; من أوراق أخصائية اجتماعية: مسؤولية الأم تجاه أبنائها | مجلة المجتمع

العنوان من أوراق أخصائية اجتماعية: مسؤولية الأم تجاه أبنائها

الكاتب نادية البراك

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

مشاهدات 11

نشر في العدد 1028

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

زارتني زميلتي «طيبة»، وهي مدرسة معي في نفس المدرسة ذات يوم وقد علت محياها الهادئ علامة اكتئاب فسألتها في لهفة: خير يا أم خالد.. ما الأمر؟؟

تنهدت طيبة وهي تقول: أنتِ أخصائية المدرسة يانادية، وقد قصدتك اليوم في خدمة. خير إن شاء الله.

- هناك مشكلة تواجهني، وقد رأيت أن أطلب مساعدتك في هذا الأمر، ربما بحكم خبرتك في مجال وظيفتك تستطيعين مد يد العون إلي.

 أجبتها باسمة: ثقي أنني لن أتردد في مساعدتك. إذا كان بمقدوري ذلك.. أطرقت طيبة إلى الأرض قليلًا ثم رفعت رأسها وقالت: جرى نقاش حار بالأمس بيني وبين ابنتي «سجى» البالغة من العمر خمسة عشر عامًا.

- سجى كما عرفتها دومًا طفلة هادئة، ومطيعة لك.

عدلت طيبة من وضع الخمار على رأسها وقالت:

-ولازالت كذلك، لكنني سمعت منها بالأمس كلامًا غريبًا لم تقله لي من قبل، والأدهى من ذلك أن شقيقها «خالد» قد شاركها الرأي.

 تساءلت في اهتمام:

 ترى ماذا قالا لك، بحيث سببا لك كل هذاالاكتئاب؟

-رنت طيبة إلي في ألم وقالت: اسمعي يا نادية لقد كنت ولا أزال أمًا حريصة على تربية أبنائها تربية صالحة، أنا حريصة على أن يكونوا متفوقين في دراستهم يتحلون بأخلاق عالية أريد لهم أن يعرفوا بالأدب والعقل، لذا حرصت على توجيههم باستمرار نحو هذه الغاية.. كنت حريصة على تحقيق الهدف الذي كنت أسعى إليه وهو أن يكون لي أبناء يضرب بهم المثل في التفوق والأدب والخلق العالي النبيل وهاأنت قد شهدت لسجى ابنتي منذ قليل. ولست الوحيدة في ذلك فقد سمعت مثل شهادتك تلك عن جميع أبنائي من أهلي وصديقاتي.. ولا أكتمك سرًّا فقد كنت أسعد دومًا بما أسمع وهل هناك أم لا تسر حين تسمع مدحًا في أطفالها؟؟

 -إذا كان يسوءني أن أسمع ذمًا في أخلاقهم فها أنا أسعد بما أسمعه من مدح لهم وما العيب في ذلك؟؟

تساءلت بدوري:

- ومن قال لك إن في ذلك عيب؟؟ طبيعي أن تسري كأم بذلك.

قالت في أسى: لكن ما سمعته من سجى وخالد بالأمس مخالف لرأيك يانادية، لقد تألمت يا نادية والله لما سمعت منهما!! أهذا جزائي لحسن رعايتي وتربيتي لهما ولإخوتهما الصغار؟ هل من العدل أن الأم بدلًا من أن أشكر على المجهود الذي بذلته معهم جميعًا...

هدأت من ثورتها قائلة: هدئي من روعك وأطلعيني على ذلك الحوار الذي جرى بينكم، فأنت حتى الآن لم تخبريني بما قالت «سجى»، ووافقها عليه «خالد» شبكت كفيها في عنف وقالت في مرارة:

أتدرين بما اتهماني؟؟ صارحتني «سجي» في البداية على أنني حرصت على أن يشب أطفالي أطفالًا مثاليين كي يقال إنني أم مثالية وإنني أحسنت تربيتهم وإن اهتمامي هذا كان على حساب سعادتهما وهنائهما قالت لي: يا أمي أنت تفکرین دومًا بما تريدين أنت وليس بما نريد نحن كلامك  معي أوامر لا تنتهي، لا تفعلي هذا لا تقولي كذا .. لا تتصرفي هكذا.. دائما أوامر وتوجيهات لا تنتهي، لا مزاح، ولا عاطفة، ولا مرح، في علاقتنا بك.. فقط توجيهات بلا نهاية.

إنني يا أمي أدهش حين أسمع من زميلاتي في المدرسة أنهن يجلسن ليتحدثن مع أمهاتهن ويمزحن وكأنهن صديقات لهن إنني أفتقد مثل هذا الأمر في علاقتي بك يا أمي.. فأنت لا تمزحين ولا تتحدثين معي. إلا نادرًا وإن حدث هذا فهي توجيهات جديدة ليس إلا..

رفعت إلي طيبة عينين دامعتين وقالت: أترين هذا عدلًا يا نادية؟ بعد كل هذا الجهد الذي بذلته في تربيتها وإخوتها يوجه لي مثل هذا الاتهام؟ والأدهى من ذلك أن «خالد»، وافقها على ما قالته عندما سألته عن رأيه في كلام أخته.. عمري ووقتي وجهدي وأعصابي بذلتها من أجل هؤلاء الأبناء وفي النهاية أتهم بذلك الاتهام الشنيع!!

 مرت لحظات صمت قبل أن أسال طيبة في هدوء:

لكن ما رأيك في حقيقة الاتهام الذي وجه لكمن ابنتك؟ هل صحيح أنك في سبيل تحقيق هدفك والحصول على أطفال مثاليين كانت علاقتك بهم جافة تقتصر على الأوامر والتوجيهات فقط؟

ردت الأم في حيرة:

 لو فعلت غير ذلك لما شبوا بهذا المستوى الأخلاقي الرفيع الذي هم عليه الآن، أود أن أبين لك أمرًا يا نادية هو أنني أحب المثالية في كل أمر في نفسي وزوجي وأطفالي وفي خادمتي كذلك أحب الإتقان في جميع الأمور، لذا لا أسمح بأن أدخل غرفة أحد الأطفال فأجدها غير مرتبة أو أن يتشاجر أطفالي فيما بينهم أو أن لا يحافظ أحدهم على نظافة ملبسه.. نعم حرصت على أن أكون أمًا مثالية وأن يكونوا أطفالًا مثاليين وقد نجحت في ذلك كما أسمع في كل مكان أحل فيه، كنت أريد لهم الخير دومًا.. فهل ألام بعد كل هذا؟

ابتسمت في هدوء وقلت لها: هل سمعت عن داء المثالية، الذي يصيب بعض الآباء والأمهات؟

تساءلت في عجب: وهل هناك داء يسمى «المثالية» إنني لأول مرة أسمع بأن المثالية قد غدت داء!!

ضحكت قائلة:

-هي كذلك فعلًا مع بعض المربين فهم يريدون أطفالهم مثاليين في كل شيء. انظري لنفسك مثلًا فأنت لا تسمحين لطفلك أن يوسخ ملابسه أو أن يترك غرفته في فوضى أو أن يتشاجر مع أحد إخوته.. وهل يعقل ذلك يا طيبة؟ هذا طفل وليس بجهاز كمبيوتر يتلقى الأوامر فقط إنك باعترافك قد أقررت بخطأك وأعتقد أن كلام ابنتك فيه الكثير من الصحة فعلاقتك بهم كانت أوامر  وتوجيهات على الدوام وهذا خطأ.

 الطفل يجب أن يعيش عمره باعتبار أنه طفل وليس رجلًا رشيدًا. طبيعي أن تحرص الأمر على توجيهه وتهذيبه ولكن ليس على الدوام وفي كل حين ومكان. حتى الإنسان الراشد ينفر من كثرة التوجيهات أو النقد الذي وجه له ممن هم حوله كزملاء عمل أو غيره، هذا الطفل ياعزيزتي له مشاعر  وأحاسيس كالإنسان الراشد تمامًا.

قالت طيبة في استياء:

إذًا أنت ترين أنني كنت مخطئة في طريقة تربيتي لأبنائي، إنني في دوامة بعد كل هذا الجهد وكل هذه السنوات يتضح لي أنني كنت أمًا فاشلة!

لاطفتها قائلة:

 هوني عليك.. الأمر ليس بهذا السوء لا أحد ينكر الجهد والوقت الذي بذلته في تربية أبنائك لكن الحديث الذي سمعته من ابنتك وشقيقها بالأمس بحاجة منك إلى وقفة يا طيبة، فكري بهدوء فيما قالاه لك.. أنت تريدين السعادة لهم أليس كذلك؟

هتفت في حرارة: 

طبعًا.. طبعًا.. وهل أردت غير ذلك لكن «سجى» تتهمني أنني فعلت ما فعلت لأباهي بها أمام الآخرين والله يعلم أنني ما فعلت ذلك إلا من أجل الخير لهم جميعًا.

واسيتها قائلة:

هوني عليك يا عزيزتي وخذي الأمور بحكمة ليس العيب أن يخطئ الإنسان ولكن العيب أن يتهاون في إصلاح خطئه بعد أن عرفه، يبدو لي أنك في غمرة جهودك معهم نسيت أنهم في حاجة إلى حبك وعطفك وحنانك أكثر من أي شيء آخر.

هزت رأسها موافقة:

 أعترف أننى كنت أكثر من توجيهاتي وأوامري لهم، لكن ما حيلتي في ذلك أنا طبعي هكذا لا أحتمل رؤية الخطأ بتاتًا، لم أفكر بتقصيري عاطفيًا معهم اعتقدت أن ذلك نوع من التدليل الذي سوف يؤدي إلى إفسادهم. ما العمل الآن؟

 الحل سهل جدَّا بعد أن عرفنا مواطن الضعف ولن يأتي الحل بسرعة كما تتصورين بل يتطلب. جهدًا ووقتًا طويلًا، عليك أن تقللي من توجيهاتك يا أختي خصوصًا الثانوية منها اجلسي معهم لتتعرفي على مشاكلهم وهمومهم وحتى نوادرهم.

اكسري حاجز الهيبة بينك وبينهم واكسري حاجز الروتين في حياتك. أدخلي بعض التجديد عليها، تناسي ما سمعته من الآخرين حول مثالية أطفالك وضعي نصب عينيك سعادتهم بالدرجة الأولى أثبتي لابنتك أنك تريدين سعادتها أولًا وأن المدح من الآخرين لم يكن مقصدك في يوم ما.. تجاوزي عن بعض الهفوات البسيطة التي تصدر منهم، فمثلًا حين تتسخ ثياب أحدهم اطلبي منه أن يغيرها بهدوء دون عصبية أو ثورة أو أن تقومي بإلقاء خطبة على مسمعه في النظافة وأهميتها وكيفية المحافظة عليها لا يعني هذا أن تتركي البيت في قذارة وفوضى ولكن كما ذكرت لك حققي أهدافك بطريقة هادئة وسلسة وبهذا تسعدين ويسعدون..

اتكأت على مرفقها وقالت في شرود:

 يبدو أنك صادقة يانادية، فطريقتي في المثالية أخذت من جهدي وعصبيتي الكثير، أصبحت سريعة النرفزة لأقل هفوة تصدر منهم لقد اقتنعت بكلامك، لكن كيف أغير طبعي المحب للمثالية دومًا؟

تذكري أن تغيير الطبع ليس بالسهولة بمكان فهو يتطلب منك جهدًا ووقتًا واحتمالًا كبيرًا، لكن ما دمتِ عازمة على التغيير صادقة النية في ذلك فستصلين إلى هدفك بإذن الله. وأسألي الله تعالى أن يعينك على ذلك.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

إلى الأبناء..صرخة ألم

نشر في العدد 30

28

الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

تلك هي إحدى معجزات هذا الكتاب

نشر في العدد 2101

748

الثلاثاء 01-نوفمبر-2016

الأسرة .. خاطرة من أجل الأبناء

نشر في العدد 71

19

الثلاثاء 03-أغسطس-1971