; إلى من يهمه الأمر .. ملاحظات حول التقرير الأول للجنة تطوير وتحديث الجهاز الإداري في الدولة | مجلة المجتمع

العنوان إلى من يهمه الأمر .. ملاحظات حول التقرير الأول للجنة تطوير وتحديث الجهاز الإداري في الدولة

الكاتب د. إسماعيل الشطي

تاريخ النشر الثلاثاء 21-يناير-1986

مشاهدات 16

نشر في العدد 751

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 21-يناير-1986

     قدم وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء التقرير الأول للجنة تطوير وتحديث الجهاز الإداري في الدولة إلى مجلس الأمة، وقد قرر المجلس إفراد جلسة خاصة لمناقشة التقرير في إحدى الجلسات التي تعقد أيام السبت.

     وقد كان مرسوم أميري قد صدر بتشكيل اللجنة وتحديد اختصاصاتها في 1984/10/4 وذلك بعد أن تشبعت أجواء الكويت في الحديث عن الفساد الإداري المتمثل بالبيروقراطية والروتين الرسمي، وبانتشار الواسطة والمحسوبية، وتفشي الرشوة والعمولات، وتدني معدل الأداء وازدياد التضخم الوظيفي، وغيره من مشاكل إدارية لا تحصى. وإن كان لا بد من التعليق على عمل هذه اللجنة فنقول ما يلي:

1- إن إطلاق تسمية التطوير على اللجنة بدلًا من الإصلاح له مدلول مهم، فمصطلح التطوير يستخدم لزيادة أداء وفاعلية جهاز سليم، أما مصطلح الإصلاح فيستخدم لتعديل وتصحيح جهاز ذي أداء متدن وفاعلية منخفضة، وعليه فإن إطلاق مصطلح التطوير على اللجنة هو نفي وجود أي فساد إداري، وهو ما اعترفت به الحكومة على لسان سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في عدة مرات، وما أكدته المجالس النيابية المتعاقبة، إن استخدام مصطلح «الإصلاح الإداري» الذي نادى به مجلس الأمة في جميع دوراته بدون استثناء وخصوصًا عام ١٩٨٣- من شأنه دفع اللجنة لتخصيص جزء معقول من مجهودها للبحث عن الظواهر المرضية في الجهاز الإداري وتحليلها.

2- إن اختصاصات اللجنة التي حددها المرسوم لا تستدعي تشكيلها عن طريق مرسوم أميري، فتشكيل مثل هذه اللجنة كان بإمكانه أن يتم عن طريق مجلس الخدمة المدنية؛ حيث إن صميم اختصاصات هذا المجلس هو تشكيل لجان فرعية للقيام بهذه المهام، كما أن الطبيعة القانونية لمجلس الخدمة المدنية أقوى بكثير من الطبيعة القانونية لهذه اللجنة، وصفة أعمال مجلس الخدمة أكثر إلزامًا من صفة أعمال هذه اللجنة، ولعله كان تشكيل هذه اللجنة -بمثل هذه الصورة وفي مثل ذاك الوقت- يعتبر مسلكًا سياسيًا ذكيًا لمعالجة قضية تتفاقم شعبيًا، وتتصاعد سلبياتها.

3- ومما يؤكد قولنا بأن تشكيل اللجنة كان بإمكانه أن يصدر من مجلس الخدمة المدنية هو نتاجها الأول المتمثل في التقرير، والذي لم يتجاوز العمل النمطي للدراسات المماثلة، والتي من الممكن أن يقوم بها أي فريق من الباحثين الإداريين، بل إن الدور الطبيعي للباحثين الإداريين في ديوان الموظفين لا يتجاوز مثل هذه الدراسات، فدراسة تبسيط الإجراءات أو قياس معدلات الأداء أو حصر الاحتياجات التدريبية للجهاز الحكومي- هي من المهام الروتينية التي يقوم بها أجهزة مجلس الخدمة المدنية أو ديوان الموظفين في أي دولة بما فيها الدول النامية. 

4- وإذا كان لا بد من تسجيل إيجابية حول عمل هذه اللجنة فهو ذلك الجهد الكبير الذي بذلته -رغم نمطيته- واستغنائها -وهي حالة نادرة- عن الاستعانة بالبيوت الاستشارية الأجنبية التي توافدت علينا خلال العقدين الماضيين.

     وأخيرًا، بعد أن أوضحنا أن ما قدمته اللجنة لم يكن هو المطلوب في الوقت الراهن الذي تمر به البلاد، وأن المطلوب هو لجنة إصلاح إداري، وليس تحديث وتطوير فحسب، (وعلى الرغم من أن ذلك لا يمس بأي صورة من الصور أعضاء اللجنة الذين أدوا ما طلب منهم بصورة مبدئية)، فإن قارئ التقرير يخيل إليه وكأن اللجنة تتوقع مسبقًا ألا ينال التقرير استحسان قارئه، فأكدت في مقدمة التقرير «أن الأمر في المرحلة الراهنة من تطورنا الاجتماعي والاقتصادي والإداري ليس أمرًا هينًا؛ فنحن نريد أن نختزل عنصر الزمن وليمتد التطوير فيه إلى كل المجالات، فلا ينبغي أن يصدر عن ذلك بمقولة إنه لا تحديث إلا بعد الإطاحة بكل ما هو قائم، وإنه لا جدوى من الجهود التي تبذل مادام القديم لم تتم إزالته ليحل محله جديد، فقد يعتبر هذا مصادرة على المطلوب غير مشجعة على المضي في طريق التطوير الشامل والمناسب الذي لا بد أن يأتي في وقته ومناسبته، وعليه فليس مطروحًا أن يزال كل ما هو قائم ولم يقد أحد بذلك، ولكن المطلوب وبشدة إزالة القائم الفاسد الذي لا يختلف اثنان عليه، وكذلك الأمر بالنسبة للجهود التي بذلت فهي ليست عديمة الفائدة، لكنها ليست هي المُلحة.

     إن الطريق الأمثل للإصلاح الإداري يتم بإحياء فكرة لجنة 1964 للتحقيق البرلماني للإصلاح الإداري، والتي شكلها مجلس الأمة، وضمت النائب العام وعددًا من النواب، والتي أوقفت في منتصف طريقها وأثناء تأديتها مهمتها بعد أن بدأت تطال فعلًا بعض الشخصيات.

     وإن الرغبة الجادة في الإصلاح الإداري تتعارض مع ترك الحبل على الغارب لمن تسول لهم أنفسهم باستباحة المال العام وتعطيل عجلة التنمية.

     كما أن التقرير قد أرجأ التوصيات التي تراها اللجنة إلى تقرير آخر سوف يقدم في المستقبل، فيا ترى هل ستكون التوصيات كغيرها التي تعودنا عليها منذ الستينيات، أم أنها ستكون الخطوة الأولى فعلًا «في رحلة الألف ميل» و«ضمن خطة عملية لوضعها موضع التنفيذ»، كما أكدها التقرير؟ والله الموفق.

الرابط المختصر :