; مناصحة الأخلاء | مجلة المجتمع

العنوان مناصحة الأخلاء

الكاتب صالح الراشد

تاريخ النشر الثلاثاء 31-مايو-1977

مشاهدات 19

نشر في العدد 352

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 31-مايو-1977

 

• النصيحة قوام الدين وعماده.

• النصيحة بلسم لأخطاء السلوك الفردي والجماعي.

• تسمى النصيحة دينًا وإسلامًا.

النصيحة في معناها العام..

الكمال لله وحده -سبحانه وتعالى جلت قدرته وتباركت أسماؤه وتقدست صفاته- لذلك كان الإنسان عرضة للغفلة والخطأ والنسيان والهفوات والزلات، وقد جاء إسلامنا الحنيف بطرائق كثيرة تتدارك الإنسان من عثراته، وتوجهه نحو السلوك المستقيم، وقد جمعت تحت مفهوم النصيحة لتلافيها في صور أخرى تعدل من سير الإنسان، حيث تلتقي في مفهومها العام بالإنابة والتوبة والوعظ لجمهور الناس، لكنها بشكل خاص -وهكذا هي ذات سيرورة أكثر- تفهم من توجيهات المسلم لأخيه المسلم في شأن من شئون الدين أو المعاملات.

وعندما نتناول معنى النصيحة لغويًا تتأكد لنا الأهمية الكبرى لما يكون من تأثير نفسي وسلوكي في نتائجها ذات المعاني التي وعيناها، فهي كما في شرح القسطلاني للجامع الصحيح أن معظم الدين النصيحة، إذ يقوم بها المتحلي بخلال الكمال المتصف بالخير العامل بالكتاب والسنة. وكل عمل لم يرد به عامله الإخلاص من الدين. نصح له القول أخلص وصفى رأيه، من نصحت العسل إذا صفيته أو مشتقة من النصح وهي الخياطة بالمنصحة وهي الإبرة كما قال ابن حجر، والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة، ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. اهـ.

إن المعنى الدقيق للنصيحة يستفاد من كونها تتلافى الأخطاء وتلم شمل المسلمين وتحافظ على وحدة الرابطة بينهم بالصفاء والمحبة والمودة.

تدارك الزلات

إن التواصي الذي أكدت أهميته بالتكرار في سورة العصر بقوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ «العصر: 3» إن هذا التواصي باب من أبواب النصيحة، فالمتابعة تتلافى العيوب وتنسد الثقوب، ولعل أهم فوائد النصيحة ستر للمسلم لقوله -صلى الله عليه وسلم- «من ستر مسلمًا ستره الله» فتوجيه الأخ المسلم لأخيه في أمر ما رآه عليه يجب أن يكون في السر وهكذا تكون النصيحة ليست تلافيًا للخطأ فحسب وإنما محافظة وصيانة للسمعة والعرض أيضًا. وهذا التواصي المذكور نفهم عمومه من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وانطلاقًا من هذا الحديث الكريم نرى الدائرة الكبيرة الواسعة لهذا المفهوم الإسلامي المهم، حيث تتشعب فتأتي بالتصحيح لكافة أعمال المسلمين أيًا كانوا، إذ يجمل سيدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- النصيحة بتسميتها دينًا ثم يأتي التفصيل -كما أوضحه شراح الحديث- من كونها لله سبحانه أي الإيمان به ولزوم طاعته ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- في اتباعه ولأئمة المسلمين القادة والحكام وعموم المسئولين، ويكون الختام بأن تشيع النصيحة لعامة المسلمين.

وهكذا تكون النصيحة بلسمًا لأخطاء السلوك الفردي والاجتماعي بتحقيقها المتابعة والتوجيه لكل ما هو مائل ومعوج، فتتدارك الأخطاء وتمحو الزلات وتستر العيوب.

في دروب النصيحة

ليست النصيحة محصورة في أمر واحد، وإنما تلاحق جميع أعمال المسلم بالتقويم والتصحيح تستهدف الإخلاص لله سبحانه وهناك آيات كثيرة توجه المسلم إلى الإخلاص في القول والعمل والدعوة إلى الله سبحانه كما أفادت آيات النصيحة تقديم الصورة الكاملة لمعنى القيام بالدعوة ووجوبها على المسلم والمراد من القيام بالدعوة إلى الله، الإخلاص، وقد جاء على لسان عدد من الأنبياء بيان ذلك، فهذا هود -عليه السلام- يخاطب قومه كما في الآية «68» من سورة الأعراف بقوله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ «الأعراف: 68» كذلك صالح -عليه السلام- يخاطب قومه كما في الآية 79 من سورة الأعراف بقوله: ﴿وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ «الأعراف: 79». 

كما أن عدم استجابة النصيحة لا تؤدي إلى اليأس والانقطاع فسيدنا صالح عليه السلام يتم قوله في الآية السابقة بأنه مستمر في النصيحة وهي الدعوة ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ «الأعراف: 79»، وهذا اعتبار أن النصيحة تفيد الإخلاص في الدعوة إلى الله سبحانه وهي تعادل الجهاد لمن لا يستطيع الجهاد ويقوم بأدائها طائعًا لله سبحانه، حاثًّا غيره من القادرين على القيام بالجهاد فيقول سبحانه وتعالى ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ «التوبة: 91» كذلك نلتمس معنى عموم النصيحة في توجيه المسلم لأخيه من الابتعاد عن خطر محدق أو شائبة سوء وذلك كما في الآية 20 من سورة القصص وذلك بقوله ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ الآية. «القصص: 20»، كما اعتبرت التوبة النصوح هي التوبة الجامعة لأركان التوبة بإخلاص كما في الآية 8 من سورة التحريم في قوله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا الآية «التحريم: 8».

ومن دقيق ما نلمسه ونستشفه في معنى النصيحة من هذه الآيات أن على المسلم أن يقوم بها ابتداء لا أن ينتظر حتى تطلب منه فيزيد من وجوبها وجوبًا لأنها من غير أن تطلب واجبة فكيف إذا طلبت؟! إذ جاء في الحديث الثابت أنه من حقوق المسلم الستة على أخيه قوله -صلى الله عليه وسلم- «وإذا استنصحك أن تنصح له» وهذا السعي والانتباه إلى قيام المسلم بأعماله ومتطلباته وشعوره بتواصي إخوانه به وتواصيه بهم يؤكد معنى التكافل الذي يديم ويحافظ على رابطة مودتهم وإخائهم كجسد واحد تطبيقًا لإسلامهم الحنيف وتوجيه نبيهم الكريم -صلى الله عليه وسلم- في ذلك. إن دروب النصيحة واسعة إذا ما زاد اهتمامنا بها عمليًا كما أنه يكفينا إدراكًا لهذه الأهمية حالمًا ننظر إلى ما تخلفه آثار الكلمة الطيبة في نصيحة المسلم لأخيه وكذلك كان لا بد من تحقق الآداب والشرائط لهذا الشأن من شئون المسلمين.

إن انطلاق السهام دون رصد وتحديد وتثبت رمية طائشة قد تضر ولا تفيد وكذلك الشأن في النصيحة لا بد من الأناة والتروي والكتمان في أدائها فلا ينصح شخص في الملأ على أن النصيحة لعموم الناس كما سبق أن قلنا تسمى وعظًا، والنصيحة درب من دروب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك وجب أن تتخذ شروطه وهي أن يكون الناصح عالمًا بما يوجه إليه مدركًا أن ذلك لا يزيد شطط المنصوح ومخالفته بأن يؤدي إلى عمل أشد وأسوأ منه كما يضع في اعتباره قبول المنصوح لهذا التوجيه بشكل يطمئن إليه. وإلا فالأولى أن يكلف من يره يستطيع التأثير على المنصوح إذ إن بعض الناس يسمعون من صنف من الناس ولا يسمعون من صنف آخر.

آثار النصيحة

بناءً على ما سبق فإن الكلمة الطيبة يكون لها أعظم الأثر في إنعاش الحياة أما إن كانت الكلمة خلاف ذلك لم تثمر إلا العلقم وتؤدي إلى الضمور والتقوقع وإماتة عمل كان من الممكن ان يكون حيًّا نابضًا بالحركة والنشاط، وهذا يدفع المسلم إلى الفطانة عند التوجيه، كما يحاول أن يوسع دائرة النصح ولا أدل على أهمية السعي في بذل النصح من مبايعة الصحابي الجليل جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- للرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر إذ أخرج البخاري عنه في صحيحه قوله -رضي الله عنه-: «بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» وهكذا تتأكد أهمية النصح بين المسلمين ولو أنها وصلت إلى الناحية العملية بينهم من قادتهم إلى عامتهم لظلت صحائفهم بيضاء لم تسود حتى لكأنها أسود من الليل الحالك. ولكن قل شأن التناصح وتساهل الناس فيه خاصة كبراء القوم وسادتهم جاهلين ومتجاهلين أن ذلك نقص في المروءة وقلة في الحياء وسوادًا للوجه يوم القيامة، ولكن أين تنتعش النصيحة؟ إن محلها الأسمى وبحرها الهادئ عند الأخلاء الذين تمازجت أرواحهم في طاعة الله وباتوا وهمهم إعلاء أمر المسلمين بهذا الإسلام وحده وبه فقط لا بأي نهج آخر. هؤلاء هم الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وهؤلاء هم مصابيح الناس، فليعلم الإخلاء مكانتهم وليدركوا آثار التناصح بينهم وليتم الحرص على التواصي ففي ذلك رضوان الله -سبحانه- وأي مبتغى أكبر من رضوان الله؟ اللهم اجعلنا من الناصحين والمتناصحين لك ولرسولك ولكتابك ولأئمة المسلمين وعامتهم اللهم آمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

دعوة الإسلام في ترنداد

نشر في العدد 14

27

الثلاثاء 16-يونيو-1970

لقلبك وعقلك - العدد 14

نشر في العدد 14

31

الثلاثاء 16-يونيو-1970

حوار مع الشيطان

نشر في العدد 59

27

الثلاثاء 11-مايو-1971