; ملامح التصور الصهيوني لابتلاع فلسطين | مجلة المجتمع

العنوان ملامح التصور الصهيوني لابتلاع فلسطين

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997

مشاهدات 16

نشر في العدد 1238

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 11-فبراير-1997

فلسطين المحتلة 

  • الليكود والعمل يتفقان على شطب وتصفية القضية الفلسطينية بموافقة السلطة الفلسطينية
  • وثيقة المبادئ المشتركة بين الليكود والعمل تكرس السيطرة الإسرائيلية على القدس والمستوطنات و٥٠٪ من مساحة الضفة

عمَّان: المجتمع:

ملامح التصور النهائي لحل «تصفية» القضية الفلسطينية باتت واضحة المعالم أكثر من أي وقت مضى، وخاصة بعد أن توصل الحزبان الكبيران في الكيان الصهيوني – الليكود والعمل، إلى اتفاق حول الموقف من مختلف القضايا التفاوضية المتعلقة بمفاوضات المرحلة النهائية مع الجانب الصهيوني.

 وقد جاء الاتفاق بين الليكود والعمل كحصيلة لمفاوضات ومحادثات مكثفة عقدتها طواقم مشتركة خلال الأسابيع الماضية، ترأس المحادثات فيها عن حزب العمل يوسي بيلين أحد أبرز الشخصيات السياسية في الحزب، والمرشح لرئاسته في الانتخابات القادمة، في حين ترأس حزب الليكود في المحادثات ميخائيل إيتان – رئيس كتلة الليكود في الكنيست، وقد أسفرت المحادثات عن توصل الجانبين إلى وثيقة تفاهم مشتركة حول مبادئ التسوية النهائية مع الجانب الفلسطيني، وقد حظيت هذه الوثيقة بموافقة الحزبين اللذيْن قاما بدورهما بعرضها على رئيس الكيان الصهيوني عايزر وايزمن.

ولدى قراءة مبادئ وبنود وثيقة التفاهم المشتركة بين الليكود والعمل، يتضح أنها تنسجم إلى حد كبير مع ما ورد في الوثيقة الخطيرة التي توصل إليها يوسي بيلين وأمين سر اللجنة التنفيذية والرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس «أبو مازن» العام الماضي قبيل الانتخابات الإسرائيلية، وقد جات وثيقة أبو مازن - بيلين لتتوج مفاوضات سرية استمرت على مدار شهرين كاملين بين السلطة الفلسطينية وحزب العمل، وعقدت في عواصم أوروبية متعددة «لندن، وباريس، وأوسلو» تحت غطاء لقاءات الأكاديميين إسرائيليين وفلسطينيين. 

وقد ترأس محمود عباس المفاوضات عن جانب السلطة وهو نفسه الذي كان قد أشرف في وقت سابق على مفاوضات أوسلو السريَّة في الترويج والتي أسفرت عن توقيع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣م، أما الجانب الإسرائيلي فقد ترأسه يوسي بيلين الذي كان في حينه مستشارًا لرئيس الحكومة شيمون بيريز، وأحد أكثر المقربين إليه، وكما يلاحظ فإن بيلين الذي يرى الكثيرون أنه يسير على خطى بيريز، كان طرفًا رئيسيًّا في التوصل للوثيقة الأولى مع (أبو مازن)، وفي التوصل إلى وثيقة المبادئ المشتركة مع حزب الليكود.

وقد أدى فوز حزب الليكود وسقوط حزب العمل في الانتخابات الإسرائيلية العام الماضي إلى إعاقة البدء بتنفيذ وثيقة عباس – بيلين التي حظيت بموافقة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وكان رئيس السلطة ياسر عرفات قد سعى بكل جهده لتعزيز فرص حزب العمل بالفوز في الانتخابات لضمان تطبيق الوثيقة التي تم التوصل إليها، وفي سبيل تحقيق ذلك شدد من حملة القمع ضد حركات المقاومة الفلسطينية المعارضة لاتفاقات أوسلو، وبذل جهودًا كبيرة لإقناع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بانتخاب بيريز وحزب العمل، حيث أشارت مصادر سياسية إلى أنه سلم بيريز قائمة تتضمن نحو ٣٠ ألف فلسطيني تمكن أنصاره من تسجيلهم في صفوف حزب العمل، وأنه أنفق في مقابل ذلك أكثر من سبعة ملايين دولار، ولكن كما هو معلوم فإن كل هذه الخطوات لم تنجح في تجنيب حزب العمل السقوط في الانتخابات بعد العمليات الاستشهادية الأربع في شهري فبراير، ومارس (شباط، وأذار) الماضيين.

ولكن فوز الليكود في الانتخابات الإسرائيلية الذي قلب الأمور رأسًا على عقب، لم يلغ أهمية وثيقة أبو مازن – بيلين، فقد أشار مسؤولون فلسطينيون مؤخرًا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعث برسالة لعرفات مؤخرًا تضمنت تأكيدًا على اهتمامه بتطوير هذه الوثيقة من أجل الاستفادة منها في مفاوضات الحل النهائي، وما يعزز من صحة ذلك تقارب التصورات التي تطرحها وثيقة أبو مازن - بيلين مع وثيقة المبادئ المشتركة بين حزبي الليكود والعمل.

مبادئ وثيقة الليكود العمل

أشارت وثيقة المبادئ المشتركة بين الحزبين إلى أن اتفاقهما على تصور مشترك للحل النهائي مع الفلسطينيين يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية هي:

 ١-يجب مواصلة الحوار مع الممثلين الفلسطينيين واستنفاذ كل الفرص المتاحة لإحراز اتفاق دائم معهم.

٢-في ظروف إحلال السلام وبعد إحراز اتفاق دائم يتعين على إسرائيل الحفاظ على قوتها وتفوقها، والحيلولة دون أي مساس بوحدتها الجغرافية وبأمن مواطنيها وممتلكاتهم وبالمصالح الحيوية لها.

٣-أي اتفاق توقع عليه حكومة إسرائيل لن يتضمن التزامًا بإزالة مستوطنات يهودية في أرض إسرائيل الغربية ولا ينطوي على أي مساس بحق المستوطنين في الحفاظ على مواطنتهم الإسرائيلية.

 وعند النظر فيما تضمنته وثيقة الليكود والعمل من جهة، ووثيقة عباس - بيلين من جهة أخرى، فإن ملامح التصورات المطروحة لحل القضايا الأساسية على المسار الفلسطيني، وبخاصة ما يتعلق بمستقبل الكيان الفلسطيني والقدس واللاجئين، هي على النحو التالي:

أولاً: مستقبل الكيان الفلسطيني

اتفق حزبا الليكود والعمل في وثيقة التفاهم على أن الكيان الفلسطيني الذي ستفرزه مفاوضات المرحلة النهائية سيكون كيانًا منزوعًا من السلاح ومن القوات العسكرية، وسيسمح له فقط بالاحتفاظ بقوة شرطية قوية بفرض الحفاظ على الأمن (والمقصود هنا بالأمن هو الأمن الإسرائيلي)، وتلزم الوثيقة قوات الأمن الفلسطينية بالتعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية من أجل ردع وإحباط نشاطات إرهابية موجهة ضد اليهود والعرب، وترفض الوثيقة بشكل قاطع أي مرابطة أو تواجد الجيش أجنبي في مناطق الكيان الفلسطيني، كما تمنع على هذا الكيان توقيع أي اتفاق ينطوي على تهديد سلامة دولة «إسرائيل» أو وحدتها الجغرافية، أو أمن مواطنيها وسلامة ممتلكاتهم، كما تمنعه من مقاطعة التوقيع على أي معاهدة أخرى بشأن فرض أو إجراءات غير مشروعة أخرى ضد اقتصاد إسرائيل، كما لا يحق لهذا الكيان توقيع أي اتفاق بشأن دعاية معادية ضد دولة إسرائيل، أو ضد الشعب اليهودي بحسب الوثيقة. 

ومع اتفاق الحزبين على كل ما سبق بخصوص الكيان الفلسطيني، فإن الخلاف الوحيد بينهما في هذا الجانب ينحصر في التسمية التي ستطلق عليه، ففي حين يرفض حزب الليكود إطلاق تسمية «دولة» على هذا الكيان، ويصر على تسميته به الحكم الذاتي الموسع، فإن حزب العمل لا يعارض تسميته بالدولة المستقلة ما دام واقع الحال على غير ذلك والتسمية ستكون بغير دلالة أو مضمون حقيقي. 

وفي ضوء ذلك فإن حديث المسؤولين الفلسطينيين في وسائل الإعلام حول الدولة المستقلة ذات السيادة، يغدو مجرد سراب وأوهام تتناقض مع معطيات الواقع وتهدف إلى دغدغة العواطف وخداع مشاعر الجماهير، وقد أعلن عرفات قبل أيام أنه سيعلن عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعد انتهاء مرحلة الحل النهائي !!..

وقد نصت وثيقة عباس – بيلين على تحديد فترة زمنية مدتها ٨ سنوات كمرحلة لاختبار النوايا يمكن بعدها التفكير بقبول فكرة إعلان دولة فلسطينية منزوعة السلاح شريطة ألا يتم خلال هذه الفترة أي إجراء يوحي بشكل مباشر أو غير مباشر ببناء البنية التحتية لمؤسسات الدولة، كفتح سفارات أو حدود أو إقامة دوائر للهجرة أو التجنيس. 

فالكيان الفلسطيني المرتقب كحصيلة لمفاوضات المرحلة الانتقالية والنهائية سيكون كيانًا هزيلًا، مقيد الإرادة، محدود الصلاحيات، مسلوبًا من أي مظهر من مظاهر السيادة الحقيقية.

ثانيًا: القدس

نصت وثيقة الليكود والعمل على أن القدس ضمن حدودها البلدية الحالية ستكون مدينة موحدة وعاصمة لإسرائيل، وستبقى تحت السيادة الإسرائيلية، وتطالب الوثيقة الفلسطينيين بالاعتراف بمدينة القدس ضمن حدودها الحالية كعاصمة لإسرائيل مقابل السماح بإقامة مدينة أو مركز للسلطة خارج حدود المدينة الحالية، ولا مانع من أن تطلق عليه السلطة تسمية القدس إن رغبت!! أما الأماكن المقدسة فقد تركت الوثيقة تحديد وضعها لمفاوضات خاصة تجرى لاحقًا، وبالنسبة للفلسطينيين الذين يسكنون مدينة القدس فسيفسحون طبقًا لوثيقة الليكود والعمل مكانة تتيح إشراكهم في المسؤولية عن إدارة حياتهم في المدينة.

 أما وثيقة عباس – بيلين فقد كانت أكثر توضيحًا وتفصيلًا لمستقبل مدينة القدس مع اتفاقها الكامل مع التصور السابق الوارد في وثيقة المبادئ المشتركة لليكود والعمل، فقد نصت وثيقة عباس – بيلين – على أنه سيشار إلى توسيع حدود مدينة القدس لتشمل أحياء وقرى عربية هي: أبو ديس والعيزرية، وسلوان، بحيث يكون بإمكان السلطة الفلسطينية أن تتخذ من هذه المناطق وبخاصة أبو ديس مركزًا إداريًّا لها ويصبح اسمها «القدس»، وبالإنجليزية (ALL QUDS) وليس (JERUSALEM)، بينما تسعى مدينة القدس الحقيقية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية «أورشليم» وبالإنجليزية (JERUSALEM) ويعترف بهذه المدينة ضمن حدودها القائمة حاليا كعاصمة أبدية لإسرائيل.

أما الأماكن المقدسة فقد أشارت وثيقة عباس – بيلين إلى أنه سيرفع عليها أحد العلمين: الأردني أو الفلسطيني، على أن تبقى مفتوحة للجميع بما لا يتعارض مع سيادة إسرائيل السياسية على أرضها باعتبارها تقع ضمن الحدود الجغرافية لعاصمتها الأبدية، وبحيث يكون وضعها مماثلًا لوضع الفاتيكان في العاصمة الإيطالية.

 وبذلك تكون سلطات الاحتلال قد كرست سيطرتها وهيمنتها المطلقة على مدينة القدس بموافقة واعتراف الجانب الفلسطيني، وقد رفضت إسرائيل على لسان وزير خارجيتها ديفيد ليفي مجرد مناقشة فكرة طرحها الجانب الأردني حول مستقبل المدينة تقترح جعلها عاصمة للديانات السماوية الثلاث، وأكد ليفي أن القدس ستبقى عاصمة موحدة وأبدية الإسرائيل.

ثالثًا: اللاجئون

اتفق الحزبان  في الوثيقة المشتركة على أن من حق دولة إسرائيل منع دخول لاجئين فلسطينيين إلى مجال منطقة سيادتها، وعلى أن تتم إقامة منظمة دولية تساهم إسرائيل فيها ويكون هدفها تمويل وتنفيذ مشاريع تعويض وتوطين اللاجئين في أماكن إقامتهم الحالية، كما تبحث هذه المنظمة مطالب إسرائيل بالحصول على تعويضات للاجئين اليهود من الدول العربية، ونصت الوثيقة كذلك على تعاون إسرائيل والكيان الصهيوني على توطين اللاجئين في أماكن إقامتهم الحالية، بحيث يتم حل وكالات الغوث والإعانة التابعة للأمم المتحدة «الأونروا»، وإلغاء صفة اللاجئ، وتوفير سكن وعمل للاجئين بمساعدة دولية، وأقصى ما طرحته الوثيقة من حقوق للاجئين هو استعداد إسرائيل لمواصلة النظر بشأن طلبات جمع شمل العائلات الفلسطينية وفق المعايير القائمة حاليًا. 

وما ورد في وثيقة الليكود والعمل يتفق مع ما ورد في وثيقة عباس - بيلين بخصوص قضية اللاجئين، حيث نصت على استيعاب اللاجئين والنازحين في دول وأماكن تواجدهم، وبحيث تتكفل الحكومة الإسرائيلية بالتعامل مع هذا الموضوع ثنائيًا مع الدول والأطراف المعنية دونما صخب أو ضجيج، وبما لا يشكل إحراجًا للسلطة الفلسطينية، ليشار إلى إغلاق هذا الملف ببطء بعد أن تتم تهيئة كافة الظروف التي تعطي للاجئين حق المواطنة، بحيث يتم امتصاص أعدادهم بصورة تدريجية، كما أشارت الوثيقة.

ويتضح مما سبق أن اللاجئين سيتم تجاوز قضيتهم، فليس لهم حق في العودة، وأقصى ما يمكن أن يطمحوا به هو التعويض والتوطين.

رابعًا: المستوطنات

نصت وثيقة الليكود والعمل على عدم الالتزام للجانب الفلسطيني بإزالة أي مستوطنة إسرائيلية، وعلى أن غالبية المستوطنين ومستوطناتهم في الأراضي الفلسطينية ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية مع الحفاظ على الترابط الجغرافي بين المستوطنات وبين دولة إسرائيل، وحتى تلك المستوطنات التي ستبقى خارج المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، فستتمتع بترتيبات خاصة متفق عليها يتم في إطارها المحافظة على المواطنة الإسرائيلية لسكانها وضمان حق سكانها بممر حر وآمن إلى المناطق الواقعة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.

خامسًا: حجم الانسحابات الإسرائيلية 

أكدت وثيقة الليكود والعمل على أنه لن تكون هناك عودة إلى حدود الرابع من يونيو حزيران عام١٩٦٧م، وعلى أن منطقة غور الأردن ستنتشر فيها قوات إسرائيلية عسكرية لحماية حدود إسرائيل الغربية من أي تهديد يأتي من الشرق، كما اعتبرت الوثيقة نهر الأردن الحدود الأمنية لإسرائيل. وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أن إسرائيل ستقتطع نحو ٥٠٪ من مساحة الضفة الغربية بمبررات وحجج مختلفة من أجل إخضاعها للسيطرة الإسرائيلية الكاملة بعد المرحلة النهائية.

وعلى الرغم من اتفاق السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي حول الخطوط العريضة للتسوية النهائية للقضايا المؤجلة - كما تُظهر ذلك الوثيقتان المذكورتان - فإن ذلك لا يعني أن المفاوضات التي يتوقع أن تنطلق بعد أسابيع لبحث الوضع النهائي للأراضي المحتلة ستكون مفاوضات سهلة، فالاتفاق على التفاصيل قد يستغرق وقتًا طويلًا، وقد توقع المحلل السياسي الإسرائيلي في صحيفة «الجيروزالم بوست» ستيف رودان أن تكون هذه المفاوضات طويلة وشاقة، وقد تستغرق سنوات طويلة، مع أن من المقرر وفق اتفاقات أوسلو أن تنتهي في مايو «آيار» ۱۹۹۹م. 

وبغض النظر عن الفترة التي ستستغرقها مفاوضات الحل النهائي، فإن ما هو مؤكد أن القضية الفلسطينية في طريقها إلى التصفية، وقد قطعت شوطًا واسعًا في هذا الاتجاه.

الرابط المختصر :