; من أجل ذلك تنزّل هذا الدين | مجلة المجتمع

العنوان من أجل ذلك تنزّل هذا الدين

الكاتب ا. د. عماد الدين خليل

تاريخ النشر السبت 26-فبراير-2011

مشاهدات 13

نشر في العدد 1941

نشر في الصفحة 66

السبت 26-فبراير-2011

في العلوم الصرفة والتطبيقية يبدو الزمن عاملًا أساسيًّا في النضج والتقدم بحكم قانون تراكم الخبرة.. هذا ما شهدته علوم صرفة كالفيزياء والفلك والكيمياء وعلوم الحياة والأرض والهندسة والرياضيات.. فضلًا عن العلوم التطبيقية.

أما في حقول المعرفة الإنسانية فالأمر يختلف؛ إذ قد يكون هناك تنامٍ في الخبرة، وقد يكون التوقف والسكون وربما الرجوع إلى الوراء.

هنالك - على سبيل المثال - شعراء في زمن بعيد كانوا أقدر بكثير - وبكل المعايير النقدية - من العديد من الشعراء المعاصرين.

وقس على ذلك حلقات شتى في المعارف الإنسانية كانت كشوفها في زمن مضى أكثر خصبًا، وأعلى قيمة مما شهدته القرون التالية.

والحكم نفسه ينسحب على العقائد والمذاهب والفلسفات، فلا يعني مرور الزمن - بالضرورة - أن فلسفة أو مذهبًا ما، نسجت خيوطهما في القرن العشرين، أكثر نضجًا واكتمالًا مما نسج في قرون خلت.

لقد تساقطت المذاهب الوضعية، والعقائد الشمولية، الواحدة تلو الأخرى، وانسحبت معظم الفلسفات إلى رفوف المكتبات وزوايا المتاحف لكي تكون مجالًا لدراسات الدارسين دون أن يكون لها أي ارتباط، بأي شكل من الأشكال، في صياغة واقع الحياة أو إعادة صياغته.

بعض المذاهب والعقائد ادعى أصحابها في لحظة نشوة كاذبة، بسبب اكتشاف حقيقة من الحقائق، أنها عقائد علمية، نهائية، لا يأتيها الباطل من بني أيديها ولا من خلفها، كالذي فعله «ماركس» و «إنجلز» في تسمية كشفهما بالاشتراكية العلمية التي تمثل سقف العالم والتاريخ؛ حيث لا تبدّل ولا تحوّل بعدها.. وكالذي ادعاه «هتلر» في «كفاحي» بأنه ينوي إقامة إمبراطورية «الألف عام» استنادًا إلى نظريات «فخته»، وفلسفة «هيجل» المثالية، وإلى القدرة الجرمانية المتميزة التي لا يقف أمام إرادتها شيء!!، وكالذي نادى به «جان بول سارتر» في وجوديته التي قال: إنها الفلسفة الوحيدة التي تحقق إنسانية الإنسان.

أين هي هذه المذاهب الثلاثة؟ لقد خرجت الشيوعية من التاريخ، وهزمت النازية، وذبحت الوجودية على يد مؤسسها نفسه.

اليوم يقع الفيلسوف الأمريكي «فرنسيس فوكوياما» في الخطيئة نفسها، فيدعي نهاية للتاريخ يلقي فيها رحاله في ساحة الليبرالية الغربية متمثلة بأمريكا.. ثم ما يلبث هو نفسه، بعد أقل من عشر سنوات، أن يغيّر ويبدل في بعض قناعاته واستنتاجاته، لكي يؤكد لنا، كما تأكد لنا من مصائر المذاهب الثلاثة المشار إليها، أن الخبرة البشرية في الحقول الإنسانية خبرة نسبية، ضعيفة، متغيرة، وعاجزة تمامًا عن اكتشاف المطلق وبلوغ الحقائق النهائية. من أجل ذلك تنزلت الأديان.. من أجل أن تملأ هذه الفجوة في تاريخ المحاولات البشرية، وتضيء الصراط لكل الحيارى والضائعين، عبر منظومة من الحقائق الكلية والمطلقة، والتي لن يكون بمقدور الإنسان أن يحيط بها علمًا؛ لأنها من إرادة الله سبحانه وعلمه اللامحدود.

ومن أجل ذلك كان الإسلام، رغم مرور أربعة عشر قرنًا على نزوله، هو العقيدة الوحيدة القديرة على صياغة الحياة، أو إعادة صياغتها، بما يتوافق مع مطالب الإنسان والبشرية.

ومهما كرّت القرون، وتقلبت بالناس المذاهب والنظريات، فإن هذا الدين سيظل العقيدة الوحيدة الملائمة للإنسان والقادرة على خلاصه.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل