; مفهومات خاطئة.. بإرادة الإنسان | مجلة المجتمع

العنوان مفهومات خاطئة.. بإرادة الإنسان

الكاتب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق

تاريخ النشر الثلاثاء 02-يونيو-1970

مشاهدات 17

نشر في العدد 12

نشر في الصفحة 21

الثلاثاء 02-يونيو-1970

بسم الله، والحمد لله، وبعد:

الخط الفاصل بين الإيمان والكفر هو أن الكافر يرى أنه مستقل بشؤونه حر فيما يأخذ ويدع، والمؤمن يعتقد أنه ملتزم في سلوكه مقيد فيما يأخذ ويدع، وعلى أساس هذا الاعتقاد وذاك يبني كل منهما تصرفاته وأعماله في شتى شئون الحياة، وبهذا يبدو سلوك كل منهما واضحًا، انفلات والتزام، انفلات من الكافر وضرب في كل طريق، وهدم وبناء وكراهية للتقيد لخالق السماوات والأرض، وهذا ما وصفه الله بالضلال والتزام من المؤمن بطريقة واحدة موصلة إلى الهدف، قد وضحت معالمها واستنارت سبلها، وانسجم كل سلوك فيها، وهذا هو الهدى.

وعلى أساس الموقف السابق للكافر فإنه يبني مفهوماته ويخطط حياته فتراه يعمل للدنيا فقط؛ فهي نهاية أمله، ومنتهى مراده، وكل همه وهذا يدفعه إلى تحصيل كل لذة مستطاعة بكل طريقة ممكنة، فإذا حصل من الدنيا مراده قال: «بقوتي حصلت، وبعلمي وصلت» وإن لم يحصل من الدنيا مراده، لام الظروف والأيام وسب المكان والزمان، ولعن الجماد والأشياء.

وأما المؤمن فإنه ينظر إلى الآخرة على أنها غاية ونهاية، وإلى الدنيا على أنها معبر وبداية، همه فيها أن يعبرها كخير ما يكون العبور، وقد خفت فيها حاجته، وقلت مؤونته، وعظم عند الله أجره ومثوبته، فتراه في كل أمر مستعينًا بالله عليه، مجتهدًا فيه على خير ما يكون الاجتهاد فإن وصل إلى ثمرته المرجوة حمد الله وعلم أنه ما وصل ذلك إلا بفضل من الله وعون، وإن لم يصل إلى مراده لام نفسه وتقصيره.

غزو المفاهيم الباطلة

واليوم وقد كثر الخبث متمثلًا في عمل فاجر معلن، وعقيدة ساقطة ما لها من قرار، وهذا وذاك لقي من المسلمين بعض الحرب والرد، ولكن غفل الجميع عن مفاهيم خاطئة لفظتها أفواه الكفار في سهولة، وتسللت إلى حصوننا في يسر وغفلة، فرددتها ألسنتنا عالمة أو جاهلة، تظنها كلمات لا مساس فيها بالأخلاق، ولا خوف منها على الفضيلة وما علمنا أن بعضًا منها قال فيها رسولنا صلى الله عليه: «وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً، فيهوي بها في النار سبعين خريفًا».

مفهوم خطير على العقيدة

وأي كلمة أكبر من كلمة تجرد الله سبحانه وتعالى من إرادته ومشيئته، وهما من أخص صفاته.

أتظن أن الله لا يغضب لذلك؟

اقرأ معي قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (القصص:76) أنت الآن مع رجل من قوم موسى، ومعنى ذلك أنه مؤمن به، وقد ذكر أنه كان قارئًا للتوراة مجيدًا لها، وقد منَّ الله عليه بتلك الكنوز وعبّر عن ذلك بقوله تعالى: «وآتيناه» ومعلوم أنها لم تنزل عليه من السماء، وإنما بلغها بتوفيق الله له وإعانته إياه وتعليمه علمًا ما.

والرجل أبطرته النعمة فكان فخورًا بها، فرحًا لها، يظن أنه قد وصل بها مراده، وحقق بها آماله، وكان يستعمل هذه النعمة في الإفساد في الأرض، وأي إفساد أكبر من تحويل المال إلى زينات ومواكب لا تفيد شيئًا إلا فتنة الجاهل، وكسر قلب الفقير، وزيادة غرور المتكبر، ونصحه أولو العلم من قومه بقولهم له «لا تفرح» فإن المال عارية مستردة وفتنة واختبار، فخذ نصيبك منه في الدنيا -متاعًا صالحًا مباحًا- وأبذل الفضل للآخرة، فما كان منه إلا أن رد بهذه الجملة: - ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ (القصص:78) ومعنى ذلك «لقد جمعت هذه الثروة بجهدي وكدي وعلمي وتعبي» وملزوم ذلك عنده؛ فلماذا لا أتصرف في المال كما أريد وأنفقه كما أشاء ما دمت كاسبه ومالكه، انظر بعد ذلك كيف كانت غضبة الله عز وجل ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ (القصص:81)

ثم اسمع تعقيب الله على هذا الجزاء ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُون﴾ (القصص:78) والمعنى: أيظن الغبي أنه عندما جمع هذا المال كان مستقلا في ذلك، وإذا كان مستقلا فهل يستطيع بهذا المال أن يقوم وحده، وأن يستقل بإرادته بعيدًا عن إرادة خالقه ومولاه.. سبحان الله! كم من إخوة لقارون يعيشون بيننا ويقولون قولته، وإلى أمة الإسلام ينتسبون!!

هل الإنسان مستقل بالإرادة؟

إن نسبة الخير إلى النفس حيدة عن العقيدة السليمة للمؤمن الذي يرجع كل خير إلى خالقه ومولاه، وهذا ليس حمدًا لله في غير موضعه، وإنما هو اعتراف بحق، وهل العقيدة الإسلامية إلا الحق الصراح ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ (النساء:79) والحسنة هنا فكرة تعم كل خير من أمور الدنيا والآخرة، وهذا ليس إخبارًا من الله لا نبلغ فهمه، وإنما هو إخبار من الله ندرك منه معاني تهز منا الكيان، وتذيب القلوب، لو كانت تعي القلوب.

أرأيت هذا الكيان الإنساني كيف يقوم؟

إن أول عامل في قيامه سر لا يدري أحد كنهه، إنه الروح، وما الروح؟ إنها جوهر تحس آثاره، ولا تدري من أمره شيئًا، وبدونه لا نقوم؛ فهل بعد ذلك يقول الإنسان بإرادتي فعلت! وهو لا يدري كيف توجد فيه هذه الإرادة!

والعامل الثاني هو العقل، وما العقل؟ أهو المخ في الرأس أم القلب في   الصدر؟ وكيف يفكر، وكيف يهتدي ويرجح، وكيف يحتفظ بالمعلومات ويستذكر، إننا لا ندري من أمر ذلك شيئًا بعد إعمال المشرط في كل جانب من جسم الإنسان.

فهل بعد ذلك يقول الإنسان: بإرادتي فعلت وهو لا يدري أين وجدت هذه الإرادة!!.

والعامل الثالث هو الجسم الإنساني، وما الجسم الإنساني. إنه مركب عجيب التكوين، خيالي الحقائق، معقد العمل إلى حد المتاهات، وظائف كل عضو فيه ألغاز لا حل لها، خذ من ذلك أمثلة: ما الذي يضبط النسب بين الكرات الحمراء والبيضاء في الدم ما هذا المنظم العجيب لدرجة الحرارة «٣٧ مئوية».

ما هذا الضابط العجيب لضربات القلب. إننا بعلمنا وطبنا لا نستطيع أن نجيب على آلاف الأسئلة في هذا الصدد من هذا القبيل، ومن زعم -كائنًا من كان -أنه يعرف الإجابة عن سؤال واحد من ذلك فقد كابر وجحد، أفبعد هذا يقول الإنسان: بإرادتي فعلت وهو لا يستطيع أن يحل من معميات جسمه شيئا! ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُون﴾ (الذاريات :21).

والعامل الرابع: آلاف وآلاف -لا حصر لها -من النظم والقوانين والمواد تحيط بالإنسان، الهواء والرطوبة، والضغط، والليل، والنهار، والشمس.. إلخ، لا قيام للإنسان البتة إلا بوجودها وبقائها ما هي عليه دون أدنى تغيير أو تبديل.

وبعد ذلك كله يقول الإنسان: بإرادتي فعلت، وهو لم يشارك في خلق شيء من هذا، بل لم يؤخذ له رأي فيه، وإنما هيئ له، قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾. (الإنسان :1)

والجواب الحتمي، نعم!!

وجد الإنسان على أرض هيئت له قبل أن يأتي إليها، وبذلك يقول كل كافر ولا يكابر!.

وبهذا تعلم قطعًا أن الذي يقول «بإرادة الإنسان فعلت، فإنما هو مكابر لعقله جاحدًا بربه، وهل الكافر إلا هذا!.

المفهوم الصحيح

وبعد، أخي، اعلم أن إرادتك للفعل والترك حرة في الخير والشر في حدود المقدرة التي هيأها الله لك، وذلك كله في إطار مشيئة الله وإرادته وإذنه، ومعنى ذلك أنك لا تستطيع أن توقع الخير إلا بمعونته وتوفيقه، ولا تستطيع أن توقع الشر رغمًا عن إرادته ومشيئته ولكن بإذنه وسماحه ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ )الأنعام :112).

فما أصبت من خير بعد ذلك فاحمد الله عليه فهو الموفق له المعين عليه، وما فعلت من شر فاعلم أنك لا توقعه رغمًا عن الله وحتمًا عليه؛ أما لماذا سمح «شاء» بأن يقع في ملكه ذلك؟ فهذا إلى حديث آخر إن شاء الله.

                                                              عبد الرحمن عبد الخالق

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مفهومات خاطئة .. رجال دين!!

نشر في العدد 10

33

الثلاثاء 19-مايو-1970

مفهومات خاطئة 4

نشر في العدد 14

22

الثلاثاء 16-يونيو-1970

تحية لمجلة المجتمع

نشر في العدد 110

24

الثلاثاء 25-يوليو-1972