; مقامة سمط البيان في كشف حيل الشيطان | مجلة المجتمع

العنوان مقامة سمط البيان في كشف حيل الشيطان

الكاتب جاسم بن محمد مهلهل

تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001

مشاهدات 14

نشر في العدد 1440

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 27-فبراير-2001

لقد أبصرت شيطان العصر بلحظي، وأخذته بوعظي، وتحسبت في لفظي، فدارت بيننا تلك المحاورة، وحاول على المقامرة، غير أني استعنت بالله في دفع المؤامرة، وبحت بالصدق في مجاهرة.

وإني لأرويها ليعيها التقي فيتقي، وعن المهالك يرعوي، وبغير الحق لا يرتوي .

قلت للشيطان الرجيم: ألا تكف عن إضلال العباد وتعف؟ فقال: مازلت أنا قرينهم حتى يوسدوا قبورهم، ولا برحت لهم غاويًا، حتى أثوب في قبري ثاويًا، فقلت: أهكذا أنت في عداوتك، لا تهدأ ثورتك، ولا تعطب آلتك؟ فما مهارتك؟ وما حبالتك؟

قال: سألتني عن مخابري وطلبت مكتوب محابري، وسأعطيك ما رمته، وأعطني ما رغبته. 

قلت: ما سبيلك لصدع القلوب، وصدها عن علام الغيوب، وتحميلها الأوزار والذنوب، وتلذذها بالآثام والعيوب.

قال: سبيلي في ذلك لإضلال كل هالك، هو كبر أصدهم به عن الحق، وزهو أورثه المتكبرين على الخلق، فيظن الحق ما نطق، واليقين ما ارتآه ورمق، والمجد ما حازه وفيه سبق ويرى نفسه فوق الناس بطبق، فيطمس الله بصيرته عما فتق كما قال تعالى وقوله الحق:

ﵟ سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ ﵞ (الأَعۡرَاف :146)

قلت: وما سبيلك الثاني لإضلال بني الإنسان؟

قال: حبالتي ضيعتي من الغواني، فهن خير وسائلي لزرع الأماني، وبهن أشغل التقي عن المثاني، وأزيد الغوي من العزف والأغاني وأورث الناس زهدًا عن القرآن.

قلت: أكل النساء تلعب بهن وإلى طريقك تقتادهن، وإلى حزبك تضمهن؟! قال النساء أنواع، ولكل نوع أتباع، فمنهن صنف عفيف، عن دينها لا تحيف، وتأبى في حجابها التطفيف، ولا تكشف صدرها بغية الرغيف ولا تبيع نفسها بقصر منيف.

فهن العفيفات اللواتي عذبتني في الماضي والآتي، ولا أجد لامتلاكهن سبيلًا، بل يربين الشباب ويوجهنه، ويجعلن الطاعة له مهنة، فو الذي أنزل القرآن، لهن أشد علي من ألسنة النيران.

وأما الصنف الثاني، فهن ذوات الأخدان من خلعت حجابها، ونسيت ربها، وأباحت قلبها فراحت تصنع المناكير بلا خوف من رقيب أو نكير، وبلا رهبة من ربها الكبير ....!

تبيع للعشاق الحب، وتظهر محاسنها بالمكروجب، وهي داعية التحرر عدوة النقاب والتخمر، تخضع لكل أحد بالقول، وتفتن الشباب وتضل، وتتحرى في كل ميدان التكشف، وتأبي الدهر أن تتعفف، وهن ذوات السهرات والليالي الحمراوات، وعليهن تنزل المرهبات من قول سيد المخلوقات : كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها .....».

وهن المترجلات اللاتي اقتحمن المجالات، وهن من يبتغين الترجل في المطلع والمدخل، وفي العمل واللباس، ووحدن بين الذكر والأنثى من الناس، في التركيب والإحساس، ونسين الفطرة والأساس، فجعلن الواحد مثنى ونسين قوله: «وليس الذكر كالأنثى ». 

ونسين قول سيد الأنبياء، في كلماته الوضاء، ومفاهيمه العلياء لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ثم قال في غير إمطال، ليبين الحق من المحال، وليعظ ربات الحجال ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال وصدق رسول الهدى، فيما ابتدر وابتدى، فإنما قوله الحق، ونطقه الصدق.

إذا ضاعت الأجيال، وحل الخبال بتحول النساء لرجال، فتركن تربية الأطفال، ورقة الخلخال وراحة البال إلى منافسة الرجال، في وظائف الحل والترحال، وفيما يحتاج الجلد، وإعمال العقل والخلد، ولا يحتمل لدد من تحيض ومن تلد، وهل تصبر على سهر الليالي، ومخالطة الأسياد والموالي وقضاء الليالي الخوالي، في قضاء الحوائج والاتصال.

ثم استدار الشيطان وقال: وربي وربك ذي الجلال للنساء عندي أعظم الحبال، في إفساد الأجنة والأجيال .

ثم سألته عن شيطان العصر، في إضلاله وزرع الخسر، فقال وهو يقهقه، إشاراتي عنه تنوه شيطان الألفية الثالثة يمشي بالليزر والهندسة وهو يستعمل الحاسوب ليضل به كل لعوب ويستعمل الهندسة الوراثية، ليغير به خلق البرية ويعجل بها للبشر المنية، وهذا عهده ومثواه، كما ذكر كتاب الله : ﵟ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِﵞ  (النِّسَاء : 119)

وقد برع شيطان العصر، وحاز في مجاله النصر، ليحيط بني الإنسان بالخسر، فعمد إلى ثلاثة مداخل فيها ضلال ومجاهل، وذللها بمساهل، وأعانه زنديق وجاهل، فأول مداخله الشذوذ والتمتع بكل ملذوذ فكشف المستور المحوط ونشر شرعة قوم لوط، فأورث الأعمال الحبوط، وأوقع الناس في السقوط، وجذب كل لاه عابث وقنوط وألبسه من خزي الشذوذ السموط وغدا تبيعه بكل رذيلة هو المنوط وأورث عاقل القوم الشطوط واستذل بحيلته شبابًا، فخنثهم وصيرهم سبابًا، وأوسعهم في التخنيث جنابًا، وفتح لهم من الزخرف أبوابًا، وجعل لهم من الإعلام أبواقًا وإطنابًا، وجعل بينهم وبين الحق حجابًا، ووعدهم سحابًا وسرابًا، حتى إذا جاء الوعد المحتوم، واستبان الظالم والمظلوم ولاح من جهنم فيحها والسموم، كان الشيطان أول من نطق بأن «الله وعدكم وعد الحق» .

ثم همس إلى الشيطان في صمت له تبيان، أن باب المفاسد يفتح، وحيل الشيطان تنجح في مواسم من العام، تعلو فيه الآثام، ويلهو فيها الأنام، فمنها يوم رأس السنة، تستيقظ فيه الشهوات بلا سنة. وتعمر فيه البارات، وتروج فيه المنكرات، وتكثر فيه المخامر طيلة شهر يناير، ويقيم المسلمون الحفلات للنصارى من الوافدات بحجة احترام العادات وبنية قنص الضلالات، ثم تضيع الصلوات، وتهجر الآيات البينات، حتى إني لأعجب من حال المسلمين الأخيب، يحتفلون بعيد غيرهم، كأنما هو عيدهم حتى لأكاد أغني، بما غنى به شاعرهم قبلي، يصف حال بني البشر، في الشرور والأشر، وبأنهم فاقوني صنعًا، فقال يصف الحال، ويخبر عن شيء واقع ليس بمحال:

وكنت أمرًا من جند إبليس فارتقى
فلو مات بعد اليوم أحسن بعده

 

بي الحال حتى صار إبليس من جندي
طرائق فسق ليس يحسنها بعدي

ومن مواسم المعاصي التي تعم القريب والقاصي ما اخترعته وسوقه الأكابر في شهري العزيز فبراير، ففيه موسمان كبيران، لإغضاب ربنا الرحمن أولهما عيد العشاق، وفيه تبلغ الذنوب للآفاق، يتهادى فيه الشباب باسم شريعة الأحباب ويتواصلون نهارًا بالكلام، ويقضون الليل في الآثام، وإن تسأل الآباء عن البنات والأبناء، يقولون في غير جفاء: إنه عيد الحب، فدعهم يذوقوا الحب، وكل على بناته أمن في عيد فالنتاين، وهو قديس المناكر. إذ جمع بين الفواجر، وخرج بفعله على ديانته فاستباحوا دمه وأمانته أيقتله النصارى ويسبونه، والمسلمون يستذكرونه ويحبونه، فهلا انشغلوا بمواسم حجهم، واستغفروا الله من ذنوبهم، وداعي الحج يلبي، وهم سكرى في عيد الحب، وفي مكة يقول الحاج لبيك، وسكرى الحب يقولون إليك، وعابد الله في الحرم يبكي وصاحب عيد الحب مع الويسكي، وقاصد الحج يتجهز وصاحب فالنتين يتلذذ؛ فكيف بهذه المفارقات، وأني لهذه الضلالات أن تعم المسلمين والمسلمات؟

لقد عجب الشيطان من هذه الأفعال، واستغنى بضلالهم عن الإضلال، أما ثاني المناكر، فهي في «هلا فبراير»، إذ فيه يرتكب العار، في سوق شرق وفي الفنار، ويصيح المخنثون للبنات صباح الناعق الحيوانات، يدعونهم للمنكر جهرًا، ويطول الغزل شهرًا، ويخرج الشباب فئات ليبحث عن جمال العاريات، وليأخذوا ويعطوا التليفونات عساهم يظفروا بقنص، في عيد مهرجان الأجساد والفرص، وقد حلي مهرجان العام بحضور مخنثي الإعلام، ونشر المفاسد والمهارج بحجة اللعب والمباهج، وطال الوصل بين الأحباب، بفضل برنامج على الباب يا شباب، والكويت عنه في غنى، وما بهذا ينتعش اقتصادنا، وإنما بالخطط المحكمة واستقدام العلماء ذوي العقول المهملة ..

الرابط المختصر :