العنوان عنصر السيادة في الدولة الإسلامية
الكاتب محمد سلام مدكور
تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1982
مشاهدات 19
نشر في العدد 600
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 21-ديسمبر-1982
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
نعني بالسيادة السلطة التي تخضع لها الدولة في جميع أمورها الداخلية والخارجية. فالسيادة تمثل، ما للدولة من سلطات بالنسبة لرعاياها حيث تتولى تنظيم إدارة الحكم في الداخل، ومهمة التشريع والقضاء والتنفيذ، وما لها من سلطان بالنسبة لعلاقاتها الخارجية عن طريق تبادل التمثيل السياسي والقنصلي والاشتراك في المنظمات الدولية وغير ذلك من مظاهر النشاط الدولي.
ولا بد أن يكون سلطان الدولة أصيلًا نابعًا من عقيدتها وإرادتها، غير مستورد لها من سلطان آخر وسيادة مغايرة، وإلا لما كانت دولة مستقلة ذات سيادة إذا ما خضعت في نظمها وأحكامها إلى قوانين مستوردة غريبة عن عقيدتها وما تتطلبه البيئة.
فلسيادة الدولة مظهر خارجي يكون بتنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في ضوء قوانينها المستمدة من سيادته حتى تظهر بمظهر الاستقلال الكامل، ومظهر داخلي ويكون ببسط سلطانها على جميع رعاياها وتطبيق قوانينها ونظمها عليهم جميعًا على اختلاف مشاربهم وعقائدهم.
وأكثر الدول غير الإسلامية لا تمنح أي طائفة فيها ما يجعلها تنفرد بقانون خاص حتى فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، ولا تعترف عند التطبيق بما يخالف قوانينها ونظمها مما يشق على رعاياها الذين لمعتقداتهم أثر في علاقاتهم الأسرية.
لكن الدولة الإسلامية لما تميز به من سماحة، ورغبة منها -تبعًا لما تقرره الشريعة من التيسير على الطوائف ذات العقائد الأخرى ممن دخلوا في ذمة المسلمين واستوطنوا ديارهم- قد منحتهم حق تطبيق قوانينهم الخاصة المتعلقة بحياتهم الأسرية، والمرتبطة بعقائدهم على أن لا يكون ذلك امتيازًا لهم يقيد السيادة ويحد من سلطان الدولة، إذ السيادة تقتضي في الأصل أن تكون أوامرها نافذة المفعول على كل من يعيش فيها ويخضع لها.
والسلطة لا بد لها من شخص يمارسها وهيئة تعاونه في إدارة شؤون الدولة، فإذا كان الممارسون للسلطة السياسية من الخارج فإن ذلك يترتب عليه الخضوع لكثير من القيود التي تفرضها السلطة المتسلطة ذات العقيدة المخالفة، وهذا ينافي السيادة وقد يتعارض مع ما عليه الناس، وفكرة السيادة كانت لمجرد تأكيد حق الحاكم الذي يمثل الدولة ويستمد سلطانه من الإرادة الجماعية للشعب، وسلطة الأمة وسيادتها في وضع النظام الحاكم ليست مطلقة في الإسلام إذ لا يملك أهل الحل والعقد فيها وضع تشريع حسب أهوائهم ورغباتهم وإنما هم يقتدون في اجتهاداتهم بالكتاب والسنة ومبادئ الإسلام العامة، ومهما يكن لأهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية من حرية في الاجتهاد وللتعرف على الأحكام الشرعية فإنهم لا يستطيعون فيما يقننون الخروج مطلقًا عما تقتضيه النصوص من أحكام ولا من المبادئ الإسلامية العامة حتى فيما لم يرد فيه نص خاص، لأن جميع الأحكام لا بد أن تكون في نطاق القواعد العامة لا تخرج عليها ما داموا يلتزمون بالإسلام ولا يريدون الخروج عليه والارتداد عن تعاليمه.
والمجتهدون يقتدون في اجتهادهم بالمصادر المعتبرة وطرق الاستنباط الصحيحة، وولي الأمر بمقتضى وكالته عن الأمة منفذ لحكم الله قائم على حمايته وبسطه والالتزام به وله على الأمة أن تسمع ونطيع وأن يكون موضع التقدير والتبجيل.
فالدولة الإسلامية تختلف عن غيرها من الدول التي تنشأ أولًا ثم بدور البحث في تكييف ما يلائمها من النظم، إذ الدولة الإسلامية نشأت من الأصل طبقًا لمبادئ القانون الإسلامي وتقوم الهيئة الحاكمة فيها في هدى من وحي هذه المبادئ التي وجدت قبل وجود الدولة. الأمة والسلطان الذي تنيبه عنها مقيدون بها ولا يملكون الخروج عليها، لأن الأمة الإسلامية لا تكون إسلامية إلا إذا كانت سيادتها مستعدة من الإسلام والنصوص الإسلامية إذا كانت لم تفصل ما تتطلبه الدولة من قوانين، فإن ذلك ما تقتضيه طبيعة التشريع الخاتم الذي جاء للناس كافة مع اختلاف البقاع وتغاير العصور، حتى يتحرك المجتهدون في نطاق القواعد العامة بما يعود على مجتمعهم بالنفع ويتفق مع تطور الحياة.
والقانون الذي يكون مصدره المطلق إرادة الأمة لا يخلو من الغرض والهوى، والقانون الأمثل لا يمكن أن تصوغه عقول البشر ولا تمليه إرادتهم، وإنما أمثل قانون يرضي الناس من حيث اكتماله وعدالته هو القانون السماوي لأنه من عند الله الذي لا يضل ولا ينسى، فمصدر تشريع الدولة الإسلامية الشريعة الإسلامية لا غير، وهو مصدر كله رحمة وعدالة وسمو به تقدمت الأمة الإسلامية وارتقت وعظم شأنها وبإغفاله أو إشراك غيره معه تخلفت الدولة الإسلامية وضعف شأنها وهان أمرها على غيرها من الدول، وقد أعطى الإسلام التكاليف الجماعية كل الاهتمام والعناية لأنها في حاجة إلى من يقوي وجودها في كيان الإنسان على خلاف التكاليف الفردية، فإنها واضحة المعالم في نفس الإنسان فقد ربط بين أفراد المجتمع أولًا باعترافهم بأن السيادة المطلقة لله وحده فالله هو الحقيقة التي يدين لها المسلم ويستمد منه سبحانه العون والسلطة.
وما دمنا نؤمن بالإسلام إيمانًا صادقًا، ونؤمن بأنه صالح للتطبيق في كل عصر وأنه صالح لأن يحكم المجتمعات المتطورة، فلم لا يكون وحده مصدر السلطات في الدولة الإسلامية على اختلاف أقاليمها وما معنى أن تكون السيادة لغيره في دولته ولو في حكم واحد؟!
لا أتصور أن مسلمًا في أي مكان يرى أن سبب ذلك أن الحكم الإسلامي لا يصلح أو لا يتناسب في بعض الأمور أو في بعض الأزمنة، وهل من يرى ذلك يكون مسلمًا حقًا؟! والله تعالى يقول ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (سورة المائدة: 44)، وهل يُقبل من أحد أن يقول إني أؤمن بالإسلام في بعض جوانبه وأحكامه ولا أؤمن بمناسبته وصلاحيته في بعض الجوانب؟
اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، وأعوذ بك ربي من همزات الشياطين، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
والسلام على من اتبع الهدى