العنوان الاختراق الصهيوني للسينما البريطانية
الكاتب هشام العوضي
تاريخ النشر الثلاثاء 19-أبريل-1994
مشاهدات 11
نشر في العدد 1096
نشر في الصفحة 24
 
                                    
                                الثلاثاء 19-أبريل-1994
فوجئت بعد انتهائي من مشاهدة فيلم «قائمة شندلر»- الإعداد التقرير الخاص بالاختراق الصهيوني للسينما البريطانية- بأن الجمهور الَّذي غصت به القاعة، قد تسمر في مكانه على غير العادة، يرقب في نهاية الفيلم أسماء الممثلين، وجميع من شارك في إعداد هذا العمل السينمائي، وخرجت من القاعة بانطباع له شواهده بأن الفيلم- على افتقاره الألوان، واقتصاره على اللونين الأبيض والأسود لتاريخه فترة الهولكوست ـ قد نجح في كسب تأييد وتعاطف المتفرج الإنجليزي لقضية اضطهاد اليهود على أيدي نازية ألمانيا، وشعرت بأن الفيلم حاول من خلال السيناريو المتقن، والدراما المؤثرة، توظيف مثل هذه المشاعر، للتحدي الجدير وهو تعزيز ما يقوم به يهود اليوم في حق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من ذبح وإفناء، وقد ينكر رجل الشارع الإنجليزي تأييده المطلق لما حدث في مجزرة صبرا وشاتيلا، أو مجزرة الحرم الإبراهيمي، أو غيرها من المذابح، ولكنه سينكر في نفس الوقت وجود أية روابط بين واقع الحالتين: حالة الاضطهاد الألماني لليهود، وحالة الاضطهاد الإسرائيلي للمسلمين في فلسطين، بل قد يتفهم الحالة الأولى جيدًا، ويغمض عينيه عن الحالة الثانية، وهذا ما يحاول الفيلم التركيز عليه، وإلا فأفلام «الهولكوست» الَّتي أنتجت على مدى التاريخ كثيرة، وفكرة الفيلم من حيث المضمون مكررة أكثر من مرة، وفي أكثر من مكان.
الصحف البريطانية وثناؤها على الفيلم:
تناولت معظم الصحف البريطانية «قائمة شندلر»، المخرجة الأمريكي «اليهودي» ستيفن سبيلبرغ «مخرج أفلام الفك المفترس والحديقة الجوراسية» بالإيجابية المطلقة، وأثنى عليه العديد من النقاد بصورة غريبة تدعو للشك، بل وأسرف البعض وبشكل غير مسبوق في الكتابات النقدية الموضوعية بالإطراء عليه، وقال آخرون بأن الفيلم ليس ترفيهيًا، ولكنه تعليمي ووثائقي بمعنى الكلمة، ويجب على من لم يشاهده أن يفعل كي يتعلم شيئا في التاريخ، ويتعرف على تجربة ومعاناة الطائفة اليهودية فترة النازية، وباستثناء بعض الملاحظات الفنية إلا أن أحدًا لم يجرؤ على نقده بشكل لاذع أو وصمه بأنه مجرد دعاية محبوكة وذلك لعدة أسباب:
أولها: قوة سيطرة اليهود على معظم وسائل الإعلام المرئية والمقرومة والمسموعة في بريطانيا.
ثانيها: خوف بعض النقاد من اتهامهم بمعاداة السامية.
استثناءات لصالح العرب والمسلمين:
ولكن هذا لا يعنى غياب العقلاء الَّذي يقولون كلمة الحق مهما كانت النتائج، من هؤلاء الممثلة المسرحية الإنجليزية الشهيرة «ردجليف»- المعروفة بتعاطفها مع قضايا العرب- والَّتي تناولت «قائمة شندلر» بالنقد غير المباشر عندما نبهت إلى «الهولكوست» الحقيقي الَّذي يستحق الانتباه له وعمل ما يوثقه من أفلام وهو ما يحدث للمسلمين في البوسنة والهرسك من ذبح واعتداء على أيدي الصرب، وأشارت إلى أن الناس تحاول نسيان ما يحدث الآن في البوسنة لأنها مشغولة بتذكير ما حدث لليهود في ألمانيا قبل نصف قرن مضى، ولكن تظل هذه الأصوات ضعيفة الأثر، ومحدودة الانتشار السيطرة اليهود على الإعلام كما أشرنا.
أفلامًا أخرى في دور العرض البريطانية:
قد تكون البصمات اليهودية واضحة في قائمة شندلر، ولكن هذا لا يعنى غياب ذات البصمات عن أفلام أخرى تعرض حاليا في سوق السينما البريطانية، من هذه الأفلام فيلم مسز دوات فاير للممثل اليهودي المعروف «روبن ويليامز» والفيلم الخامس الآن في ترتيبه في قائمة الأفلام الناجحة حيث حقق في أسابيعه الأولى ما يربو على «۲۱۱» مليون دولار في الولايات المتحدة و«۲۸» مليون دولار في إنجلترا، وهناك فيلم آخر بعنوان «شادو لاندز» للمثل الإنجليزي الشهير «أنتوني هوبكنز» الَّذي يقع في حب فتاة «يهودية غير متزمتة» كما تقول قصة الفيلم، وهناك أفلام أخرى تدخل فيها طقوس أموال يهودية سواء عن طريق إنتاجها أو توزيعها، وتجدر الإشارة إلى أن القضية لا تنحصر في مجرد رصد المشاركة اليهودية في الأعمال الفنية وإلا لطالت عملية التعداد وضرب الأمثلة، خصوصًا وهناك حضور يهودي فاعل في كل هذا، ولكن القضية هي رصد الآثار السلبية الَّتي تتركها هذه المشاركة في عقلية المشاهد الغربي «أو الشرقي» عمومًا من الناحية الاجتماعية ترويج للجريمة وإشاعة للجنس والاقتصادية «أمور الربا والاختلاسات... إلخ»، والسياسية «تشويه صورة العرب وتمجيد إسرائيل».
سيطرة يهودية على ساحة الإعلام البريطاني:
لم يكن جميع أفراد الجالية اليهودية الَّتي استوطنت بريطانيا هربًا من أُورُوبَّا الشرقية من الطبقة العاملة، وإنما كان بينها رجال أثرياء كان همهم من البداية السيطرة على المنابر الإعلامية وخلافه من هؤلاء المليونير المعروف «روبرت ماكسويل» الَّذي كان يمتلك معظم الصحف البريطانية تقريبًا بالإضافة إلى امتلاكه لقنوات تلفزيونية في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، وإمبراطورية إعلامية كاملة تمتد من الولايات المتحدة إلى أُورُوبَّا الشرقية، والسيطرة على الصحافة في بريطانيا تعني الكثير، تعني التحكم في الرأي العام، وتعني إنشاء علاقات وطيدة مع شركات المال من أجل الدعاية والإعلانات، وتعنى علاقات جيدة مع رجالات السياسة لتبادل المنافع المشتركة، بالإضافة إلى ذلك فقد كان «لماكسويل» علاقات إعلامية أخرى تتصل بالسينما والمسلسلات التلفزيونية عمومًا.
وتكتمل الصورة أكثر إذا علمنا بأن اليهودي «ماكسويل»- الَّذي مات مقتولًا في ظروف غامضة ودفن في فلسطين- لم يكن بمفرده في الساحة الإعلامية، فهناك المليونير الأسترالي المعروف «روبرت ميردوخ» الَّذي كان يمتلك إمبراطورية إعلامية ضخمة، وشبكة صحفية تمتد من بوسطن شرقا إلى بوادبست غربًا، ومن بريطانيا شمالا، إلى استراليا جنوبا، وقد دلت الإحصائيات بأن «ميردوخ» كان قد سيطر عام ۱۹۸۸م على ما نسبته «٦٣» من الصحف اليومية في استراليا وبريطانيا وأمريكا، و«٥٩» من صحف وملاحق يوم الأحد، و«٥٥» من الصحف المحلية في المقاطعات والمناطق، إضافة إلى ذلك فهو يسيطر على شركات التلفزيون المعروفة كشركة «فوكس» الأمريكية، وخمسة قنوات في المحطة الفضائية «SKY» الَّتي تبث برامجها من بريطانيا، ويسيطر ميردوخ على صحف وجرائد إنجليزية واسعة الانتشار، كصحيفتي «التايمز» و«الصنداي تايمز» وصحيفة «الصن» الَّتي يقرأها أكثر من ١٠ مليون شخص، وإذا علمنا شيئا عن الميزانيات الضخمة الَّتي يتطلبها شراء صحيفة واحدة عرفنا حجم السيطرة القوية الَّتي يمتلكها رجل مثل ميردوخ «سابع أغنى رجل في أمريكا إذ تقدر ثروته بـ ٤ بليون دولار» حيث تقدر الميزانية المطلوبة لشراء صحيفة يومية حوالي «۲۰» مليون جنيه إسترليني، وفوق «۳۰» مليون إسترليني لإنشاء محطة تلفزيونية و«٥٠٠» مليون إسترليني لإنشاء قناة فضائية.
«كانون» الصهيونية تسيطر على السينما البريطانية:
إن صناعة السينما لا تنطلق من بريطانيا وإن كانت هناك جهودا تبذل لعمل هوليود إنجليزية على غرار هوليود الولايات المتحدة، ولكن هذا لا يعنى غياب الأثر اليهودي الكامل عن السينما الإنجليزية، فبصمات اليهودية واضحة جدا في سلسلة أفلام «جيمس بوند» الشهيرة الَّتي كانت ترمي من بعيد في بعض مشاهدها إلى تشويه صورة العرب، وإظهارهم على أنهم شعب غبي ومتخلف، وللأسف اشتهرت هذه السلسلة من الأفلام في الدول العربية وكونت لها معجبين، بل أجيالًا من المعجبين حتى أفلام «انديانا جونز» الَّتي أخرجها مخرج «قائمة شندلر»، ستيفن سبيلبرغ والَّتي صورت منها بعض اللقطات في بريطانيا لا تخلو هي الأخرى من المشاهد الَّتي تسيء إلى العرب والمسلمين بشكل عام.
على الجانب الآخر، وفيما يخص دور العرض في بريطانيا، هناك ثلاثة أسماء أساسية سينما «كانون» وسينما « M.G.M» وسينما «أودين»، وتعود ملكية الأولى- ومقرها الرئيسي الولايات المتحدة- إلى المنتج والمخرج اليهودي «مناحم غولان» وشريكه «غلوباس»، وتسيطر «كانون» على حوالي أكثر من «٥٠٠» دار عرض في بريطانيا، وهذا يعني:
۱- القدرة على شراء حقوق التوزيع في جميع أنحاء العالم.
٢- التحكم في نوعية الأفلام المشتراة والمعروضة.
وقد حاولت «كانون» شراء ملكية سينما « M.G.M» ولكن يبدو أنها أخفقت، ومع ذلك فالأفلام الَّتي تعرضها « M.G.M» و«أودين» لا تختلف كثيرًا من حيث المضمون والأهداف عن الأخت الكبرى «كانون».
هوليود إسلامية:
إن الحديث عن سيطرة اليهود في السينما العالمية يطول ولا ينتهى، وهناك مراجع كثيرة، وبحوث عدة كتبت في هذا المجال، وقد نكتفي نحن المسلمين بمجرد رصد ظواهر هذا الاختراق من أجل الوصول إلى أدق المنابر والسيطرة على عقليات الأمم، من دون أن يكون لنا دور إيجابي نلعبه في هذا المضمار.
ومن هنا فمجرد المتابعة لا يكفي، وإنما المسؤولية الحقيقية والهدف الأساسي يكمنان في قدرتنا نحن كامة عربية وإسلامية على اختراق هذه الساحة، لا للتخريب والإفساد، كما فعل ويفعل اليهود، ولا من أجل تضليل وتزوير حقائق التاريخ كما عملوا في فيلم «قائمة شندلر»، وإنما من أجل الهداية والإصلاح، وتعريف الناس بميراثنا الحضاري، وقد أشار المخرج العربي الشهير «مصطفي العقاد» ومخرج فيلمي «الرسالة» و«عمر المختار»، في تصريح له لـ «المجتمع»: بأن «عقدة اليهود» و«المؤامرة الصهيونية» لا ينبغى أن تقعدنا مكتوفي الأيدي عن العمل، بل على العكس ينبغى أن تثير فينا روح التنافس والمحبة للعمل أكثر وأكثر.
وأضاف بأن المسلمين لا تنقصهم من مقومات الحضارة شيئا، وهم قادرون بأموالهم وعقولهم على إنجاز الكثير، وأكد إلى أنه على استعداد لإنشاء ما أسماه «هوليود إسلامية» لإنتاج الأفلام الإسلامية الَّتي تجسد شخصيات بطولية كشخصية «صلاح الدين الأيوبي»، ولكنه أشار إلى أن المشكلة تبقى مشكلة التمويل، ومشكلة وجود من يؤمن باهمية التواجد الإسلامي على الساحة الإعلامية، ويستوعب أبعاد الصراع الأيدلوجي الَّذي نخوضه في عصر الكمبيوتر والأطباق الهوائية، إن اختراق عالم السينما ليس حكرًا على اليهود، ونحن قادرون بما أوتينا على تقديم الأحسن والأفضل، المهم تواجد النية والإرادة، وتواجد الإيمان بضرورة البدء فهل نحن فاعلون ؟!
هشام العوضي : لندن
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل 
        الشيخ حسين كفازوفيتش مفتي البوسنة والهرسك لـ«المجتمع» (2 - 2): النظام الشيوعي فشل في اختراق مسلمي البوسنة
نشر في العدد 2107
797
الاثنين 01-مايو-2017
 
         
         
                