عمر الأندلس «من القرن الثاني إلى القرن الرابع الهجري» لكان نوعًا آخر أقرب إلى حقيقته مظهرًا باطنه، حيث يبدو واضحًا: أن باطن المعتمد وداخله أروع وأورع وأنفع من ظاهره.

ويوم توافرت الأسباب ظهر باطنه وجوهره الرائع في معركة الزلاقة إذ يتراءى أنه السبب الرئيس في تسجيل ما يكمن في صفحة الزلاقة بكل أمجادها فيها اقترب ظاهره من باطنه، فكان هذا.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أصول الاقتصاد من الكتاب والسنة

نشر في العدد 2

1033

الثلاثاء 24-مارس-1970

مار جرجس.. والإله حورس!

نشر في العدد 2112

29

الأحد 01-أكتوبر-2017

لقاءات المجتمع

نشر في العدد 61

27

الثلاثاء 25-مايو-1971