; من علل العصر عند بعض المتدينين: الهروب من فقه الواقع | مجلة المجتمع

العنوان من علل العصر عند بعض المتدينين: الهروب من فقه الواقع

الكاتب أحمد محمد محمود

تاريخ النشر السبت 02-مارس-2013

مشاهدات 14

نشر في العدد 2042

نشر في الصفحة 54

السبت 02-مارس-2013

إذا رجعنا إلى التأصيل الشرعي الضرورة معرفة المسلم لأحداث الواقع الذي يعيش فيه، نجد قول الله تعالى: ﴿الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غليهم سيغلبون (3) في بضع سنين (الروم).

هذه الآية الكريمة أصل في معرفة الواقع الذي يعيش فيه المسلم، ولا غنى له عن التفقه فيه. إنها أحوال الزمان الذي يدور من حوله وتتبدل فيه حوادث الأيام، وتنصرم فيه السنون والأعوام. لماذا جاء هذا الخبر الإلهي إلى المسلمين حينما كانوا في مكة قبل الهجرة.. وهم يعيشون أقسى ألوان القهر والأذى من المشركين؟ أليس الله بأحكم الحاكمين؟ هل هذا الأمر صدفة كلا والله إنها الحكمة البالغة فإن فيها:

- تسلية لهم . وإطلاعهم على واقع الأمم والمجتمعات التي حولهم.

 - عدم فصل السياسة عن الدين.

- بث روح الأمل، فكما بشرناكم بانتصار الروم في المستقبل، فكذلك أنتم.. والله تعالى أعلم

. وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم  حريصاً على إخبار أصحابه رضي الله عنهم على وقائع الأمم التي قبلهم والمعاصرة لهم.

كما في قوله صلي الله عليه وسلم  : إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها. وهذا الحديث أيضا يطلع فيه النبي صلي الله عليه وسلم  أصحابه على الواقع الاجتماعي والسياسي والقوانين المتبعة لدى الأنظمة الطاغية.

 فما وصل أصحابه وفي مقدمتهم الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم إلى ما وصلوا إليه إلا وقد أحسن رسول الله صلي الله عليه وسلم  في تعبئتهم وتحصينهم في كل النواحي التي تؤهلهم الريادة الأمة الخالدة ذات الرسالة الخاتمة ومن أهم تلك النواحي فقه الواقع. وفي هذا العصر يعيش أفراد من المسلمين -لا أقول من العامة بل حتى من الخاصة- على هامش الأحداث، وخاصة الأحداث المتلاطمة فلا دراية لهم بالشرق ولا بالغرب.

وهذه في حد ذاتها وإن كانت علة من علل العصر، ولكن العلة التي هي أقسى من الحمى أن يتحول هذا المسلم المتهمش إلى متعالم يناطح عمالقة هذا الميدان الكبير وقد يقف كحجر عثرة في طريق سير الصحوة الإسلامية، ويتخبط في مفهوم الولاء والبراء، ولا تجني الأمة منه سوى التبلد والتنطع.

وقد عاصرت من كان يتقن تعليمنا أحكام الشريعة، ويعيشنا في جو مليء بفنون العلم الشرعي، إلا أنه أسدل على عقولنا أشبه بغطاء عازل عن أحوال المسلمين حتى تنصرف من مجلسه، فتبقى آثار ظلام ذلك الغطاء في عقولنا، حتى يقرعنا خطيب أو محاضر أو شخص عارف مطلع، فيفاجئنا بالأحوال العصيبة والأخطار المحدقة من حولنا، أو من خلال الاطلاع في بعض المجلات الصادقة، لنعرف واقع أمتنا المرير وسبل علاجه. وقد اطلعت على بعض ما كتبه علماء المملكة العربية السعودية الذين كانوا في السبعينيات من القرن الميلادي الماضي: مثل الفقيه المفسر الشيخ عبد الرحمن السعدي وكذا الشيخ صالح البليهي يرحمهما الله تعالى، فإن لهما متابعات ومشاركات متصلة بواقعهم والأوضاع الراهنة آنذاك، وكان كذلك من علماء الكويت الفقيه المفسر الشيخ عبد الرحمن الدوسري يرحمه الله تعالى الذي كان له متابعة لمخططات الصهيونية والماسونية ونقد العلمانية والقومية. وكتب هؤلاء في ذلك الصدد مطبوعة ومنشورة، كما توجد للشيخ الدوسري أشرطة مسجلة.

وقد خاض غمار هذا الميدان الكبير ثلة من أئمة الدعوة في عصرنا، وتحملوا بسبب ذلك ألوانا من الأذى كالشيخ عبد الحميد كشك والشيخ حسن أيوب والشيخ محمد قطب والشيخ طايس الجميلي والشيخ أحمد القطان والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، مما يحضرني ذكرهم، وأمثالهم كثر. رحم الله أمواتهم وحفظ لنا الأحياء، آمين... والله المستعان 

الرابط المختصر :